النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: تراث كربلاء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي تراث كربلاء

    فهرس الكتاب



    الموضوع الصفحة
    الاهداء 6
    منظر عام لمدينة كربلاء 7
    تراث كربلاء 8
    كلمة الحجة الشيخ آغا بزرك الطهراني 9
    كلمة الحجة الشيخ محمد رضا الأصفهاني 10
    كلمة البحاثة السيد حسن الأمين 12
    مقدمة الطبعة الاولى 14
    مقدمة الطبعة الثانية 17
    الفصل الأول :نظرة عامة في تاريخ كربلاء 19
    الأنهار الموجودة في كربلاء 25
    النهرين ، نهر العلقمي 25
    نهر نينوى ، النهر الغازاني 28
    نهر السليماني ( الحسينية ) 29
    تاريخ الروضة الحسينية 32
    الحائر الحسيني في العصر العباسي 34
    الحائر الحسيني في الدور البويهي 36
    الحائر في عهد السلاجقة 40
    الحائر في العهد المغولي « الايلخاني » 40
    الحائر وتعميرات الجلائرين 43
    الحائر في العهد الصفوي 43
    الحائر في العهد القاجاري 45
    الحائر في العصر الحاضر 47
    صورة تاريخية للملك فيصل الأول في مدخل الروضة الحسينية 60
    تاريخ الروضة العباسية 61
    صورة تاريخية للملك فيصل الأول في مدخل الروضة العباسية 72
    منظر لمقام سيدنا العباس عليه السلام 73
    فضل كربلاء والتربة الحسينية 74
    زيارة الملوك والخلفاء والامراء لكربلاء 77
    دروس من مأساة كربلاء 85
    الفصل الثاني : كربلاء قبلة الانظار 88
    الفصل الثالث : الآثار التأريخية في كربلاء 106
    مرقد السيد ابراهيم المجاب 106
    مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي 109
    ضريح الشهداء 110
    المخيم الحسيني 111
    صورة عن المخيم الحسيني 113
    صورة عن سبيل خانة المخيم 114
    مرقد الحر بن يزيد الرياحي 114
    مرقد ابن الحمزة عليه السلام 116
    مرقد الأخرس ابن الكاظم عليه السلام 116
    مرقد عون بن عبد الله 116
    مرقد السيد أحمد أبو هاشم 117
    حصن الاخيضر 120
    صورة تذكارية عن حصن الاخيضر 121
    قلعة الهندي 124
    خان العطشان 125
    مقام الحسين وابن سعد 128
    مقام التل الزينبية 129
    مقام الكف الأيمن للعباس عليه السلام 129
    مقام الكف الأيسر للعباس عليه السلام 130
    مقام جعفر الصادق عليه السلام 130
    مقام المهدي عليه السلام 131
    الفصل الرابع : الاسر العلمية والادبية 133
    آل الاسترابادي 133
    آل السيد علي الكبير 134
    آل البحراني 135
    آل البهبهاني 136
    آل الحكيم 136
    آل الخطيب 137
    آل خير الدين 138
    آل الرشتي 138
    آل سلطان 139
    آل الشيخ خلف 141
    آل الشهرستاني 142
    آل صالح 143
    آل الطباطبائي 144
    آل طعمة 145
    آل عصفور 147
    آل الفتوني 148
    آل القزويني 149
    آل الكشميري 150
    آل المازندراني 150
    آل المرعشي 151
    آل النقيب 152
    الاسر الادبية
    آل أبي الحب 155
    آل الأصفر 158
    آل بدقت 160
    آل حسون رحيم 163
    آل زيني 165
    آل العلوي 168
    آل الهر 170
    آل الوهاب 177
    بعض العشائر والاسر 181
    آل نصر الله 181
    آل ضياء الدين 183
    آل ثابت 184
    آل جلوخان 185
    آل الاشيقر 186
    آل الدده ، آل تاجر ، آل أصلان 187
    آل الزعفراني 188
    آل الداماد ، آل السندي ، آل لطيف 189
    آل عواد 192
    الوزون ، النصاروة 193
    بني سعد ، آل كمونة 194
    آل التريري 196
    آل شويليه ، آل حافظ 197
    آل عويد 198
    آل أبو المحاسن ، آل بريطم 199
    آل دعدوش ، آل الكبيسي ، آل كشمش 200
    الفصل الخامس : المعاهد العلمية كربلاء 201
    المدارس الدينية 201
    صورة عن المدرسة الحسينية بكربلاء 207
    المدارس الأهلية والحكومية 208
    مدارس البنات 213
    الكتاتيب 214
    الجوامع والحسينيات 216
    الجوامع 216
    الحسينيات 224
    الفصل السادس : تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 226
    من أقطاب الفكر 229
    القرن الثالث الهجري : حميد بن زياد النينوي 230
    القرن الخامس الهجري : الشيخ هشام بن الياس الحائري 233
    عماد الدين الطوسي 234
    القرن السادس الهجري : السيد أحمد بن ابراهيم الموسوي 235
    القرن السابع الهجري : السيد فخار بن معد الحائري 236
    القرن الثامن الهجري : عز الدين الحسيني العبدلي الحائري 237
    الشيخ ابو طالب ابن دريد الحائري 238
    الشيخ عبد الحميد بن فخار الحائري 238
    الشيخ علي بن الحسن الحائري 238
    الشيخ علي بن الخازن الحائري 239
    الشيخ علي بن عبد الجليل الحائري 240
    الشيخ جلال الدين محمد الحائري 240
    القرن التاسع الهجري : الشيخ أحمد بن فهد الحلي 241
    الشيخ ابراهيم الكفعمي 243
    السيد حسين بن مساعد الحائري 246
    القرن العاشر الهجري : فضولي البغدادي 247
    فضلي بن فضولي 248
    كلامي جهان دده 249
    السيد ولي الحسيني العاملي 250
    السيد عبد الحسين بن مساعد 250
    المولى محمد قاسم الكربلائي 251
    القرن الحادي عشر الهجري : المولى شمس الدين الشيرازي 251
    محمد شريف كاشف 251
    السيد علي الحسيني 252
    السيد حسين الحسيني 253
    الشيخ عباس البلاغي 253
    السيد مساعد بن محمد الحسيني 254
    السيد طعمة علم الدين الحائري 254
    الشيخ محفوظ السعدي 255
    السيد علي بن محمد الكربلائي 255
    القرن الثاني عشر الهجري : السيد نصر الله الحائري 256
    الشيخ يوسف البحراني 258
    القرن الثالث عشر الهجري : الآغا باقر البهبهاني 259
    الأمير السيد علي الكبير 261
    السيد مهدي بحر العلوم 262
    السيد مهدي الشهرستاني 263
    السيد علي الطباطبائي 264
    السيد محمد المجاهد الطباطبائي 266
    الشيخ شريف العلماء 267
    الشيخ خلف بن عسكر الحائري 268
    السيد كاظم الرشتي 269
    الشيخ محمد حسين الأصفهاني صاحب الفصول 272
    السيد ابراهيم القزويني صاحب الضوابط 273
    الشيخ محمد حسين القزويني 275
    الشيخ عبد الحسين الطهراني 276
    الشيخ محمد صالح آل كدا علي 278
    الشيخ ميرزا علي نقي الطباطبائي 279
    المولى محمد صالح البرغاني 281
    القرن الرابع عشر الهجري : الشيخ المولى حسين الأردكاني 282
    السيد صالح الداماد 283
    الشيخ زين العابدين الحائري 285
    الشيخ حسين المرعشي الشهرستاني 286
    السيد هاشم القزويني 288
    السيد الميرزا جعفر الطباطبائي 289
    السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي 290
    الشيخ محمد تقي الشيرازي 291
    السيد اسماعيل الصدر 292
    السيد ميرزا هادي الخراساني 294
    السيد عبد الحسين الحجة الطباطبائي 296
    السيد حسين القزويني الحائري 297
    السيد محمد حسن القزويني 298
    السيد ميرزا مهدي الشيرازي 300
    السيد عبد الحسين آل طعمة 302
    السيد محمد علي الطباطبائي 306
    الفصل السابع : مجالس الشعراء 308
    ديوان الميرزا أحمد النواب 309
    ديوان آل الرشتي 310
    ديوان آل كمونة ، تكية البكتاشية 314
    ديوان الميرزا الحائري 315
    ديوان آل النقيب 316
    ديوان آل الوهاب ، مجلس السيد يوسف الاشيقر 317
    ديوان مجد العلماء ، آل طعمة ، وآل حافظ 318
    ديوان الصافي ، ديوان الشهرستاني 319
    الفصل الثامن : المكتبات الخاصة والعامة 321
    المكتبات الخاصة 321
    خزائن الكتب الحاضرة 332
    المكتبات العامة 340
    صورة عن جانب من مكتبة أبي الفضل العباس عليه السلام 342
    خزائن الكتب المدرسية 344
    تاريخ الطباعة في كربلاء 348
    تاريخ الصحافة في كربلاء 351
    الفصل التاسع : الوقائع والحوادث السياسية 355
    ثورة يزيد بن المهلب 356
    خروج الديزج على كربلاء 357
    غارة ضبة بن محمد الأسدي 358
    غارة خفاجة على كربلاء 360
    حادثة الأمير دبيس الأسدي 361
    هجمات جيش تيمور لنك على كربلاء 362
    حادثة مولى علي المشعشعي في كربلاء 363
    غارة آل مهنا 365
    حادثة يوسف باشا 366
    حادثة الوهابيين على كربلاء 367
    حادثة المناخور 373
    حادثة نجيب باشا 376
    حركة علي هدلة 385
    حادثة الاشيقر وأبو هر 386
    وقعة الزهاوي للعجم 387
    تجمهر وطني في كربلاء 389
    حادثة نصف شعبان 389
    حادثة حمزة بك 390
    حادثة خان الحماد 392
    الثورة العراقية 393
    كربلاء في الثلاثينات 401
    كربلاء في الأربعينيات 404
    دور كربلاء في الخمسينات 405
    انتفاضة تشرين 1952 405
    أحداث سنة 1956 406
    أحداث سنة 1958 ثورة 14 تموز 407
    الفصل العاشر : الجمعيات والأحزاب السياسية 408
    تاريخ الحركة الفكرية في كربلاء 415
    القصة 417
    النقد 419
    الترجمة ، المقالة

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي


    تراث كربلاء



    طبعة مزيدة ومنقحة


    منشورات

    مؤسسة الأعلمى للمطبوعات
    بيروت ـ لبنان

    سلمان هادي الطعمة






    الطبعة الثانية
    1403 هـ ـ 1983م

    تراث كربلاء 5




    الأهداء


    إلى القابسين من أنوارالفضيلة ، والواردين حياض البذل والفداء . إلى الواجفة قلوبهم، والواكفة مدامعهم ، والمتفطرة أكبادهم .
    إلى زوار قبر أبي الشهداء الإمام الحسين بن علي عليه السلام .
    أهدي هذه السطور جهداًَ متواضعاً في سلسة الجهود المبذولة لتعريف بتاريخ هذه المدينة المقدسة .
    سلمان هادي آل طعمة





    هذه اضمامة عطرة تفضل بها الشاعرالمبدع
    السيد مرتضى الوهاب مؤرخاً صدور الطبعة
    الأولى من الكتاب.

    أضـاء للناظر بـرق فجـلا ما قد توارى من فخار وعلا
    و ما حـواه الطف في كنوزه من أدب مروق يحكي الطـلا
    و انكشفت آثـار مـا شيـده عباقـر الفن لنـا من الأولى
    أظهره ( سلمان ) بعد غيبـة كادت بـأن تأتي عليه فانجلى
    فأن أهل البيت ـ و هو منهم أدرى بمـا في بيتهم مفصلا
    بسعيـه و فـنـه و جهـده أرختـه ( يحيا تراث كربلا )

    291101253
    1383هـ

    كربلاء مرتضى السيد محمد الوهاب




    كلمة حجة الاسلام الشيخ آغا بزرك الطهراني

    أتحفنا البحاثة القدير ، المؤرخ الكبير حجة الإسلام العلامة الشيخ محمد محسن الشهير بآغا بزرك الطهراني صاحب موسوعة ( الذريعة ) بهذه الكلمة القيمة .


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى اوصيائه الإثنى عشر الائمة المعصومين من الآن إلى قيام يوم الدين .
    وبعد ، فقد سرحت النظر عابراً بالنظرة العجلى هذا السفر النفيس الذي هو ( تراث كربلاء ) فوجدته اسماً طابق المسمى لاحتوائه على مالم يبحث عنه المتقدمون عليه من مؤلفي تواريخ كربلاء ، كيف وقد أبرزه إلى الوجود يراع الفاضل البارع الشاب اللبيب فضيلة السيد سلمان آل طعمة الحائري أداء لبعض حقوق وطنه ومسقط رأسه ، فأعرضنا عن الثناء عليه واكتفينا بالدعاء له بالتوفيق والتأييد لاخراج امثال هذا السفر الشريف ، ووفق أقرانه لاتباعه بإجراء قلمهم النزيه النظيف في هذه المواضيع ليجزيهم الله جزاء المحسنين .
    حررته بيدي المرتعشة في مكتبتي العامة في النجف الأشرف يوم الجمعة المطابقة لأول الحمل من السنة الشمسية الخامس من شهر ذي القعدة الحرام عام ثلاثة وثمانين والف وأنا الفاني الشهير بآغا بزرك الطهراني .





    كلمة حجة الاسلام الاصفهاني الحائري


    تكرم علينا حجة الإسلام الفيلسوف الكبير الحاج الشيخ محمد رضا الأصفهاني الحائري بكلمة بليغة عبر فيها عن انطباعاته لهذا الكتاب .


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله كله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله آل الله .
    وبعد : ان من أسباب فضيلة الكلام أن يكون الكلام في موضوع ذي فضل ولما كانت كربلاء من أفضل بقاع الدنيا ، فالتكلم في تاريخه من أفضل الكلام في التواريخ ، و قد تكلم جماعة في تاريخ هذا البلد المقدس ، ولكني مارأيت تلك التواريخ ، وإنما رأيت تاريخ ( تراث كربلاء ) الذي الفه الفاضل الشاب اللبيب والمهذب البارع الأديب السيد سلمان بن السيد هادي بن السيد محمد مهدي آل طعمة سلمه الله تعالى ، فوجدته في هذا الموضوع مؤلفاً جامعاً مشتملاً على كثير من الخصوصيات ، فقد تعرض لذكر عامري هذا البلد المبارك من العلماء والسادات والسلاطين وغيرهم ولبيان بعض خصوصيات الروضتين المقدستين روضة سيدنا الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام ولكثير من البقاع كبقعة السيد ابراهيم المجاب وبقعة حبيب بن مظاهر وبقعة الحر بن يزيد الرياحي وغيرها ولكثير من المدارس الدينية والمساجد والحسينيات ولكثير من المكتبات العامة



    والخاصة ولذكر كثير من اعاظم العلماء والاساطين وبعض مصنفاتهم ، ولجماعة من الادباء والشعراء وبعض طرائف اشعارهم . وفي الحقيقة يعد هذا من كتب التواريخ والتراجم والمعاجم والانساب والادبيات . وقد اتعب نفسه وصرف عمره وبذل مجهوده في جميع مافي هذا الكتاب من المصادر المتفرقة والموارد المتشتته ، فلله دره وعلى الله بره ، فليقدر مجهوده ويشكر سعيه ويعرف قدره . وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل سعيه هذا شرفاً لدنياه وذخيرة لعقباه وأن يحشرنا وإياه مع مشرف هذه البلدة المقدسة وجده وابيه وامه واخيه والائمة من ذريته وبنيه بجاههم وحرمهم فإنه ارحم الراحمين .
    حرره احوج المربوبين إلى رحمة ربه الغني محمد رضا بن محمد التقي الاصبهاني يوم العشرين من ذي القعدة الحرام سنة 1383 هـ من الهجرة المباركة في كربلاء المعلى .




