وهو (عبد الله بن أبي قحافة كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله(ص) عبد الله ) ( الاستيعاب لابن عبد البر, ج3 ص 963)
كان يسمى عتيق أيضا , فقد روى ابن حجر عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : (سألت عائشة ( ابنة الخليفة) عن اسم أبي بكر , فقالت عبد الله, فقلت إن الناس يقولون عتيق, قالت
(إن أبا قحافة ( أبو الخليفة) كان له ثلاثة أولاد فسمى واحداً عتيق والثاني معتق والثالث عتيق( معيتق) وأن اسمه الذي يسمى به هو عبد الله بن عثمان) ( الاصابة لابن حجر ج4 ص 341, المعجم الكبير للطبراني ج1 ص 53). وذكر ابن عبد البر :( كان له أخوان أحدهما يسمى عتيقا ,مات عتيق قبله فسمى باسمه) ( الاستيعاب لابن عبد البر, سيرة أبوبكر). ( وقيل أنه سمي عتيقا لعتق أمهاته) ( مروج الذهب ج2 ص305 , سيرة ابوبكر)
إذن صار لأبي بكر إسمين, عبد الله وعتيق. تقول ابنته عائشة أن النبي سماه عتيقا لأنه عتيق من النار! (عن عائشة قالت إني لفي بيت رسول الله وأصحابه في الفناء وبيني وبينهم الستر إذ أقبل أبو بكر فقال رسول الله من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا قالت وإن اسمه الذي سماه به أهله لعبد الله بن عثمان بن عامر)(( طبقات بن سعد , ج3 ص 108 سيرة ابوبكر, الاستيعاب ج3 ص963 ترجمة أبوبكر) , وهذه مسألة فيها نظر لأن النبي لم يكن ليغير من كان اسمه عبدالله في الجاهلية الى اسم آخر, فلم يعهد أن النبي غير اسم واحد من الناس من عبد الله الى غيره, بل بالعكس كان يغير أسماؤهم الى اسم عبد الله أوعبدالرحمن فهو القائل: ( إن خير الاسماء عبد الله ) ( المعجم الكبير للطبراني ج7 ص 118) , وغير النبي(ص) اسم عبد الكعبة بن العوام الى عبد الرحمن بن العوام وغير اسم عبد الكعبة بن أبي بكر الى عبد الرحمن (الاستيعاب ج2 ص 842, ص843). فهل يعقل أن اسمه عبد الله كما زعمت عائشة فسماه النبي بعتيق؟ ليس الامر كذلك, فإذا كان اسمه (عبدالله ) فلن يغيره النبي (ص) لعتيق . الصحيح أن اسمه هو عبد الكعبة فغيره النبي (ص) الى عبد الله كما ذكر صاحب الاستيعاب في السطر الاول أعلاه .
إذن من أين أتى اسم عتيق ؟ قال بعض المؤرخين قول عائشة الذي قالت فيه: سماه النبي عتيق النار ,وقال آخرون سمي عتيق لجماله وعتاقة وجهه! ( أن أبابكر أبيض يخالطه صفره، حسن القامة، نحيفا أحنى رقيقا عتيقا، أقنى، معروق الوجه )( تاريخ الطبري ج2 ص 615) ,و هذا القول وما سبقه فيه نظر كذلك, فقد روى الواقدي: (وسأل هرقل ملك الروم عن أبي بكر فوصفه رجل فقال : هو رجل آدم اللون خفيف العارضين )( فتوح الشام للواقدي ج1 ص 8) , ويعني بقوله آدم اللون انه أسمر اللون! وكذلك قيل : (وكان طوالاً آدم نحيفاً) ( التنبيه والاشراف للمسعودي ص 78, باب خلافة أبي بكر) ,فمن أين أتاه البياض الذي ذكره الطبري؟ إذن الخليفة أسمر اللون نحيفاً وعتيق ليست من صفاته إنما هي إسم أو لقب حمله معه قبل ظهور الاسلام وليس كما تقول عائشة بأنه سُمي عتيق لأن النبي قال فيه هو عتيق من النار, فعتيق كان اسمه قبل الاسلام ودليل ذلك أن أسماء أخوته معيتق ومعتق كما صرحت عائشة , فهل سمى النبي (ص) أخوته بمعيتق ومعتق؟ كلا, فالاسماء الثلاثة المتشابهة هي قبل ظهور الوحي والرسالة. ذكر السهيلي أن خديجة زوجة النبي(ص) كانت تنادي أبابكر بعتيق : (يا عتيق اذهب مع محمد )( الروض الانف للسهيلي , ج1 باب ظهور الناموس) وهذه الرواية وقعت قبل ظهور الرسالة وقبل إدعاء عائشة بأن (عتيق) اسم سماه النبي له لأنه أعتق من النار, إذن عتيق اسمه في الجاهلية أيضا كما روت عائشة أيضا قبل ذلك فذكرت(إن أبا قحافة ( أبو الخليفة) كان له ثلاثة أولاد فسمى واحداً عتيق والثاني معتق والثالث عتيق) )( الاصابة لابن حجر ج4 ص 341).. ومن الطريف أن يقول حفيده مصعب الزبيري أنه : (سمي عتيقا لانه لم يكن في نسبه شئ يعاب به ) ( الاستيعاب لابن عبد البر , ترجمة أبوبكر عن مصعب الزبيري) , بطبيعة الحال يقول مصعب الزبيري ذلك فمصعب نفسه هو ابن آسماء ابنة الخليفة نفسه فهو حفيد الخليفة, وقوله :(أنه لم يكن في نسبه شئ يعاب به) قول يدعو للتأمل, فلقد كان مئات العرب في قريش ليس في نسبهم شئ يعابون به فلماذا لم يحملوا لقب عتيق؟ وسنرى غاية مصعب الزبيري في قوله هذا في الاسطر القادمة. لقد ظل أبو الخليفة وهو عثمان أبوقحافة ينادي ابنه بعتيق بعد الاسلام ,وحتى بعد أن سماه النبي عبد الله!
ذكر الواقدي قول أبوقحافة وهو ابو الخليفة الاول لابنته في فتح مكة وهي تراقب دخول جيش المسلمين مايلي: ( يابني لاتخافي فوالله ان اخاك عتيقاً.... الخ).( كتاب المغازي للواقدي, باب فتح مكة), وبعد أن صار ابنه أبوبكر خليفة زاره جمع من طلقاء قريش وهم عتاب بن أسيد وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه ثم سلموا على ابيه الشيخ (أبو قحافة) ,فقال أبو قحافة: (يا عتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم ) ( طبقات ابن سعد , ج3 ص 104, سيرة أبوبكر).
يذهب العلامة الطائي فيقول أن اسم عتيق انما هو لقب حازه الخليفة لأنه كان من العبيد المتحررين في الجاهلية ,وكذلك الامر في اسم أخوته الذين ذكرتهم عائشة أبنته كما تقدم. (كتاب نظريات الخليفتين, كتاب أغتيال أبوبكر ,للمحقق نجاح الطائي). هذا الاستنتاج يذكرنا بأقوال أبوسفيان في الخليفة الاول كما تقدم في فصل السقيفة, فعندما سمع أبوسفيان أن أبابكر صار الخليفة وصاحب الامر قال :
(ما بال هذا الأمر في أقل قريشٍ قلة وأذلها ذلةً؟) (مستدرك الحاكم ج3 ص 78, ) . وقال أبوسفيان لعلي بن أبي طالب (غلبكم على هذا الأمر أذل أهل بيتفي قريش أما والله لأملأنها خيلا ورجالا) ( مصنف عبد الرزاق ج5 ص451), وروى الطبري:
(قال أبو سفيان لعلي : ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش !) ,(لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان : ما لنا ولأبي فصيل ) ,(لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان ؛ وهو يقول : والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم ! يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم !) ( تاريخ الطبري ج4 ص 167 أحداث السقيفة ,الكامل لابن الاثير ج3 ص 159 باب وفاة النبي وأحداث السقيفة, طبعة النت) , وقوله : (مالنا ولأبي فصيل ) , يُحمل على السخرية فالفصيل هو ولد الناقة , لأن أبا سفيانيعرف كما يعرف باقي اهل مكة أن ابابكر عتيق ابن قحافة ليس الا من بيت ضئيل. ولم يستطع والد الخليفة التخلص من عقدة النقص الجاهلية أمام جاه أبوسفيان ففي عهد حكم ابنه أبوبكر عتيق , يرفع الخليفة أبوبكر (عتيق) يوما صوته على أبي سفيان ابن حرب فيصيح به والده (عثمان أبوقحافة) غاضباً : (أخفض صوتك يا أبابكر عن ابن حرب! )( النزاع والتخاصم للمقريزي ص 19) .
