رَمَتْنِي فِي صَرْفِهَا اللَّيَالِي ** كَأِّنِي وَالدَّهْرُ فِي قِتَالِ(١)

وَلاَ أُبَالِي الْخُطوبَ تَتْرَى ** وَمْثِلي بِالْحَرْبِ لاَ يُبَالِي(٢)

أَلِفْتُهَا يَوْمَ كُنْتُ طِفْلاً ** دَرِيئَةَ السُّمْرِ وَالنِّبَالِ(٣)

وَهَا أَنَا اليَوْمَ صِرْتُ كَهْلاً ** وَمَا اشْتَكَى القَلْبُ مِنْ كَلاَلِ(٤)

أَقولُ يَا نَفْسُ إِنَّ عَيْشَ الْـ ** ـفَتَى وَإِنْ طَالَ لِلزَّوَالِ

لَكِ بِخَيْرِ الوَرَى اعْتِبَارٌ ** وَإِسْوَةُ العِزِّ وَالْمَعَالِي

مَا مِثْلُهُ فِي الأَنَامِ قَاسَى ** مَا ذَاقَ مِنْ أَفْضَعِ الوَبَالِ(٥)

فَتَارَةً قَالوا: ذَا كَذوبٌ ** وَسَاحِرٌ وَهْوَ ذُو خَبَالِ(٦)

كَمْ حَجَرٍ صَابَهُ فَأَدْمَى ** مِنْ أَخْمَصِ الرِّجْلِ لِلْقَذَالِ(٧)

رَمَوْهُ بِالْفَرْثِ وَهْوَ يَدْعو ** فِي أُمَّةِ الْكُفْرِ وَالضَّلاَلِ(٨)

وَبِنْتُهُ الطُّهْرُ وَهْيَ تَأْسُو الْـ ** ـجِرَاحَ وَالدَّمْعُ كَاللَّئَالِي(٩)

وَحَيْدَرٌ كَانَ نِعْمَ عَوْنَاً ** فِي سَاعَةِ الرَّوْعِ وَالنَّكَالِ(١٠)

رَبِيتُ طَهَ النَّبِيِّ حَامَى ** عَنْ أَحْمَدٍ أَوَّلَ الأَوَالِي

إِذْ كَانَ بِالْمُصْطَفَى قَرِينَاً ** وَالنَّاسُ وَالشِّرْكُ فِي عِقَالِ(١١)

قَدْ عَاشَ فِي حِجْرِ خَيْرِ رَاعٍ ** بِأَمْثِل القَوْلِ وَالفِعَالِ

وَكَانَ يَغْذوُهُ فِي حِرَاءٍ ** بِالعِلْمِ فِي أَكْرَمِ الْخِلاَلِ(١٢)

أَسْلَمَ قَبْلَ الوَرَى جَمِيعَاً ** وَجَاءَتْ النَّاسُ فِي التَّوَالِي

لَمْ يَدْخُلِ الدِّينَ بَعْدَ شِرْكٍ ** بَلْ كَانِ بِالدِّيِن فِي اتِّصَالِ

فَكَانَ جَيْشَ النَّبِيِّ فرداً ** فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ وَالنِّزَالِ(١٣)

قَدْ بَاتَ يَفْدِي النَّبِيَّ رُوحَاً ** لاَ يَخْتَشِي البِيضَ وَالعَوَالِي(١٤)

وَحَوْلَهُ الأُسْدُ وَهْوَ غَافٍ ** فِي مَضْجَعِ الْمَوْتِ بِابْتِسَالِ(١٥)

أَسْلَمَ لِلْمَوْتِ لاَ يُبَالِي ** وَدَائِبُ الفِكْرِ فِي اشْتِغَالِ

أَنْ يُدْرِكَ الأَمْنَ خَيْرُ هَادٍ ** مِنْ بَطْشَةِ اللُّدِّ بِاغْتِيَال(١٦)

