سلام عليكم كنت قد قرأت ذات مرة هنا في هذا المنتدى من يسأل عن هذا البيت الشعري وما سبب قوله لكن تبين لي أنه مغلوط وإنما أصله ليس كما ورد :::: هذا خطأ

شَكَونا لهم أحزاب العراق === فعابوا علينا لحوم البقر
فكانوا كما قيلَ فيما مضىِ === أُريها السُهى وتريني القمرْ
------
الصحيح
شَكَوْنَا إِلَيْهِ خَرَابَ السَّوَادِ +++ فَحَرَّمَ فِينَا لُحُومَ البَقَرْ

فَكَانَ كَمَا قِيلَ مِنْ قَبْلِنَا+++ أُرِيهَا السُّهَا وَتُرِينِي القَمَر

وهذه هي القصة وما فيها :: زمانها ووقتها العراق في زمن الحجاج أبن يوسف الأموي حاكم العراق آنذاك
لغير الله شكوى لا تكون، ولو كانت إلى ذي قلب حنون، لكنَّه ضعْف البشر؛ تُصِيبهم الفاقَة فيَظنُّون الحلَّ عند أصحاب المال، وتَنالُهم الحاجات فيَسأَلون الحكَّام قَضاءَها، وهو أمرٌ قديم قِدَمَ الغِنَى والفقر، وقِدَم الحاكم والمحكومين، والأمير ورهطه، والملك ومملكته، والحاكم ومحكوميه، هم في الحقيقة سواء، فكلُّهم أصحاب حاجات وإنْ أعطوا وإنْ أخَذُوا، ولا يُعقَل أنْ يُصبِح صاحب الحاجة معطيًا مطلقًا وإنْ أعطى، فهو وإنْ أعطى يُعطِي ممَّا أخَذ.

أصابت أهلَ السَّواد الحاجةُ، وقَلَّ عندهم مردودُ الأرض، فقالوا: إلى الأمير نتوجَّه، ومَن يكلِّم الأمير؟
مَن يجرؤ أن يكلَّم الأمير؟
إنَّه فلان... نديمه.
لا بل فلان.

ثُمَّ استقرَّ الرأي أنْ يذهبوا جميعًا إليه، وفدٌ كاملٌ بلغة العصر، وصَلُوا إلى فسطاطه وقالوا بعد السلام والإذن ومراسم الدُّخول: دامَ فضلُك، لنا حاجةٌ نَوَدُّ قضاءَها، قلَّت المواسم وكِدنا لا نجني من أرضنا قفيزًا ولا إردبًّا، وكادت ألاَّ تعطي دينارًا ولا درهمًا؛ فقد ساء الحرث.

إنِّي أتَفَهَّم حاجتكم، ولكن اشرَحُوا لي الأمر، فقال في نفسه: وكيف تقلُّ المواسم إذا قَلَّ الحرث وتَكثُر إذا كَثُرَ الحرث؟ وكيف يَكثُر الحرث إذا كثرت لوازمه؟

وكانوا يحرثون أرضهم على البقر، فقال في نفسه: يجب أن يَكثُر البقر.

شرَح الوفْد حاجته وأطنَبُوا في شرْح المسألة، وعَد الأمير بالحل وهو يحسبها حسابًا لم يثقله.

توجَّه إليهم قائلاً: غدًا تَعرِفون الحلَّ، ظنَّ القوم أنَّ الحجَّاج أميرَهم سيُصِيبهم بأعطياته، فتدفن حاجاتهم، وتسعد حياتهم، فقد يدعوهم غَدًا للعَطايا والهِبات، لكن الطبل سارَ في إمارته وسار معه مبلغ السلطان بأَمْرِ الأمير ينشُر في كلِّ زاويةٍ ومكان، في القُرَى وفي البلدان، وليُعلِم الشاهد فيكم الغائب: قرَّر مولانا الأمير منْع ذبْح البقر في الريف والحضر، وكل مَن يُخالِف يُعاقَب عقوبةً بالغة، ومَن يُخالِف الأمير وقد دانَتْ له العِراق وقد عصيت على غيره، حتى دانَ له ما حوْل إمارته قدر إمارته وأكثر، وكيف يُخالِفونه وهم يعلَمون أنَّه يتطلَّع إلى الرُّؤوس في العِقاب، ولا يرى في غيرها مُؤدِّبًا ووازِعًا؟
رصَد شاعرٌ أديبٌ ما حَلَّ به وبقومه، فأوجز ذلك في بيتَيْن حفظ فيهما الواقعة، وأثبت فيهما حدوثها وذكر الحل الذي قدَّمَه الحجاج.

قال الشاعر:
شَكَوْنَا إِلَيْهِ خَرَابَ السَّوَادِ

فَحَرَّمَ فِينَا لُحُومَ البَقَرْ

فَكَانَ كَمَا قِيلَ مِنْ قَبْلِنَا

أُرِيهَا السُّهَى وَتُرِينِي القَمَرْ

وشبه هذه الحالة بمَثَلٍ في العربيَّة شاعَ على الألسن، وقصته في كتب الأدب مذكورة: "أريها السهى وتريني القمر"، وهو مَثَلٌ يُضرَب لِمَن يُغالِط في الأمور، وأكثر مَن يُغالِط أمثال الحجّاج ممَّن ملَكُوا رِقاب الناس، لا الفقر يخشون ولا الفاقَة، وكلُّ أمرٍ إذا هوَّنُوه هان، ولو تحوَّل إلى هزءٍ وسخرية، والمَثَل موجودٌ في كتب الأمثال.
السهى = اسم نجم في السماء كما الثريا