وكذلك ذكر صاحب المروج: ( وأقبل أبوقحافة فسمع صياح أبي بكر فقال لقائده : على من يصيح ابني ؟ فقال له على أبي سفيان, فدنا من أبي بكر وقال له : أعلى أبي سفيان ترفع صوتك ياعتيق وقد كان بالامس سيد قريش في الجاهلية لقد تعديت طورك وجزت مقدارك) ( مروج الذهب للمسعودي). ويبدو أن الابن عتيق ( ابوبكر) كذلك لم يستطع التخلص من عقدة الرق تلك, فعند فتح مكة ودخول المسلمين , يعفو النبي (ص) عن أهل مكة ويعفو عن أبي سفيان صخر بن حرب لكن المسلمين يعرفون نفاق أبي سفيان ويتمنون قتله على الرغم من اسلامه وعفو النبي عنه فيذكر صاحب الاستيعاب (مر أبو سفيان على سلمان وصهيب وبلال فقالوا ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذهها فقال لهم أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها) ( الاستيعاب ج2 ص 732 ترجمة صهيب الرومي).
إن التحري في الانحدار الطبقي لعائلة الخليفة يعضد القول بأن عائلة الخليفة في الجاهلية كانت ضئيلة ,وربما حقا كانوا من العبيد المتحررين. ذكر ابن أبي الحديد نقلاً عن أبي جعفر الاسكافي أن أبا الخليفة كان في الجاهلية يعمل أجيرا عند ابن عمه عبد الله بن جدعان التيمي يطرد عن مائدته الذباب ويسقي ضيوفه الخمر, ( بتصرف عن شرح ابن ابي الحديد ج13 ص247 عن أبي جعفر الاسكافي , وكذلك ج2 ص 170 ). وفي ذلك يقول الشاعر أمية بن أبي الصلت يمدح عبدالله بن جدعان :
ومالي لا أحـييه وعـنـدي مواهب يطلعن من النجـاد
لأبيض من بني تيم بن كعب وهم كالمشرفيات الحـداد
لكل قـبـيلة هـاد و رأس وأنت الرأس تقدم كل هادي
له بالخيف قد علمت معـد و إن البيت يرفع بالعمـاد
ثم يستأنف واصفاً خدامه وهم سفيان بن عبد الاسد وأبا قحافة والد الخليفة الاول فيقول:
له داع بمكة مـشـمـعـل وآخر فوق دارتـه ينـادي
الى ردح من الشيزى عليها لباب البر يلبك بالشهاد
( الاغاني للأصفهاني , ج 8 أخبار عبد الله بن جدعان)
أما المشمعل فهو سفيان بن عبد الاسد ,والمشمعل في اللغة هو النشيط السريع في الخدمة, وأما الاخر الذي فوق دارته ينادي فهو عثمان أبوقحافة أبو الخليفة الاول ( بتصرف عن مثالب العرب للكلبي ص 33) ويروي البغدادي في ذلك : (وكان له مناديان يناديان أحدهما بأسفل مكة والآخر بأعلى مكة وكان المناديان أبا سفيان بن عبد الأسد وأبا قحافة ( ابو الخليفةالاول) ، وكان أحدهما ينادي: ألا من أراد الشحم واللحم فليأت دار عبد الله بن جدعان، وهو أول من أطعم الفالوذ بمكة، وله يقول الشاعر :له داع بمكة مشمعل ...الى آخر الابيات ) (هامش المنمق في اخبار قريش ص 371 للبغدادي المتوفى 245 هجرية, , تحقيق خورشيد فاروق احمد سنة)..
وروى الكلبي: (كان ابن جدعان يبيع الرقيق، وكان قد أمر جواريه أن لا تدفض كف لامس فكانت رجالات قريش يقعن عليهن فيلدن، فإذا سأل الجارية من أبو ولدك؟ قالت : فلان، فربما وهبه لأبيه ، وربما باعه من أمه، وربما باعه من أبيه، وربما باع أمه من غيره أو أمسكها، فلذلك كثر ماله، فكان ممّن عُرِف وشُهر منهم سفيان بن عبد الأسد والأسود بن عبد الأسد وأخوه الحرث بن معمر بن حبيب وابنه حاطب بن الحرث بن معمر.... الخ) ( مثالب العرب للكلبي ص39, تحقيق العلامة الطائي).