    كلمة البحاثة الكبير السيد حسن الامين


    كربلاء المدينة المقدسة ذات التاريخ الحافل، بحاجة إلى التعريف بها والتنويه بشأنها بصورة تتفق مع مكانتها في الماضي والحاضر . وهذا ما قام به فريق من محققي هذه المدينة فألفوا عدة كتب تؤرخ لها وتدل عليها ، ومع ذلك فقد ظلت جوانب كثيرة منها بحاجة إلى تخصيصها بالعديد من البحوث والدراسات .
    فكربلاء منذ اليوم الذي حل فيها ركب الحسين ، وصمم على الصمود في وجه الطغيان ونفذ تصميمه ، فغدت بذلك محجة للقلوب تهوي اليها من كل مكان . واصبحت ملتقى للألوف ينزلونها من كل فج عميق مستوحين من ذكرى صاحب القبر أسمى معاني الرجولة والبسالة والشمم ، ومستلهمين من روعة المكان ارفع مبادئ التحرر والتمرد على الطغيان والاستبداد .
    ان كربلاء منذ ذلك اليوم حظيت بعناية المنقبين والباحثين والناثرين والشاعرين وكانت بذلك جديرة ، وظلت الاقلام تتعاقب على ذكرها من عصر إلى عصرحتى هذا العصر . فكان بين أيدينا من ذلك ذخيرة ثمينة ، وتشاء الأقدار لها أن تكون إلى جانب ما حظيت به من قداسة وتكريم ، وماقام فيها من مشاهد ومراقد ، أن تكون مبعثاً لنهضات علمية وفكرية وأدبية وسياسية . فقد جاء وقت كانت فيه مدرسة الشيعة الكبرى ومقر كبار مجتهديهم المدرسين المفتين . كما أنها لم تخل في كل عصر من حلقات علمية واسعة ومناهج تدريسية




    مطبقة ، فنبغ فيها العديد من رجال الفكر والقلم ، وشهدت الكثير من العلماء والشعراء ،كما شيدت فيها المعاهد والمدارس ، كما كانت مصدراً لعدد من الحركات السياسية والثورات الوطنية ، وقد كان كل ذلك داعياً لأن لا يكتفي بالوقوف عند حد معين من الكتاب والتأليف فيها ، على كثرة ماكتب والف . ومن هنا نهض واحد من أدبائها الاكفاء فأخذ على نفسه خدمة بلده خدمة خالدة والوفاء لها وفاء دائماَ فألف الكتاب الذي أسماه ( تراث كربلاء ) ذاك هو الأستاذ السيد سلمان هادي الطعمة الذي كتب كتابه مستهدفا احياء تراث كربلاء من جميع جوانب هذا التراث وطبع الكتاب طبعته الاولى ولقي مايستحقه من الرواج والإقبال عليه حتى نفذت الطبعة الاولى فعزم على اعادة طبعه مضيفا اليه ما فاته من قبل وما استجد ممالم يكن . وهو هذا الذي يراه القارئ بين يديه في الصفحات التالية .
    ولن استبق القارئ فأدله على ما سيلقى في مطالعته مما يشوقه ويلذه بل اترك له أن ينكب على الكتاب منقباً مستطلعاً ، وأنا واثق من أنه سيخرج من ذلك بكل فائدة وكل متعة ، وسيتعرف على مختلف النواحي في هذا البلد المقدس التاريخي . وهذا ما يحملنا على تحية الكتاب والإشادة بجهوده ، واثقين من ان من واجب المثقفين جميعا ان يدرسوا بلدانهم كهذه الدراسة ليكون لنا من مجموع مايكتبونه تاريخاً مفصلاً للوطن ودليلا كاملا لكل جزء من أجزائه ، وأمامهم هذه التجربة الناجحة لهذا الكاتب الناجح .

    بيروت حسن الأمين





    مقدمة الطبعة الأولى



    لاشك ان الذين كتبوا عن تاريخ هذه المدينة المقدسة ، وما جرى عليها من الحوادث الدامية في مختلف العصور ، أسدوا خدمة كبيرة للعالم بتقديم ذلك التراث القيم الذي يخدم الإنسانية جمعاء ، فلذا حاز تقدير أرباب العلم وأساطين الفكر ورجال المبدأ والعقيدة وسواهم . ومع كل ذلك رأيت لزاماً علي أن أقوم بجمع ما يمكن جمعه كل مايخص ترايخ كربلاء الثقافي والسياسي والاجتماعي تخليداً لذكرى المفكرين الذين انجبتهم هذه الأرض الطيبة من علماء وشعراء وفلاسفة ورجال جهاد وسياسة وغيرهم ممن أقاموا للفكر وزناًً وقدموا تراثاً فيه عناصر إنسانية علينا أن نجدده ونعيد درسه ، وقد بقي تاريخ قسم من هؤلاء المفكرين مجهولاً ، لم يعرف عنه الملأ إلا النزر اليسير ، فآثرت وضع هذه البحوث المنشورة في الصحف والمجلات العربية في كتاب جامع باسم ( تراث كربلاء ) .
    وغير خاف على القارئ اللبيب ان مدينة كربلاء لها تاريخ مجيد حافل بجلائل الأعمال ، ويضم أنصع الصفحات التي خط اسطرها أمير البلاغة والبيان ، ورجل البطولة والفداء الامام الحسين بن علي عليه السلام بكل ماحوت فيه من بطولة نادرة وجهاد لايشق إليه غبار .
    وكربلاء في ماضيها العلمي والأدبي زاخرة بالمواهب الخلاقة ، وقد مرت في



    القرون الغابرة بمراحل وأدوار مختلفة ، مما عظم شأنها وسمت منزلتها في ميدان العلم والمعرفة ، حيث بلغت أوج عظمتها ، وكان سببه ظهور علماء ومفكرين رفعوا رأسها عالياً ، ولا تزال آثارهم تدرس حتى اليوم في معاهدنا العلمية كما وشهدت ساحات كربلاء قبل قرنين أو أكثر حركة علمية صاخبة لم تشهد لها مثيل من قبل ، حيث استقرت فيها الزعامة الروحية وذلك بوجود عدد غفير من أساطين العلماء ، حتى بدأت كربلاء تنافس النجف الاشرف في حركتها العلمية ، كما وشهدت مباريات خطابية وحلبات أدبية يعجز القلم عن وصفها ، ويكل اللسان عن الثناء عليها .
    تتضمن مواد هذا الكتاب أحوال كربلاء منذ أول تشييدها وتدوين تطوراتها الاجتماعية والسياسية والعمرانية والعلمية والادبية ، وتضم تراجم أقطاب العلم الذين قدموا للإنسانية أعمالاً مجدية في الفكر والجهاد إلى غير ذلك من المواضيع الهامة المتعلقة بشؤون هذا البلد المقدس التي شغفت منذ الحداثة بجمعها وتدوينها .
    ومهما يكن من امر ، فأنا أنتهز هذه الفرصة الثمينة لتقديم ما اختمر في الذهن ، وما شعرت به النفس من المواضيع والبحوث التي كانت مبعثرة هنا وهناك ، فأثرت إخراجها بهذا الشكل حرصا للفائدة العامة ، ورغبة في تحفيز هواة الادب والتاريخ وتوسيع طاقاتهم ، وقد توفرت لدي مصادر كافية غنية يعتمد عليها ما ينبغي ايراده من الشواهد والدلائل ، علماً بأن هناك عدداً من المخطوطات التي تتعلق بمواضيع الكتاب ، قد اطلعت عليها في مكتبات إيران والعراق . زد على ذلك إني استمعت إلى روايات المعمرين من الجيل الماضي ، وأحاديث ممن يروي عنهم طيلة السنين الخوالي .
    وأخيراً لايسعني إلا أن أرفع اسمى أيات شكري وامتناني إلى كل من آزرني في هذا المشروع الضخم الذي يتطلب وقتاً طويلاً وعملاً متواصلاً من تقديم يد المساعدة إلي وأخص بالذكر فضيلة العلامة الكبير حجة الاسلام الشيخ آغابزرك الطهراني صاحب( الذريعة ) والاستاذ كوركيس عواد مدير مكتبة




    المتحف العراقي والاستاذ ضياء الدين ابو الحب وفضيلة العلامة الشيخ محمد علي اليعقوبي والشيخ كاظم ابو اذان والمحامي السيد عبد الصاحب شيقر والاستاذ عبد المجيد حسين السالم والاستاذ حسن عبد الامير المهدي ، وكلا من أبناء عمومتي السيد مجيد السيد سلمان الوهاب آل طعمة والمحامي السيد محمد مهدي الوهاب آل طعمة وغيرهم من رواد الفكر ومحبي الثقافة سائلاَ المولى العلي القدير أن يوفقهم في مسعاهم وأن يلهمهم التوفيق في خدمة العلم والادب والتاريخ ، والله هو الموفق .
    كربلاء 10 شوال المكرم1383 هـ
    23 شباط 1964 م
    سلمان السيد هادي آل طعمة






    مقدمة الطبعة الثانية


    بعد نفاذ الطبعة الاولى من كتابنا « تراث كربلاء » لقيت من لدن القراء الكرام إقبالاً كبيراً وتشجيعاً أعتز به ، لذا رأيت لزاماً علي أن أعيد طبعه مرة ثانية لرغبة الكثير من الاصدقاء المثقفين ، فأخذت على عاتقي إخراجه بثوب جديد بعد أن توفرت لدي معلومات قيمة ووثائق عظيمة الاهمية تلقي أضواء على بعض الاحداث التاريخية . كما انني حذفت من الكتاب بعض الافكار والمواضيع التي هي غير جديرة بالتسجيل ، حيث يغلب عليها طابع التشكيك في صحتها أو التي هي غير مرغوب في ادراجها ، وقد دعاني إلى تدوينها في الطبعة الاولى الاسراع .
    ان هذه الطبعة الجديدة تمتاز بدقة المعلومات وصحة الاسانيد وروعة الاغراض وسمو الاهداف ، وقد خلت من الاخطاء التي وقعت فيها خلال الطبعة الاولى .
    إنني لم أستهدف من وراء إخراج هذا الكتاب إلا خدمة للفكر وحفظاً للتراث العربي في هذه المدينة الشامخه المقدسة التي لعبت دورا مهما في تاريخ العرب قديما وحديثاً ، ولقيت من أحداث الدهر ما جعلها أنشودة في فم الزمان لانها صمدت كالطود الاشم دون أن تلين قناتها أو ترضخ أمام قوى الشر والعدوان .




    وكان في طليعة رجال الفكر الذين زودوني بالمعلومات النافعة وأرشدوني إلى محجة الصواب الأديب الكبير السيد صالح الشهرستاني ـ نزيل طهران ـ الذي نقد الكتاب بتفصيل ، كما أخص بالشكر السادة محمد حسن مصطفى الكليدار وابراهيم شمس الدين القزويني على توجيهاتهما واهتمامهما ، وكذلك جدي السيد أحمد السيد صالح آل طعمة حفظه الله الذي عاصر معظم الاحداث التي مرت بكربلاء وجالس أدباءها وعلماءها ويحتفظ لهم في ذاكرته الكثير من الطرائف المستملحة والحكايات اللطيفة التي كانت تتناقلها الاندية حينذاك .
    وبعد أيها القارئ ، فهذه هي الطبعة الثانية من تراث كربلاء، آمل أن تلقى منك استحساناً ، وتترك في نفسك أثراً ، وتسترعي اهتمامك . فهو كتاب يجلو مآثر كربلاء واحداثها الضخام ، ويبرز صفحات مشرقة من بطولات رجالها العظام وعبقربات أدبائها الكرام .
    والله اسأل أن يسدد خطانا إلى مافيه الخير والصواب.
    كربلاء ـ العراق
    10 ربيع الأول 1403 هـ
    سلمان السيد هادي السيد محمد مهدي آل طعمة






    الفصل الاول



    نظرة عامة في تاريخ كربلاء


    في الواقع ان كربلاء اسم قديم في التاريخ ، يرجع إلى عهد البابليين ، وقد استطاع الؤرخون والباحثون التوصل إلى معرفة لفظة ( كربلاء ) من نحت الكلمة وتحليلها الغوي ، فقيل إنها منحوتة من كلمة ( كوربابل ) العربية ، وهي عبارة عن مجموعة قرى بابلية قديمة منها ( نينوى ) التي كانت قرية عامرة في العصور الغابرة ، تقع شمال شرقي كربلاء ، وهي الآن سلسة تلول أثرية ممتدة من جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الاهوار ، وتعرف بتلول نينوى . ومنها ( الغاضرية ) وهي الاراضي المنبسطة التي كانت مزرعة لبني أسد ، وتقع اليوم في الشمال الشرقي من مقام أو شريعة الإمام جعفرالصادق عليه السلام، على العلقمي بأمتار وتعرف بأراضي الحسينية . ثم ( كربله) بتفخيم السلام ، وتقع إلى شرقي كربلاء وجنوبها . ثم ( كربلاء أو عقر بابل ) وهى قرية في الشمال الغربي من الغاضرية ، وبأطلالها أثريات مهمة . ثم ( النواويس ) وكانت مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى . أما الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء تعرف بـ ( كربلاء القديمة ) يستخرج منها




    أحياناً بعض الحباب الخزفية ، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها . وقد عبر عنها الإمام الحسين عليه السلام في خطبة مشهورة له وذلك عندما عزم السير نحو الكوفة :« وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا» (1) . ثم( الحير ) ومعناه اللغوي الحمى . ثم ( الحائر ) (2) وهي الأراضي المنخفضة التي تضم موضع قبر الحسين عليه السلام إلى رواق بقعته الشريفة ، وقد حار الماء حولها على عهد المتوكل العباسي عام 236 هـ . وكانت للحائر وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة وربوات متصلة في الجهات الشمالية الغربية والجنوبية منه تشكل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية ، حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العباس بن علي عليهما السلام (3) . وسميت كذلك بـ ( الطف ) لوقوعها على جانب نهر العلقمي ، وفيها عدة عيون ماء جارية منها الصيد والقطقطانية والرهيمة وعين الجمل وذواتها ، وهي عيون كانت اللموكلين بالمسالح التي كانت وراء الخندق الذي حفره شابور كحاجز بينه وبين العرب (4) . ومنها ( شفيه ) وهي بئر حفرتها بنو أسد بالقرب من كربلاء ، وأنشأت بجانبها قرية ، وكان الحسين عليه السلام عندما حبسه الحر بن يزيد الرياحي عن الطريق ، وأم كربلاء ، اراد ان ينزله في مكان لا ماء فيه ، قال اصحابه دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية يعنون الغاضرية أو هذه الأخرى يعنون شفيه . وان الضحاك بن عبد الله المشرفي عندما اشتد الأمر على الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وبقي وحيداً استأذن الحسين عليه السلام بالانصراف لوعد كان بينهما ( أنه ينصره متى كان كثير الانصار ) فاستوى على ظهر فرسه فوجهها نحو العسكر ، فأخرجوا له واخترق صفوفهم ، ثم تبعه منهم خمسة عشر


    (1) اللهوف في قتلى الطفوف ـ للسيد ابن طاووس ص 26 .
    (2) دائرة المعاوف الاسلامية الفرنسية ـ انظر مادة ( حائر Hair ) .
    (3) نهضة الحسين ـ للسيد محمد علي هبة الدين الحسيني ص 80 .
    (4) معجم البلدان ـ لياقوت الحموي ـ مادة الطف .
    تراث كربلاء 21



