تجنبوا الطعن بالقضاء ..


منطق العدل هو أن يحترم الجميع القضاء العراقي الذي أكد الدستور على استقلاليته ، فالتهجم على القضاء والاستعلاء عليه والتمرد على قراراته ،يعكس مدى خطورة الوضع ومستقبل البلاد المجهول الذي كان يدفع باتجاهه الكثيرون ممن يرفعون شعارات الاصلاح وانقاذ وطن ، وهم يعملون على تهديم الوطن ، ومتورطون في الفساد ويحسبون أنهم مصلحون.


طوال الفترة الماضية بعد سقوط نظام صدام الذي كان لايعترف بالقضاء وكانت له محاكمه الخاصة، ورغم كل محاولات التشويه والتضليل ، كشفت القرارات التي اتخذها القضاء حين تتعرض مصالح البلاد ومصالح الشعب إلى الخطر ،عن أنياب دعاة الاستئثار بالسلطة ، وكشفت أوراقهم، وباتوا يلعبون على المكشوف.


ما يواجهه القضاء العراقي هذه الأيام ، حملة مسعورة من نفس الأشخاص و الأطراف الذين استقووا لاقصاء منافسيهم حين كانت قرارات القضاء لصالحهم أو هكذا يفسرونها ، وهي تضع العراق أمام طريقين لا ثالث لهما ، إما أن تبعد القوى السياسية القضاء عن صراعاتها فينهض العراق وينفض عنه غبار سنوات عجاف ، ويؤسس لحكم وطني رشيد يطبق الدستور ويهتم بمصالح البلاد الداخلية بعيداً عن وصاية هذه الدولة أو تلك. عراق يحافظ عليه قضاة لا يخشون في الحق لومة لائم ولا سطوة أحزاب طائفية وتهديد وضغوط وابتزاز ، أو يبقى محكوما من قبل جماعات تمارس العنف والترهيب وتريد أن تحوّل مؤسسات القضاء إلى أداة طيعة تنفذ ما يملى عليها ؛ تحوّل الباطل إلى حق، والحق إلى باطل !


في الفترة الماضية ، مارس القضاء العراقي أعلى قدر من الالتزام بروح القانون لتعزيز المصالحة الوطنية، وكل ذلك كان تحت سقف الدستور مادام في الحلال فسحة.
و للقضاء بعد سقوط نظام صدام تأريخ ناصع في منع تسلط إدارة الطائفيين؛ فقد لعب دورا أساسيا في تثبيت سياسة المصالحة وحفظ التوازنات ومنع انزلاق البلاد في حرب وصراع داخل البرلمان والحكومة، وبين المركز وحكومة اقليم كوردستان ، انتظرت المحكمة الاتحادية العليا “غير المسيسة” مرور 15 عاما على تصويت البرلمان الكردي على قانون النفط والغاز، لتؤكد أن قرار الإقليم مخالف لمواد الدستور ؛ ليس مادة واحدة 110 و111 و112 و115 و122 و130.


رغم أن إقليم كوردستان يتبع الدولة العراقية من الناحية الرسمية لكنه يتصرف ككيان مستقل في إطار اتحاد شبه كونفيدرالي ، ويعتبر العراق غنيمة يشترك في قضمها ، و رفض قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن النفط المُنتج في الإقليم، مشدداً على أن أربيل ستواصل العمل بقانون النفط والغاز الخاص بها. ولم يصدر تعقيب من الحكومة الاتحادية بشأن هذا الموقف الذي يتضرر منه فقط سكان الوسط والجنوب، ، كما حصل في مشروع قانون الأمن الغذائي.