إن سفيان بن عبد الاسد المذكور أعلاه هو ابن المشمعل الذي كان ينادي على طعام عبد الله بن جدعان ومثله كان أبوقحافة ابو الخليفة. وورد كذلك في أبي قحافة أبو الخليفة مايلي:
(كان أبو قحافة والد أبي بكر أجيراً عند عبد الله بن جدعان ينادي على طعامه) ( عن هامش مثالب العرب تحقيق العلامة الطائي ومصادره: الاغاني للأصفهاني ج8ص4، و مسامرة الأوائل للسيوطي ص88). روى الدميري في مهن العرب فقال نقلا عن التوحيدي في كتابه بصائر القدماء وسرائر الحكماء (... وكان عبدالله بن جدعان نخاسا يبيع الجواري..) ( حياة الحيوان للدميري ج1 ص275)
ويروى أن والد الخليفة وهو (عثمان أبوقحافة) كان يطرد الذباب عن مائدة سيده عبد الله بن جدعان وكانت قريش تُعير الخليفة الاول بذلك لدناءة عمل أبيه فيروي ابن عساكر أن أباطالب سمع أن للنبي محمد (ص) هدية من الملاك جبريل وهي عنب من الجنة فأتاه قائلا : يامحمد أطعمني من عنب جنتك وأبوبكر (عتيق بن ابي قحافة) جالس, فقال أبوبكر لأبي طالب : أن الله حرمها على الكافرين !) يعني بذلك أن أباطالب لم يزل كافرا ولايستحق أكل ذلك العنب ! فقال أبوطالب ساخرا من أبي بكر : ( فلأبي قحافة آكل الذبان تدخرها) ( تاريخ دمشق لابن عساكر ج66 ص 160) .
إن ضآلة بيت الخليفة تبدو جلية في هذه النتف فأبيه لم يكن سوى ساقياً للخمر نادلا لسيده عبد الله بن جدعان , وعبد الله بن جدعان كان نخاسا يبيع ويشتري المومسات ويبيع أولادهن , فكيف بالذي أبوه كذلك يكون صاحب جاه ومال كما شيع الادباء والمتحذلقون . إن التاريخ الذي كتبته السلطات ونشرته أظهر الخليفة الاول بمظهر القوي, صاحب نفود وجاه و نسب طاهر وشرف رفيع, لكن نتف التاريخ التي تقدم ذكرها تبين غير ذلك.
بعد نهاية معركة الجمل التي قادتها عائشة ابنة الخليفة الاول -( تفصيل معركة الجمل في فصل الامام علي )- قال الشاعر عمير بن الأهلب الضبي وهوأحد الذين كانوا في جيشها يصف خيبته وخيبة عائشة وأنصارها في تلك المعركة مايلي:
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا فلم تنصرف إلا ونحن رواءُ
لقد كان في نصر ابن ضبة أمه وشيعتها مندوحة وغناء
أطعنا قريش ضلة من حلومنا ونصرتنا أهل الحجاز عناء
أطعنا بني تيم بن مرة شقوةً وهل تيم إلا أعبدٌ وإماءُ ( الابيات عن الكامل لابن الاثير ج3 ص 139 , تاريخ الطبري ج3 ص 531 )
ويعني الشاعر أنه أطاع عائشة ابنة أبي بكر وهي من قبيلة تيم , ثم يلقي باللوم على نفسه في خسرانه بذلك لأن بني تيم معروف عنهم أنهم عبيد وأماء لايتأهلون لسيادة ورياسة .
ومثل ذلك أنشد الشاعر جرير معرضا بعشيرة الخليفة الاول وهي قبيلة تيم فقال:
فإنك لو رأيت عـبـيد تـيم وتيماً قلت: أيهم العبـيد؟
ويقضى الأمر حين تغيب تيمولا يستأذنون وهم شهـود(شرح ديوان جرير ص 160)
, ويعني بقوله أن الناظر يختلط عليه الأمر عندما يرى بني تيم وعبيدهم فلايعرف السادة من العبيد لأن بنو تيم سود البشرة مثل عبيدهم. إذن ليس بعيدا أن يكون الخليفة الاول من بيت ضئيل وأيدته الشواهد التي تقدم ذكرها, وليس بعيداً وفق ذلك أن يكون أبوه أو أمه من من رقيق عبد الله بن جدعان فحمل بذلك لقب عتيق في الجاهلية بعد تحرره من الرق.
