تطبيقات الرقابة القضائية على دستورية
القوانين في الدساتير العربية
بقلم د. زهراء الجليل
تعتبر نشأة الرقابة على دستورية القوانين في دساتير الدول العربية حديثة العهد نسبياً ، فقد ظهر أول تطبيق للرقابة على دستورية القوانين في القانون الأساسي العراقي 1925 ، وبعد ذلك شهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية اتجاها واضحا نحو النص على الرقابة في دساتير بعض هذه الدول خاصة بعد حصولها على الاستقلال .
وسنتناول من خلال هذا المطلب موقف بعض الدساتير العربية من الرقابة على دستورية القوانين باعتبارها ضمانة أكيدة وفعالة لمبدأ المساواة .، على إننا سنستبعد من هذه الدراسة دستور لبنان 1926 ودستور موريتانيا 1991 لأنها أخذت بالرقابة عن طريق مجلس دستوري .،وهذا النوع من الرقابة على دستورية القوانين غير فعال في حماية مبدأ المساواة.

أولا : العراق : أن التاريخ الدستوري العراقي قد شهد أقامة أول محكمة دستورية في الوطن العربي هي المحكمة العليا التي نص على تنظيمها واختصاصها القانون الأساسي لسنة 1925حيث أشار القانون الأساسي العراقي للمبادئ الأساسية لتنظيم المحكمة العليا في المواد (81-72-83-84-85-86-87) منه ،ونصت المادة (82) على إن المحكمة العليا تؤلف من ثمانية أعضاء عدا الرئيس ينتخبهم مجلس الأعيان أربعة من بين أعضاءه واربعة من حكام محكمة التمييز ، وتنظر المحكمة في الموضوعات التي تختص بها يتوقف على طبيعة الموضوع المراد عرضه فما يتعلق بتفسير أحكام الدستور أو بمخالفة أحد القوانين الأحكام الدستور فأن المحكمة تجتمع بإرادة ملكية وموافقة مجلس الوزراء ، ومجلس النواب يحرك الدعوى المتعلقة بمحاكمة الوزراء أو أعضاء مجلس الأمة أو حكام محكمة التمييز
أما بالنسبة لاختصاص المحكمة في الرقابة على دستورية القوانين فان اختصاص المحكمة هنا لا يقتصر على التشريعات العادية فحسب بل يمثل أيضا التشريع الفرعي الصادر عن السلطة التنفيذية وجعل القانون الأساسي حق الطعن بالقوانين وقفا على السلطة التنفيذية وحدها ، وإذا صدر قرار من المحكمة العليا باعتبارها أحد القوانين أو بعض أحكامه مخالفا للدستور فأن ذلك القانون ملغى من تاريخ صدور قرار المحكمة وتعتبر قرارات المحكمة العليا ملزمة لجميع المحاكم ودوائر الحكومة(1) .
هذه المقدمة عن المحكمة العليا في القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 كان يمكن اعتبارها فاتحة خير للرقابة على دستورية القوانين في العراق لكننا نجد ان الدساتير العراقية منذ قيام الجمهورية في سنة 1958 وحتى دستور 1970 فان دساتير هذه المرحلة لم تتضمن الإشارة إلى محكمة دستورية ما عدا دستور 1968 الذي تضمن نص خاص حول محكمة دستورية عليا وصدر قانون لهذه المحكمة لكنها لم ترى النور .
لكن قانون إدارة دولة العراق للمرحلة الانتقالية2004 تضمن الإشارة إلى محكمة عليا تتولى الرقابة على دستورية القوانين وهي المحكمة الاتحادية العليا ، حيث نصت المادة (44) من القانون على : (أ- يجري تشكيل محكمة في العراق بقانون وتسمى المحكمة الاتحادية العليا .
ب-اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا هي :
1- 0000
2- الاختصاص الحصري والأصيل ، وبناء على دعوى من مدع أو بناء على إحالة من محكمة أخرى ، في دعاوى بان قانونا أو نظاما أو تعليمات صادرة عن الحكومة الاتحادية أو الحكومات الإقليمية أو إدارات المحافظات والبلديات والإدارات المحلية لا تتفق مع هذا القانون .
ج- إذا قررت المحكمة الاتحادية العليا أن قانونا أو نظاما أو تعليمات أو أجراء جرى الطعن به انه غير متفق مع هذا القانون يعد ملغيا ) .
فهذه المادة قد أشارت صراحة إلى إقامة محكمة اتحادية عليا تتولى الرقابة على دستورية القوانين بناء على دعوى بان قانون أو نظاما أو تعليمات صدرت مخالفة لقانون إدارة دولة العراق للمرحلة الانتقالية وإذا قررت المحكمة أن هذا القانون أو النظام أو التعليمات مخالفة لهذا القانون حكمت بإلغائه .
وأشارت الفقرة (د) إلى إن المحكمة تضع نظاما لها بالإجراءات اللازمة لرفع الدعاوى وللسماح للمحامين الترافع أمامها وأعطت هذه الفقرة المحكمة مطلق السلطة بتنفيذ قراراتها بضمن ذلك صلاحية إصدار قرار بازدراء المحكمة وما يترتب على ذلك من إجراءات ، وأشارت الفقرة (هـ) من المادة (44) على أن المحكمة الاتحادية العليا تتكون من تسعة أعضاء ويقوم مجلس الرئاسة بتعيين أعضاء هذه المحكمة وتسمية أحدهم رئيسا لها .
وبذلك اخذ قانون إدارة دولة العراق للمرحلة الانتقالية2004 بالرقابة القضائية على دستورية القوانين وننتظر صدور القانون الخاص بالمحكمة لكي تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية القوانين وبذلك تكون ضمانة فعالة للأفراد في حماية مبدأ المساواة .