يقسم المجرمون أن مالبثوا غير ساعة


(ويوم تقوم الساعة يُقسم المجرمون أن ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يُؤفكون) الروم 55
(ويوم ينفخ في الصورونحشر المجرمين يؤمئذ زُرقا , يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ) طه 102-103
يحتج بعض المسلمين الناكرين لوجود عالم البرزخ والقبر والسؤال فيقولون : قول المجرمين يوم قيام الساعة اننا ما لبثنا غير ساعة , دليل على عدم وجود عذاب ونعيم في القبر\ عالم البرزخ, فلو كان الموتى يُعذبون في عالم البرزخ\القبر , فكيف يقولون انهم لبثوا ساعة واحدة ؟ كيف بالمتعذب الذي يُعاني من العذاب في البرزخ لسنوات طويلة يقول بعد بعثه : لقد لبثت ساعة فقط ؟ فلو كان هناك حساب وعذاب في القبر لعانى المُعذبون من هوله ولأحسوا بثقل العذاب وهوله ولما حسبوا انهم لبثوا ساعة واحدة فقط !


الجواب:


انقسم مفسروا القرآن على اختلاف مدارسهم في تفسيرهم للاية فقال بعضهم انهم عنوا بزمانهم في القبور وقال آخرون انهم عنوا بقولهم زمان الدنيا ولم يتطرقوا الى ان الاية قد تورد شكوكا بالايمان بعالم البرزخ, ويجد الطالب ذلك في كتب التفسير .
أقول ,لايمكن البت بان ما يعنون بقولهم ( مالبثوا غير ساعة) قد قصدوا به قطعا زمان لبثهم في قبورهم بالبرزخ , فلا توجد قرينة في الاية تبين انهم قصدوا بذلك قطعا , فعلى اي اساس قال منكروا البرزخ بان الكفار بقولهم مالبثنا غير ساعة انما عنوا به اللبث في البرزخ ولا غير ذلك؟

فهناك احتمالات وتفسيرات أخرى لقولهم (مالبثوا غير ساعة) لكن منكروا البرزخ تمسكوا بقول واحد وهو اعلاه.
أما قول المجرمين في الاية انهم ( مالبثوا غير ساعة ) او قولهم ( إن لبثتم إلا عشرا) فأنه قد يعني عدة احتمالات منها:

1- انهم عنوا ب ( مالبثوا غير ساعة ) هو حياتهم في الدنيا كما سيأتي تفصيله في الايات الكريمة .
2- عنوا حياتهم في البرزخ فقط كما يزعم المنكرون للبرزخ ولكن لاتوجد قرينة تثبت انهم
عنوا بقولهم حياتهم في البرزخ,
واذن هذا الاحتجاج واهن من اصله فلا دليل قاطع على ان قولهم يعني قطعا عن عالم البرزخ.

3- أنهم كذبة هكذا كانوا في حياتهم الدنيا وهكذا سيكونون حتى في آخرتهم فقولهم انهم مالبثوا غير ساعة انما هو كذب وافتراء كعادتهم في الدنيا فهم مجرمون كذبة,وقد وصفهم القرآن كما في ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون) المجادلة 18 فالكفرة الفجرة يكذبون حتى في آخرتهم ولذلك خُتمت الاية التي هي محل الموضوع بعبارة كذلك كانوا يؤفكون ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون أن ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ) الروم 55. كذابون افكة لم يتورعوا عن الكذب في حياتهم وهكذا سيكونون يوم بعثهم , ولهذا وصفتهم الايات بالمجرمين !
4- وهناك احتمال آخر لتعجبهم وهو قول كتب التفسير وفق الروايات الشريفة : تعجبهم حدث بعد النفخة الثانية للصور بدليل انهم قاموا ينظرون , فما بين النفختين نفخة الصور الاولى وبين نفخة الصور الثانية- 40 عاما وهذه الاعوام قد تطول وتقصر وقد تكون بتوقيت زمني آخر غير توقيت اعوامنا كما تبين الاحاديث و الروايات الشريفة , فهذه الفترة فترة سبات بلا وعي تماما لكل الخلائق ؟ قد يكون ذلك ..
(ونُفخ في الصور فصعق من في السماوات والارض ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)الزمر68
واذن هذا احتمال اخر لتعجب الناس من بعثهم , وحتما هناك احتمالات اخرى كقول كتب التفسير( بانهم مما يرون من هول القيامة والساعة يعتبرون أن مالبثوه في الدنيا لايساوي ساعة من هول قيام الساعة وشدة يوم المطلع )(بتصرف عن لطائف الاشارات للقُشيري), ولكن منكروا البرزخ والسؤال والقبر تمسكوا باحتمال واحد فقط لاغير وحسموا رأيهم وفق قول هؤلاء المجرمين الكذبة في الاية فقالوا ان الموتى بلا وعي وغيبوبة في قبورهم وموتى كالحجارة وهو قول كما يتبين يتعامى عن باقي الاحتمالات في سبيل اثبات زعمهم بعدم وجود حساب القبر في البرزخ, كما انه يتعامى عن حقيقة ان الاية تتحدث عن المجرمين فقط ولا يشمل هذا باقي الخلق.
...................................