الأستقلالية واحترام القضاء وتقدير جهوده، من الصفات التي تؤسس بالضرورة لدولة القانون ، وقد طالب رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد فائق زيدان، القوى المتنافسة باحترام ما يصدر عن المؤسسة حتى وان كان يخالف رأيهم . وقال خلال احتفالية بمناسبة يوم القضاء ،بحضور شخصيات قضائية ودبلوماسية ، إن (القضاء هو مقياس الخير في الامم وهو معيار العظمة فيها)، مضيفاً أن (المؤسسة القضائية في العراق تتميز باستقلال تام)،و أن (الاستقلال التام للقضاء منحه قوة أكبر في الحفاظ على تطبيق القانون بالشكل الصحيح)، مؤكداً (دور القضاء المحوري والايجابي في ايجاد المخارج الدستورية والقانونية للمشهد السياسي المعقد)، وشدد زيدان على (ضرورة احترام القضاء، ودعا القوى السياسية المتنافسة كافة الى احترام مايصدر عنه بموجب الدستور والقانون وان كان بخلاف رأيهم).


كان رئيس القضاء يشير الى احترام القضاء والحفاظ على دوره المحوري الايجابي يعزز بالتأكيد القيم والأعراف التي تميز بها المجتمع في ترسيخ الفضيلة والعدل والتمسك بهما بأعتبارهما من القيم الأيجابية التي تساند التطور الأنساني للمجتمع و تدفع نحو تقدمه ، فالمجتمع الذي يحترم القضاء يحترم القانون، ويحافظ على استقراره.


ولأن احترام القضاء اقترن باحترام القانون ، فقد عمدت الأنظمة السابقة ، تحديداً نظام البعث ، الى تأسيس محاكم محاكم لاسند لها دستورياً و لا في قوانين القضاء ، شوهت سمعته و سلبت جزءاً كبيراً من اختصاص محاكمه عندما كانت تصدر احكامها الظالمة وغير القانونية بحق العراقيين.


من هنا يجب احترام الدستور الذي ينص على مبدأ فصل السلطات ، وتجنب التعرض لاستقلالية القضاء قولًا وفعلًا، فاحترام السلطة القضائية الاتحادية من المكونة من مجلس القضاء الأعلى ومن المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الأخرى ، يعني أن العراق يمشي في الطريق القويم نحو التقدم والرقي وحل العقد السياسية، وذلك مرتبط تماماً بالاستقلالية الفعلية للقضاء العراقي.


إن الانصياع للقضاء وقراراته ، يزيد من فرص الحوار بين القوى السياسية المتصارعة ، وهو مساهمة أكيدة في تكوين أطار دولة القانون التي تنشد الاصلاح والتغيير الحقيقيين ، وهو طموح الجميع بما يكفل المساواة والعدالة، ويجنب الانزلاق في الفوضى والانقسامات، والبداية هي بالتأكيد في احترام قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي تتشكل ولأول مرة في التأريخ العراقي الذي شهد ديكتاتوريات ومظالم، وتختص بالرقابة على دستورية القوانين وتفسر نصوص الدستور وتفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية ، وتفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم والادارات المحلية وتصادق على نتائج الانتخابات العامة لمجلس النواب وتفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وتفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي وهيئات الاقاليم القضائية والمحافظات غير المنتظمة باقليم ، وقرارات هذه المحكمة العليا باتة وملزمة.


الذين يمارسون هذه الأيام سياسة التهديد والطعن بالقضاء ، إنما يمنعون خطوات تأسيس دولة القانون والحريات . فليس من المعقول ان يتم الطعن بقرارات المحكمة الاتحادية والدستور يحترم هذه القرارات ويضفي عليها صفة الالزام والاحترام والقوة التنفيذية، واعتبرها تفصل في أهم مفاصل واشكالات الدولة والأقاليم والمحافظات والقوانين بحيادية وبحكمة افترضها في قضاتها.


في هذا الواقع ، فإن إطلاق الأحكام جزافًا ودون علم ، واستهداف المحكمة الاتحادية العليا يشكل إساءة بالغة للقضاء ويضعفه كعنوان عريض في عملية بناء الدولة التي يساهم الجميع في رص بنيانها وترسيخ قيم العدالة فيها. يجب أن يتسلح الشعب بالثقافة القانونية وبقيم المجتمع الأيجابية ونبذ السلبية ، وان يمارس النقد الهادف والبناء وتجنب الطعن الذي نتائجه وخيمة تضر بالجميع. .


نجاح محمد علي كاتب وباحث عراقي متخصص في الشؤون الايرانية والإقليمية


• لمتابعة نجاح محمد علي على توتيتر @najahmalii