< الفوضى ومسألة الهلال،ووظيفة الفقهاء في حلّ المشكلة الاجتماعيّة القائمة >


(الفقهاء وفوضى إثبات هلال العيد؟!)

سماحة العلامة الشيخ حيدر حب الله :

سؤال: ذكرتم في مقالةٍ لكم بعنوان: الحاكم الشرعي ودوره في إدارة عملية الجهاد: (كلّ حكم شرعي إذا أوكلته إلى آحاد المكلفين يلزم منه الهرج والمرج، لا يكون تحديده الموضوعيّ ـ بمعنى تحديد ملابسات الحكم ميدانياً ـ بيد الناس، بل بيد شخص آخر، وكلّ حكم لا يلزم من إيكاله للآحاد من الناس ذلك، يكون شأنه راجعاً للمكلّف نفسه؛ لعدم وجود دليل على ولاية أحد على المكلّفين في أمر التطبيق فيه. وربما تكون هذه القاعدة متفقاً عليها). والسؤال: ماذا عن مسألة هلال العيد؟ هل يلزم منها الهرج والمرج أم شأن الهلال راجع للمكلّف نفسه؟ (أحمد، السعودية).

جواب:

حتى الآن ليست مسألة الهلال من هذا النوع؛ لأنّ المقدار المتيقّن من المراد من لزوم الهرج والمرج هو حالة الفوضى التي تفيد اختلال النظام العام لحياة الناس، كما في مثل خوض حرب أو قتال مع جهة معيّنة، أو نحو ذلك. أمّا حادثة الهلال التي يبتلي بها الناس عادةً يوماً واحداً في السنة وهو يوم عيد الفطر (إذ الموارد الأخرى كليالي القدر وبداية شهر رمضان والحجّ وأمثال ذلك تبقى أكثر يُسراً)، فهي قضيّة شخصيّة لا يلزم من عدم إيكالها للحاكم وقوع فوضى واضطراب في البلاد وبين العباد. نعم لا شكّ أنّها باتت تُحدث إرباكاً اجتماعياً بدرجة معيّنة، كما ومن الواضح أنّ تبسيطها إلى حدّ الاستخفاف بتأثيراتها الاجتماعية غير صحيح، خلافاً لما يحاوله بعض الناس، لكنّ هذا لا يعني مسألة اختلال النظام العام. فما ذكرتُه في مقالتي المتواضعة هناك في سياق البحث عن مسألة الجهاد يختلف عن هذه الحال هنا. فموضوع الهلال ينبغي التعامل مع تأثيراته الميدانية دون تبسيط ولا تهويل.

لكن الشيء الذي تتعزّز القناعة به يوماً بعد آخر هو أنّ الفقهاء والمجامع الفقهيّة ومراجع الدين باتوا يتحمّلون جزءاً من المسؤوليّة في هذا الصدد، بسبب الإرباكات التي تتسبّب بها حالة اختلاف الفتاوى بين الفقهاء، فضلاً عن الاختلافات في التطبيقات فيما بينهم تارةً، وفيما بين الناس أخرى أيضاً، فأيّ مانع من أن يتوافق كبار الفقهاء ممّن يملكون غالبيّة الجمهور المتديّن على مستوى التقليد، ويقرّروا ـ بالعنوان الثانوي ـ تسليم مهمّة البتّ في هذا الموضوع لفقيهٍ معيّن أو لمجلس فقهي معيّن، يحيط بهما فريق عمل كبير من الخبراء والمتابعين، ولو كان ذلك بحيث لا يفتي هؤلاء الفقهاء الكبار في هذه المسألة (بل يتركونها للاحتياط الوجوبي مثلاً)، بما يسمح للناس بالعودة لذلك الفقيه أو لذلك المجلس الموكلة إليه مهمّة متابعة هذا الموضوع والإعلان عنه سنويّاً، بل شهريّاً، فكما لا يفتي الكثير من الفقهاء والمراجع في موضوعات كثيرة، بل يصوغون بياناتهم الفقهيّة بصيغة الاحتياط الوجوبي التي تفسح للمكلّف من إمكانية تقليد غيرهم، كذلك الحال هنا، بل قد يمكنهم المداورة في هذا الموضوع ضمن صيغة تنظيميّة معيّنة لا يبدو من الصعب تقديم تخريجات فقهيّة لها.

بالفعل، أعتقد بأنّ اختلاف الفقهاء حيث كان مسؤولاً عن هذا الوضع بدرجة ليست بالقليلة، فإنّ هذه المسؤوليّة تطالهم في أن يخفّفوا عن الناس هذه الفوضى الاجتماعيّة التي تُربك حركة الأسر والعوائل كلّ عام، ومن ثم من أراد بعد ذلك شخصيّاً أن يحتاط أو له رؤية خاصّة من الناس فهذا أمر آخر يبقى حالة محدودة، والمهم تجاوز الحالة العامة المربكة هذه.

أعرف أنّ هذا الكلام كلّه كلامٌ نظريّ، والقضيّة أبعد من التخريجات الفقهيّة والحلول الاجتهادية لمسألة من هذا النوع، وأنّ جوهر الموضوع يرجع إلى طبيعة التعقيدات الميدانية القائمة في شبكة العلاقات بين التيارات الدينية والسياسيّة ورموزها الفقهيّة في الساحة اليوم، لكن هي كلمة كان من المناسب أن تُقال.



لمزيد من الحوارات، زوروا الموقع الإلكتروني: http://hobbollah.com/