الإمام الكاظم عليه السلام يوصي هشام بن الحكم

يا هشام قلّة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت، فانّه دعة حسنة وقلّة وزر وخفّة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم، فانّ بابه الصبر، وانّ الله عزّوجلّ يبغض الضحّاك من غير عجب والمشّاء الى غير أرب

يا هشام المتكلّمون ثلاثة: فرابح وسالم وشاجب، فأما الرابح فالذاكر لله وأمّا السالم فالساكت، وأمّا الشاجب فالذي يخوض في الباطل، انّ الله حرّم الجنة على كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه.

يا هشام بئس العبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه إذا شاهده ويأكله إذا غاب عنه، إنّ أُعطي حسده وان ابتلي خذله. انّ اسرع الخير ثواباً البرّ، وأسرع الشر عقوبة البغي. وانّ شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه. وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد السنتهم. ومن حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه.

يا هشام انّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن وفي جوفها السمّ القاتل، يحذرها الرّجال ذوو العقول ويهوي اليها الصّبيان بأيديهم.

يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله.

يا هشام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كّل يوم، فإن عمل حسناً استزاد منه.وان عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب اليه.

يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح (عليه السلام) في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيراً، قال: فكلّ طلّقك؟ قالت: لا بل كلا قتلتُ. قال المسيح (عليه السلام) : فويحٌ لازواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين.

يا هشام قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « اذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه، فإنه يلقي الحكمة. والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل ».

يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة. ومشاورة العاقل الناصح يُمنٌ وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإيّاك والخلاف فإنّ في ذلك العطب.

يا هشام من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه وما أوتي عبدٌ علماً فازداد للدنيا حباً إلاّ ازداد من الله بعداً وازداد الله عليه غضباً.

يا هشام انّ العاقل اللّبيب من ترك ما لا طاقة له به، وأكثر الصواب في خلاف الهوى. ومن طال أمله ساء عمله.

يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها، فانّ الناس فيها على أربعة أصناف: رجل متردّ معانق لهواه. ومتعلم متقرّى كلما ازداد علماً ازداد كبراً، يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحبّ أن يعظّم ويوفّر. وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به، فهو عاجزٌ أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرفـه فهو محزون مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا.


...............


ماخاب من تمسك بكم