[align=center][/align]

تهدد المنشطات والهرمونات البنائية التي تسرّع من نمو الجسم والعقاقير الأخرى التي تحسن الأداء الجسدي للرياضيين بإفساد الألعاب الأولمبية لهذه السنة، والرياضة بوجه عام على المدى الطويل

بقلم: جون ويلنر

أغسطس 2004


لن ينسى جون غودينا أبدا الغشاوة الضبابية التي اعتلت عيني العدّاء بَنْ جونسون والتي جعلتهما يبدوان وكأنهما تطلان من عالم آخر.
كان ذلك في دورة الألعاب الأولمبية في سيؤول في صيف 1988، بينما كان غودينا يشاهد التلفزيون فيما كان جونسون يتقدم سريعا كالبرق ليحقّق رقما قياسيا في سباق الـ100 متر. وما أن انتهى السباق حتى عرضت الكاميرات صورة لجونسون عن قرب، جعلت غودينا يفرك عينيه غير مصدّق لما رآه.

يقول غودينا: "بدأتُ أتساءل عن مشكلة عينيه، واعتقدت، كما أذكر، أنه كان مريضا، ثم اكتشفت الحقيقة، وقلت لنفسي: إذن الأمر كذلك. وكانت تلك المرة الأولى التي تستحوذ فيها قضية المنشطات في الألعاب الأولمبية على اهتمامي".

وبدأت مشكلة المنشطات تظهر على نحو متكرر يبعث على الدهشة منذ ذلك الحين.

[align=right][/align]جون غودينا ليس غريبا عن الرياضة والألعاب الأولمبية، فهو أحد كبار رماة الجلة الأميركيين، وسيشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية التي ستبدأ في أثينا هذا الشهر.

ويدرك غودينا تماما مدى انتشار العقاقير المحسنة للأداء الجسدي، وإمكانية حدوث فضيحة منشطات قد تشوّه سمعة الدورة كما حدث حين أثبتت الفحوص تعاطي جونسون لمنشطات تسببت في إعطاء عينيه ذلك اللون الأصفر الغريب، وانتهت بنزع الميدالية الذهبية عن جونسون لاحقا، وسيلاحقه عار استخدام المنشطات إلى الأبد.

وعلى الرغم من حديث غودينا المتكرر والمستمر عن استخدام المنشطات، إلا أنه يتردد في ذكر أسماء محددة لمستخدمي المنشطات.

[align=center]غش وخطورة[/align]
لكن ستيفن أونغرليدر، الخبير في قضايا تعاطي المنشطات، يقدر أن 20% من اللاعبين المشاركين في دورة أثينا والذين يُقدر عددهم بين 10,000 و11,000 لاعب سيقومون بتعاطي العقاقير المحسنة للأداء الجسدي قبل بدء المنافسات.

وسيتعاطى البعض عقاقير لزيادة القوة العضلية فيما سيتعاطى آخرون عقاقير لزيادة الطاقة وقوة التحمل، أو الاثنين معا.

وأفضل ما يمكن التسلّح به عند مشاهدة الألعاب الأولمبية هذا الصيف هو قدر من الشك والحيطة، وإذا ما ظهر مستوى أحد الرياضيين أفضل أو أسرع أو أقوى من أن يُصدق، فمن المتوقع أن يكون قد تعاطى منشطات لرفع مستوى أدائه.

يقول أونغرليدر وهو طبيب نفسي ومؤلف كتاب "ميداليات المخادعين الذهبية" Faust's Gold الذي عالج قضايا المنشطات التي كان رياضيو ألمانيا الشرقية يتعاطونها سابقا: "ستكون هناك قصص كثيرة عن المنشطات في دورة أثينا، وسيكون هناك استعمال لها حتما وبدون أدنى شك".