    فارساً حتى جاء شفيه فالتجأ بها وسلم من القتل (1) . وتسمى بـ ( العقر ) وكانت به منازل بخت نصر ويوم العقر قتل به يزيد بن المهلب سنة 102 وكلها قرى متقاربة ، وقد روي أن الحسين عليه السلام لما انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد قال : (ما أسم تلك القرية وأشار إلى العقر فقيل له اسمها العقر فقال: نعوذ بالله من العقر ، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها قالوا : كربلا فقال أرض كرب وبلاء وأراد الخروج منها فمنع حتى كان ماكان (3) وقد سبق أن نزلها أبوه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في سفره إلى حرب صفين وشوهد فيها متأملاً في مابها من أطلال وآثار فسئل عن السبب فقال ان لهذه الأرض شأناً عظيماً فها هنا محط ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم ، فسئل في ذلك فقال : ( ثقل لآل محمد ينزلون ههنا ) (3) إلى غير ذلك من الأسماء التي وردت في التاريخ ، وليس باستطاعتنا استيفاء البحث عن قدمها (4) . وذكر ياقوت في كتابه ( معجم البلدان) بخصوص لفظة ( كربلاء ) وأوعزها إلى ثلاثة أوجه ، فقال ما نصه : «كربلا بالمد وهو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي عليه السلام في طرف البرية عند الكوفة (5) » . فأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين ، يقال جاء يمشي مكربلاً فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك ، ويقال كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها وينشد في صفة الحنطة :


    (1) كربلاء في التاريخ ـ السيد عبد الرزاق عبد الوهاب آل طعمة ( الجزء الأول ) مخطوط ـ فصل اسماء كربلاء ـ ص 5ـ6 .
    (2) معجم البلدان ـ ياقوت الحموي ج 6 ص 195
    (3) الأخبار الطوال ـ للدينوري ص 250
    (4) الطبري ـ لابن جرير ج 10 ص 118 مروج الذهب ـ للمسعودي ج 3 مزار البحار ـ للمجلسي ص 142 مجالي اللطف بأرض الطف ـ للشيخ محمد السماوي ص 3و4
    (5) انظر مراصد الاطلاع في أسماء الأمكنة والبقاع ـ لابن عبد الحق البغدادي ج 3 ص 1154 .
    تراث كربلاء 22


    يحملن حمراء رسوباً للثقل قد غربلت وكربلت من القصل

    فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك والكربل اسم نبت الحماض . وقال أبو وجزة السعدي يصف عهود الهودج . وتامر كربل وعميم دفلى عليها والندى سبط يمور

    فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نباته هناك فسمي به ، ونزل خالد كربلاء عند فتحه الحيرة سنة 12 هـ فشكى اليه عبد الله بن وثيمة البصري الذبان فقال رجل من أشجع في ذلك : لقد حبست في كربلاء مطيتي وفي العين حتى عاد غثا سمينها
    إذا رحلت من منزل رجعت له لـعمري وايهـاً انني لأهينهـا
    ويمنعها من ماء كل شريعـة رفاق من الذبان زرق عيونهـا (1)

    وقد وردت لفظة « كربلاء » في رسالة السيد حسن الصدر فقال : « انها مشتقة من الكربة بمعنى الرخاوة . ولما كانت أرض هذا الموضع رخوة سميت كربلاء أو من النقاوة من كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها ولما كانت هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل سميت كربلاء . أو أن الكربل نبت الحماض كان كثير نبته في هذه الأرض فسميت به والأظهر من هذه الوجوه الثاني والأوسط (2) . ويرى فريق آخر من المؤرخين أن لفظة ( كربلاء ) مركبة من كلمتين آشوريتين هما :( كرب ) و ( ايلا ) ومعناها ( حرم الله ) ، وذهب آخرون إلى أن الكلمة فارسية المصدر ، فهم يرون أنها مركبة من كلمتين هما ( كار ) و( بالا ) ومعناهما العمل الأعلى أي العمل السماوي أو بعبارة أخرى


    (1) معجم البدان ـ لياقوت الحموي ـ المجلد 7 ص 229
    (2) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ـ للسيد حسن الصدر ص 17 ( طبع الهند )
    تراث كربلاء 23



    محل العبادة والصلاة (1) ومن الاسماء التي أطلقت على كربلاء اسم ( النوائح ) وربما اشتق من كلمة النياح لكثرة البكاء والعويل منذ نزول الحسين عليه السلام فيها ، وذكر ياقوت الحموي في معجمه أبياتاً أنشدها الشاعر معن بن أوس المزني من قصيدة طويلة : إذا هي حـلت كربلاء فلعلعـا فجوز العذيب دونها و النوائحا
    فباتت نواها من نواك فطاوعت مع الشانئين الشانئات الكواشحا
    توهمت ربعاً بالمعبر واضحـاً أبت قرّتـاه اليـوم ألا تراوحا (2)

    ولابد لنا ونحن في معرض حديثنا عن تاريخ كربلاء القديم ، أن ننقل رأي الدكتور عبد الجواد الكليدار في هذا الصدد بشأن التعريف بأسماء كربلاء فقال : « وقد نعتت كربلاء منذ الصدر الاول في كل من التاريخ والحديث باسم كربلاء والغاضرية ، ونينوى ، وعمورا ، وشاطئ الفرات ، ورد منها في الرواية والتاريخ بإسم ماريه ، والنواويس ، والطف ، وطف الفرات ، ومشهد الحسين ، والحائر ، والحير إلى غير ذلك من الاسماء المختلفة الكثيرة ، إلا أن أهم هذه الاسماء في الدين هو ( الحائر ) لما احيط بهذا الإسم من الحرمة والتقديس او انيط به من اعمال واحكام في الرواية والفقه إلى يومنا هذا (3) » . وذكر صاحب دبستان المذاهب : ان كربلاء كانت في الزمن السالف تحوي بيوت نيران ومعابد للمجوس ويطلق عليها بلغتهم ( مه بارسور علم ) أي المكان المقدس (4) .


    (1) موجز تاريخ البلدان العراقية ـ للسيد عبد الرزاق الحسني ص 61 و62 وانظر كتابه ( العراق قديماً وحديثاً ) ص 124
    (2) معجم البلدان ـ لياقوت الحموي ( مادة كربلاء ) ، وانظر ( الأغاني ) لأبي الفرج الأصفهاني المجلد 12 ص 63
    (3) تاريخ كربلاء ـ للدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة ( الطبعة الثانية ) ص 23
    (4) دبستان المذاهب ـ مجهول المؤلف طبع بَمْبَيْ 1262 هـ
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    وتحدثنا المصادر ان هناك أسماء قرى كانت تحيط بكربلاء القديمة عند ورود الحسين عليه السلام لها سنة 61 هـ منها : عمورا و مارية وصفورا وشفية ، وقد اطلقت عليها بعد مقتل الحسين تسميات أخرى منها : مشهد الحسين أو مدينة الحسين والبقعة المباركة وموضع الابتلاء ومحل الوفاء (1) .
    وقد سبق أن أوضحنا ان كربلاء هي أم لقرى عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات . ويحدثنا التاريخ أنها كانت من أمهات مدن بين النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس ـ الفرات القديم ـ وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً . وقد كثرت حولها المقابر كما عثر على جثث الموتى داخل أواني خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي . أما الأقوام التي سكنوها فكانوا يعولون على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مائها والسبب في ذلك هو كثرة العيون التي كانت منتشرة في ربوعها . وقد اخذت كربلاء تزدهر شيئاً فشيئاً سيما على عهد الكلدانيين والتنوخيين واللخميين والمناذرة يوم كانت الحيرة عاصمة ملكهم ، وعين التمر (2)البلدة العامرة ومن حولها قراها العديدة التي من ضمنها شفاثا .


    (1) مدينة الحسين ـ محمد حسن الكليدار آل طعمة ( الطبعة الاولى ) ج 1 ص 14 .
    (2) تقع غربي كربلاء وتبعد عنها 74 كيلومتراً في طريق ترابي وعر . ذكرها ياقوت الحموي في ( معجم البلدان ) ج 3 ص 759 فقال :« عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شفاثا منها يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد وهو بها كثير جداً وهي على طرف البرية وهي قديمة ». كما ورد ذكرها في « مراصد الاطلاع على أسماء الامكنة والبقاع » لابن عبد الحق البغدادي ج 2 ص 977 وهذا نصه :« عين التمر بلدة في طرف البادية على غربي الفرات وحولها قريات منها شفاثا وتعرف ببلدة العين أكثر نخلها القسب ويحمل منها إلى سائر الأماكن » .
    وشفاثا مجموعة قرى نمت على حساب بلدة « عين التمر » التي هجرها سكانها بعد جفاف ينابيعها وهي ناحية من نواحي كربلاء واقعة في الجهة الغربية تسقيها الأنهار المنسابة من ينابيعها
    =



    من كل ماتقدم تتجسد لنا المكانة الرفيعة التي منيت بها هذه البقعة المقدسة والمنزلة السامية التي حظيت بها بين بلدان العالم .

    الانهار في كربلاء

    هناك مصادر قديمة تؤكد على وجود أنهار كانت تروي المزارع في كربلاء ، إلا أنها طمست بمرور الزمن ولم يبق منها غير الآثار ، اللهم سوى نهر الحسينية الذي مازالت مياهه تتدفق فتحمل الخيرات والبركات إلى المدينة . ومن بين هذه الأنهار التي اندثرت بسبب ترسبات الغرين الذي كان يحمله الفرات خلال موسم الفيضان من كل عام هي :

    النهرين

    وهو فرعان يشتقان من عمود الفرات كانا يجريان في كربلاء قديماً ، وقد ورد ذكرها في كتب المؤرخين الذين تطرقوا إلى مأساة الحسين ومنهم أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ( مقاتل الطالبين ) وابن كثير في كتابه ( البداية والنهاية ) وابن شهر آشوب في كتابه ( المناقب ) والطبري في تاريخه المعروف .

    نهر العلقمي

    وكان يسقي كربلاء قديماً نهر العلقمي ، وهو اليوم من الآثار المندرسة أيضاً .


    = المعدنية المتفجرة . وقد بلغ عدد سكانها حوالي 10 آلاف نسمة هاجروا إليها من المناطق البعيدة والمجاورة ، وعدد القرى ( القصور ) سبعة عشر قصراً سميت أغلبها بأسماء العشائر والرؤساء من الذين سكنوها .
    أما اليوم فقد أصبحت عين التمر قضاءاً تابعاً لمحافظة كربلاء وتبعد عنها مسافة (70) كيلو متراً وطريقها معبد بالأسفلت وفيها دار للاستراحة . ولأهالي عين التمر ارتباطات وثيقة بأهالي كربلاء ، لاسيما وان عدداً كبيراً من مالكي البساتين هم من أهالي كربلاء .
    تراث كربلاء 26


    فقد ذكر المسعودي في التنبيه والاشراف وكاتب البريد ابن خر داذبه في المسالك : إذا جاز عمود الفرات هيت والأنبار ( يقابل الثاني الأول في الضفة الغربية ) فتجاوزهما فينقسم قسمين : منها قسم يأخذ نحو المغـرب قليلاً المسـمى ( بالعلقمي ) إلى أن يصير إلى الكوفـة (1) .
    يروي السيد عبد الحسين الكليدار في كتابه ( بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ) عن آثار العلقمي فيقول : وآثار العلقمي الباقي منه اليوم ـ على ما وقفت عليه ـ إذا انتهى إلى شمال ضريح عون اتجه إلى الجنوب ، حتى يروي ـ الغاضرية لبني أسد ـ والغاضرية على ضفته الشرقية ، وبمحاذاة الغاضرية شريعة الإمام جعفر ابن محمد عليه السلام على الشاطىء الغربي من العلقمي . وقنطرة الغاضرية تصل بينه وبين الشريعة ثم ينحرف إلى الشمال الغربي ، فيقسم الشرقي من مدينة كربلاء بسفح ضريح العباس عليه السلام إذا استشهد مايلي مسناته . فإذا جاوزه انعطف إلى الجنوب الشرقي من كربلاء ماراً بقرية نينوى وهناك يتصل النهر ( نينوى والعلقمي ) فيرويان مايليهما من ضياع وقرية شفيه فيتمايلان بين جنوب تارة وشرق أخرى ، حتى إذا بلغ خان الحماد ـ منتصف الطريق بين كربلاء والغرى ـ اتجها إلى الشرق تماماً وقطعا شط الهندية بجنوب برس وحرقة ـ وأثرهما هناك مرئي ومشهور ـ حتى يشتقان شرقي الكوفة (2) .
    وحكي في ( الكبريت الأحمر ) عن السيد مجد الدين محمد المعروف بمجدي من معاصري الشيخ البهائي في كتابه ـ زينة المجالس ـ المؤلف سنة 1004 هذا نصه : ان الوزير السعيد ابن العلقمي لما بلغه خطاب الصادق عليه السلام للنهر « إلى الآن تجري وقد حرم جدي منك » أمر بسد النهر وتخريبه ، ومن أجله حصل خراب الكوفة لأن ضياعها كانت تسقى منه (3) .


    (1) التنبيه والاشراف : للمسعودي ص 47 .
    (2) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ( مطبعة الارشاد ـ بغداد ) ( 31/ 4 / 1966 م) ص 82 .
    (3) الكبريت الأحمر ـ نقلاً عن زينة المجالس لمحمد مجدي .




    وفي ( مصباح المتهجد ) « ان الصادق عليه السلام قال لصفوان الجمال : إذا أتيـت الفـرات ( أعني شرعة الصادق بالعلقمي ) فقل اللهم أنت خيـر من وفـد الـخ » (1) .
    ولهذا يؤكد الشاعر السيد جعفر الحلي مصرع العباس عليه السلام جنب العلقمي بقوله : وهوى بجنب العلقمي فليته للشاربين به يداف العلقم

    وذهب فريق آخر من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن القسم المحاذي من هذا النهر لطف كربلاء قد كلف بحفره رجل من بني علقمة بطن من تميم ثم من دارم جدهم علقمة بن زرارة بن عدس فسمي النهر بالعلقمي ، وذلك في أواخر القرن الثاني الهجري ، وبذلك قال الشريف محمد بن علي الطباطبائي الشهير بالطقطقي في تاريخه الفخري عند ذكره ترجمة حال أبي طالب مؤيد الدين ابن العلقمي الوزير العباسي على عهد المستعصم وهولاكو الايلخاني انه سمي بابن العلقمي نسبة إلى جده علقمة الذي قام بحفر نهر العلقمي . والفريق الثاني من المؤرخين سموا النهر بإسم العلقم فذكر النويري في كتابه ـ بلوغ الأرب في فنون الادب ـ ان نهر الفرات بعد اجتيازه الانبار ينقسم إلى قسمين : قسم يأخذ نحو الجنوب قليلاً وهو المسمى بالعلقم ، وذلك لكثرة العلقم ( الحنظل ) حول حافتي النهر (2) والعلقم بالفتح والسكون يطلق على كل شجر مر ( الحنظل ) وما عداه من غير فارق ، والعلقمة المرارة ، يخال لي لشدة ما كان العرب يكابدون من مرارة ماء آبار الجزيرة حتى تخوم الجزيرة ومياه عيون الطف ثم ينهلون عذب نمير هذا النهر فلبعد شقة البين بالضد أطلقوا عليه اسم ( العلقمي ) (3) .
    وقد أورد الشهيد ابن طاووس روايات بخصوص زيارات الحسين عليه السلام غير


    (1) انظر : قمر بني هاشم ـ للسيد عبد الرزاق المقرم ص 121 نقلاًَ عن مصباح المتهجد الشيخ الطوسي ص 499 .
    (2) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة / ج 2 ص 4 و5 طبع طهران.
    (3) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء / عبد الحسين الكليدار آل طعمة / ص 83 و84 .
    تراث كربلاء 28



    مقيدة ( إذا أردت زيارة الحسين عليه السلام في كربلاء ووردت قنطرة العلقمي فقيل إليك اللهم قصد القاصد الخ ) .
    وجاء في تاريخ آل سلجوق لعماد الدين الأصفهاني المؤرخ الإسلامي الذي عاش في القرن الثامن الهجري ان جدول العلقمي كان يمر بالمشهديـن أي كربلاء والنجف (1) .
    وقد بقي نهر العلقمي حتى عام 697 هـ ثم علته الرمال والأوحال مماعرقل جريان الماء فيه ، وتروي بعض المصادر القديمة ان السلطان محمود الغزنوي قد أرسل وزيره علي الجويني إلى كربلاء فأمر بتطهير نهر العلقمي وإزالة الرمال والطمى منه ، وعاد الماء في واديه متدفقاً . وفي عام 915 هـ عادت الرمال تعلو هذا النهر وتوقفه عن الجريان .

