النبيل والشجاع والشاعر الفذ الذي لايدانيه شعرا وسحرا مهما بلغ الشعراء من فذلكة الكلام وبلاغة المعنى فهو الأشعر على مدى العصور السابقة واليه ينتهي الشعر أنه الفارس والهمام أبا فراس الحمداني رحمه الله ولا أنكر اعجابي به من فروة الرأس حتى أخمص قدميّ، كيف لا وهو من عاصر جهابذة الشعر وعلى رأسهم المتنبي، لكن حقد بني العباس عليه صيّروا أقلهم شعرا ومدحا لإهل بيت النبوة عليهم السلام( وقال طه حسين ان الشعر بدأ بملك وانتهى بأمير) جعلوا غيره اميرا وشاعراً للشعراء غيره، يطول الحديث عن هذه الشخصية الراقية بنبلها وشاعريتها المتفتحة والراقية، عندما بلغه ان المتزلفين من الشعراء لبني العباس هجوا أئمة الهدى عليهم السلام فانبرى لهم هذا الهمام قاصدا بغداد عاصمتهم ومعه فرسان شاهرين سيوفهم وأنشد هذه الأهزوجة التي قل نظيرها، الى القصيدة
الدين مخترم والحق مهتضم *** وفئ آل رسول الله مقتسمُ
والناس عندك لا ناس فيحفظهم ****سوم الرعاة ولا شاء ولا نعمُ
إني أبيت قليل النوم أرقني** *قلب تصارع فيه الهم والهممُ
وعزمة لا ينام الدهر صاحبها *** إلا على ظفر في طيه كرمُ
يصان مهري لامر لا أبوح به **** والدرع والرمح والصمصامة الخذمُ
وكل مائرة الضبعين مسرحها **** رمث الجزيرة والخذراف والعنمُ
وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا **** يوما ورأيهم رأي إذا عزموا
يا للرجال اما لله منتصف **** من الطغاة؟ أما لله منتقم؟
بنو علي رعايا في ديارهم **** والامر تملكه النسوان والخدم
محلؤون فأصفى وردهم وشل *** عند الورود وأوفى شربهم لمم
فالارض إلا على ملاكها سعة **** والمال إلا على أربابه ديمُ
فما السعيد بها إلا الذي ظلموا *** وما الغني بها إلا الذي حرموا
للمتقين من الدنيا عواقبها *** وإن تعجل فيها الظالم الاثم
لا يطغين بني العباس ملكهم **** بنو علي مواليهم وإن رغموا
أتفخرون عليهم لا أبا لكم * حتى كأن رسول الله جدكم
وما توازن يوما بينكم شرف **** ولا تساوت لكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل **** ولا لجدكم مسعاة جدهم
ولا لعرقكم من عرقهم شبه **** ولا نثيلتكم من امهم أمم
قال النبي بها يوم الغدير لهم **** والله يشهد والاملاك والامم
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها *** باتت تنازعها الذؤبان والرخم
وصيروا أمرهم شورى كأنهم **** لا يعلمون ولاة الحق أيهم
تالله ما جهل الاقوام موضعها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس ملكهم **** ومالهم قدم فيها ولاقدم
لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا **** ولا يحكم في أمر لهم حكم
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه*** أهلا لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هم يدعوها غير واجبة؟ **** أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا؟
أمّا علي فقد أدنى قرابتكم **** عند الولاية إن لم تكفر النعم
أينكر الحبر عبد الله نعمته *** أبوكم أم عبيدالله أم قثم؟!
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن *** أباهم العلم الهادي وامهم
لابيعة ردعتكم عن دمائهم *** ولا يمين ولا قربى ولا ذمم
هلا صفحتم عن الاسرى بلا سبب *** للصافحين ببدر عن أسيركم
هلا كففتم عن الديباج سوطكم **** وعن بنات رسول الله شتمكم
ما نزهت لرسول الله مهجته *** عن السياط فهلا نزه الحرم
ما نال منهم بنو حرب وان عظمت *** تلك الجرائر إلا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة *** وكم دم لرسول الله عندكم
أأنتم له شيعة فيما ترون وفي *** أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
هيهات لاقرّبت قربى ولا رحم *** يوما إذا أقصت الاخلاق والشيم
كانت مودة سلمان لهم رحما *** ولم تكن بين نوح وابنه رحم
يا جاهدا في مساويهم يكتّمها *** غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت***
عن ابن فاطمة الاقوال والتهم
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا *** مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته *** وابصروا بعض يوم رشدهم وعموا
يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت *** ومعشرا هلكوا من بعد ما سلموا
لبئسما لقيت منهم وإن بليت *** بجانب الطف تلك الاعظم الرمم
لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا *** ولا الهبيري نجا الحلف والقسم
ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا *** فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا
أبلغ لديك بني العباس مألكة ***
لا تدّعوا ملكها ملاكها العجم
أي المفاخر أمست في منازلكم*** وغيركم آمر فيها ومحتكم
أنى يفيدكم في مفخر علم؟ *** وفي الخلاف عليكم يخفق العلم
يا باعة الخمر كفوا من مفاخركم *** لمعشر بيعهم يوم الهياج دم
خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا *** يوم السؤال وعمالين إن علموا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا ***
ولا يضيعون حكم الله إن حكموا
تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا*** * وفي بيوتكم الاوتار والنغم
إذا تلوا آية غنى إمامكم *** قف بالديار التي لم يعفها قدم
منكم عُلية أم منهم؟ وكان لكم * شيخ المغنين إبراهيم أم لهم؟

ما في بيوتهم للخمر معتصر *** ولا بيوتهم للشر معتصم
ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم *** ولايرى لهم قرد له حشم
الركن والبيت والاستار منزلهم *** وزمزم والصفا والحجر والحرم
صلى الإله عليهم أينما ذكروا *** لأنهم للورى كهف ومعتصم
وليس من قَسَم في الذكر نعرفه *** إلا وهم -دون شك- ذلك القَسَم