المفكر الشهيد محمد هادي السبيتي
يحيي عثمان محمد
إن شهيدنا المرحوم القائد المفكر محمد هادي السبيتي(رض)، إنما
هو ضحية من ضحايا الاستهداف
والتخطيط الفكري والثقافي التي نفذت خلال جيلين من الزمان ونحن حينما نستذكر
شهيدنا وغيره من هؤلاء الأفذاذ في تاريخنا فإن هدفنا أن نجعل من ذلك حافزاً
قوياً وقوة جذب للعودة إلى نمير الإسلام وشواطئه الدافئة بعيداً عن صور
التشويه التي تجلت على ساحتنا من خلال نماذج صُممت لإفراغ التوجهات الحقيقية
وجوهر الإسلام من مضامينه.
لقد كانت قضية شهيدنا وأخوته الذين سبقوه والذين لحقوا به حلقات في سلسلة
واحدة عالمية التخطيط عربية التنفيذ وإن نفذت بأيد ـ عراقية ـ فلوا رجعنا
قليلاً إلى حقبة الثمانين وما بعدها لوجدنا الشواهد ماثلة جلية على ما نقول
وإلا فأي بلد سكنه أبناء عمومتنا لم يساهم في شحذ مدية القاتل بماله، أو بصمته
على أقل تقدير بل ساهم بعضهم من خلال اتفاقات ثنائية بتسليم حتى من تهيأت له
سبل الفرار من سجننا الكبير ولو أن بعضاً من هذا المواقف كانت مفروضة عليهم من
الكبار ضمن مسلسل تحمل الأدوار.
إن هذه القضية ـ أعني محنة شعبنا ـ كان مخططاً لها أطول من ذلك لولا تمرّد
المنفذين على أسيادهم.
ولذا فإن هذه المرحلة يجب أن لا تقف عند حدود استذكار مظلومية شهداءنا، إنها
يجب أن تكون إدانة صريحة للعقل العربي الذي صمت عليها ومررها وبكل فصولها وما
يزال كذلك، بل نراه اليوم يحاول طمس معالم جريمته مع ما مثلته من مسلسلٍ دمويٍ
مرعب ألجم الألسنة وأمات المشاعر.
إنها دعوة لتوثيق ثلاثين عاماً من المآسي والدماء والدموع والرعب والتشريد
الذي ما عُرّض شعب من شعوب الأرض لمثله.
لقد أثبت أخوتنا في كردستان إنهم أقدر منا في عرض مأساتهم فكم من (حلبجة) في
ديارنا وكم من (أنفال) أتت على خيرة شبابنا، إلا أننا مازلنا مأخوذين بهول
الفاجعة، بل إننا أصبحنا نلهث وراء سلسلة من المخططات كان أحدثها قضية خمسين
معتقلاً في أبي غريب هولّها الأعلام وسلط الضوء عليها بشكل أنسى من خلالها
مأساة خمسة ملايين من أبناء شعبنا حتى ليتبادر إلى الذهن عند الحديث عنها أن
سجن أبي غريب لم تمر به مأساة قبلها أكثر هولاً أتت على مئات الألوف من خيرة
أبنائنا.
إن كل المعطيات تحملنا على الاعتقاد بأننا أمام صفحة جديدة لمخطط قديم وإن
قضيتنا عموماً وقضية شهدائنا خصوصاً مازالتا موضع استهداف من المخططين
الكبار.
نحن لا نبرّأ ساحة الحلفاء من محاولة إسدال الستار على هذه القضية بإعلامهم
المركّز والموجّه فإثارتها بين الفينة والفينة يحمل في طياته مخطط إخفاء قضية
أكبر منها ألا وهي قضية مئات الألوف من أخوتنا الذين قضوا صبراً في هذا السجن
الرهيب.
وإن قضية الأستاذ السبيتي بما أحاطها من غموض وصمت هي واحدة منها وقد عمل
الآخرون على تغييبها .
فما علينا إلا أن نجعل من كل مظلمة تعرّض لها شهداؤنا وسيلة فضح لكل الذين
خططوا لها أو صمتوا عليها ولنجعل منها عامل توحيد لجهودنا كأقلّ صورة من صور
الوفاء لهؤلاء الشهداء ولنضع ما حلّ بنا دائماً أما أعيننا كعامل من عوامل
توحدنا ولنزرعه في أذهان أجيالنا ليس من منطلق زرع الكراهية لفئة بعينها
فقيمنا لا تسمح بالتحرّك بهذا الاتجاه قيد أنملة (( ولا تزر وازرة وزر أخرى))
وإلا فنحن وغيرنا سنكون في كفة واحدة
ملكنا فكان العفو منّا سجيةً فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ
فحسـبكم هذا التباين بيننا وكـل إناءٍ بالذي فيـه ينضــحُ
إن علينا أن نجعل منها شاهداً على ظلم الأقربين وحافزاً لتعريف شبابنا بحقبة
كادت أن تضيع ملامحها.
علينا أن نعمل وبكل قوّة على توثيقها في أدبياتنا في محافلنا في مناهجنا، وإلا
فإن هذه المأساة قد بدأ يلفها النسيان لولا إن الله تعالى أبى إلا أن يظهرها
ويخزي مرتكبيها بحق أناس لا ذنب لهم إلا إيمانهم بالله العلي العظيم: ((
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ
لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِين لَئِنْ
بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ
ِلأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ
تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ
جَزَاءُ الظَّالِمِين))َ.
فسلام على شهداء العراق جميعاً
وسلامً على شهيدنا الذي تعطر حفلنا بأريج ذكره
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــــ
ـ كلمة ألقيت في الحفل الذي أقامه المركز الوطني للدراسات الاجتماعية
والتاريخية بمناسبة مرور ستة عشر عاماً على استشهاد المفكر الإسلامي الكبير
القائد الشهيد محمد هادي السبيتي(رض) في التاسع من شوال 1426 هـ في البصرة.