والغش في الألعاب الأولمبية أمر قديم قِدَم الألعاب نفسها، لكن الذي تغيّر مؤخراً هو نوع المنشطات والعقاقير التي يتم تعاطيها، فبدلا من العقاقير البنائية التي راجت في الثمانينات، بدأ الرياضيون في تعاطي الهرمونات التي تعجّل من بناء عضلات قوية، وعقار تكوين الكريات الحمراء المعروف باسم إريثروبويتين Erythropoietin، وهو عقار يزيد من كمية الأوكسجين، والذي أصبح يحظى بشعبية على نطاق واسع بين الرياضيين الذين يمارسون رياضات تحتاج إلى قوة تحمل.

وقد بات تعاطي المنشطات عملية بالغة التعقيد والتطوّر، حيث يقوم الرياضيون الآن بالاستعانة بخبراء الأدوية والعقاقير للإشراف على برامجهم الغذائية.

وما يقوم به هؤلاء في الواقع، كما يعتقد أونغرليدر، هو الإشراف على تعاطي جرعات من مواد غير قانونية لا يمكن اكتشافها. ورغم أن الاختبارات وطرق الفحص الجديدة قد تجعل دورة أثينا أنظف الدورات خلال عقود وأكثرها بطؤاً بالقياس مع دورات سابقة، فإن هذا الأمر لن يَحسِم الكثير من الخلافات أو يجد الحل للمشكلات المعلّقة.

يقول غودينا: "حينما بدأت مسيرتي الرياضية، تعيّن عليّ أن أكون منطقيا إزاء الواقع الذي أتعامل معه، لقد أصبحت أكثر تشدّدا إزاء "الغش الرياضي"، لكنني أعتقد أن الأمر في مجال سباقات العدو يجب أن يكون أفضل مما كان عليه قبل 20 عاما، كانت هناك فترات في تاريخ الرياضات حينما لم تكن هناك أية قيود على الإطلاق".


[align=right][/align] لماذا يلجأ الرياضيون إلى الغش؟
لكن لماذا يلجأ الرياضيون إلى الغش؟ ولماذا يقدمون على تعاطي عقاقير خطرة قد لا تضمن لهم حتى الفوز؟ فالكثير من الرياضيين الذين يتناولون المنشطات لا يحققون، في نهاية الأمر، الانتصارات التي يحلمون بها، ولا الثراء الذي يطاردونه، وكل ما يخرجون به من هذه التجربة لا يعدو أحلاما تبدّدت، وقلوبا مصابة بأضرار بدنية قاتلة في معظم الأحيان.

الجواب السهل والمباشر، بالطبع، هو: المال والشهرة. سواء تعلق الأمر بالألعاب الصيفية أو الشتوية، أو بحمامات السباحة أو منحدرات التزلج على الجليد فإن الميداليات الذهبية تعني الشهرة والثروة. ففي الولايات المتحدة تؤتي الميدالية الذهبية صاحبها ملايين الدولارات من خلال عقود الإعلانات التي ستعرض عليه.

تقول ريتشيل ستير الرياضية الأميركية في التزلج على الثلج والرماية: "كان الفوز بالنسبة لبعض الرياضيين في كتلة الدول الشرقية مثل ألمانيا الشرقية سابقاً والاتحاد السوفيياتي هو الطريق إلى الخروج من وضع اجتماعي صعب، فحينما تكون في بلد لا يتوفر فيه سوى القليل من البدائل والخيارات الاقتصادية، فإن الفوز بميدالية ذهبية سيضمن لك الحياة في مستوى أفضل طوال حياتك".

أما في أميركا، تضيف ستير قائلة: "إن السبب في تعاطي الكثيرين للمنشطات هو الطابع التنافسي لثقافتنا حيث يمثل الفوز جوهر الحياة هنا، ليس بوسعك أن تكتفي بميدالية فضية أو برونزية. بل يتعيّن عليك أن تكون الأفضل".

ويقوم الرياضيون بالغش، في نهاية المطاف، لأنهم يستطيعون ذلك، فالعقاقير متوفرة، وهي شديدة الفعالية لدرجة أن من لا يقومون بتعاطيها سيواجهون أوضاعا تنافسية بالغة الصعوبة، أو هكذا يبرّر الرياضيون لأنفسهم عمليات الغش.