نسب الخليفة الاول
(أبو بكر اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن لؤي.وأم أبي بكر أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك، وأم أم الخير دلاف وهي أميمة بنت عبيد بن الناقد الخزاعي. وجدة أبي بكر أم أبي قحافة أمينة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب.)( مجمع الزوائد ج10 باب مناقب أبي بكر رقم الحديث 14288 للهيثمي المتوفي 707 هجرية).
وأورد الطبراني النسب عينه :
(أبو بكر الصديق اسمه : عبد الله بن عثمان بن عامربن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وأم أبي بكر : أم الخير: سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك) ( المعجم الكبير للطبراني, ج 1 ص 52 باب نسب أبوبكر). يعتبر كتاب مجمع الزوائد و المعجم الكبير للطبراني من الكتب الموثقة عند الجمهور ولاقدح فيها, فلا يقول قائل أنها ضعيفة ومتروكة.
ومثل ذلك ذكر ابن مندة فقال (واسم أبي بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم) ( الكنى والالقاب لابن مندة , ص 2 باب أبو القاسم)
وقال أيضا في نسب أم الخليفة فقال (وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب) ( الكنى والالقاب لابن مندة , ص 50 باب حرف الباء)
ومثل ذلك ذكر البغدادي في نسب أبي بكر فقال فيه
(ابن عثمان بن عامربن عمروبن كعب بن سعدبن تيم بن مرةابن كعب بن لؤي بن غالب. وأمه أم الخيروهي سلمى بنت صخربن عامربن عمروبن كعب بن سعدبن تيم بن مرة. وأمهاأميمةوهي دلاف بنت عبيدبن النافذبن مرةبن عمروبن سعدبن تيم بن مرة. وأمهاعاتكة بنت عبدياليل بن غيرةبن سعدبن ليث.( المحبر , باب ابوبكر ص 6 لابن حبيب البغدادي المتوفي سنة 245 هجرية).
التدقيق في شجرة النسب التي في المصادر أعلاه يبدو أوضح عند كتابته كما يلي :
عثمان (ابوالخليفة الاول)......عامر...عمرو...كعب...سعد...تيم...مرة... لؤي...غالب...فهر...مالك
صخرأبو(سلمى أم الخليفة)....عامر...عمرو...كعب...سعد...تيم...مرة... لؤي...غالب...فهر...مالك
يبين التسلسل أعلاه أن أبا سلمى (أم الخليفة) هو صخر بن عامر بن كعب , فتكون أم الخليفة هي سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب. أما أبو الخليفة فهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب . وهذا يعني أن (عثمان) و(صخر) هما من أولاد عامر بن عمرو بن كعب بن سعد , فيكون عثمان ( أبو الخليفة) وصخر أبو ( أم الخليفة ) أخوان بالدم , وبما أن سلمى ( أم الخليفة ) هي بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب ! فأن هذا يعني أنها متزوجة من عمها أخو أبيها وبذلك يكون الخليفة الاول أبوبكر ولد من زواج غير شرعي , فأمه تزوجت من عمها , فتأمل!
فاتت مثلبة النسب هذه على كثير من المؤرخين فلم يلتفتوا إليها مع نقلهم أياها كما في المصادر التي تقدم ذكرها, وهي مصادر معترف بها عند جمهور السنة حتى يومنا هذا .