فَدَاهُ بِالنَّفْسِ كَيْ يُقِيمُ الْـ ** هُدَى عَلَى السَّهْلِ وَالْجِبَالِ

لَقَدْ بَرَا اللهُ نُورَ طَهَ ** خَلْقَاً بِلاَ شِبْهَ أَوْ مِثَالِ

فَسَائِرُ الْخَلْقِ مِنْ تُرَابٍ ** وَخَاتَمُ الرُّسْلِ مِنْ لَئَالِ(١٧)

كَمْ ظَهَرَتْ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ ** تُعَدُّ بِالنَّجْمِ وَالرِّمَالِ

لاَ تَبْلُغُ الْحَصْرَ فِي كِتَابِ ** فَكَيْفَ لِلشِّعْرِ مِنْ مُحَالِ؟(١٨)

وَقَبْلَ أَنْ يُولَدَ الْمُصَفَّى ** وَبَعْدَ مِيلادِ ذِي الْمَعَالِي

بَدَتْ تُرِي النَّاسَ أَنْ سَيَأْتِي ** لِيُنْقِذَ الخَلْقَ مِنْ ضَلاَلِ
..
خَاتِمُ رُسْلِ الإِلَهِ لَكِنْ ** وَاسِطَةُ العِقْدِ فِي الكَمَالِ(١٩)

نِيرَانُ كِسْرَى خَبَتْ وَلَمَّا ** تَزَلْ مِنْ قَبْلُ فِي اشْتِعَالِ(٢٠)

وَالطَّاقُ مِنْ هَيْبَةٍ تَشَظَّى ** نِصْفَيْنِ فَالرَّسْمُ غَيْرُ بَالِ(٢١)

وَسَاوَةٌ غَاضَ مِنْهَا مَاءٌ ** يَمورُ وَالْمَوْجِ كَالْجِبَالِ(٢٢)

وَأَنْجُمُ الأُفْقِ حِينَ غَارَتْ ** تَحَيَّرَ النَّاسِ بِانْذِهَالِ

وَأُمُّهُ الطُّهْرُ قَدْ رَأَتْ مَا ** يَضِيقُ بِالوَصْفِ فِي مَقَالِ

أَضَاءَ بِالنُّورِ كُلَّ فَجٍّ ** وَفَاضَ فِي رَحْبَةِ الْمَجَالِ(٢٣)

قُصُورُ بُصْرَى غَشَاهَا حَتَّى ** أَحَالَ مِنْ وَمْضِهِ اللَّيَالِي(٢٤)

وَمَا اشْتَكَتْ مُثْقِلاَتِ حَمْلٍ ** وَارِفَةُ العَيْشِ وَالظِّلاَلِ(٢٥)

حَتَّى أَتَى الوَعْدُ فَازْدَهَاهَا الْـ ** ـمَخَاضُ فِي أَيْسَرِ اعْتِمَالِ(٢٦)

تَقُولُ يَا بُشْرَى ذَا غُلاَمٌ ** كَأَنَّهُ الْبَدْرُ فِي اكْتِمَالِ

هَوَى إِلَى الأَرْضِ فِي سُجُودٍ ** للهِ ذِي الفَضْلِ وَالْجَلاَلِ

فَالأَرْضُ فِي حَادِثٍ مُرِيعٍ ** وَالْمَلَكُ الأَعْلَى فِي احْتِفَالِ(٢٧)