يقول غودينا: "الأمر لا يعدو القيام بحملة تسويق من أجل تعزيز قناعتك الشخصية، فأنت تقول لنفسك إنك تريد تعاطي المنشطات من أجل الوصول إلى الفوز بطريقة أسهل. ولا شك أن لكل واحد منا مستوى معيّناً من الالتزام الأخلاقي، لكن يبقى السؤال في نهاية الأمر هو: هل ستترتب عقوبة على هذا الفعل؟" وحتى الآونة الأخيرة لم تكن هناك أية عقوبات.

[align=center]بدايات قديمة وفضائح أولمبية[/align]
تعاطي المنشطات في الألعاب الأولمبية بدأ مع الإغريق أنفسهم الذين كانوا يخلطون مستخرجات الفطر مع بذور النبات لتحسين الأداء الجسدي. واستمر الأمر مع الرومان الذين كانوا يعطون المنشطات لخيولهم لتزداد سرعتها. وقد شهدت دورة سباق بوردو باريس Bordeaux-Paris، عام 1896، حالة وفاة واحدة بسبب العقاقير، حيث تعاطى متسابق الدراجات البريطاني آرثر لينتون جرعة زائدة من المنشط الثلاثي الميتيل أثناء السباق ومات بعد ذلك بقليل.

غير أن الأمر لم ينتشر على نطاق واسع حتى الخمسينات حينما بدأ السوفييت يستخدمون الهرمونات الذكرية، ورد عليهم الأميركيون باستخدام المنشطات البنائية.

استجابة اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية كانت بطيئة. فقد بدأت اللجنة في تطبيق فحوص تعاطي المنشطات في دورة الألعاب الصيفية في المكسيك عام 1968. لكن هذه الفحوص كانت عديمة الجدوى إذ تم اكتشاف 52 حالة فقط من تعاطي المنشطات من بين 54,000 فحص أجري خلال العقود الثلاثة الماضية، وفقا لصحيفة تايمز اللندنية.

ولم تكترث اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية كثيرا، إذ كان هدفها فقط هو إعطاء الانطباع بأنها جادة في تطبيق الفحوص، وليس العثور على من يمارسون الغش الرياضي.

تقول ستير: "إن الإداريين التقليديين لم يرغبوا في كشف الظاهرة، فقد كانوا يأملون في أن تختفي من تلقاء نفسها وبهدوء، بل كان هؤلاء الإداريون يعتقدون، إلى حد ما، أن تعاطي المنشطات سيجعل المنافسات الرياضية أكثر إثارة".

ولم يكن تعاطي المنشطات أكثر انتشارا في أي دولة مما كان عليه الحال في ألمانيا الشرقية سابقا. فقد أصبح ذلك البلد بسكانه البالغ عددهم 17 مليون نسمة مكانا يُعتدّ به من حيث الرياضيون المتميزون لا سيما في مجال السباحة.

وقد فاز السباحون من ألمانيا الشرقية بـ11 ميدالية ذهبية من مجموع 13 ميدالية في دورة الألعاب الصيفية في مونتريال عام 1976. وحققت ألمانيا الشرقية هذه الانتصارات بفضل نساء يشبهن الرجال إلى حد كبير، ولهن عضلات بارزة. ومع ذلك، فقد نجحن في "الفحوص".

يقول أونغرليدر: "كانت اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية على دراية تامة بما يحدث، وكلّ ما فعلته هو تجاهل الأمر".

وبعد سقوط حائط برلين، بات كل ما كان يحدث في عالم الرياضة في ألمانيا الشرقية معروفا للجميع.

فقد كشفت الوثائق الرسمية عن برنامج ضخم لتعاطي المنشطات برعاية الدولة استمر لعقود، واعترف العشرات من مدربي السباحة السابقين في ألمانيا الشرقية، في نهاية المطاف، بأنهم كانوا يعطون المنشطات لرياضييهم.

ورغم أن العداء بَنْ جونسون هو أشهر متعاطٍ للمنشطات، فإن العديد من رياضيي ورياضيات أواخر الثمانينات والتسعينات لم تكن لتتحقق أرقامهم القياسية لولا تعاطي المنشطات.

