قصة :
بأملاء السيدة فوزية الاركوازي

كان لي من الاولاد ثلاثة ومن البنات اربعة ولم يكن لنا مصدر نعتاش به غير الراتب الشهري لزوجي العامل في دائرة الري وفي يوم من ايام محرم الحرام وكما هو المعتاد قام زوجي بأرتداء القميص الاسود حدادا على ماجرى للائمة الاطهار في واقعة الطف الاليمة وفي ساعة من ساعات الدوام الرسمي جاء مراقب العمل الى مكان عمل زوجي وعندما رأى قميصه الاسود سأله مستفسرا عن سبب ارتداءه للاسود فأجابه زوجي بأن اليوم هو الثالث من محرم الحرام ولا داعي للاستغراب فهذا هو ديدننا ومنذ ان وعينا على الدنيا ونحن نرى ابأئنا واجدادنا يتوشحون بالسواد من اليوم الاول من محرم الى العشرين من شهر صفر حيث اربعينية الامام الحسين ع , فقال له مراقب العمل انك تتحدى الحزب والثورة بكلامك هذا لان الدولة منعت هذه المظاهر وانت رغم ذلك تصر عليها , فقال له زوجي بأن هذه المظاهر لايمكن ان تمنع بجرة قلم لانها متأصلة تأصل الروح من الجسد .
ولما عاد زوجي من عمله سرد عليَ ماجرى وبهذا التفصيل الذي ذكرته وامانة الله ورسوله على كل كلمة وبعد يومين من هذه الحادثة جاء اخي ليخبرني بأن الامن قد القوا القبض على زوجي واخذوه من عمله , فما كان مني الا ان حملت نفسي وذهبت الى زوجة مدير امن القضاء وتوسلتها بأن يطلقوا سراح زوجي وكانت قد تعاطفت معي لشدة بكائي ونحيبي عندها , وانتظرت الى ان عاد زوجها الى البيت فأخبرته بأمري فقال لها ائتيني بها فلما دخلت قال لي يمكنني مساعدتك ولكن بشرط واحد قلت وما هو قال ان تسجلي بيتك بأسم زوجتي والا فلن يعود لكي زوجك ابدا لانه متهم بقضية الترويج لحزب الدعوة وانت تعلمين عقوبة هذه القضية فقلت له ومن دون تردد من صباح الغد انا مستعدة ان اسجل البيت بأسم زوجتك فقال اذن اتفقنا وبعد اكمال الاجراءات سيعود زوجك الى البيت , ومن الصباح خرجت وذهبت انا وزوجته الى دائرة الطابو واجرينا معاملة بيع بيتي الذي ورثته من ابي وبعد ان اكتملت المعاملة استغرق الامر اسبوع لم يعد زوجي فذهبت استفسر منه وبحضور زوجته , انهال عليَ بالشتائم وهددني بأن لا اعود الى هذا الموضوع والا فأني سوف اتبع زوجي , فخرجت من بيتهم والدنيا قد اسودت امامي ولم اعرف ماافعل فذهبت الى بيت اخي وسردت عليه الموضوع فقال احتسبي امرك الى الله لقد ضاع كل شيئ فما عليك الا ان تهتمي بأولادك والله سيكون في عونك خرجت من بيت اخي وقررت ان انتحر فرجعت الى البيت وجهزت النفط ودخلت الى الحمام لاحرق نفسي وفي اخر لحظة دخل علي اصغر اولادي وطلب مني ان اخرج الزجاجة التي دخلت في رجله اثناء اللعب فكان هذا سببا في الرجوع عن ما قررته , وفي اليوم التالي ذهبت الى موظفه في دائرة الطابو لاخبرها بالامر فتألمت كثيرا وقالت لايمكنني فعل اي شيئ لان البيع قد تم وفق الاصول .
وفي اليوم التالي ذهبت واشتريت تنور كبير لاجل ان ابيع الخبز واعيل عائلتي وبقيت لاكثر من عام وانا ابيع الخبز الى ان جاءتني بنتي الصغرى لتخبرني بأن الامن قد اعتقل بنتي الكبرى من المدرسة فذهبت مسرعة الى المدرسة لافهم قضية ابنتي فقالت لي احدى مدرساتها بأنها رفضت ان تشارك في احدى الفعاليات الفنية التي تمجد ( القائد الضرورة ) فجاءت مديرة المدرسة لتجبرها على المشاركة فرفضت بنتي بشدة فما كان من مديرة المدرسة الا ان تتصل بالامن ليلقوا القبض على بنتي التي اتهمتها بأنها ضد الحزب والثورة فعدت الى البيت خائبة والالم والبكاء ونحيب ابنائي وبناتي وبقيت انتظر لعله تأتيني اخبار ابنتي ذات ال 17 عام وهي طالبة في الصف الخامس ادبي فلم اسمع شيئ من اخبارها الى هذا اليوم وبعد اسبوعين من اعتقال ابنتي جاء لي رجل ومعه زوجته يطالبوني بأخلاء الدار لانهم اشتروا الدار من مدير الامن ويريدون السكن فيه وفي مساء ذلك اليوم ذهبت الى رئيس عشيرتي واخبرته بكل ماجرى فقال لي ارجوا ان لاتأتي مرة ثانية لاني عاهد الحزب والثورة ان لا اعين احد من اعداء العراق بالمناسبة هو الان احد شيوخ مجالس الاسناد العشائرية بعدها بأسبوع ذهبت الى بيت السيد الخوئي في الكوفة وطلبت مواجهته , فلما عاد من صلاة الظهر قابلته وقصصت عليه القضية بكل تفاصيلها فبدأت عيناه تغرق بالدموع الى ان وصل به الحال ان انتحب بصوت عال وهو يقول( انا لله وانا اليه راجعون , لك العتبى يارب حتى ترضى ) ثم قال لي ارجعي الى اولادك وسيأتيك راتب شهري تنفقينه على اولادك وكذلك اجار البيت , رجعت الى مدينتي واستأجرت بيت ب 45 دينار شهريا وما هي الا ايام جائتني امرأه لا اعرفها فأخبرتني بأنها مبعوثة من بيت السيد الخوئي ( رض ) وسلمتني 150 دينار وقالت ان هذا المبلغ هو اول راتب شهري وسيأتيك الراتب شهريا ومنذ الشهر الرابع من عام 1983 الى الشهر الثاني من عام 1989 ذهبت الى السيد الخوئي واخبرته بأن ولدي صار حداد سيارات وقد استلم اول راتب يوم امس وهو يكفينا والحمد لله فقال لي اذن في اي وقت تحتاجين شيئ فالبيت بيتك وسلمني ظرف فيه 1000 دينار قال لي هذا المبلغ لزواج ابنك افرحي به واختاري له امرأه صالحة وبعدها بشهر تزوج ولدي وبعدها بسنه صار عنده ولدين توئم بقينا على هذا الحال الى الانتفاضة الشعبانية وفي يوم 6/3/1991 القي القبض على اولادي الثلاثة ومنذ ذلك التأريخ لم ارى لهم اثرا الا ولدي الاكبر وجدته في مقبرة جماعية قرب خان النص ولم اجد ولداي الاخرين لحد هذا اليوم .