أزمة المبرّات!
بقلم :
سماحة د.السيد جعفر فضل الله

(هذا البوست هو جوابي على التعليقات التي تناولت في بوستات سابقة استغناء المبرات عن بعض كادرها)






عندما أنشأ السيد فضل الله (ره) مدارس، فلكي تقدّم أمرين :


1- المحافظة على دين أبنائنا، وهذا لا كلام لنا فيه الآن.
2- تقديم أجود تعليم بأقل كلفة ممكنة. وهذا الأمر تمّ القيام به عبر ثابتين:

الأول : مراعاة الأقساط للطبقات الفقيرة (مع الدعم) والمتوسطة الحال.

الثاني : عدم التنازل عن جودة التعليم.


هذان الأمران جعلا المدارس تسير وفق ضاغطين؛ الأول، حيث تطلبت جودة التعليم ضغطًا على الكادر التعليمي والإداري، والثاني، تطلّبت المحافظة على سقف للأقساط عدم إمكانية مكافاة المعلّمين والعاملين بما يوازي الجهد المبذول. ولذلك في السابق كان الكثيرون يتحدثون عن الضغط في مدارس المبرات.

المبرات، كانت مضطرة للقول إنّ هذا ما تستطيعه، وإلّا فإنّ ما تقدّمه يوازي أضعاف القسط الفردي للطالب، ويتفوق على ما تقدمه مدارس النخبة، وزيادة الأقساط تمنحها قدرة على دفع رواتب أعلى، والمحافظة على استقرار في الكادر التعليمي أكبر، ولكنها تحولها إلى مدارس للأغنياء، وهذا ما لم ولن يحصل!

بعض المدارس كانت تخسر، فكان يتمّ سدّ عجزها عن طريق دعم الوفر اليسير لمدارس أكبر، أو من خلال دعم المشاريع الإنتاجية، التي كانت في أقصى الحالات نسبة قليلة من الموازنة العامة للمبرات.

ما الذي حصل أخيرًا؟

دخل البلد في أزمة منذ 17 تشرين 2019، ثمّ ما لبثت أزمة كورونا أن شلّت جزءًا من المؤسسات الإنتاجية، ثمّ جاءت الأزمة الاقتصادية التي شلّت المرافق الإنتاجية إلى حدّ كبير، إضافة إلى أزمة المصارف التي منعت التحويلات الخارجية، وقضت عمليًا على إمكانية الاستفادة من أي مدخرات سابقة، وهي تكفي لأشهر قليلة أصلًا. هذا مضافًا إلى مشكلة تسديد الأقساط عن العام 2019. هذا عدا عن تراكم عدم تحصيل الأقساط من سنوات سابقة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الأسر الفقيرة كانت تحصل على دعم (حسومات على الأقساط)، ويمكن لأي شخص أن يسأل مباشرة ليطلع على التقديمات السنوية بالملايين التي تقدمها المبرات لأبناء هذه الأسر.

نتيجة كلّ ذلك، كان عمل المبرّات قائمًا على تدوير المال (من النّاس وإلى النّاس)، ولذلك حُفظ مستقبل آلاف الأيتام من خلال الكفالات، وغالبها من المقتدرين ماليًا، في لبنان والخارج، وتمّ استمرار أغلبية المدارس من خلال نسبة الأقساط التي كان يتمّ تحصيلها، والتي تسمح بإعطاء المعلّمين رواتبهم (غير العالية) مع الاستناد إلى البعد الرسالي لدى الكادر التعليمي والرعائي والذي اعتبر أنّه في حالة جهاد.

اضطرار المبرات إلى (عدم التجديد) القانوني لعقود عدد كبير من المعلّمين سببه المباشر عدم القدرة على دفع الرواتب، بسبب التراجع الحادّ في التسجيل للعام القادم (حتى الآن)، وذلك بسبب الضائقة الاقتصادية؛ وعندما لا يكون هناك تلاميذ، تقفُ دورة العمل؛ ولذلك اقتصارًا على العمل وفق العناية الفائقة في العام القادم – في حال استمرّت الأزمة على هذا المنوال – أخذوا مضطرّين هذا القرار.
هذا الأمر لم يكن سهلًا على القيادات العليا للمبرات، وكان الحرص والتوجيه على إيصال كامل الحقوق وزيادة للجميع. هذا لا يعني عدم وجود أخطاء أو ذاتيات حصلت هنا أو هناك. وبعد مراجعة عدد من المعنيين للإدارة العامة تمّ التشديد على متابعة أي حالة ترد للتأكد من عدم وجود أي مظلومية وبالأخص في الحقوق المالية، وكلّ من يرى أنّه كان عرضة للظلم أو لسوء التواصل أن يطالب بذلك.


هذا لا يعني أنّ الحقوق المالية كافية؛ فإنّ الأمان الوظيفي المفقود حينئذٍ لا يعوّضه شيء؛ وهو أولًا وأخيرًا بعين الله،
المسألة أن هناك تهديدًا حقيقيًا لكلّ مجتمعنا ومؤسساته، وما جرى كان محاولة من القيّمين لتخطي أزمة طالت كلّ البلد، ولا تزال مفتوحة على كثير من المجهول.


أيها الأحبة ؛

نحن جميعًا راحلون، ويبقى المجتمع، وتبقى مؤسسات الناس؛ ولذلك لنحرص على المحافظة عليها حتى عندما نريد نقدها؛ ولا سيما في عالم التواصل المفتوح.


🛑 أخيرًا نقطة؛
كتبتُ لا تبريرًا ولا دفاعًا، وإنما بدافع شخصي لإيماني بضرورة الشفافية بأقصى قدر ممكن مع الناس،
وأعتذر سلفًا عن عدم دخولي في الرد على أي تعليق يتناول أيّ قضية بهذا الصدد، في الوقت الذي أنا على استعداد تامّ لمتابعة أي قضية تردني برسالة خاصة من صاحب العلاقة مباشرة؛ لأنّني أعتبرها جزءًا من مسؤوليتي الشرعية، وإن لم أكن جزءًا من العمل الإداري.