    نهر نينوى

    ومن الأنهار الاخرى التي كانت تروي هذه التربة الطاهرة نهر نينوى الذي كان يتفرع من عمود الفرات مايقارب الحصاصة وعقر بابل ، بين شمال سدة الهندية وجنوب قضاء المسيب من نهر سوري ثم يشق ضيعة ام العروق ، ويجري جنوب كرود أبو حنطة ( أبو صمانة ) وتقاطع مجراه باقياً إلى يومنا هذا ، ويعرف بعرقوب نينوى . ويقال ان البابليين هم الذين حفروا هذا النهر مع تشكيل قرية نينوى باسم عاصمة الآشوريين التي كانت تعرف ( كربا ـ ايلو ) ابان حكمهم .

    النهر الغازاني

    ومن الأنهار المندرسة الاخرى النهر الغازاني نسبة إلى غازان خان من آل


    (1) مدينة الحسين / ج 2 ص 4و5 .



    جنكيز أحد ملوك التتر الذين حكموا العراق بعد سقوط الخلافة العباسية ، فأمر غازان بتجديد نهر العلقمي وتقريب مأخذه من الفرات ، وقد بتر المغول القسم الأعلى من مجرى النهر وأوصلوا القسم الآخر بالنهر الذي حفره غازان من فرات الحلة ولم يستسيغوا بقاء اسم العلقمي على هذا النهر ، لاسيما وقد طرأ عليه الكثير من التغيير والتبديل كما نص على ذلك ابن الفوطي في حوادث سنة ثمان وتسعين وستمائة بقوله : فيها سار السلطان غازان إلى العراق وجعل طريقه على جوخا وسير بعض العسكر إلى بطائح واسط ، فحصروا الأعراب وأكثروا القتل فيهم والنهب والسبي وغنموا أموالهم ، وعين جماعة لملازمة أعمال واسط ومنع من تخلف من العرب عن الفساد ، ثم توجه إلى الحلة وقصد زيارة المشاهد الشريفة وأمر للعلويين والمقيمين بها بمال كثير ، ثم أمر بحفر نهر بأعلى الحلة فحفر وسمي النهر الغازاني تولى ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي وغرس الدولة ابن .... ثم سار إلى بغداد (1) وسمي بالغازاني تخليداً لذكرى حافره غازان المذكور .

    نهر السليماني ( الحسينية )

    أما النهر السليماني ( الحسينية ) فقد أنشأه السلطان سليمان القانوني العثماني سنة 941 هـ / 1534 م . ذكر المستر لونكريك في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق ) ان السلطان سليمان كانت غايته الثانية أن يزور العتبات المقدسة في الفرات الاوسط ، ويفعل هناك أكثر مما فعله الزائر الصفوي في العهد الأخير ، فوجد مدينة كربلاء المقدسة حائرة في حائرها بين المحل والطغيان . إذ كان الفرات الفائض في الربيع يغمر الوهاد التي حول البلدة بأجمعها من دون أن تسلم منه العتبات نفسها . وعند هبوط النهر كانت عشرات الألوف من الزوار يعتمدون


    (1) الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة / لأبي الفضل عبد الرزاق بن الفوطي ص 497 و498 طبع ببغداد 1351 هـ.


    على الاستسقاء من آبار شحيحة قذرة . فرفع مستوى ( روف السليمانية ) . وهي سدة ماتزال تقوم بعملها حتى اليوم لوقاية البلدة من الفيضان ، ثم وسع الترعة المعروفة بالحسينية وزاد في عمقها لكى تأتي بالماء المستمر ، ولتجعل الأراضي الخالية المغبرة حولها بساتين وحقولاً يانعة للقمح . وصارت هذه الترعة تنساب في أرض كان الجميع يظنونها أعلى من النهر الأصلي . فاستبشر الجميع بالمعجزة واقتسم الحسين الشهيد والسلطان القانوني جميع الثناء والإعجاب . وبعد أن زار سليمان قبر الإمام علي في النجف رجع إلى بغداد (1) . ويعقب عباس العزاوي على ذلك بقوله : نهر الحسينية هذا النهر من أعظم أعمال السلطان سليمان القانوني كان يسمى باسمه ( النهر السليماني ) والآن يسمى بالحسينية أجراه إلى كربلا فأحياها ولم يوفق السلاطين السابقون أيام غازان وغيره ومنهم الشاه اسماعيل والشاه طهمـاسب (2) الخ . وبتبرع زوجة محمد شاه القاجاري ملك ايران أنفذ نهر الرشدية وذلك عام 1259 هـ فسمي الفرع عند ذاك بأسم الرشدية(3) . اما الفرع الثاني لهذا النهر فسمي بالهنيدية ويسير باتجاه جنوب مدينة كربلاء . ومما يذكر بهذا الصدد أن الرحالة الميرزا أبو طالب خان بن محمد الأصفهاني الذي قدم إلى بغداد في غرة


    (1) أربعة قرون من تاريخ العراق للمسترلونكريك ـ ترجمة جعفر الخياط ص 39 ( الطبعة الرابعة ـ مطبعة المعارف ـ بغداد 1968 م ).
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين عباس العزاوي ج 4 ص 36 ـ 37
    (3) من الذين خدموا كربلاء العالمان الفاضلان السيد ميرعلي الطباطبائي صاحب الرياض والسيد كاظم الرشتي ، حيث طلب الأول مساعدات من الهند بعد هجرم الوهابيين على كربلاء عام 1216 هـ ونهبهم المدينة وتخريبهم إياها . وقد لبى طلبه ، حيث استطاع إثر وصول الأموال المرسلة اليه ان يشيد سور المدينة لحفظها من الغزوات في المستقبل .وكان السيد كاظم ابن السيد قاسم الرشتي قد طلب المساعدات من بعض وجوه إيران بغية توسيع هذه الشاخة وإيصال الماء إلى مرقد الحر الشهيد الرياحي ، وبعد وصولها أكمل توسيم هذا الفرع الذي يبدأ من قنطرة باب الطاق فسمي بالرشتية ، وعرف فيما بعد بالرشدية ، وقد أشرف على كري هذا النهر المرحوم السيد مهدي بن السيد محمد الطباطبائي الشهير بالنهري وتعرف اسرته اليوم بآل السندي .



    شوال 1217 هـ ( 17 كانون الثاني 1803 م) وبعد أيام غادرها لزيارة سامراء ثم عاد إلى بغداد ، وأخيراً بارحها في 4 ذي القعدة 1217هـ أول آذار 1803 م لزيارة الاضرحة التي في كربلاء والنجف قال ما تعريبه : وبعد أن قمت بواجب الزيارة في كربلاء بارحتها قاصدا النجف بطريق الحلة فقدمت اليها في اليوم نفسه ولاقيت في طريقي جدولين أولهما يقال له النهر الحسيني ( الحسينية ) على بعد أميال قليلة في كربلاء وكان حفره بأمر السلطان مراد ( كذا وصححه السلطان سليمان ) والثاني من النهرين يقال له نهر الهنيدية أو الآصفي لأن النواب آصف الدولة حفره بنفقاته وهو أعرض من النهر الحسيني والغاية من حفره إيصال الماء إلى مرقد الإمام علي . وقد بلغت نفقات هذا الجدول حتى الآن عشرة لكوك من الروبيات مع أنه لم يصل بعد إلى النجف لأن باشا بغداد والرجل الذي ولاه الباشا الإشراف على العمل جعلا النهر يمر بالكوفة وغيرها من المدن عوضاً عن جعله يجري مستقيما وقد بقيت أربعة أميال لإيصاله إلى المحل والأعمال متداولة عليها .. الخ (1).
    أما حادثة مصرع الحسين بن علي عليه السلام ، فهي مناهضة لحكم الطاغية يزيد بن أبي سفيان ، وتعد من أشهر حوادث التاريخ الإسلامي . وقد حدثت في اليوم العاشر من محرم الحرام سنة 61هـ ( 680 م) فاستشهد مع اهل بيته واصحابه ودفن في هذه البقعة الطاهرة في الموضع الذي يعرف بالحائر .
    وضريح الحسين عليه السلام يقام اليوم وسط صحن عظيم تعلوه القبة المنورة والمآذن المغشاة بالذهب الابريز ، فتتلألأ روعة وبهاء .


    (1) رحلة أبي طالب خان ص 292 و 293 . ترجمها من الفرنسية إلى العربية الدكتور مصطفى جواد ( بغداد 1970 ) .




    تاريخ الروضة الحسينية

    عندما قصد الإمام الحسين بن علي عليه السلام العراق سنة 61 هجرية مع اهله واصحابه الغر الميامين ، لم يكن في كربلاء للعمران اثراً يذكر ، إلى ان قتل الحسين عليه السلام في العام نفسه ودفن في الحائر المقدس .
    يذكر بن كثير القرشي في ( البداية والنهاية ) ان مقتل الحسين رضي الله عنه كان يوم الجمعة يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين . وقال هشام ابن الكلبي سنة اثنتين وستين وبه قال علي بن المديني وقال ابن لهيعة سنة اثنتين او ثلاث وستين وقال غيره سنة ستين الصحيح الأول ، بمكان من الطف يقال له كربلاء ارض العراق وله من العمر ثمان وخمسون سنة او نحوها واخطأ ابو نعيم في قوله : انه قتل وله من العمر خمس اوست وستون سنة (1) .ويشير ابن قولويه : ان الذين دفنوا الحسين عليه السلام اقاموا لقبره رسماً ونصبوا له علامة وبناء لاينـدرس اثره (2). وفي عهد بني امية وضعت على قبره المسالح لمنع الزائرين من الوصول إلى القبر المطهر .وكان القبر مطوقاً بمخافر تتولى المهمة السالفة الذكر .
    ان اول من زار الحائر المقدس عبيد الله بن الحر الجعفي لقرب موضعه منها . فوقف على الأحداث ونظر إلى مصارع القوم فاستعبر باكياً ورثى الحسين بقصيدة معروفة : يقول امـير غادر وابن غـادر ألا كيف قاتلت الشهيد ابن فاطمه
    فوا ندمي ان لا اكون نصرتـه ألا كـل نفس لا تسـدد نـادمه
    ويا ندمي إن لم اكن مـن حماته لذو حسرة ما ان تفارق لازمـه


    (1) البداية والنهاية لابن كثير القرشي ج 8 ص 198
    (2) كامل الزيارة لجعفر بن قولويه ص 133




    سـقى الله ارواح الـذيـن تـآزروا على نصره سقيـاً من الغيث دائمـه
    وقفـت على اجـداثـهم ومحالهـم فكاد الحشـا ينفض والعين ساجمـه
    لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى سراعاً إلى الهيجـا حماة حضارمـه
    تأسـوا على نصر ابن بنت نبيهـم بـأسيافهم آسـاد غـيل ضراغمـه
    فـإن تقبلوا من كـل نفس زكيـة على الارض قد اضحت لذلك واجمه
    وما ان رأى الراؤون اصبر منهـم لدى الموت سادات وزهـرا قماقمـه (1)

    ويروى عن الصحابي الجليل الضرير جابر بن عبد الله الانصاري انه قال لقومه عندما زار قبر الحسين عليه السلام يوم 20 صفر سنة 62 هجرية مع جماعة من المسلمين من اهل المدينة واجتمع بنفس السنة بالإمام السجاد عليه السلام : (ألمسوني القبر(2) ). ويروى عن ابي جعفر محمد الصادق عليه السلام: إذا اتيت الحائر فاعبر القنطرة واغتسل في الفرات وضع رجلك في الغاضرية (3) . ويستدل من ذلك ان الصادق عليه السلام كان يحث شيعته على الإكثار من زيارة الحائر ويأمرهم باتخاذ المقام بنينوى او الغاضرية ، ويروي ابو حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام بأنه قال « إذا اردت الوداع بعد فراغك من الزيارات فأكثر منها مااستطعت ، وليكن مقامك بنينوى او الغاضرية ، ومتى اردت الزيارة فاغتسل وزرة الوداع » (4) وفي ( المزار ) بسنده عن صفوان بن مهران الجمال عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال :« إذا اردت قبر الحسين في كربلاء قف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر ثم ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين عليه السلام ثم توجه إلى الشهداء ثم امش حتى تأتي مشهد ابي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلم » (5)


    (1) خزانة الادب للبغدادي ج 2 ص 138 ( الطبعة السلفية ).
    (2) تاريخ قمقام لفرهاد مرزا ( فارسي ) ص 495
    (3) كامل الزيارة لجعفر بن قولوية ص 221 وانظر مزار البحار للشيخ محمد باقر المجلسي ج 10 ص 145 ( طبع كمبني )
    (4) كامل الزيارة لجعفر بن قولوية ص 253 و 254
    (5) مزار بحار الانوار للشيخ محمد باقر المجلسي ص 179



    يستبان من الرواية آنفة الذكر وجود مسجد الحسين وسقيفة تظللها شجرة السدرة ايام العهد الاموي واواخره . وفي ايام ابي العباس السفاح خليفة بني العباس الاول ، فسح المجال لزيارة قبر الحسين وابتدأ عمران القبر في ذلك الحين . يروي محمد بن ابي طالب في كتابه ( تسلية المجالس وزينة الجالس ) عند ذكره لمشهد الحسين عليه السلام :« انه اتخذ على الرمس الاقدس لعهد الدولة المروانية مسجداً » (1) .

