بسم الله الرحمن الرحيم
( إن الله عنده علم الساعة ويُنزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس
ماذا تكسب غدا
وما تدري نفس بإي أرض تموت إن الله عليم خبير) لقمان 34

إذا سُئل أي انسان في ماضي التاريخ أو اليوم عن ماذا في الأرحام ؟
فسيقول بلا تردد : (في الارحام تتكون الأجنة) !

فإذا كان كل انسان عاقل يعرف ان في الرحم يتكون الجنين,
فما هو وجه الاعجاز في الاية الكريمة ؟

وهل يعقل ان القرآن يخص الله تعالى بعلم وهذا العلم يعلمه الانسان اصلا ولا يتحير فيه ؟
هل من المعقول ان حقيقة تكون الجنين في الرحم يعتبرها القرآن علم لايعرفه الانسان ؟
ليس كذلك !
إذن لابد ان معنى( ويعلم ما في الارحام) هو أبعد واعمق من تكون
الجنين فقط بدلائل منها :

- الامورالخمسة التي ذكرتها الاية جميعها غيبية مستقبلية وهي :
(الساعة, الغيث, الارحام , ماذا تكسب غدا, بأي أرض تموت)!
اذن (يعلم ما في الأرحام) أمر مستقبلي غيبي لايعلمه الانسان وهو ابعد من بديهية تكون جنين في الرحم وحتى أبعد من معرفة جنس الجنين ذكرا كان أو انثى , فلا معنى ولا وجه لاختصاص أو حصر معنى معرفة ما في الرحم بتكون الجنين او نوع جنسه.
الاية لم تفصل في ذلك , فلو كانت الاية كما يلي ( ويعلم جنس الجنين في الارحام ذكرا كان أو أنثى) لصح احتجاج من يقول ان العلم المختبري توصل اليوم لمعرفة جنس الجنين وبذلك تبطل الاية , ولكن الاية لم تحدد بل تركت الامر عاما واستُعملت الاداة (ما) بمعنى العموم فلم تقل الاية (من في الارحام ) بل (ما في الارحام), وهو كالفرق بقولنا (أنا اعلم بمن في البيت ) وبين قولنا ( أنا اعلم بما في البيت) , علم ما في البيت يشمل كل شئ وكل الدقائق وهو قول مجازي غير واقعي مطلقا اذا قاله اي انسان , لانه لايوجد انسان يعلم ما في بيته من اشياء واحياء وحشرات وخفايا...الخ مطلقا , لكنه يعلم تماما ب (من في البيت) وهم اهله وعددهم !
إذن حصر الارحام بأداة (ما ) يحمل معاني لا تحصى منها ما يلي :

-ترى ماهو علم الله تعالى الذي يخص ما في الارحام ؟
قال امير المؤمنين عليه السلام جوابا لمن قال له لقد أوتيت علم الغيب:
(ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم، وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله:(إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم مافي الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت),
فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى أو قبيح أو جميل أو سخي أو بخيل أو شقي أو سعيد، ومن يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا،فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحدا إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه،
ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي) (نهج البلاغة ج1 ص245)..


تأمل قوله عليه السلام وحصره لما جاء في الاية ب (إنما علم الغيب), فالكلام حول علم الغيب!
فعلم الغيب هو علم ما سيكون قبل حدوث ووقوع الشئ والفعل , فإذا وقع الفعل أوالشئ فإنه خرج من دائرة علم الغيب وصار واقعا يراه الانسان ويعلم به , بينما كان قبل وقوعه غيبا لايعلمه الانسان .
فالله تعالى يعلم ما في الارحام معرفة غيبية لايشاركه فيها احد وهو ما عدده أمير المؤمنين في الحديث اعلاه بقوله ( من ذكر أو أنثى أو قبيح أو جميل أو سخي أو بخيل أو , شقي أو سعيد ....الخ) وهي جميعا أمورغيبية لم تحصل بعد ,فهي في علم الغيب: ( الساعة , الغيث, ما في الارحام , ماذا تكسب غدا, بأي أرض تموت) وليست امورا واقعة حاصلة , فالله تعالى يعلم ماذا سيصير في الرحم قبل الحمل (علم غيب) ,فإذا تكون الجنين فأنه صار واقعا و خرج عن دائرة علم الغيب وعند ذلك تعلم المرأة انها حبلى ويعرف زوجها والطبيب وأهلها ..الخ بأنها حبلى ,وإذن خرج الامر عن علم الغيب وصار واقعا , وكذلك اذا ولد الطفل وتبين بعد بلوغه انه صار بخيلا أو سخيا , مجرما او طيبا ..الخ فمن السخف ان يقول احدهم أنا اعلم هذا الرجل بخيل او سخي , نقول له نعم تعلم وكلنا نعلم لاننا نراه سخيا او نراه بخيلا كما يتصرف الان , فقد خرج الامر من دائرة الغيب وصار واقعا نراه وهذا امر ليس بالمعجز على احد لمعرفته, انما الاعجاز ان تعلم ذلك قبل وقوعه كما نصت الاية التي تتحدث عن الغيب وكما بينتها رواية أمير المؤمنين عليه السلام !