لِمَوْلِدِ الْحَقِّ فِي رَسُولٍ ** مُحَمَّدٍ أَحْمَدِ الْخِصَالِ

صَلُّوا عَلَى المْصُطَفَى الْمُفَدَّى ** وَآلِهِ الطُّهْرِ خَيْرِ آلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(١)- صَرْفُ اللَّيالي: تقلُّبات الزمانِ ونوائِبُهُ.
(٢)- الخُطوب: واحدها الخطْبٌ وهي المصائب والمصيبة.
(٣)- الدَّرِيئَةُ: حَلْقَة أَو دائرة يُتعلَّم عليها الطعن بالرمح والرَّمي بالنبال. السّمر: الرماح.
(٤)- كلال: ملل.
(٥)- الْوَبَالُ: الشدّة والضيق. ويقال أمرٌ وَبيلٌ : شديدٌ عسير.
(٦)- الخَبَالُ: اختلالُ العقل.
(٧)- أَخْمَصُ الرِّجْلِ: القَدَمُ أو بَاطِنُهُ. الْقَذَالِ: قَذَالُ الإِنْسَانِ هو مَا بَيْنَ الأُذُنَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرَةِ الرَّأْسِ.
ويقال عند إرادة الشُّمول: مِنْ قِمَّة رأسه إلى أخمَص قدمه: مِنْ اليافوخ إلى إصْبَع القدم.
(٨)- الفَرْثُ: بَقِيَّةُ الطَّعَامِ الرَّاسِبِ فِي الكَرِش والكِرْشُ وهي للحيوانات المجترّة، بمثابة المعدة للإنسان.
(٩)- يأْسو الجرْحَ: يداويه ويعالجه.
(١٠)- الرَّوْعُ: الخوف. النَّكَالُ: العذاب والمحنة وأكثر ما يُحتاج إلى العون يكون في ساعة الشدة.
(١١)- العِقَالُ: ما يُربَطُ بِهِ الشّيء.
(١٢)- يَغْذوُهُ: يُغَذّيه.
(١٣)- الْحَوْمَةُ: الساحة ومنها حومة الحرب.
(١٤)- البِيضُ: السّيوف. العَوَالِي: الرِّماحُ.
(١٥)- الإبْتِسَال: هنا الإستسلام للموت.
(١٦)- اللُّدُّ: المبالغون في عداوتهم.
(١٧)- اللَّئَال: اللؤلؤ.
(١٨)- الكتاب قد يكون من أجزاء لا حصر لها. الْمُحَالُ: الأمر المستحيل.
(١٩)- وَاسِطَةُ العِقْدِ: الْجَوْهَرَةُ الكَبِيرَةُ وَسَطَ العِقْدِ أي القِلاَدةُ.
(٢٠)- خَبَتِ النَّارُ: انطفأت.
(٢١)- الطَّاقُ: إيوان كسرى. تشظّى: انْشَقَّ. الرَّسْمُ: الأَثَرُ. غير بَالِ: ماثلٌ لم يذهب أثره.
(٢٢)- ساوة: بحيرة ساوة وقد غاض ماؤها انفعالاً لمولد نبي الرحمة وهذا من عظم خطر المولود
وعظيم مكانته صلى الله عليه وآله ولله في ذلك حكمة خفيت على الناس.
(٢٣)- الفَجُّ: الْمَكانُ البَعيدُ. الرَّحْبَةُ: الْمُتَّسَع ُمِنَ الْمَكَانِ وَرِحَابُ الفَضَاءِ: رُقعتُهُ الْمُتَرَامِيَةُ الأطْرَافِ.
الْمَجَالُ: الفضاءُ ومنه المجال الجوّي.
(٢٤)- قُصُورُ بُصْرَى: قصور مدينة بصرى في أرض الشام وفي الرواية التي ذكرتها السيده
آمنة بنت وهب عليها السلام حيث قالت انها حين وضعت نبينا عليه وعلى آله الصلاة والسلام
خرج لها نور أضاء لها قصور بصرى من أرض الشام. ( وهي في مكة المكرمة).
أحال: حوّلها من الظلام إلى الضياء.
(٢٥)- مُثْقِلاَتُ الحَمْلِ: ما تحسُّ به المرأة من الألم والمعاناة نتيجة الحمل.
(٢٦)- الإعْتِمَالُ: الإهتِمامُ فلم تهتم سيدتنا آمنة عليها السلام بالحمل لخفة ثقله على أمه
وهذا عندي أول البرّ منه بأمّه صلوات الله عليه وآله.
(٢٧)- الحَادِثُ المُرِيعُ: الأحداث المخيفة المَهولة. وَالْمَلَكُ الأَعْلَى: الملائكة الكرام قال تعالى:
{وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا}. وهم في احتفال بميلاد سيد البشرية الرحمة المهداة صلى الله عليه وآله.