فالعدّاءة الأميركية فلورانس غريفيث-جوينر، وهي عدّاءة متوسطة القدرات طوال حياتها الرياضية، فازت بثلاث ميداليات ذهبية في دورة ألعاب سيؤول، أنكرت استخدام منشطات لتحسين الأداء الجسدي، غير أن تقاعدها المفاجئ بعد عام أثار المزيد من الشكوك، حيث تزامن مع بدء تطبيق الفحوص العشوائية، وتوفيت بعد 10 سنوات نتيجة تقلصات في عضلات القلب عن عمر لم يتجاوز الـ38 عاما.

أما في عام 1996، فقد فازت السبّاحة الأيرلندية ميشيل سميث التي لم تكن معروفة في السابق بثلاث ميداليات ذهبية وميدالية برونزية في دورة ألعاب أتلانتا. مما أثار العديد من التكهنات وحينما لاحقها الصحافيون بالأسئلة، أنكرت، بشكل قاطع، تعاطيها المنشطات. غير أنها ضُبطت بعد عامين متلبّسة بالتلاعب بالعينات التي كان سيتم فحصها، وحُرمت من المشاركة في المنافسات الرياضية لأربع سنوات.

ومع كل فضيحة جديدة، كانت الضغوط تزداد على رئيس اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية السابق خوان أنطونيو سامارانش لتطبيق الإجراءات المضادة لتعاطي المنشطات. وقد قاوم سامارانش هذه الضغوط ليس لجهله بما يدور، بل لأنه كان يدرك أن ثمة مشكلة جدّية متجذرة.

يقول ريتشارد باوند وهو محامٍ كندي وعضو مؤثر في اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية: "لم يشأ سامارانش أن يعرض الألعاب للخطر، إذ لو أقرّ برنامجاً للفحص عن المنشطات ووضع موضع التنفيذ، لتعيّن عليه أن يقول وداعا للألعاب الأولمبية، ولذا، لم يكن هناك من برنامج لمكافحة المنشطات".

بمعنى آخر، كان سامارانش عاجزا عن وقف تعاطي المنشطات، إذ كيف بإمكانه إقناع الدول الصغيرة بمحاسبة رياضييها الذين يمارسون الغش في حين أن أكبر بلدان العالم وأغناها لا تفعل ذلك.

فقد سمحت الولايات المتحدة، ولعقود طويلة، لعدائيها بتناول المنشطات دون أية عواقب تذكر.

فقد ثبت، مثلاً، أن العدّاء الأسطوري الأميركي كارل لويس تعاطى منشطات ممنوعة ثلاث مرات في السباقات التمهيدية لدورة 1988 الأولمبية، وبرر لويس ذلك بأنه كان خطأً غير مقصود. كما ثبت أن جو ديلوخ، شريك لويس في التدريبات، كان يتعاطى النوع نفسه من المنشطات التي استخدمها لويس.

وبعد مضي أكثر من عقد على فضيحة لويس، تم ضبط العدّاء الأميركي جيروم يونغ متلبّسا باستخدام المنشطات، وبدلا من منعه من المشاركة، سمح له مسؤولو الفريق الأميركي بالعدو في سباق المضمار في دورة ألعاب سيدني حيث فاز بميدالية ذهبية كعضو في فريق التعاقب الأميركي لسباق الـ1,600 متر.

يقول باوند: "فيما يتعلق بفضيحة يونغ، تصرّف فريق العدو الأميركي بحماقة، وأنا أستخدم كلمة حماقة هنا كلفظ ملطّف!"
سامارانش، رئيس اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية السابق، نفسه لم يعد بوسعه أن يتجاهل أكبر فضيحة لتعاطي المنشطات في تاريخ الرياضة، تلك التي كُشفت قبل بدء سباق الدراجات الفرنسي الشهير Tour de France عام 1998 بيومين عندما ضُبط أخصائي التدليك لمتسابق فرنسا الأول فرانسيس فيستينا وبحوزته 400 قارورة من منشطات تحسين الأداء الجسدي. وعلى الرغم من طرد فيستينا من السباق، إلا أن موجة الاحتجاجات العالمية أصبحت قوية لدرجة أن سامارانش وافق على إنشاء الهيئة العالمية لمكافحة المنشطات، وهو ما عجّل بتشكيل اللجنة الأميركية لمكافحة المنشطات.