وكذلك تكون (جنس) الجنين في الرحم , فمن السخف ان يقول احدهم : بما ان العلم الحديث يستطيع معرفة جنس الجنين اليوم اذن الاية الكريمة خطأ لامعنى لها لأن البشر تمكنوا بالعلم الحديث من مشاركة الله تعالى بعلمه وأثبتوا علمهم بجنس الجنين واذن البشر ايضا يعلمون ما في الارحام !!
أقول له التبس الامر عليك , بعد تكون الجنين فإنه صار واقعا ملموسا وليس في ذلك اعجاز لان بالتصوير او بالموجات الصوتية او بشق بطن المرأة وهي في حملها يمكن معرفة جنس الجنين المتكون , ولكن هذا ليس بأعجاز ولا مشاركة لمعرفة علم الله تعالى كما تزعم, انما الاعجاز ان تعلم جنس الجنين في الغيب قبل تكونه وهو كما بينته الاية التي تتحدث عن الغيب والامور المستقبلية وكما بين أمير المؤمنين عليه السلام في الرواية اعلاه حول صفات المولود ومستقبله ومصيره , اما بعد تكون الجنين فقد خرج وجوده من علم الغيب الى علم الواقع والشهادة , الواقع الذي يراه الانسان ويلمسه , لقد عرفت الامر متأخرا ,عرفته بعد ان صار واقعا تراه بعينك او بجهاز السونار او بشق بطن الحامل , وهذا هو غير ما تحدثت به الاية الكريمة التي اختصت بعلم الغيب كما تقدم !
لقد غاب عن المعترض أن الاية الكريمة تتحدث عن غيب مستقبلي لم يحصل في الواقع بعد وهو من علم الله تعالى , فإذا حصل وصار واقعا فأنه خرج عن الغيبية وصار واقعا يعرفه الانسان (تكّون الجنين وصار واقعا ماديا ), فإذا عرفه الانسان الان فإنه علم الواقع ولم يعلم الغيب !
وإذن معرفة العلم الحديث لجنس الجنين وهو في بطن أمه ليس منافسة أو مشاركة لعلم الله تعالى الذي استأثر بمعرفته ومعرفة مستقبله كما بينت رواية امير المؤمنين عليه السلام اعلاه , فمعرفة جنس الجنين بعد تكونه وبعد دخوله الى عالم الواقع والشهادة لم يبطل معنى الاية مطلقا , انما سوء الفهم للاية والخلط بين علم الغيب وعلم الواقع هو الذي اوقع المعترض والعلماني في هذا الألتباس .

الغيب لايعلمه احد الا الله تعالى وقد يكشفه لبعض من عباده المصطفين
(عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحدا .إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) (الجن 26,27 ) ,
إذن (يعلم ما في الارحام ) ابعد من معرفة ان في الرحم جنينا, فهذه المعرفة الواقعية ب الحمل يعلمها كل انسان في ماضي التاريخ وفي حاضره فلا أعجاز في ذلك, أنما الاعجاز أن يعلم الانسان ماذا سوف يكون في الرحم (علم غيب) , فإذا ما تكون الجنين فقد خرج الامر من دائرة الغيب الاعجازي -الذي اختصته الاية الكريمة- الى دائرة الواقع الذي يعيشه الانسان , رواية امير المؤمنين عليه السلام تفصل في مستقبلية هذا الاعجاز فتذهب الى غيب معرفة خصائص هذا الجنين هل هو كريم أو سخي هل سيكون من اهل الجنة أو من اهل النار ...ألخ, وهذا يبين سبب استخدام الاداة اللغوية الشاملة (ما) (يعلم ما في الارحام) , فالرواية تبين ان معنى ( يعلم ما في الارحام) أمر غيبي مستقبلي لأمور كثيرة تخص ما في الارحام وتشمل الصفات والحالات المستقبلية للجنين كما تقدم ذكرها في الرواية , فإذا ما تحقق هذا الغيب ودخل مرحلة عالم الواقع فصار واقعا و(حملت به المرأة في رحمها) فأنه يخرج عن دائرة الغيب ويدخل في علم الواقع الذي يراه الانسان ويعلم به فيعلم وتعلم المرأة انها حُبلى وفي رحمها جنين, وقد تعلم إذا شاءت انه ذكر او أنثى بالموجات الصوتية او المختبر وهو امر ليس بالمعجز لأن الجنين صار واقعا وليس غيبا ,ولكن لن يُعلم هل سيكون مجرما او طيبا , كريما أو سخيا ..الخ حتى يولد ويكبر وتصبح صفاته هذه واقعية ومرئية خرجت من دائرة علم الغيب وصارت واقعية في متناول الانسان فهو يراها في هذا البالغ وفي تصرفاته بعد أن كان يجهلها من قبل , كما كان يجهل ماذا سيكون في الرحم قبل خلق الجنين ذكرا ام انثى سخيا او بخيلا مجرما او طيبا ..ألخ , فذلك غيب لايعلمه الا الله تعالى وهو معنى ( ويعلم ما في الارحام ) !






سلام عليكم
مروان في
25-8-2022