    الحائر الحسيني في العصر العباسي

    لم يزل القبر تمتد اليه يد العدوان بعد عهد بني امية ، وفي زمن بني العباس فقد ضيق الرشيد الخناق على زائري القبر ، وقطعت شجرة السدرة التي كانت عنده وكرب موضع القبر (2) . كما ان الرشيد هدم الابنية التي كانت تحيط بتلك الاضرحة المقدسة وقطع السدرة التي كان يستدل بها الزوار موضع القبر ويستظلون تحتها . اما في فترة عام ( 236 ـ 247 هـ ) فقد كان القبر الشريف عرضة إلى تعرض وتنكيل المتوكل العباسي ، حيث احاط القبر بثلة من الجند لثلا يصل الزائرون اليه ، وامر بتهديم قبر الحسين عليه السلام وحرث ارضه واسال الماء عليه ، فحار الماء حول القبر الشريف ، واقام في المسالح اناساً يترصدون لمن يأتي لزيارة قبر الحسين او يهتدي إلى موضع قبره (3) . وعلى ذكر المتوكل فقد ادلى المجلسي في (البحار) برأيه عن ابي المفضل عن علي بن عبد المنعم بن هرون الخديجي الكبير من شاطئ النيل ، قال حدثني جدي القاسم بن احمد بن معمر الاسدي الكوفي ، وكان له علم بالسيرة وايام الناس قال بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم ان أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره


    (1) نزهة اهل الحرمين في عمارة المشهدين للسيد حسن الصدر ص 28 ( طبع الهند ) نقلا عن تسلية المجالس .
    (2) نزهة اهل الحرمين ص 61 .
    (3) تاريخ كربلاء المعلى للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 13 طبع النجف 1349 هـ



    منهم خلق كثير فأوفد قائداً من قواده وضم اليه كتفاً من الجند كثيراً ليشعب قبر الحسين عليه السلام ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره فخرج القائد إلى الطف وعمل بما امر ذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين فثار اهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا لو قتلتنا عن آخرنا لما مسك من بقي مناعن زيارته وراموا من الدلائل ماحملهم على ماصنعوا فكتب الأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً ان مسيره اليها في مصالح اهلها والا نكف إلى المصير فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين فبلغ المتوكل ايضاً مصير الناس من اهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام . وانه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير فأوفد قائداً في جمع كثير من الجند وامر منادياً ينادي براءة الذمة فمن زار قبره ونبش القبر وحرث ارضه وانقطع الناس عن الزيارة وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة فقتل ولم يتم له ماقدره (1) . وفي شوال من سنة 247 هـ قتل المتوكل من قبل ابنه المنادي (المنتصر ) فعطف هذا على آل ابي طالب واحسن اليهم وفرق فيهم الأموال واعاد القبور في ايامه إلى ان خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد بن الحسن فأمر محمد بعمارة المشهدين مشهد امير المؤمنين ومشهد ابي عبد الله الحسين وامر بالبناء عليهما . وبعد ذلك بلغ عضد الدولة بن بويه الغاية في تعظيمها (2). ومنذ ذلك الحين اخذ عمران القبر يتقدم تدريجياً ، وانطلق العلويون يفدون إلى القبر والسكنى بجواره ، وفي مقدمتهم السيد ابراهيم المجاب الضرير الكوفي ابن محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وهو اول علوي وطأت قدماه ارض الحائر الشريف فاستوطنها مع ولده وذلك سنة 247 هـ . روى السيد حسن


    (1) بحار الأنوار / للمولى محمد باقر المجلسي ج 45 ص 397 ( المطبعة الاسلامية ـ طهران ربيع الأول 1385 هـ ) .
    (2) نزهة اهل الحرمين ص 17 .




    الصدر فقال : فاعلم ان آل ابراهيم ويقال له ابراهيم الضرير الكوفي ابن محمد العابد بن موسى الكاظم عليه السلام اول من سكن الحائر فيها ولم اعثر على من تقدم في المجاورة عليهم فإن علماء النسب كلهم ينسبون محمد بن ابراهيم المجاب بالحائري ويصفون ابراهيم المجاب نفسه بالكوفي ، وفي بالي اني رأيت انه كان ابراهيم المجاب الضرير مجاوراً بالحائر وبه مات وقبره هناك معروف لكني لا اذكر الكتاب الذي رأيت فيه ذلك ، لكن نص الكل على ان ابنه محمد الحائري كان في الحائر وعقبه بالحائر كلهم ... الخ (1) والسيد ابراهيم المجاب هذا هو الجد الأعلى لسادات آل فائز في الحائر الحسيني الشريف .
    وتولى الخلافة بعد الراحل المنتصر بالله ابو جعفر محمد بن المتوكل وعند توليه انعم على حاشيته والغى اساليب ابيه وطريقته الممقوتة وسلك بالرعية مسلكاً مرضياً واحسن إلى العلويين وقربهم واكثر من تكريمهم وتعظيمهم واجزل لهم العطاء ورفع من قلوبهم الكدر الذي نابهم من جراء تصرفات ابنه وعمر اضرحة ومراقد الإمام الحسين رضي الله عنه وشهداء كربلاء وظل يتفقدها ويرعاها وأذن بزيارتهم كالسـابق (2) . وفي عام 273 هـ تداعت بناية المنتصر ، فقال بتجديدها محمد بن محمد بن زيد القائم بطبرستان ثم شيدها الداعي العلوي قبة على القبر لها بابان وبنى حولها سقفين واحاطهما بسور وكان ذلك عام 280 هـ .

    الحائر في الدور البويهي

    وفي عام 371 هـ شيد عضد الدولة البويهي قبة ذات أروقة وضريحاً من العاج وعمر حولها بيوتاً وأحاط المدينة بسور . وعضد الدولة هذا هو الذي أمر بإعادة مشهد الحسين بن علي عليه السلام بعد ان كان الخليفة المتوكل قد أمر عام


    (1) نزهة اهل الحرمين في عمارة المشهدين / للسيد حسن الصدر ص 36 و 37 .
    (2) كلشن خلفاء / لمرتضى نظمي زاده ص 60 ( 1971 م) نقله إلى العربية موسى كاظم نورس .



    236 هـ / 850 م بهدم قبره وهدم ماحوله من المنازل وبأن يحرث ويبذر ويسقي ، وكان يزعم البعض ان رأس الحسين ( سيد الشهداء ) يوجد في رباط صغير من مدينة مرو وذلك في القرن الرابع الهجري ، ويقول المقريزي : ان رأس الحسين حمل من عسقلان إلى القاهرة ووصل إليها في عام 548 هـ / 1153 م . ويرى ابن تيمية أن هذا باطل باتفاق أهل العلم وان احداً من اهل العلم لم يقل ان رأس الحسين كان بعسقلان . وفي سنة 356 هـ توفي معز الدولة ، وبناء على وصية عماد الدولة صار عضد الدولة ابو شجاع ابن ركن الدين ملكاً على فارس وكان اميراً شهيراً قام ببناء الكثير من الأمكنة في النجف وكربلاء المشرفة (1) . وفي عام 399 هـ ـ 1009 م توفي ابو العباس الكافي الوزير بالري وكان قد اوصى قبل موته أن يدفن في مشهد الحسين فكتب ابنه إلى العلويين ان يبيعوه تربة بخمسمائة دينار فقال الشريف إذ ذاك هذا رجل التجأ إلى جوار جدي ولا آخذ لتربته ثمناً وأعطيت للرجل تربة من غير ان يدفع شيئاً ولم يصل الينا وصف لداخل مشهد الحسين بكربلا قبل وصف ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري أما ما قبل ذلك فيذكر ان القبر كان يغطى بقماش تاريز وحوله شموع مضاءة (2). وتقدمت كربلاء على عهد البويهيين الديالمة تقدماً ملموساً (3)وازدهرت ازدهاراً واسعاً وتقدمت معالمها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فاتسعت تجارتها واخضلت زراعتها ، واينعت علومها وآدابها ، فدبت في جسمها روح الحياة والنشاط ، فتخرج منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون ، وتفوقت في مركزها


    (1) كلشن خلفاء ص 83
    (2) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري / لآدم متز . نقله إلى العربية محمد عبد الهادي ابو ريدة ص 112
    (3) السيد محسن الأمين بحث موسع عن تاريخ آل بويه في موسوعته ( أعيان الشيعة ) ج 14 ص 240 وذكر لنا ان اول ملوكهم ثلاثة هم عماد الدولة علي ابو الحسن وركن الدولة ابو علي الحسن ومعز الدولة ابو الحسن احمد اولاد ابي شجاع الدولة .



    الديني المرموق . وقد اطنب ابن الاثير في تاريخه في مآثر عضد الدولة وماتقدم به من الخدمات الجليلة نحو الحرمين الشريفين في مكة والمدينة ونحو المشهدين المقدسين في الحائر والغري . ولا تنكر اعماله العظيمة ومآثره الإسلامية الجليلة ، فقد بالغ في تشييد الأبنية حول المشهد الشريف في الحائر فجدد تعمير القبة ، وشيد الأروقة من حوله ، وبالغ في تزيينهما وتزيين الضريح بالساج والديباج وعمر البيوت والأسواق من حول الحائر وعصم مدينة كربلاء بالأسوار العالية فجعلها كحصن منيع (1) واقتفى اثره عمران بن شاهين أحد امراء البطائح فبنى المسجد والرواق الخلفي الملحق بالروضة الحسينية المعروف بأسمه . واشار اليه السيد ابن طاووس بقوله : انه هو الذي بنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام (2) . وقد جاء في ( الكامل ) لابن الأثير في ترجمة عمران بن شاهين النص التالي : كان عمران بن شاهين في بدء حياته صياداً قطاع الطرق أغار على البطيح فاستولى عليه وذلك في أواسط القرن الرابع الهجري ، فلما استتب له الأمر بالبطيح أخذ يعيث فساداً في البقاع المجاورة له حتى استولى ذعره على أكثر الساكنين المجاورين له فشكى أمره إلى السلطان عضد الدولة بن بويه الديلمي فسار على رأس جيش عرمرم للقضاء على حصون عمران بن شاهين ودك قلاعه . فلما وصل عضد الدولة الى البطيح كان عمران بن شاهين متحصناً في قلعته فلم يتمكن السلطان البويهي من تحطيم حصونه فأمر جنده بفتح الماء على قلاعه وغرق البطيح وشد في الحصار عليه فترك عمران ابن شاهين البطيح وولى هارباً من وجه السلطان البويهي (3) . روى المجلسي (البحار) والسيد ابن طاووس في (فرحة الغري) : عندما فر عمران بن شاهين من وجه السلطان البويهي لاذ بقبر الأمام علي بن أبي طالب فرأى في المنام علي بن


    (1) تاريخ كربلاء وحائر الحسين / الدكتور عبد الجواد الكليدار ص 171 ( الطبعة الثانية )
    (2) فرحة الغري / للسيد ابن طاووس ص 67
    (3) تاريخ الكامل / لأبي الحسن علي بن الأثير ـ المجلد 8 ص 176و 177

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    أبي طالب فقال له : ياعمران سيقدم العبد فنا خسرو لزيارة هذه البقعة فلذ به سيفرج عنك فلما استيقظ نذر بناء أروقة في المشهد الغروي وآخر في المشهد الحائري لو تم له ذلك ، ولما قدم عضد الدولة لزيارة قبر علي بن أبي طالب رأى شخصاً ملاصقاً بجدار الروضة فسأله عن حاجته فخاطبه عمران بن شاهين باسمه الحقيقي فاندهش السلطان من معرفة هذا الشخص من اسمه أي ( فنا خسرو) فقص عليه عمران منامه فعفى عنه السلطان وأولاه امارة البطيح ثانية فقام من ساعته وبنى رواقاً في حرم الأمير بالمشهد الغروي وآخر في الحائر الشريف وبنى بجنبه مسجداً وهو أول من ربط حرم الحائر بالرواق المعروف باسمه رواق ابن شاهين (1). وذكر الفاضل المعاصر السيد محمد صادق بحر العلوم في كتابه ( سلاسل الذهب ) ان رواق ابن شاهين في الجانب الغربي من الحائر الشريف المعروف اليوم برواق السيد ابراهيم المجاب وبني بجنبه مسجداً سمي باسمه ذكره ابن بطوطة الطبخي في رحلته وكان هذا المسجد موجوداًً إلى أيام الصفويين فاستثنوا بدمج المسجد في الصحن فأدمج في الصحن وبقي من المسجد أثره حتى اليوم وهو محل خزن مفروشات الروضة الحسينية خلف الإيوان المعروف بالايوان الناصري وتم ذلك البناء أي بناء الرواق والمسجد المعروف برواق مسجد ابن شاهين في سنة 367 هـ (2) . وقد أدلى المرحوم السيد حسين القزويني الحائري برأيه أنه شاهد متانة بناء هذا المسجد عند الحفريات الأخيرة في المشهد الحسيني ، فكان سمك الأساس يقرب من3 أمتار .
    وفي عام 407 هـ أصاب الحريق حرم الحسين عليه السلام حيث كان مزيناً بخشب الساج وذلك على أثر سقوط شمعتين كبيرتين في حرم الحسين (3) ، كما يؤكد على


    (1) البحار / لمحمد باقر المجلسي ج 10 طبع إيران .
    (2) سلاسل الذهب / السيد محمد صادق بحر العلوم ( مخطوط ) في عدة اجزاء .
    (3) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم / لأبي الفرج سبط ابن الجوزي ج 7 ص 28 ( طبع حيدر آباد ) . وانظرتاريخ ابن الأثير ج 9 ص 102 ونزهة أهل الحرمين للسيد حسن الصدر ص 21 وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 4 ص 306 .



    ذلك ابن تغري بقوله : السنة الحادية والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهي سنة سبع وأربعمائة وفيها احترق مشهد الحسين بن علي بكربلاء من شمعتين غفلوا عنهما (1) . وجدد البناء على عهد البويهيين غب ذلك الحريق ، حيث قام الحسن بن الفضل وزير الدولة البويهية بإعادة البناء نفسه مع تشييد السور .

    الحائر في عهد السلاجقة

    وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري زار الحائر الشريف السلطان ملكشاه السلجوقي مع وزيره نظام الملك عندما كان ذاهباً للصيد في تلك الأنحاء وذلك في سنة 479 هـ (2) وأمر بتعمير سور الحائر (3) . وفي سنة 529 هـ مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لايحصون وظهر التشيع (4). وفي ربيع الآخر سنة 553 هـ خرج الخليفة المقتفي بالله بقصد الأنبار وعبر الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام (5).

    الحائر في العهد المغولي ( الأيلخاني )

    إثر انقراض الدولة العباسية وظهور الدولة الايلخانية سنة 656 هـ قدم بغداد هولاكو، وعند استيلائه على العراق اجتمع فريق من أقطاب الشيعة فقرروا مفاتحة هولاكو ومكاتبته يسألونه الامان ، وانفذ هولاكو فرماناً يطيب قلوب الشيعة . وبعد ذلك أخذت جحافل المغول تغزو مدن الفرات الأوسط وجنوب


    (1) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة / لابن تغري بردى ج 4 ص 241
    (2) الكامل / للمبرد ج 9 ص 15
    (3) المنتظم / لابن الجوزي ج 9 ص 29
    (4) المنتظم / لابن الجوزي ج 10 ص 53
    (5) المنتظم / لابن الجوزي ج 10 ص 181



    العراق . وقد استسلمت بعض مدنه دون أية مقاومة ، لولا بعض المدن التي سلمت من هجمات المغول . يقول العلامة الحلي في كتابه ( كشف اليقين في باب أخبار مغيبات أمير المؤمنين ) سبب سلامة أهل الكوفة والحلة والمشهدين الشريفين إلى ماذكره والده الشيخ سديد الدين لهولاكو من أخبار أمير المؤمنين بعمارة بغداد وملك بني العباس وأحوالهم وأخذ المغول الملك منهم (1) . ويؤيد ماذهب اليه الداودي في كتابه(عمدة الطالب ) فقال : ان مجد الدين محمد بن طاوس خرج إلى هولاكو وصنف له كتاب ( بشارة المصطفى ) وسلم الحلة والنيل والمشهدين الشريفين من القتل والنهب ورد اليه حكم النقابة بالبلاد الفراتية (2) . وفي سنة 662 هـ زار المشهد الحائري جلال الدين ابن الدواتدار الصغير ، فشرع في بيع ماله من الغنم والبقر والجواميس وغير ذلك ، واقترض من الأكابر والتجار مالأ كثيراً ، واستعار خيولاً وآلات السفر وأظهر أنه يريد الخروج إلى الصيد وزيارة المشاهد واخذ والدته وقصد مشهد الحسين عليه السلام ثم توجه الى الشام فتأخر عنه جماعة ممن صحبه من الجند لعجزهم (3).
    وكانت كربلاء إذ ذاك غارقة في دياجير الظلام ، ترزح تحت وطأة الفقر والجهل ، ولم تلق عناية من هؤلاء المغول الفاتحين . ولايخفى أن الحياة والخصب في كربلاء متوقفة على تدفق الماء الذي كان ينساب اليها فيما مضى عبر نهر العلقمي الذي كان قد انطمر واندرس نتيجة عدم العناية بكريه وتنظيفه ، وسكنة كربلاء أنذاك هم وجوه الأشراف من العلويين والمنقطعين في جوار الحسين ولم يكن لهم القدرة على القيام بأعباء ذلك (4).


