ليست العظمة أمريكا

حيدر محمد الوائلي

في مؤتمر صحفي في الأيام التي اعقبت الضربة الأمريكية لمطار بغداد واغتيال سليماني والمهندس، سألت صحفية أمريكية وزير خارجية أمريكا بومبينو عن مدى جدية ما غرد به ترامب على تويتر بقصفه لمواقع ثقافية وتاريخية ايرانية تهديداً لإيران لردعها من الرد عقب اغتيال سليماني وكونها جريمة حرب لو فعل ذلك بتدمير مواقع اثارية وحضارية تخلدها الشعوب.

تهرب بومبينو من الإجابة، فرجعت عليه نفس الصحفية بعد دقائق وسألته نفس السؤال فلما انحرج بومبينو أجاب ان إيران هي من دمرت ثقافتها وضرب مثال بمنع إيران من إقامة أعياد نوروز حيث صرح ان نظام آيات الله في إيران منعوا أعياد النورز.
والحقيقة أن نقرة زر على كوكل تبرز نتائج الاحتفالات في إيران.

الشاهد من هذه القصة ان لا عظمة لأحد فكرياً أو سياسياً ومن الممكن تبرير قصف دول على اساس حجج مغلوطة لإقناع الشعب الأمريكي وغيرهم بما تقوم به حكومتهم.

تم تنفيذ ضربات لدول بحجج تبين أن لا اساس لها من الصحة مثلما كان تبرير الحرب على العراق ٢٠٠٣ بوجود أسلحة نووية وربط صدام بتفجيرات ١١ سبتمبر ولما لم يجدوا شيئا صارت الحرب لتحرير العراق ولحرية العراقيين ولمحاربة الدكتاتورية!

تصوروا أن وزير خارجية أمريكا لا يعرف كيف يتعامل مع تصريحات رئيسه، ولا يعرف بوجود احتفالات حاول أن يقنع نفسه والاخرين أن نظام آيات الله على حد وصفه قام باضطهاد الناس بسببها ومنعها.

هل تعرفون ان بومبينو قبل أن يكون وزير خارجية كان مديراً لأكبر جهاز مخابرات بالعالم، المخابرات المركزية الأمريكية cia.

ولما جاء رد إيران بضربة صاروخية كبيرة تجاه قاعدة الأسد في العراق لكون العراق اصلا مستباح من قبل دول الجوار وبالأخص أيران وتركيا والسعودية وأصبح تقديره صفر في حسابات دول الجوار، لم يأتي رد أمريكي رغم ان الضربة بصواريخ باليستية مدمرة ومن اراض ايرانية (لأول مرة) وباعلان إيراني صريح (لأول مرة).

سكتت أمريكا وترامب معها وغطوا على الموضوع بأخبار اخرى.

قبلها كانت المفاوضات حول الملف النووي الايراني وكيف تحقق لأيران ما ارادت بعد مشاورات ومفاوضات طويلة بدهاء سياسي كبير كان الرابح الأكبر فيها ايران فيما حسبته امريكا هزيمة لها.

تجارب مفاوضات سياسية اخرى لأمريكا مع الصين وكوريا الشمالية وروسيا والاتحاد الاوربي وبريطانيا وفي جميعها كانت امريكا الطرف الخارج باقل الأرباح.

عظمة أمريكا جائت من مكانتها الأقتصادية والعسكرية لذلك تسارع لفرض شروطها الكبيرة في مفاوضات السياسة وسط تنازلات من بعض الدول وخصوصاً العربية لترضى عنهم امريكا ولكي لا تزعل عليهم. بينما اصرت دول اخرى على شروطها فترى عظمة امريكا تنهار شيئاً فشيئاً.

السياسة مصالح وخطط وصبر وإمكانيات وتعاملات وفن الممكن. من يفلح في الغوص بها سيأتي بصيد وفير وأما الغبي والفاسد والمشغول عن شعبه والمسؤولية المناطة في رقبته بأمور جانبية وصراعات حزبية وطائفية وفساد مالي وكل همه محاصصة المناصب ومهتم جداً بما تمليه عليه دول الجوار ويتسابق السياسيين للسفر لدول الجوار لأخذ المشورة والتعليمات والمباركات أو للسفارة الأمريكية الكبرى في بغداد.
جميع هؤلاء سيأتون للشعب بالخيبة فوق خيباتهم ويأتون بالدمار فوق الدمار الحاصل أصلاً وسيأتون بضياع اكثر لهيبة وكرامة الوطن الضائعة اصلاً.

عظمة السياسة ان يرضى عنك شرائح كبيرة من شعبك بوجود قانون محترم ومهاب ضامن لحقوقهم ولكرامتهم وأن تحقق تنمية اقتصادية وصناعية وتجارية وخدمية مستغلا ثروات البلد أحسن استغلال لخدمة الشعب.

اكثر رئيس يُستهزأ به وتسخر منه وسائل الإعلام الأمريكية قبل غيرها هو ترامب ومن قبله بوش الابن وكلينتون وبدرجة اقل بوش الأب. كل ذلك ولم تدعي أمريكا ان سبب انهيار امنها وسياستها واقتصادها هو وسائل الإعلام، بل هي سياسات احد الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري إن كان هنالك انهيار فعلاً فالعكس وجود نمو وازدهار رغم بعض الأنتكاسات.

الوضع المعيشي في أمريكا صعب ويتطلب العمل كثيراً وفي القطاع الخاص حيث التوظيف الحكومي أقل وبساعات عمل كثيرة مقارنة بساعات العمل الفعلية في الوظائف الرسمية في العراق مثلاً وعلى العامل هناك استحصال ما يسد الحاجة وتسديد الضرائب الكثيرة والضمان الصحي وبالرغم من ذلك تجدهم يعملون بجد وبحرص وباتقان ووفاء لواجباتهم على اكمل وجه ومن ثم تراهم يحتفلون ويسافرون ويستمتعون بحياتهم ويفرحون وهنالك قانون محترم من الأكثرية وهنالك وفرة وجودة في توفير وتطوير الخدمات العامة وهنالك حقوق انسان مجرد يحلم بها العرب والمسلمين ويتلطفون بنشر جوانب منها اخباراً ومقاطع فيديو من على منصات التواصل الأجتماعي الأمريكية المنشأ.

ليست العظمة امريكا وانما العظمة تأتي من وجود قانون محترم وضامن للحقوق فعلاً ومن قوة رضى الشعب عن السياسيين ومدى ما قدمه هؤلاء السياسيين من انجازات ساهمت بتسهيل حياة الشعب وحسّنت من ظروفه المعيشية.
وعندما يسخط الشعب على السياسيين يبقى ولاء الشعب والسياسيين للوطن ولا يرتمون في احضان دول اخرى تملي عليهم ما يفعلوه في بلدهم أو يصغون صاغرين أذلاء لما يُملى عليهم بوسائل اعلام تلك الدول ومن يمثلهم.
هذا الرضى الشعبي يعطيك قوة في العمل وفي التفاوض وفي النجاح السياسي.