بقلم د. زهراء الجليل

قد نتفق جميعا بان كل فرد له حق في حرية الدين والعقيدة والاهم من هذه الحريات هو حرية ابداء الرأي والتعبير
وهذا الحق مضمون بألاتفاقيات والصكوك الدولية والدساتير والقوانين الداخلية ، فلا يجوز لأحد ان ينتقص من عقيدة الأخر او حريته في دينه ، او شخصه ، او اعتقادته
الا فيما يخص المناقشات العلمية والحوارات الدينية التي يقوم بها المهتمين بهذا الشأن ، البعض من دول العالم تعتبر الأعتداء على حرية الاخرين في دينهم يشكل جريمة ( أزدراء الاديان ) ومحاولة الأنتقاص من معتقدات الأخرين بالقوة المادية والمعنوية يشكل جريمة (الارهاب الفكري) الذي يتعدى مرحلة التطرف الديني . ولكن هل الأمر بهذه السهولة ؟
الجواب : هو كلا اذ لا توجد معايير دولية او قوانيين داخلية واضحة ومنضبطة للتمييز بين حرية المناقشة الدينية او السياسية وما هو محظور ، كما لا يوجد تحديد دقيق لأوجه المسؤولية للمؤسسات الأعلامية ومسؤولية مستخدمي (Social Media) وكذالك حين تصفحت وقارنت بين بعض المواد القانونيية العقابية المختلفة بين الدول لم اجد تفريق وتفسير صريح وواضح يبين وجه الاختلاف الجرمي بين طبيعة الانتقاد والنقد والتوجيه الاختصاصي وبين الاهانة المعنوية او النقدية والشخصية ولكن اغلب ما اتفقت عليه القوانيين هو اجراء عقابي يتسم بطابع انتقامي ، اذن فأين ذهبت حرية التعبير عن الراي للفرد وحرية اختيار الدين والمعتقد !! والاسوء هو التشديد على معاقبة كل من ينتقد الاديان
فاصبحنا هنا نواجه صعوبة أخرى وهي متعلقة بمسرح الجريمة حتى ذهبت بعض الدول تؤيد أنبثاق وتشريع قوانيين عقابية لجريمة جديدة غير (أزدراء الاديان) او (الأرهاب الفكري) اذا اطلق عليها تسمية
(جريمة نشر الأرهاب الفكري).
حقيقة انا كمواطنة اتعجب لهذا ! والسبب هو ان كل علم وتطور وحداثة سببها هو النقد والتشكيك والبحث في مكامن الخلل ولولا النقد والبحث والتشكيك لما تطورت الحياة ووصلت لما هي عليه الان
الصعوبة الاخرى في هذا الأمر اذ تنص أغلب القوانين العقابية ومنها قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ في المادة(٣٧٢/٥) على (من أهان علناً رمزاً أو شخصاً هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية). فما هو المعيار الذي يحدد هذا الشخص او الرمز ومن هي الجهة التي تحدده ؟.
بمعنى آخر اذا انتقدنا سياسي له جمهور يعد هذا جريمة وبنفس الوقت اذا انتقدنا مؤسسة حكومية تعد هذه جريمه فكيف ذالك ؟ واين هو التفريق بين انتقاد عمل او مهمة يقوم بها شخص مكلف بخدمة شعبه وبين انتقاده هو كشخص وانسان ؟؟
كذالك الحال مع انتقاد المؤسسات فهل هي انسان هل هي شخص مادي محسوس له كرامة وكبرياء هل انتقادنا لسوء خدمات دائرة البلدية او وزارة الاوقاف ، سيعد جريمة مثلا ؟
لا شك ان هذا الموضوع من المواضيع المهمة جداً اذ يحمي المشرع هنا السلطة ومفاصلها ويلقي بغضبه وجبروته بالعقاب على الشعب فهل المفهوم الحقيقي لتشريع منظومة القوانيين هو حماية السلطة ام افراد الشعب ؟؟
وما هو نوع السلم المجتمعي والتعايش السلمي ، وتقبل اراء الاخرين المختلفين معنا الذي تطبقه هكذا سلطات حكومية ؟
اضافة الى ان المصلحة الخاصة التي قد يستخدمها من بيدهم السلطة ، مقابل ضعف الحماية للفرد المواطن الذي يترتب عليها أثار كارثية قد تدمر حياته المهنية والشخصية والعائلية ، لكن هل الأمر متوقف عند هذا الحد ؟ لا ، فكثير من دول العالم لاتشهد وقائعها كثرة اعتداء اصحاب دين على دين أخر الا ما ندر ، ولكن ما نشاهده هو ان اصحاب الدين الواحد مقسمين لفرق مختلفة ، وكل فريق يكفر الأخر ، ولا يعلموا ان هذه الأفعال تخلف دماء واقتتال وابادة لروح الانسانية وتخلف مجتمع غير مستماسك ومتخلف الى ابعد الحدود ، فاين هو دور المشرع من هذا ؟
لذلك لابد من ان النصوص القانونية تلتفت لحماية وسلامة الفرد فمن اساسيات تطبيق احترام الافراد لقوانيين دولهم وسلطاتهم هو توفير الحماية القانونية لحرياتهم الشخصية والا سيعيش المواطنيين كارهين لدولهم وحكوماتهم وستخسر الدول نقادها وادبائها وحكمائها وعلمائها ممن لهم صولات علمية ونقدية هامة لتصحيح مسارات وانظمة القيادة الحاكمة فحينها على الاغلب سيختارون طريق الهجرة فهو السلك الآمن ودليل النجاة لهم .