    (1) كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين / للعلامة الحلي ص 17 وانظر : الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ص 330
    (2) عمدة الطالب / للسيد أحمد الداودي ص 178
    (3) تاريخ العراق بين احتلالين / المحامي عباس العزاوي ج 1 ص 248
    (4) مجلة الأقلام / الجزء 9 السنة 4 مقال ( كربلاء في العهد المغولي الأيلخاني ) بقلم : عادل عبد الصالح الكليدار .



    وكان السلطان ارغون بن اباقاخان بن هولاكو معروفأ بحبه الشديد لآل البيت ممابذل من السعي المحمود في حفره نهر جديد يخرج من الفرات ويدفع ماءه إلى سهل كربلاء (1) وسمي هذا النهر ( الغازاني الأعلى ) تمييزاً لنهرين آخرين حفرهما غازان أيضاً . يقول مؤلف الحوادث الجامعة : وفي سنة ثمان وتسعون وستمائةً توجه السلطان غازان إلى الحلة وقصد زيارة المشاهد الشريفة وأمر للعلويين والمقيمين بمال كثير ثم أمر بحفر نهر من أعلى الحلة فحفر وسمي بالغازاني وتولى ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي وغرس الدولة (2) . وجاء اولجياتو محمد خدابنده خلفاً لأخيه غازان الذي وافاه الأجل سنة 703 هـ وكان هو الآخر مهتماً بالعمران وبناء المدن واقتفى اثره واهتمامه بالمشاهد وبالعلويين وقد اعتنق اولجياتو المذهب الشيعي على يد العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر اثر زيارته للنجف الأشرف (3) ومما يذكر عن هذا القرن ان ابن الفوطي تعرض إلى ذكر شخصية معروفة ذلك هو( عز الدين أبوعبد الله ابن أبي السعادات الحسيني العبدلي) فقال : من سكان المشهد الحائري على حاله افضل السلام والتحية رأيته في تبريز سنة سبع وسبعمائة وهو من التجار الذين يترددون إلى بلاد الشام وهو شريف النفس (4) .
    ومن ادباء هذه الفترة عز الدين الحسن ابن الشيخ محمد بن علي بن معتوق بن نائل الحائري الكاتب هاجر شاباً إلى بغداد وكتب بها التمغات وله شعر رآه ابن الفوطي ، وذكر أنه ولد سنة ست وخمسين وستمائة (5) .


    (1) الفوز بالمراد في تاريخ بغداد / للأب انستاس ماري الكرملي ص 13
    (2) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ص 497
    (3) روضات الجنات / للسيد محمد باقر الخونساري ج 2 ص 279
    (4) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ج 14 : 121
    (5) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ج 14 : 106




    وفي أواسط عهد أبي سعيد ( 716 ـ 736 هـ ) دب النزاع بين القبيلتين العلويتين آل فائز وآل زحيك كما صرح بذلك الرحالة الطبخي ابن بطوطة الذي زار الحائر سنة 726 هـ ، وفي أواخر عهد أبي سعيد خمدت نار الفتنة وعادت المياه إلى مجاريها الطبيعية .

    الحائر وتعميرات الجلائريين

    أما بناء القبر الموجود حالياً فقد جدده السلطان أوليس الايلخاني الجلائري، كما أنه جدد قبر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . هذا وكان إكمال بناء الحرم الحسيني لسنة السابعة والستين والسبعمائة 767 هـ ، وقد أمر بتشييده السلطان أويس الأيلخاني وأتمة واكمله ولده السلطان حسين (1) حيث أتم الابن مابدأه الاب من تشييد ، وشيد البهو الأمامي للروضة المعروف بايوان الذهب . أما الرواق الغربي للروضة فقد شيده عمران بن شاهين ـ كما مر بنا آنفاً ـ ويعرف اليوم برواق السيد ابراهيم المجاب . ويطلق على الرواق الشرقي برواق اغا باقر البهبهاني شيخ الطائفة الاصولية في عصره، على قبره صندوق خشبي بديع الصنع . وفي الواجهة الامامية للروضة رواق حبيب بن مظاهر الاسدي . اما الرواق الشمالي للروضة فيعرف برواق الشاه نسبة إلى وجود مقبرة بعض الملوك القاجاريين ، ويقع خلف مسجد عمران بن شاهين .

    الحائر في العهد الصفوي

    وفي سنة 914 هـ فتح الشاه اسماعيل الصفوي (2) بغداد، ثم زار كربلاء فأمر


    (1) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء / للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 38 .
    (2) جاء في دائرة المعارف الاسلامية ( المجلد الثاني ص 175 ) : توفي الشاه اسماعيل الاول عام 930 هـ = 1524 م بأردبيل حيث توجد مقابر الصفويين هناك .



    بتذهيب حواشي الضريح الحسيني ، وأهدى اثني عشر قنديلاً من الذهب، كما اهدى الشاه نفسه شبكة فضية أي صندوقاً بديع الصنع للحائر المقدس . ويظهر ان الصندوق الذي أمر به الشاه اسماعيل لم يتم إلا في عام 932 هـ .
    ويروي عباس العزاوي في حوادث سنة 914 هـ قائلاً : وفي اليوم التالي ( أي في 26 جمادى الثانية ) ذهب الشاه اسماعيل إلى زيارة كربلاء المشرفة وصنع الصندق المذهب للحضرة ووقف فيه أثني عشر قنديلاَ من الذهب وفرش رواق الحضرة بأنواع المفروشات القيمة . واعتكف هناك ليلة ثم رجع في اليوم التالي متوجهاً إلى الحلة ومنها إلى النجف (1). وتوجد على غرفة القبر الشريف رخامة كتب عليها نص العبارة التالية :« قد عمر هذا المكان بهمة آغا حسين خان شجاع السلطان في 14 محرم سنة 1325 هجرية » . وقد بذل الشاه صفي الدين الصفوي الكثير من الأموال لأجل تعمير الروضة الحسينية خلال عام 1042 هـ ، ووسع المسجد الكبير الملحق بالحائر الحسيني .
    ويخال إلينا إن ما أشار إليه المجلسي في كتاب المزار كان المراد منه هذه التعميرات التي جرت في الجهة الشمالية من الصحن فيقول : الأظهر عندي أي ( الحائر ) مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في الدولة العلية الصفوية إذ لم يتغير الصحن من جهة القبلة ولامن اليمين، بل إنما زيد من خلاف الجهة الشمالية من الصحن .
    وفي سنة 984 هـ مات الشاه طهماسب الصفوي مسموماً وخلفه ابنه اسماعيل مرزا الذي كان سجيناًُ في قلعة الموت ، وفي هذه الأيام صدرت الإرادة الهمايونية بتعيين علي باشا الوند واليا على بغداد وبأمر من السلطان شيد ضريح سيد شباب اهل الجنة وقرة عين اهل السنة الأمام الحسين رضي الله تعالى عنه وكذلك شيد


    (1) تاريخ العراق بين احتلالين / عباس العزاوي ج 3 ص 316 .



    المسجد والرواق والقبة وعمر ايضاً قباب شهداء كربلاء (1) . وقد أمرت زوجة نادر شاه كريمة السلطان حسين الصفوي بتعمير المسجد المطهر عام 1153 هـ ، وأنفقت لذلك امولاً طائلة (2).

    الحائر في العهد القاجاري

    تم تذهيب قبة الحسين عليه السلام على عهد القاجاريين ثلاث مرات ، فقال السلطان آغا محمد خان ( الخصي ) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبة السامية للسنة السابعة بعد المائتين والألف الهجرية . وبهذه المناسبة نظم الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر أبياتاً بالفارسية مؤرخاً هذا التذهيب بقوله : كلك صباحي از اين تاريخ او نوشت در كنبد حسين علي زيب يافت رز (3)

    1207هـ

    أما التذهيب الثاني فقد حصل في عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري لأن التذهيب الأول كان قد اسود ، فكتب إليه أهالي كربلاء بذلك ، فأمر الشاه تواً بقلع الأحجار الذهبية القديمة واستبدالها بالذهب الجديد (4) . كما انه أهدى شبكة فضية بتاريخ 1214 هـ وهي اليوم ما زالت موجودة على القبر الشريف، وفي هذا الدور تبرعت زوجته بتذهيب المأذنتين .
    وفي عام 1232 هـ جرت اصلاحات كثيرة للحائر بعد غارة الوهابيين على يد


    (1) كلشن خلفا /ص208 .
    (2) تاريخ كربلاء المعلي / ص 15 .
    (3) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ص 76 .
    (4) تاريخ كربلاء وحائر الحسين / 262 .



    السلطان المذكور بهمة المرحوم الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء . وقام نجله محمدعلي مرز القاجاري بتعمير الحائر أيضاً وتزيين الحرم وما يحتاجه من تعمير . وتم التذهيب الثالث للقبة من قبل السلطان ناصر الدين شاه القاجاري حفيد فتح علي شاه حيث جدد بناءها وقسماً من تذهيبها في سنة 1273 هـ كما يتضح ذلك من الكتيبة التي نقشت على القسم الأسفل من القبة نفسها . ويبلغ ارتفاع القبة 15 متراً . وقد وسع السلطان ناصر الدين شاه الجانب الغربي من الصحن وجدد بناءه حيث وجه كبير علماء ايران المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني سنة 1276هـ من أجل اصلاح وتجديد وتعمير الصحن الشريف (1) . وقد تم تجديد صندوق الخاتم للقبر المطهر في هذا العهد بالذات ، فقد جدده خان جان القاجار في سنة 1225 لأن الوهابيين كانوا قد كسروا هذا الصندوق وأحرقوه في سنة 1216 هـ (2)
    وتعلو الضريح الأواني الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة ،وفي كل ركن من أركانه رمانة من الذهب الخالص يبلغ قطرها نحو نصف متر ، ويتصل بهذا المشبك الخارجي مشبك أخر لايختلف عنه بمزية من مزاياه ولايوجد أدنى حاجز بينهما إلا أنه يقصر بمتر واحد من كل من جانبيه ، وقد رقد تحته علي بن الحسين ( الأكبر ) الذي استشهد مع أبيه في يوم واحد فدفن إلى جانبه . وأمام هذا المشبك ساحة مقدسة لمراقد الشهداء الذين استشهدوا مع الامام ، وفي زاوية من هذه الساحة مشبك من الفضة يتصل بالحائط يمثل مراقد الشهداء .
    ومما يناسب المقام ان هناك أبياتاً نقشت على كتيبة داخل الضريح الحسيني وهي من قصيدة مطولة لأمير المراثي الشاعر السيد حيدر الحلي : ياتربة الطف المقدسة التي هالوا على ابن محمد بوغاءهـا
    حيث ثراك فلاطفته سحابة من كوثر الفردوس تحمل ماءها


    (1) المصدر السابق / ص 224 .
    (2) المصدر السابق / ص 265.



    واريت روح الأنبياء وإنمـا واريت من عين الرشاد ضياءهـا
    فلأنهم تنعى الملائك من لـه عـقـد الإله ولاءهم و ولاءهـا
    الآدم تنعى وأين خليفـة الـ ـرحمـن آدم كي يقيـم عزاءها
    و بك انطوى و بقية الله التي عرضـت وعـلم آدم اسماءهـا
    أم هل إلى نوح و أين نبيـه نوح فيسعـد نوحهـا وبكاءهـا
    ولقد ثوى بثراك والسبب الذي عصم السفينـة مغرقاً أعداءهـا
    ام هل إلى موسى وأين كليمه موسى لكي وجـداً يطيل نعاءها
    و لقد توارى فيك والنار التي في الطور قد رفـع الإله سناءها (1)

    وقد بذلت الدولة القاجارية اهتماماً ملحوظاً وأجرت اصلاحات واسعة وأرصدت مبالغ طائلة للحائر الشريف ، إلاان الاصلاحات تلك توقفت بعد اعلان الدستور العثماني سنة 1908 ميلادية ، أي من أرائل القرن الرابع عشر الهجري إلى مابعد منتصفه .

    الحائر في العصر الحاضر

    وفي هذا القرن أي في سنة 1355 هـ زار كربلاء السلطان طاهر سيف الدين الداعية السماعيلي فأشرف على الحائر ومد يد المساعدة له ، وذلك فقد أمر بتجديد شباك الضريح الحسيني المقدس من الفضة الخالصة ، وقد صنع في الهند سنة 1358 هـ كما وتبرع بعض الوجوه بالهمة التي بذلها السيد عبد الحسين السيد علي آل طعمة سادن الروضة الحسينية بمبلغ من المال لتجديد هيكل الضريح ، فتم ذلك في سنة 1360 هـ .


    (1) لقد سعى لتدوين هذه الأبيات السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية، واعترازاً بها أرادخطها على الضريح الشريف ، ولما تعذر خطها في كربلاء لندرة الخطاطين حينذاك ، جلب خطاطاً من شيراز لأجل ذلك .


    وبهذه المناسبة نظم الخطيب الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف الحائري قصيدة أرخ تجديد الضريح ، قال فيها : جـددوا للحسين خـير ضريـح قد تسامى على الضـراح المقـاما
    وعليـه عـز المـلائك يتـرى وعلى ابـن البتـول تتلو السلامـا
    ذلـلاً حولـه تطـوف وتـبكي بدموع تحكـي السحـاب انسجامـا
    والـورى بالخضـوع تلـثم منه صفحـات بهـا تنـال المـرامـا
    قـلت بشـراً بنصبـه أرخـوه ( نام بالأمن جـاره لن يضامـا )

    1360هـ

    وللخطيب الشاعر الشيخ محمد علي اليعقوبي أبيات أثبتت على الضريح الحسيني كتبت بماء الذهب وهي : زر بالطفوف ضريح قدس واعتكف بحمـاه حيث ترى الملائـك عكفـا
    طـف واسع فيـه مقبـلاً أركانـه ما الركن ما البيت الحرام وما الصفا
    فيـه حشى الزهـراء قرة عينهـا و فـؤاد حيدرة و روح المصطـفى
    تالله لـم يكن الضراح و إن عـلا بأجل من هـذا الضريـح وأشرفـا
    ثم انـعطف نحو ابنـه متذكـراً قـول الحسين له على الدنيا العفـا

    وقد ركز البيت الأخير على قبر علي الأكبر ابن الإمام الحسين عليه السلام . وفي الواجهة الشمالية من الروضة الحسينية تقع خزانة الروضة ، ففيها من الذخائر النادرة التي لا تثمن ، وتحتوي على المصاحف الخطية القديمة الثمينة الموقوفة في الروضة الحسينية المباركة في أوقات مختلفة ، كما تحتوي على الطنافس ( الزوالي ) الثمينة القديمة المطرزة باللؤلؤ والمرجان والمجوهرات والتحف ذات الشأن التي أهديت من ملوك ايران والهند والاقطار الإسلامية وامرائها، كما توجد فيها




    قناديل ذهبية خالصة وأواني ذهبية وفضية ونحاسية (1) . وفي الجانب الغربي من الخزانة المذكورة توجد مكتبة الروضة الحسينية وفيها المصاحف الثمينة المحفوظة داخل مكاتب مصنوعة من خشب الساج .
    ولعل من المفيد هنا ان ندون الوصف الرائع الذي دبجه يراع الرحالة العباس ابن علي الملكي الحسني الموسوي المتوفى حدود سنة 1180 هـ عن المشهد الحسيني في القرن الثاني عشر الهجري فقال : وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر مشهد الحسين الطاهر سلام الله عليه وعلى أخيه وعلى جده وأبيه وأمه وبنيه وسائر مواليه ومحبيه : لله أيـام مضت في كـربـلا محروسة من كل كـرب وبـلا
    بمشهد الطهر الحسين ذي العلا و نسل خير الخلق من كل البلا

    ( إلى آخر القصيدة ) فتشرفت والحمد لله بالزيارة ولاح لي من جنابه الشريف إشارة ، فإني قصدته لحال وماكل مايعلم يقال وقرت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر ابن مولانا الحسين الشهيد الأكبر وزيارة سيدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .وأما ضريح سيدي الحسين فيه جملة قناديل من الورق المرصع والتحف مايبهت العين من أنواع الجواهر الثمينة ما يساوي خراج مدينة ، وأغلب ذلك من ملوك العجم وعلى رأسه الشريف قنديل من الذهب الأحمر يبلغ وزنه منين بل اكثر، وقد عقدت عليه قبة رفيعة السماك متصلة بالأفلاك وبناؤها عجيب صنعه حكيم لبيب ،وقد أقمت شهرين بمشهد مولانا الحسين بلدة من كل المكاره جنة كأنها من رياض الجنة نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات وأقمارها مبدرة وأنوارها مسفرة ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغرف من الجنان مصنوعة فيها سرر


    (1) انظر :( خزانة عتبة الروضة الحسينية ) مقال كتبه منير القاضي في مجلة ( المجمع العلمي العراقي) المجلد 6 ص 16ـ 37 .