ذكر هذه المثلبة رستم الطبري من أعلام القرن الثالث والرابع الهجري في كتابه ( المسترشد في أمامة أمير المؤمنين علي) , فقال في أبي بكر عتيق (أن أباه عثمان بن عامر، وأمة أم الخير بنتصخر، وكان عثمان متزوجا بأبنة أخيه ) ( المسترشد لرستم الطبري ص 326) , ولم يذكر رستم الطبري شيئا عن شجرة نسب الخليفة الاول ولم يسطرها في كتابه فكأن ذلك كان حقيقة مسلم بها في عهده أيام نهاية القرن الثالث الهجري . بعد إجيال وفي عهد آخر أنبرى المؤرخ ابن الأثير المتوفى سنة 630 هجرية إلى هذه المنقصة فذكر في كتابه منوها بها :
(عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي، أبو بكر بن أبي قحافة، واسم أبي قحافة: عثمان، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة عم أبي قحافة، وقيل: اسمها: ليلى بنت صخر بن عامر. قاله محمد بن سعد، وقال غيره: اسمها سلمى بنت صخ ر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم. وهذا ليس بشيء، فإنها تكون ابنة أخيه، ولم تكن العرب تنكح بنات الإخوة. والأول أصح)( أسد الغابة لابن الاثير , باب حرف العين ترجمة أبوبكر). تأمل قول ابن الاثير :(وقال غيره.. اسمها سلمى بنت صخر...الخ) فلم يذكر القائل ,وهذا يبين أن هناك أكثر من قائل لذلك. إن سلسلة النسب التي قال بها ابن الاثير تشبه السلسلة التي ذكرناها بصيغة اسماء ونقاط بينها, سوى إختلاف يسير وهو الغاء كلمة ( عمرو) من نسب أم الخليفة فصارت أم الخليفة بذلك التحريف إبنة عم زوجها ولم تعد ابنة أخيه!
روى المسعودي ان أم الخليفة هي: أم الخير بنت صخر بن عمرو بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة) ( مروج الذهب ص 701, باب خلافة أبي بكر) ( وكان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان وهو أبوقحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة) ( مروج الذهب ص 701) وهو غير ماقاله ابن الاثير.
واختلف البلاذري عن ابن الاثير كذلك في نسب الخليفة وقال مثل قول المسعودي : ( عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وأمه أم الخير , سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم , فصخر عم أبي قحافة عثمان , وسلمى أبنة عمه) ( انساب الاشراف للبلاذري ج10 ص 51 , باب نسب بني تيم) . وقال ابن عبد البر قول ابن الاثير: (أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، أم أبي بكر ) ( الاستيعاب لابن عبد البر , ترجمة أم الخير أم أبا بكر)
ومثله قال ابن سعد في طبقات الصحابة. المهم أن نسب الأم لم يتفق عليه المؤرخون فمرة تكون والدته أبنة ابن عم أبيها ومرة تكون ابنة عمته ومرة تكون ابنة أخيه . إن هذا الاختلاف في نسب الخليفة قد يدل على تزوير , فرجل مهم في تاريخ المسلمين كالخليفة الاول لايجوز الاختلاف في نسبه , فليس هو برجل عابر , فعدم البت عليه يدل على غموض في النسب وربما حدث تحريف لتجميله وتحسينه لأنه نسب الخليفة الحاكم ولهذا اختلف المؤرخون , وربما لذلك وكما تقدم ذكره قال مصعب الزبيري حفيد الخليفة أن جده ( سمي عتيقا لانه لم يكن في نسبه شئ يعاب به ) ( الاستيعاب لابن عبد البر , ترجمة أبوبكر عن مصعب الزبيري) , فقد تكون هذه المثلبة في النسب مشهورة في ذلك العهد فانبرى مصعب الزبيري بأختلاق أن اسم عتيق انما كان لأن جده طاهر النسب وهو قول قد يدل على القدح في النسب ,فلو لم يكن هناك قدحا في النسب لما انبرى الحفيد مصعب الزبيري بقوله ذلك.
ان سماحة الدين الكريم تغاضت عن ذلك من أجل أقامة مجتمع جديد , وتغاضى المؤرخون عن تلك المثلبة فتركوها فأختلف الذين من بعدهم .
ما مرعن أسم الخليفة ونسبه ومكان عشيرته قد يمر عليه القارئ المسلم فيراه غريبا جديداً , لأن المتعارف عليه عند الناس أن الخليفة الاول ذو نسب مرموق ومن عشيرة ذات مكانة, وتعارف الناس كذلك على أنه من الاغنياء وأورد بعض المؤرخين مواقف للخليفة تظهره بمظهر الغني الكريم الذي حرر بعض المسلمين من رقهم وعبوديتهم, ولكن ما تقدم ذكره له مكان في كتب التاريخ أيضاً وليس بجديد . إن للسلطات الحاكمة دور كبير في تصحيف المثالب , فلايرغب الحاكم المعاصر أو الحاكم في العهود الماضية الحط من شخصية الحاكم الاول للمسلمين بعد النبي (ص) وذلك لأن الحكام الذين أتوا بعد الخليفة الاول استندوا في شرعية حكمهم على شرعية الخليفة عتيق بن أبي قحافة, فحصول عتيق بن أبي قحافة على كرسي الخلافة مكن الذين أتوا من بعده من بسط نفوذهم لأنهم ساروا على منهاجه وأسلوبه وضمنوا شرعية تحكمهم في الناس بأظهار ولائهم وأخلاصهم للحاكم الاول في دولة المسلمين فأظهروه بمظهر الغني القوي الجميل صاحب الاصل الرفيع , وإن كان ما تقدم ذكره يظهرغير ذلك .