وأخيرا أنشأت اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية شرطة مكافحة المنشطات. بيد أن أكبر مشكلة واجهتهم هي خبرة خمسة عقود من الزمن كانت قد توفرت للرياضيين الذين يمارسون الغشّ!.

وبفضل أحدث أجهزة الكشف عن العقاقير، بات من السهولة بمكان كشف المنشطات. غير أن الهرمونات البنائية تمثل مشكلة ذات طابع خاص. فهي، وعلى أكثر من صعيد، العقار المثالي كونها تزيد من بناء العضلات القوية مثلها مثل المنشطات البنائية، لكنها تظهر في الجسم بصورة طبيعية. ولأن هذا العقار تُنتِجه كبريات الشركات الدوائية للمساعدة في نمو الأطفال المعاقي النمو جسديا، فإنه يصعب فرض رقابة عليه. وقد كشف تحقيق أجرته صحيفة أوبزرفر Observer اللندنية قبل سنوات عن وجود سوق سوداء عالمية للهرمونات البنائية تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات.

ولكن، وبعد خمس سنوات من تأسيسها، بدأت اللجنة العالمية لمكافحة المنشطات اللحاق -وإن كان ببطء- بقضية الهرمونات البنائية. ومن المتوقع أن يتوفر فحص للكشف عنها هذا الصيف، كما يقول باوند. غير أن نتائج هذا الفحص ومدى فعاليته ليست معروفة حتى الآن.

كما أن اللجنة العالمية لمكافحة المنشطات على وشك الانتهاء من تطوير فحص لعقار إريثروبويتين المكون للكريات الحمراء، وهو هرمون طبيعي تفرزه الكلى ويحفّز إنتاج كريات الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين إلى مجرى الدم.

[align=center]فضيحة أميركية تهدد الآمال الأولمبية[/align]
يقول غودينا: "المشكلة في طريقها إلى الحل، ففي كل مرة يكتشفون شيئا جديدا، وهو أمر يجعل من السهولة بمكان معرفة ما سيتوفر من منشطات في مرحلة لاحقة. وهذا الأمر قد يوصد الباب على المشكلة إلى غير رجعة".

وقد حققت اللجنتان العالمية والأميركية لمكافحة المنشطات نصرا كبيرا مؤخراً حينما كشفت وزارة العدل الأميركية عن فضيحة منشطات كانت تنطلق من بلدة بيرلينغيم في ولاية كاليفورنيا، على مبعدة أميال قليلة جنوبي مدينة سان فرانسيسكو حيث كان فيكتور كونت، مدير باي أريا لابراتوري كوبراتيف Bay Area Laboratory Co-operative (BALCO)، يقوم بتوزيع منشط لم يكن معروفا في السابق اسمه تيتراهيدروغيسترينون tetrahydrogestrinone أو THG.

وأصبح كونت واحداً من أربعة رجال متهمين بإعطاء العقار لمجموعة من كبار اللاعبين في رياضات مختلفة. أحد هؤلاء الأربعة، هو غريغ أندرسون المدرب الشخصي للاعب البيسبول الكبير باري بوندز.

وتنطوي هذه الفضيحة على قدر كبير من التعقيدات القانونية التي سأم الأميركيون من متابعتها، غير أنها ورّطت عددا من الرياضيين الأولمبيين من المشاهير ومن ضمنهم ماريون جونز أشهر عدّاءة في العالم.

وقد بدأت الشكوك تحيط بسمعة ماريون جونز أثناء دورة سيدني حينما ثبت أن زوجها رامي الجلة سي جيه هَنتر يتعاطى المنشطات وتم طرده من الدورة.