    مرفوعة وأكواب موضوعة وفواكهها مختلفة الالوان وأطيارها تسبح الرحمن على الاغصان وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور وعرف ترابها كالمسك ولونها كالكافور وأهلها كرام أماثل ليس لهم في عصرهم مماثل لم تلق فيهم غير عزيز جليل ورئيس صاحب خلق وخلق جميل وعالم فاضل وماجد عادل يحبون الغريب ويصلونه من برهم وبرهم بأوفر نصيب ولاتلتفت إلى قول ابن أياس في نشق الازهار بأنهم من البخلاء الاشرار لله خرق العادة فإنهم فوق ماأصف وزيارة : هينـون لينـون ايسار ذوو كـرم سـواس مكرمـة أبنـاء أيسـار
    إن يسألوا الحق يعطوه وان خبروا في الجهد أدرك منهم طيب أخبـار
    لا ينطقون عن الفحشاء ان نطقوا ولا يمـارون ان مـاروا بإكثـار
    فيهم ومنهم يعـد المجـد متلـداً و لا يـعد ثنـا خـزي ولا عـار
    من تلق منهم تقل لاقيت سيدهـم مثل النجوم التي يسري بها الساري

    واجتمعت بالرئيس المعظم والعظيم المفخم ذي الشرف الباذخ والفخر الوضاح مولانا السيد حسين الكليدار يعني صاحب المفتاح وبأخيه الشهم النجيب الكريم النبيل العظيم مولانا السيد مرتضى حماه الله تعالى من حوادث القضاء وبالعالم الحبر النحرير الرحلة الفهامة ذي الوصف الجميل والذكر الحسن مولانا الفاضل الملا أبو الحسن فجمع بيني وبين الامير المظفر الشجاع الغضنفر البحر الغطمطم الاشد الغشمشم بحر الإحسان ومعدن الكرم الامير حسين أو غلي بيك أيشك اغاسي باشي حرم سلطان العجم وكان قد استأذن من السلطان في ذلك العام أن يسير إلى العراق لزيارة الائمة اعلام الهدى ومصابيح الظلام ، وهذا الامير من أكابر امراء أصفهان ، وهذا الخطاب الذي هو خطاب لرئيس الحجاب على أبواب




    حريم السلطان (1).
    ان الآثار التاريخية المقدسة في الورضة الحسينية هي محط احترام وتعظيم الملايين من الزائرين ومهوى أفئدة المتعطشين إلى مثوى أبي الاحرار الامام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام. فضريحة الذي يضم رفاته ورفاة نجليه علي الاكبر وعلي الاصغر أهم أثر تاريخي مقدس . وفي الحضرة الحسينية ضريح الشهداء وضريح حبيب بن مظاهر الاسدي وضريح السيد ابراهيم المجاب .
    وفي الواجهة الأمامية من الروضة الحسينية طارمة خشبية (2) ذات بهو فسيح يعرف ( بايوان الذهب ) وقد سجلت على جانبي جدرانه السقفية أبيات مناسبة للخطيب الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف ، وهي : هذه روضـة قدس بحسين الطهـر تسطع
    تهبط الأملاك فيهـا وعلى الأعتاب تخضع
    في بيـوت اذن الله بـأن للعـرش ترفـع

    وفي مطلع عام 1388 هـ بوشر بتهديم الطارمة الخشبية المذكورة ، وقد وصلت كربلاء في الحادي عشر من محرم الحرام سبعة وعشرون سيارة شحن كبيرة تحمل أعمدة المرمر وجبهة الطارمة من المرمر الايراني الفاخر الصلب المستخرج من مدينة ( سنندج ) وقد جرى حجاريتها في طهران تبرع بها السيد قنبر رحيمي متعهد معادن إيران .


    (1) نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس / للعباس بن علي بن نور الدين المكي الحسيني الموسوي ( الطبعة الثانية 1ـ 131 ـ 135 ).
    (2) ويعرف هذا الايوان بطارمة ايران الذهب ، وقد جليت أعمدة وسقف هذا البهومن غابات الهند ، ويرجع تاريخ تشيدها إلى عام 1330 هـ اكسيت جدران البهو الأمامية بالذهب الأبريز .




    واهتمت رئاسة ديوان وزارة الأوقاف العراقية بارسال الرافعات اللأزمة وكذلك إجراء كافة التسهيلات المباشرة الفورية بالعمل من قبل لجنة تعميرات الروضة الحسينية بنصب هذه الهدية الثمينة في محلها في الأيام القلائل المقبلة . هذا وتقدر قيمة المرمر الكاشي المعرق حوالي ربع مليون دينار .
    أما الجانب الغربي من الصحن الشريف الذي اشرنا اليه سلفاً ، فقد وسعه السلطان ناصر الدين شاه ، وعلق العزاوي على ذلك بقوله : فقد وسع الشيخ عبد الحسين الطهراني المرسل من قبل ناصر الدين شاه بن محمد شاه القاجاري الضلع الغربي وجدد بناء الصحن الشريف الحسيني ، وأنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر تاريخاً لهذا البناء بالفارسية في عدة أبيات وله تاريخ بالعربية أيضاً (1). وقد ظهر صدع في الايوان الوسطي المعروف بالايوان الناصري نسبة إلى بانيه ناصر الدين شاه القاجاري عام 1283 هـ الذي لم يوفق لاكمال بنائه ، فاضطر السلطان عبد الحميد العثماني إلى تجديد بنائه ، وتم ذلك في شعبان عام 1309 هـ كما يظهر ذلك من التاريخ المثبت على الجدار الأمامي لهذا الايوان ، وعرف فيما بعد بالايوان الحميدي . وقد نقشت أبيات على الكتيبة لأحد الشعراء وفيها يؤرخ ذلك الايوان وهي : إيوان مجد شاده كهف الـورى سلطان غازي عـالم الانسان
    عبد الحميد المتقي و المرتـقى من كـل مكـرمة على كيوان
    من آل عثمـان الذين بسيفهـم حفظوا الثغور بسطوة الايمـان
    حل الحسين برحبهم فسموا به وبنـوا بيوت الذكـر للرحمان
    الله شرفهـم وعظـم قدرهـم فبناؤهـم من أشرف البنيـان
    حتى إذا ورث الخلافـة منهم سلطاننـا المقصود بالعنـوان
    شاد البناء بحضرة قد عطرت بشذا سليل المصطفى العدنـان


    (1) تاريخ العراق بين احتلالين / عباس العزاوي ج 7 ص 126


    هي حضيرة كحضيرة القدس التي فيهـا تجلى الـوارد السبحاني
    فيهـا ثوى سـبط النبي بطعنـة شلت لها كـف الشقي سنـان
    فغـدا شهيـد الطف تندب حوله مضر كمـا تبكي بنو شيبـان
    إنا لنذكـره و نسـكـب أدمعـاً تجري على الوجنات كالمرجان
    فالصبر يحمد في المـواطن كلها إلا عليـه فـإنـه كـالفـاني
    ياحبـذا الايـوان في أوضـاعه جـاءت مبانيه على الاتقـان
    قد قابل القبر الشريـف بـوجهه فتـراه بين يديـه في إذعـان
    ينحط فيه عـن الـورى أوزاره فيكـال للقـالين بـالصيعـان
    وسما إلى الفلك الأثيـر مسلمـاً تيمين يمن العـالم الروحـاني
    من أجل ذا ارختـه ( ياحسنـه قد شـاده عبد الحميد الثاني )

    1309 هـ

    ويقابل هذا المكان ايوان رأس الحسين الملحق برواق السيد ابرهيم المجاب ، حيث تظهر فيه زخارف الكاشي البديعة وصناعة الفسيفساء الدقيقة ، وتوجد في الواجهة الأمامية عبارة ( عمل استاذ احمد جواد شيرازي عام 1296 هـ ) وفي أسفلها كتيبة نقشت عليها أبيات الخطيب الشاعر الشيخ محسن أبو الحب المتوفى سنة 1305 ، وهي : الله أكبر مـاذا الحـادث الجـلل لقد تزلزل سهل الأرض و الجبل
    مـاهذه الزفرات الصاعدات أسى كأنهـا شعل ترمى بهـا شعـل
    كأن نفحة صور الحشر قد فجئت فالناس سكرى ولا خمر ولا ثمل
    قامت قيامة أهل البيت و انكسرت سفن النجـاة و فيها العلم والعمل
    جـل الالـه فليس الحزن مانعـه لكن قلبـاً حـواه حزنـه جـلل
    من التجا فيه يسلم في المعاد ومن يجحده يندم و لم يرفع له عمـل
    قف عنده و اعتبر ما فيه إن بـه دين الاله الذي جاءت به الرسل
    ما كان أعظم مـا يأتيه من سفـه اميـة السوء أو أشياعهـا السفل

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    لو راقبوا الله كانوا عهده حفظـوا و لـو أطاعوه كانـوا أمـره امتثلـوا
    والله ما خلفـوه بعـد غيبتـه في قطع من قطعوا أو وصل من وصلـوا
    سرعـان ما ضيعوه في ودايعـه أهكـذا فـي بنيـه يخلـف الرجـل ؟
    أتـلك زيـنب مسلـوب مقلدهـا الله أكـبـر هـذا الـفـادح الـجـلل
    كأنهـا لـم تكـن تنمى لفـاطمة أو أنـهـا غـيـر ديـن الله تنتحـل
    لئن بدت و حجاب الصون منتهك عـنهـا فـإن حجـاب الله مـنسـدل
    لابـرّد الله قلبي إن نسيـت لهـا قلباً تعـارض فيه الوجـد و الوجـل
    حسين يـا واحدي أورثتني أبـداً حزناً مقيمـاً و وجدا ليس يـرتحـل
    حسين يا واحدي أوريت في كبدي داء عضـالاً و جرحـاً ليس يندمـل
    من كان خادمها جبريل كيف ترى أضحى يحكم فيهـا الفاجـر الـرذل
    لو قام يصرخ بالبطحاء صارخها رأيت كيف اعوجـاج المجد يعتـدل
    مهلاً أميـة إن الله مـدرك مـا أدركتمـوه فـلا تغرركـم الـمهـل
    هناك يعلم من لم يدر حاصلهـا أي الفريـقين منصـور ومـنخـذل
    فيه الحسين الذي لا خلق يعدلـه و فيه نـوح و مـن حنت له الإبـل
    موسى و عيسى و إبراهيم قبلهما وهـل تعادل بالرضراضـة الحبـل
    هذي حرائره أستارهـا هتكـوا و هـؤلاء بنيـه بـعـده قـتـلـوا

    أما المسجد الكائن في القسم الشرقي من الصحن الشريف فقد قام بتجديده السيد كاظم بن السيد قاسم الرشتي المتوفي سنة 1259هـ . وفي سنة 1282 هـ أمرت والدة السلطان عبد المجيد العثماني بتشييد خزان لإرواء الماء في الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الشريف . وأرخ بناءه الشاعر الشيخ عباس القصاب فقال : سلسبيل قد أتى تاريخه ( إشرب الماء ولاتنس الحسين )

    1282هـ





    ويروى عن بعض المعمرين أنه عندما أريد حفر أسس بناية هذا الخزان وجد خلال الحفر درع عتيق وسهم وقربة ، لذا اتخذ هذا المكان خزاناً للسقاية تيمناً بقربة العباس بن علي عليه السلام . وقد هدم الخزان المذكور سنة 1363 هـ إثر توسيع الصحن الشريف . كما أنشأ المرحوم الحاج حبيب الحافظ خزاناً آخر للماء مقابل ذلك الخزان المار ذكره. وهنالك خزان ثالث لسقاية الماء عند مدخل باب القبلة أنشئ عام 1322هـ ، وقد أصبحت هذه الخزانات اليوم أثراً بعد عين .
    أما القسم الشمالي من الصحن الحسيني فقد قام ببنائه الشاه سليمان الصفوي ، ويعرف الايوان الكبير الذي يتوسط ذلك القسم بإيوان ( صافي صفا ) وهو من منشآت الصفويين ، وعرف فيما بعد بإيوان ليلو ثم إيوان الوزير نسبة إلى مجدده المرحوم مرزا موسى أحد وزراء الدولة القاجارية في إيران ليكون مقبرة له ولأسرته وذلك عام 1281 هـ حيث جدد مرايا الايوان والكتيبة القرآنية التي كانت تزينه إضافة إلى الكاشي المعرق، وقد ذهبت معالمه اليوم .
    وفي عام 1354 هـ أرصدت مديرية الأوقاف العامة مبلغاً من المال لتسوير أسس جدار الرواق الغربي للصحن الحسيني كما خصصت المبالغ اللازمة لدفن الجهة الغربية من الصحن ، ويرجع ذلك إلى الهمة التي بذلها المرحوم السيد عبد الحسين السيد أحمد آل طعمة مدير أوقاف كربلاء المتوفي يوم 25 صفر سنة 1354هـ، وقد بقيت أرض صحن الروضة مفروشة بالرخام الذي كان قد تبرع به السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، إلى أن تبرع السيد أحمد مصطفوي احد تجار إيران بالكمية الكافية من الرخام الايراني ذي الحجم الكبير لتجديد فرش الصحن والروضة الحسينية (1).
    ومن الآثار الفنية التي كانت تزين الحائر الحسيني هي ( مئذنة العبد ) الشهيرة التي كان موقعها في الزاوية الشمالية الشرقية من الصحن الحسيني ، وقد تولى


