نظرة حول تعليم الموسيقى

"إن المحرم من الموسيقى هو ما يكون مثيراً للغرائز ومنفتحاً على الشهوات وهو الذي يعبر عنه الفقهاء بما يتناسب مع ألحان أهل الفسوق، وأما الموسيقى الهادئة التي تريح الأعصاب والتي تحمل فكراً وتحمل روحية معينة، أو الموسيقى الحماسية فجائزة."(سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله)

أية موسيقى يتعلّمها التلميذ في المدرسة؟

تحت هذا العنوان كتب الأستاذ أحمد همداني مقالا" جاء فيه:

لماذا كانت الموسيقى مادة في المدارس والمعاهد ومنذ متى؟ من أي عمر يمكن للتلميذ أن يبدأ بتعلّمها؟ بين علامات الاستفهام الشرعية الكثيرة حولها كيف يمكن لعملية تعليم الموسيقى أن تكون ضمن حدود الرضى الإلهي؟ وهل هناك من فائدة عملية من تعليمها توازي أية مخاطرة محتملة على المستوى الشرعي؟ أم أنها مادة للتسلية فقط؟ ما هي المحاور التي يرتكز عليها الدرس؟ الآلات المستعملة؟ عدد الحصص؟

كل هذه التساؤلات وغيرها قد تجول بخاطر أي شخص إذا ما تعرّض لموضوع تعليم الموسيقى في المدارس. فبينما نرى الكثير وربما الأعم الأغلب، من المدارس عجزت أو أهملت أو حتى رفضت هذا الأمر، نجد من اهتم به وسخّر له من الإمكانات اللازمة ما أمكن.

وبالنظرة التاريخية نجد أن الموسيقى تحتل موقعاً خاصاً في المؤسسات التعليمية منذ بعيد الزمن وبدءاً من سنوات الحداثة لدى المتعلمين بأساليب تنوعت لتنسجم مع مختلف الأعمار والمجتمعات، مما يعكس مدى اهتمام الإنسان بهذا الفن الجميل الذي قال فيه الفلاسفة والأدباء ما لم يقولوه في غيره من الفنون: "الموسيقى هي الجمال المسموع.. لغة الشعور.." وغير ذلك الكثير، ثم أصبح هذا الفن علماً منظماً كتابةً وقراءةً وعزفاً.

وفي الجهة المقابلة نجد أن بعض من تجنّب اعتماد هذه المادة كان بسبب المحاذير الشرعية الواضحة من الكثير من الآراء الفقهية حول هذا الموضوع ولكن الأمر أصبح أكثر وضوحاً مع ذهاب أغلب الفقهاء المعاصرين إلى عدم تحريم أصل الموسيقى، مما أوجد مساحة واسعة يمكن العمل ضمنها.

هذا ويمكن أن نعتبر أن الموسيقى المقبولة عقلاً وشرعاً هي تلك التي تمكّن صاحبها بأية طريقة كان من المساهمة في تحقيق هدف راجح فيه خير ومنفعة، لا تلك التي تكون فقط مادة للّهو والتسلية، لأنه في هذه الحالة ـ كما يذكر الإمام الخميني في كتابه "الأربعون حديثاً" ـ تكون من العلوم التي لا تضر ولا تنفع ويستحسن بالإنسان أن لا يصرف وقته فيها.

لذا على المنوط به هذا الدور من المعلمين أن ينظر دائماً إلى فوائد حقيقية يربحها من وراء هذه المادة، منها مثلاً: تعزيز الحسّ الانضباطي لدى المتعلم، التعوّد على الإصغاء، احترام الآخرين ومهاراتهم، مساعدة المتعلم على التمييز بين المفيد منها والفاسد ورفض الأخير وتجنبه، كشف المواهب وتوجيهها في خدمة الدين المقدس وغير ذلك من الثمار المفيدة لهذا الفن ـ العلم.

أما بخصوص المناهج المعتمدة فهي مختلفة كما عدد الحصص وأماكن التدريس وأنواع الآلات والكتب المعتمدة. بالاستناد إلى المنهجية المستحدثة في وزارة التربية والتعليم نجد أن درس الموسيقى يقع ضمن محاور أربعة هي:

1 ـ الاستماع والإصغاء: حيث يعتاد التلميذ على تمييز ما يسمع من خصائص الألحان والآلات وبالتالي يطور مهاراته السمعية.

2 ـ النظريات الموسيقية: فيها يتعلم التلميذ مبادىء كتابة وقراءة الجملة الموسيقية وبنيتها التركيبية وغير ذلك.

3 ـ العزف: حيث يستعمل بعض الآلات التعليمية لا الاحترافية مثل recorder، الطبل، الدف، المثلث، الصنوج، ماراكاس، claves وغيرها ليطبق ما تعلمه من مفاهيم.

4 ـ الغناء: ليطبق الكثير مما تعلمه في جمل غنائية نحرص على أن تكون كلماتها هادفة وألحانها متزنة.

ومن أهم ما يمكن فعله أيضاً ونحن نلتزم به، هو إقامة فقرات مسرحية ضمن المهرجان الفني السنوي في نهاية العام الدراسي يقوم خلالها التلاميذ من مختلف المراحل، بتقديم لوحات جميلة من العزف والغناء يعكسون فيها ما تعلمونه طيلة العام الدراسي الطويل والتي من شأنها تعزيز الثقة بالنفس والشعور بأهمية العمل الجماعي وبأهمية تحمل المسؤولية الفردية والجماعية.

وفي النهاية نقول إن بحر هذا الفن واسع، وما يجب أن تقوم به المدارس في هذا المجال، هو فتح آفاق التلميذ على هذا العالم وتوجيهه إلىحيث ينتفع به لدنياه وآخرته.