وأنكرت جونز أية صلة بفضيحة المنشطات، وسرعان ما طلّقت زوجها. غير أنها لم تستطع إبعاد الشكوك والتكهنات حول علاقتها بالعقاقير المحسنة للأداء الجسدي. بل زادت حدة هذه الشكوك في عام 2002، عندما صدمت عالَم رياضة العدو بتعيينها تشارلي فرانسيس المعروف عند البعض باسم "الكيميائي" مدربا جديدا لها. وكان فرانسيس مدرباً لبَنْ جونسون في عام 1988. ولم تلغِ جونز العقد مع مدربها الجديد إلا تحت وطأة ضغوط شديدة مارستها عليها شركة نايكي Nike للأحذية الرياضية.

وواجهت جونز المزيد من الدعاية السلبية في شهر نيسان/أبريل، حينما نشرت صحيفة سان هوزيه ميركوري نيوز San Jose Mercury News تقريرا يفيد بأن كونت أبلغ المحققين الفيدراليين بأنه زوّد 27 رياضيا بعقارات محظورة، ومن بينهم جونز وصديقها تيم مونتغمري صاحب الرقم القياسي الحالي في سباق الـ100 متر.

يقول مارك إيمونز مراسل صحيفة سان هوزيه ميركوري الذي كتب أكثر من 10 تقارير صحفية عن جونز وفضيحة المنشطات: "الواقع هو أن جونز هي أسرع عدّاءة في العالم، ومن الواضح بشكل متزايد أنها لا تستطيع التهرّب من التهم الموجهة لها بتعاطي العقاقير. وعلى الرغم من قول جونز إنها لا تؤمن بتحمل الذنب بالتبعية، فإن سمتها في الحقيقة قد اهتزت اهتزازا شديدا حتى وإن ثبت أنها لم تتعاطَ أياً من منشطات تحسين الأداء الجسدي".

ويمكن لفضيحة BALCO أن تؤثر سلبا وبدرجة كبيرة على حظوظ أميركا في دورة ألعاب أثينا. فقد حصلت إحدى اللجان الحكومية على نتائج التحقيق، ومن المتوقع أن تسلم معلومات ضارّة ومسيئة فعلا إلى المسؤولين عن مكافحة المنشطات، وإذا ما تمّ ذلك قبل بدء دورة ألعاب أثينا، فإنه قد يؤدي إلى منع أفضل رياضيي أميركا من التنافس فيها.
يقول غودينا: "الكثيرون من أعضاء فريق العدو والمضمار الأميركي الذين شاركوا في بطولة العالم في باريس السنة الماضية لن يشاركوا في أثينا".

وبغض النظر عن الكيفية التي ينتهي بها التحقيق في فضيحة BALCO، فإن تأثيراتها لا يمكن إنكارها وهي غير قابلة للنقض. لقد أجبرت هذه الفضيحة الولايات المتحدة على مواجهة مشكلة المنشطات المتفاقمة.
يقول باوند، رئيس اللجنة العالمية لمكافحة المنشطات: "إن فضيحة تيتراهيدروغيسترينون تمثل للولايات المتحدة ما مثلته فضيحة بَنْ جونسون لكندا، بوسعك أن تجري، لكن ليس بوسعك أن تخفي رأسك في الرمال. لقد تم تصنيع هذا العقار في أميركا، وبيع واستخدم فيها، وليس في أي مكان آخر. وسواء شئنا أم أبينا فإن الولايات المتحدة هي صانعة الرأي العام، وهي لم تكن القدوة في الماضي، لكن ها هي تلعب دور القدوة، وهذا أمر شديد الأهمية بالنسبة لنا، لقد بدأنا، وأخيرا، نحقق بعض التقدم".


العلاج الجيني.. الخطر الجديد؟

المشكلة الكبرى التي تواجهها اللجنة العالمية لمكافحة المخدرات هي أن العقاقير المحسّنة للأداء تتطور بشكل مستمر، إذ حينما تم تطوير وإتقان طرق كشف المنشطات، تحول من يمارسون الغش الرياضي إلى الهرمونات البنائية. وما سيأتي هو أعظم، فالعلاج الجيني، وهو ميدان متشعّب، ستكون له تأثيرات تحيّر العقل.