دلائل قولهم (مالبثوا غير ساعة) عنوا به حياتهم في الدنيا وليس عالم البرزخ


1- (قال كم لبثتم في الارض عدد سنين , قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فاسأل العادين) المؤمنون 113
تأمل انهم يقولون ان زمن مالبثوا في اعمارهم في الارض ( في الدنيا) يعادل فترة زمنية قصيرة كيوم او جزء من يوم , وهذا يفسر الاية التي يتحجج بها الناكرون للبرزخ , فالزمن الذي لبثوه في الدنيا يرونه يوم قيام الساعة زمنا قصيرا (بعض يوم) أو ساعة ! وهو مشابه لما يراه الشيخ المسن قبل موته عندما يتذكر أيامه وشبابه , يرى تلك الايام كساعة من زمن ولى وليس كما كانت سنينا طويلة من معاناة وآلام وافراح عاشها , ما مر صار كأنه بعض يوم او ساعة , ومثله حال النائم بعد رقاد طويل يصحو ويحسب انه قضى ساعة في نومه بينما هو قضى ساعات كثيرة .


2- (واصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل ولاتستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار بلاغ فهل يُهلك الا القوم الفاسقون) الاحقاف 35 .. الاية تبين ان (اللبث) في عالم الدنيا يصبح كساعة واحدة من نهار عندما يسترجعه الناس في ذاكرتهم في الاخرة وهو ليس اللبث في عالم البرزخ كما يزعم ناكروا البرزخ , بدليل ان الاية تتحدث عن الناس وهم احياء في الدنيا فتقول للمُخاطب النبي الكريم صلى الله عليه وآله : اصبر يا محمد على عناد هؤلاء الكفرة المعاصرين لك , فعندما يأتي حسابهم سيتذكرون حالهم الان, حالهم الان الذي سيبدو في ذاكرتهم يومئذ كأنه ساعة من نهار ! إذن هؤلاء الكفرة الاحياء يا محمد سيرون أن أيامهم الحالية في الدنيا كساعة من نهار عندما يواجهون الحساب ! تأمل انهم لم يدخلوا عالم البرزخ بعد , فهم احياء معاصرين للنبي الكريم , اذن ما سيرونه كساعة زمن هو ايامهم التي عاصروها مع النبي الكريم في عالم الدنيا , و ليس في عالم البرزخ كما يدعي ناكروا البرزخ.


3- (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا الا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين) يونس45
اذا كان الموتى في قبورهم بلا وعي ولا حياة كما يزعم منكروا عالم البرزخ ! فكيف تصف الاية حالتهم بانها كلبث ساعة من النهار يتعارفون بينهم ؟ فاقدوا الوعي والحياة في البرزخ كما يزعم منكروا البرزخ كيف يتعارفون بينهم ؟ اذن الاية تنقل صورة عن الحياة الدنيا واذن اللبث هو زمان الدنيا وليس زمان عالم البرزخ.واذن قول المجرمين عند قيام الساعة ( ويوم القيامة يُقسم المجرمون ان ما لبثوا غير ساعة) انما يعنون به اللبث في عالم الدنيا بدليل الايات التي ذكرت اللبث وشبهته بساعة من نهار او يوما او بعض يوم , ولا تعني الاية زمان البرزخ كما يزعمون فلا قرينة تدل على زعمهم ولا دليل.
........................