إسلامه
هل حقاً كان أبوبكر أول الناس إسلاماً؟ اشتهرت مصادر الجمهور بالقول أن أبابكر كان أول الناس إسلاماً , ولكن هناك مصادر متفق عليها ترينا أن أبابكر أسلم متأخراً !
قال النبي (ص) : ( صلّت الملائكة علي وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين, قالوا: ولمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: لم يكن معي من الرجال غيره).
(تاريخ دمشق لابن عساكر ج42 ص 36, شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 258) هذا الحديث دليل على عدم اسلام أبي بكر في السنوات الأولى للدعوة وهو عكس ما يزعم جمع من المتحمسين لتحسين صورة الخليفة الاول. فيما يلي نتف من مصادر تتفق كافة الفرق على صحتها تبين أن أبابكر لم يكن أول الناس أسلاماً :
ذكر المؤرخ الطبري نقلأ عن كتاب الطبقات لابن سعد فقال: (عن سالم بن أبي الجعد، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، قال: قلت لأبي (سعد): أكان أبو بكر أولكم إسلاما ؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين؛ ولكنه كان أفضلنا إسلاما.) ( تاريخ الرسل والملوك للطبري, ج 1 ص397 . وفي طبعة النت ج2 ص 60 ) . هذا النص ونص الحديث النبوي الذي سبقه يثبت أن أبابكر لم يكن أول الناس إسلاما . وإذا أضفنا لذلك قول صاحب الطبقات : (أنّ جميع المهاجرين المسلمين الذين آخى رسول الله بينهم وبين الأنصار في المدينة كانو لا يتجاوزون 45 رجلا) (طبقات بن سعد ج1 ص1 قسم ثاني . فتح الباري ج7 ص210), فأذا جمعنا هذه الحقائق مع حقيقة قول سعد بن أبي وقاص الذي تقدم أعلاه والذي يقول فيه: ( لقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلاً) ونضيف لذلك أن المهاجرين الى المدينة من مكة كانوا حوالي 45 رجلاً والهجرة حدثت بعد أكثر من عشر سنوات من بداية الدعوة بأتفاق المؤرخين , فأن بجمع كل ذلك يتبين أن أبابكر أسلم في أواخر أيام الدعوة في مكة , فتأمل.
كانت الدعوة في بدايتها لعشيرة النبي الاقربين بنص الاية :( وأنذر عشيرتك الاقربين) (الشعراء 214) ولما كان ابوبكر ليس من عشيرة النبي فمن البديهي أن من عشيرة النبي من أسلم قبله . يعترف أبو بكر ضمنياً أنه لم يكن من المسلمين الاوائل ,حيث تتبين هذه الحقيقة يوم السقيفة ,فلم يتحجج ابوبكر على الناس بأولويته عليهم بالاسلام ,لأنه لو كان من أول الناس أسلاما لذكر ذلك تفاخرا يوم السقيفة حتى يتمكن من اقناع المسلمين بأفضليته عليهم , فلم يقل ذلك وأنما أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شئتم! وقد تقدم ذكر الحادثة.
لخواء جعبة المدافعين عن أفضلية الخليفة على باقي المسلمين أخترعوا له أفضلية كبر السن! فجعلوا كبر السن منقبة وفضل وهو قول عمر يوم السقيفة عندما قال ( هذا أبوبكر وهو ذو شيبة...) (راجع فصل السقيفة) , ومن الطريف أن والد الخليفة وهو عثمان ابوقحافة تعجب يوم بويع ابنه ابو بكر للخلافة فقال( كيف ارتضى الناس بابني مع حضور بني هاشم ؟! قالوا : لأنه أكبر الصحابة سناً , فقال : والله أنا أكبر منه!) ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص 156 1, الصواعق المحرقة لابن حجر ج 13 ) فإذا كان كبر السن هو المؤهل للزعامه فالأب عثمان أبوقحافة أولى بذلك من الابن أبوبكر!
يتبع....
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/4.html