إن الانتهاء من إعداد خريطة الجينات البشرية قبل عدة سنوات قد مكّن العلماء من معرفة أي جين هو المسؤول عن تحسين القدرات الرياضية عند الإنسان. والعلاج الجيني مصمّم لمعالجة التشوّهات العضلية وضمور العضلات المرتبط بالشيخوخة، لكن بوسعه أن يوفر للرياضيين فرصة تحقيق ما لم يكن متخيلا قبل عقد من الزمن: قطع مسافة ميل واحد في ثلاث دقائق، ومسافة 100 متر في ثماني ثوان.

كيف يعمل العلاج الجيني؟ لقد قام لي سويني الأستاذ بجامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania بابتكار طريقة لاستخدام الجينة آي جي أف-1 IGF-1، وهي التي تنبه العضلات حسب الحاجة لإصلاح ذاتها والنمو. وحينما تم حقن هذه الجينة في الأرجل الخلفية للفئران، فإنها تسببت في نمو العضلات فيها بضعفين.

ولن تتم تجربة هذا العلاج على البشر إلا بعد سنين، غير أن سويني أبلغ صحيفة يو أس أيه توداي USA Today أنه يتلقى عشرات المكالمات يوميا من رياضيين يتلهفون للتطوّع لتجربة هذا العلاج. كما اكتشف العلماء جينة بيه جي سي-1 ألفا PGC-1 alpha، التي توصف بأنها "الجينة المسؤولة عن قوة التحمل" لأنها تزيد من احتراق الأكسجين.
ولقد شعرت اللجنة العالمية لمكافحة المخدرات بالقلق لدرجة أن أعضاءها اجتمعوا في هولندا في شهر نيسان/أبريل الماضي لصياغة خطة لمواجهة الاستخدام غير القانوني للعلاج الجيني، أو ما يسميه البعض بالتلاعب في الجينات.

يقول باوند: "لا نريد للوضع الذي حدث في السابق مع تجارة العقاقير والمنشطات أن يتكرر مرة أخرى، حينما ترك المسؤولون عن الرياضة هذه العقاقير والمنشطات تتطور وتسبق الفحوص. نحن بحاجة لأن تكون هناك ضوابط ولوائح تنظيمية في النسق، إننا بحاجة لاستيعاب المسألة ومواجهتها في بداياتها فيما تنتقل العلاجات الجينية من المختبر إلى التجارب السريرية، ويتعيّن علينا أن نعرف كيف تُستخدم لكي نطوّر فحوصا لمواجهتها".

هذا الأمر لن يكون سهلاً، لأن العلاج الجيني يولّد تغيّرات على مستوى الخلايا، فإن طرق الفحص على المنشطات والهرمونات البنائية لن تكون ناجعة. وستكون اختبارات الخزعة العضلية أفضل طريقة لاكتشاف التلاعب الجيني: حقن حقنة في العضل ثم تحليل العينات الميكروسكوبية التي تم استخلاصها من العضلة. وهذا يعني أنه لا بد من حقن البقعة الصحيحة، وإلا فإن الفحص لن يؤدي إلى نتيجة.

وهناك مخاطر أن تنشأ سوق سوداء للعلاج الجيني، إذ يعتقد الخبراء في قضايا المنشطات أن المسألة هي مجرد بعض من الوقت قبل أن تبدأ المختبرات في روسيا والاتحاد السوفييتي السابق في إنتاج كميات غير محدودة وغير قابلة للكشف من آي جي أف-1، وبيه جي سي-1 ألفا، وعندها ستكون المعضلة قد حُسمت.

يقول أونغرليدر: "في ضوء السرعة التي يتقدم بها العلم، ستكون هناك من المؤكد مختبرات غير قانونية في سيبيريا تنتج مواد لتحسين الأداء، مواد يمكن لها التأثير على نوعية الأداء بحلول الوقت الذي تحل فيه دورة بكين للألعاب الأولمبية. من منا سيعرف كيف ستكون الأمور في الـ10 سنوات أو 12 سنة القادمة؟"


http://www.himag.com/articles/art5.cfm?topicId=5&id=526