تقدير الزمن بعد النوم والموت

من خصائص اللبث بعد الموت او بعد النوم الطويل هو فقدان تقدير الزمن بعد البعث واليقظة, وهذا ما تبينه الايات الكريمة :
( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال إنى يُحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما او بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك ولنجعلك اية للناس وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم ان الله على كل شئ قدير) البقرة 259.
وكذلك في سورة الكهف ( وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما او بعض يوم قالوا ربكم اعلم بما لبثتم ....) الكهف 19
بينما هم لبثوا في سباتهم في الكهف 300 مائة عام !( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) الكهف 25, تأمل قول الفتية اصحاب الكهف فبعد تقديرهم لمدة لبثهم بانها يوما اوبعض يوما عقبوا بقولهم ( ربكم اعلم بما لبثتم)! المؤمن يحيل امره الى الله تعالى فيما يشك به, بينما الكافر المجرم يقول بل يقسم انه (مالبثوا غير ساعة ) الروم 55. هذا الفرق في التقدير يقدم الكثير لتفسير آية الروم 55.
اما الذي اماته الله تعالى مائة عام فلم يكن ليُعذبه الله تعالى بموته ولا يُعلم اين مضى في عالم الموت ولكنه بعد بعثه قال كذلك لبثت يوما او بعض يوم , واما الفتية في سورة الكهف فلم يموتوا ولكن ألقي عليهم النوم ( وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ....) الكهف 18, وبعد بعثهم من النوم -( وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم ...) الكهف 19.- ايضا فقدوا الادراك بتقدير بالزمن وهم في رقدتهم, فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم , علما انهم كانوا احياء قاموا من سباتهم وليسوا موتى .وإذن خاصية فقدان الاحساس بالزمن تكون للاحياء بعد منامهم كما في اهل الكهف او للموتى كما في قصة الذي اماته الله تعالى مائة عام اعلاه .اما اهل الكهف فحتما كانوا يحلمون احلاما في رقادهم ولكنهم مع ذلك عندما أيقظوا من رقدة النوم الطويلة لم يعرفوا زمان رقدتهم .
واذن خاصية فقدان توقيت الزمن تحدث للموتى وللنائمين في رقادهم كما تبين الايات الكريمة , فالنائم في احلامه يفرح ويحزن ويخاف ويرجو ..الخ ثم عند يقظته لايعرف تقدير مدة نومه كما في اهل الكهف وكما يمر احيانا على من يتأمل في حياته كم من مرة فقد تقدير الزمن بعد يقظته, وإذن قول المجرمين (لبثنا يوما او بعض يوم ) لايعني انهم كانوا بلا وعي في موتهم , فهذا حال كل من يعود الى الحياة بعد موته كما في قصة الذي اماته الله تعالى مائة عام , بالاضافة الى الاحتمالات الاخرى التي تقدم ذكرها .

او كما في اصحاب الكهف , بالاضافة ان هؤلاء المجرمين كذبة يحلفون كذبا في حياتهم وفي اخرتهم فلا يُعول على قولهم ويبنى عليه انه دليل على عدم وجود عالم البرزخ لانهم وصفوا رقادهم بانه يوم او بعض يوم , بالاضافة الى الايات الكريمة التي تتحدث عن اللبث ووتبين انه اللبث في عالم الدنيا يراه الانسان في يوم قيامته كساعة من نهار او يوما او بعض يوم , والقرآن يفسر بعضه بعضا .
واذن احتجاج ( ما لبثوا غير ساعة ) احتجاج لاقيمة له في اثبات عدم وجود عالم البرزخ كما يزعم الناكرون, بالاضافة الى الايات الكريمة التي تذكر عذاب القبر بعد الموت مباشرة . أما الاحاديث والروايات الشريفة فهي مستفيضة في ذكر الحياة في القبر وعالم البرزخ.



مروان.... في
رمضان عام 2021