    (1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 1 ص 44



    بناءها في بادئ الأمر الخواجة مرجان اولجياتي ، وذلك عام 767هـ وزينها بالقاشاني ، وبنى خلفها من الجانب الشرقي من الصحن مسجداً ، وأجرى لهما من أملاكه في بغداد وكربلاء وعين التمر والرحالية وغيرها أوقافاً يصرف واردها على الجامع والمئذنة . ومما يجدر ذكره أن مرجان هذا كان والياً على بغداد من قبل السلطان اويس الجلائري عام 767هـ فشق عصا الطاعة ، مما اضطر السلطان إلى توجيه حملة من تبريز لاخضاعه ، فهرب مرجان نحو كربلاء، واستجار بالحسين عليه السلام وتولى حينذاك بناء تلك المئذنة ، وعندما علم اويس بما جرى للعبد احضره فاكرمه وعفى عنه واعاده والياً على العراق لما قام به من خدمات جليلة في الحائر الشريف ، وفي عام 982 هـ تم تعمير المئذنة بأمر من الشاه طهماسب الصفدي وترميمها ، وأرخ ذلك بكلمة ( انكشت يار ) وتعريبها باللغة العربية ( خنصر المحب ) وقال الشيخ محمد السماوي في ذلك : ثـم بنى نجـل اويـس احمـد منـارتين فـاستنـار المشهـد
    حـليتـا مـن ذهـب بتلويـن فأرخـوه ( دوستـون زريـن )
    يعنون تاريخاً ( طلاهما ذهب ) ذلك للعجـم و هـذا للـعـرب (1)

    وفي عام 1308 هـ أوعز البلاط العثماني بتصليح المئذنة المذكورة فأصلحت ، وفي عام 1357هـ أمر ياسين الهاشمي رئيس الوزارة العراقية ـ آنذاك ـ بهدم المئذنة نظراً للاعوجاج الذي ظهر عليها كما دلت التقارير التي استلمتها مديرية الأوقاف العامة ، فكان هدمها جبراً ، وبذلك خسر الفن المعماري أثراً تاريخياً رائعاً قل أن يجد الحائر نظيراً له (2) . وتم ذلك في عهد صالح جبر متصرف لواء كربلاء عام 1354هـ / 1355هـ وأرخ هدمها الخطيب الشاعر الشيخ عبد الكريم النايف قائلاً :


    (1) مجالي اللطف بأرض الطف / الشيخ محمد السماوي ص 42
    (2) تاريخ كربلاء وحائر الحسين / د. عبد الجواد الكليدار ص 240 ومدينة الحسين 1/ 34 و 35



    منـارة العبد بصحن الحسين بنـاؤها أرخ ( انكشت يـار )
    وهدمهـا أعـلن تـاريخـه ( ماجاء إلا لجـأ الاضطرار )

    1355هـ


    ومن الآثار المندرسة في الحائر المقدس ( الصحن الصغير ) الذي يقع خلف مئذنة العبد ، ومنه يذهب الزائر إلى الروضة العباسية ، وقد شيد في عهد بني بويه الديالمة في القرن الرابع الهجري ، واحتوى على مئذنتين تقعان عند مدخل باب الصحن المذكور من الجهة الشمالية .
    ثم شيدت تحت المئذنتين مقبرتان بأمر من نجيب باشا عام 1262هـ كما يتضح من الكتابات الموجودة في مدخليهما .وكانت إحدى المقبرتين عائدة لأسرة السيد ابراهيم القزويني صاحب الضوابط والأخرى عائدة لأسرة السيد محمد مهدي بن السيد علي الطباطبائي . ويحوي الصحن الصغير أيضاً مقبرة آل بويه الخاصة ببعض أفراد عائلتهم ، وقد اكتشفت عام 1292هـ . وكان البويهيون قد اتخذوا هذا المكان مدفناً لهم لوقوعه على طريق الزوار القاصدين إلى الروضة العباسية .
    كما توجد في هذا الصحن مقبرة المرحوم السيد مهدي الصافي جد أسرة السادة آل الصافي بكربلاء ، وتقع عند مدخل الباب المعروفة باسمه، والتي تعرف اليوم بباب الشهداء .وقد نقشت على الجبهة الأمامية للباب أبيات بلقاشاني للسيد محمد هادي الصدر قاضي كربلاء آنذاك ، وهي : أبا الشهداء حسبي فيك منجى يقيني شر عادية الزمـان
    إذا ما الخطب عبس مكفهراً وجدت ببابك العالي أماني
    وها أنا قد قصدتك مستجيراً لأبلغ فيك غايات الأماني
    فـلا تردد يدي و أنت بحر يفيض نداه بالمنن الحسان

    وكان الصحن الصغير أية في الفن المعماري وهندسة البناء ،فهو من الأبنية




    الأثرية التاريخية المهمة ، إلا أنه تناولته أيدي الهدم يوم 16 محرم عام 1368هـ الموافق 18/ 11/ 1948م على عهد عبد الرسول الخالصي متصرف لواء كربلاء يومذاك .
    وتعلو الروضة الحسينية المقدسة كلها قبة شاهقة مطلية بالذهب الابريز ، وقد قام السلطان مراد الرابع العثماني بتعميرها وتجديدها وجصصها من الخارج وذلك سنة ثمان وأربعين والف . كما قام آغامحمد خان ( الخصي ) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبة السامية للسنة السابعة بعد المائتين والألف الهجرية . وبهذه المناسبة نظم المرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر أبياتاً أرخ فيها هذا التذهيب فقال : كلك صباحي ازين تاريخ اونوشت در كنبد حسين علي زيب يافت زر (1)

    وقد تم تذهيب القبة على عهد السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، حيث جدد بناءها وقسماً من تذهيبها في سنة 1273 هـ كما يتضح ذلك من الكتيبة المنقوشة على الحزام الأسفل للقبة نفسها ، ويبلغ ارتفاع القبة المذكورة 15 متراً من قاعدتها إلى قمتها ، وجدد بناء القبة في سنة 1371 هـ / 1951م ورصعت بالأحجار الذهبية ، ويحيطها من الأسفل 12 شباكاً ترتفع على جنبيها مئذنتان شاهقتان مكسوتان بالذهب الخالص ، تتجلى الريازة الإسلامية فيها ، وهما على بعد 10 أمتار من جنوب القبة . ويبلغ ارتفاع كل منهما ابتداء من سطح بناء الروضة حوالي 25 متراً ، سمكها 4 أمتار ، وفي جانبي الصحن ساعتان دقاقتان كبيرتان مثبتتان على برج شاهق إحدهما فوق باب القبلة والأخرى فوق المسجد في الجهة الشرقية للصحن ، وقد نقلت إلى الجهة الغربية فوق إيوان الناصري ( باب رأس الحسين ).


    (1) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء / للسيد عبد الحسين الكليدار ص 76



    وتمتاز الروضة الحسينية المطهرة بسعة صحنها وكثرة أواوينها الجميلة المزخرفة ، ويبلغ طول الصحن 95 متراً وعرضه 75 متراً ، وله عشرة أبواب هي : باب القبلة ، باب الرحمة وهما يقعان في الجنوب ، وباب قاضي الحاجات ، وباب الشهداء وباب الكرامة ، تقع في الشرقي الصحن . وباب السلام وباب السدرة، موقعهما في شمال الصحن. اما في الغرب فتقع باب السلطانية وباب رأس الحسين وباب الزينبية . ولكل باب من هذه الأبواب طاق معقود بالفسيفساء البديع .
    ويحيط بالروضة المطهرة (65 ) إيواناً يوجد في كل إيوان حجرو زينت جدرانها من الداخل والخارج بالفسيفساء ، وقد أعدت هذه الحجرة ليتلقى طلاب العلم دروسهم ،وأعد البعض الآخر منها مقابر للسلاطين والملوك وكبار العلماء ورجال الدين وبعض الأسر المعروفة .
    أما تولية سدانة الروضة الحسينية (1) المقدسة ، فقد تناولها الخلف عن السلف وتنقلت بين الأسر العلوية القديمة من آل ابراهيم المجاب الذين قطنوا الحائر الشريف في أوائل عهده وآل ابراهيم المرتضى الاصغر بن الامام الكاظم عليه السلام ، تخرج منهم ثم تعود اليهم ، كما صرح بذلك السيد جعفر الاعرجي في كتابه ( مناهل الضرب ) . وقد تسلم مقاليد الروضة الحسينية اليوم الحاج السيد عبد الصالح بن السيد عبد الحسين الكليدار بن السيد علي الكليدار بن السيد جواد الكليدار بن السيد حسن بن السيد سليمان بن السيد درويش بن السيد أحمد بن السيد يحيى آل طعمة من آل فائز الموسوي الحائري المولود في كربلاء سنة 1911 م / 1329 هـ ، وهو يدير شؤون هذه العتبة المشرفة حتى هذا اليوم على أحسن ما يرام ، حفظه الله ووفقه لما فيه الخير .


    (1) انظر كتاب ( مدينة الحسين ) للسيد محمد حسن مصطفى الكليدار آل طعمة ( فصل سدانة الروضة الحسينية ) ج 1 ص 76



    من اليمين : المرحوم السيد سلمان الوهاب آل طعمة ، المرحوم السيد حسين الوهاب ، أحد حاشية الملك ، المرحوم السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة سادن الروضة الحسينية ، المرحوم الملك فيصل الأول باللباس العربي ، عبد الله المضايفي ، المرحوم السيد محمد رضا زيني ، المرحوم السيد كاظم السيد أحمد النقيب ، المرحوم السيد محمد حسن آل طعمة رئيس خدمة الروضة الحسينية ، المرحوم السيد مصطفى الكليدار آل طعمة .





    تاريخ الروضة العباسية

    العباس بن علي بن أبي طالب (ع) أشهر من أن يعرف ، فهو أحد أفذاذ العلويين الذين طبقت شهرتهم الآفاق . فقد خاض المعركة الدامية في حادثة الطف وصمد فيها صمود الأبطال ، وقاوم بني أمية مقاومة عنيفة ، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فسقط صريعاً تحت مشتبك النصول على مشرعة الفرات ، حيث نهر العلقمي الذي كان يجري من الشمال إلى الجنوب ماراً بمرقد سيدنا العباس عليه السلام فاستشهد في هذا المكان من أجل أن يأتي بالماء لأخيه الحسين عليه السلام ، وأهل بيته وصحبه الأبرار . وقد أبت نفسه الكريمة أن يلتذ بجرعة من الماء وهو يتلظى عطشاً ، وقد ورد المشرعة ، إذ تذكر عطش أخيه الحسين وصبيته الأبرياء ،ومن هنا أطلق عليه لقب ساقي عطاشى كربلاء تارة وبطل العلقمي تارة أخرى وحامي الضعينة والعبد الصالح وسبع القنطرة وقمر بني هاشم والضيغم والغضنفر إلى غير ذلك من المسميات التي اتصف بها .
    يقع مرقده الشريف على بعد 300 متر على وجه التقريب من الجهة الشمالية الشرقية من حائر الحسين عليه السلام . وقد قيض الله لتشييد عمارة مرقده أناساً اجذلوا بذلهم بالعطاء والسخاء المتواصل ، وتولى تشييده كل من تولى تشييد صرح الروضة الحسينية في الأدوار المتعاقبة من ملوك وأمراء ورجال إصلاح . ويروي لنا التاريخ أن الديالمة ( آل بويه ) كانوا أخلص الناس ولاء بآل البيت ،




    فهم أول من بادروا بتخليد ذكرى الحسين وأخيه العباس عليهم السلام في كل عام ، وخاصةعلى عهد السلطان عضد الدولة البويهي الذي إعلن التشيع ، وشيد عمارة الروضة العباسية والقبة المنورة (1).
    وقد تمصرت كربلاء مجدداَ عام 372 هـ على عهد السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة المذكور (2).
    أما في عهد الصفويين فقد تقدم العمران في الروضة العباسية تقدماً محسوساً ، حيث قام الشاه طهماسب الصفوي بتزيين القبة السامية بالقاشاني سنة 1032 هـ وبنى شباكاً على الصندوق ونظم الرواق والصحن ، وبنى البهو أمام الباب الأولى للحرم وأرسل الفرش الثمينة من صنع إيران . وفي سنة 1153 هـ أهدى نادر شاه إلى الحرم المطهر تحفاً كثيرة وزين بعض تلك المباني بالقوارير . وفي سنة 1172هـ زار الحسين عليه السلام وزيره الشهم ، فجدد صندوق القبر وعمر الرواق ، وأهدى ثريا يوضع فيها الشمع لإنارة الصحن الشريف (3). وفي عام 1236 هـ أمر السلطان محمد شاه بن عباس ميرزا بن فتح علي شاه القاجاري بصنع شباك فضي لضريح العباس عليه السلام . وفي سنة 1259 هـ قد عمر بقعة حرم أبي الفضل سلطان مملكة أود في الهند وهو محمد علي شاه بن السلطان ماجد علي شاه (4) . وإلى ذلك أشار الشيخ محمد السماوي في أرجوزته بقوله : ثـم أتى العبـاس فـي الأمـلاك فـصيـر الصـندوق في شبـاك
    و زيـن القبـة بـالـكاشـانـي والبهـو في شـأن يغيظ الشـاني
    و روق الـرواق والصحن نظـم واستجلب الفراش من صنع العجم


    (1) تاريخ وجغرافيائي كربلاي معلى / عماد الدين حسين الأصفهاني ص 182.
    (2) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 2 ص 106
    (3) قمر بني هاشم / السيد عبد الرزاق المقرم ص 126 و 127
    (4) المصدر السابق ص 127



    و أطـلق الكـف بفضل وافـر لسـادن الروضـة و المجــاور
    لـلاثنتـين والـثلاثيـن قـفـا ألـف فأرخـوه ( بالحسن صفا )
    ثـم أتـى النـادر و استضافـا طـرائفـاً مـن غنمـه لـطافـا
    و زان هاتيـك المبـاني المنشئة في الخمس والخمسين من بعد المئة
    وجـدد الصنـدوق والـرواقـا و عـلـق الأسـتـار والأعلاقـا (1)

    وبعد حادثة الوهابيين التي نشبت عام 1216 هـ ونهب مافي خزائن الروضتين المقدستين من الأعلاق النفيسة والذخائر الثمينة النادرة الوجود ،نهض السلطان فتح علي شاه القاجاري . وجدد مانهب من الروضتين المقدستين ، وعمر قبة العباس عليه السلام بالقاشاني ، كما أنه ذهب قبة الحسين سيد الشهداء عليه السلام وصدر الأيوان المقابل للباب الأولى للحرم من جهة القبلة وأنشأ صندوق ساج على قبر أبي الضيم أبي عبد الله وفضض الشباك المطهر (2) وأمر بصنع ضريح من الفضة الخالصة إلى مرقد العباس عليه السلام سنة 1227 هـ .
    وقد بذل الحاج شكر الله بن بدل بك الأفشاري اهتماماً ملحوظاً في الروضة المطهرة العباسية ، حيث سعى في تذهيب الأيوان الكائن أمام حرم أبي الفضل العباس، وأنفق على ذلك كله وذلك بإيعاز من زين الفقهاء والمجتهدين الشيخ زين العابدين الحائرى المتوفى يوم 12 ذي القعدة سنة 1309 هـ وكتب اسمه في الجانب الغربي من جدار الأيوان على صفائح الذهب بخط ذهبي موجود إلى الآن ، وتاريخ الكتابة سنة 1309 هـ (3) .
    أما الأيوان الصغير الذي يقع أمام الباب الأولى المعروف بـ ( إيوان الذهب


    (1) مجالي اللطف بأرض الطف / الشيخ محمد السماوي ص 42
    (2) قمر بني هاشم / السيد عبد الرزاق المقرم 127
    (3) قمر بني هاشم / 172




    قديماً ، فقد أنشأه السلطان محمد علي شاه اللكناهوري . كما وقامت احترام الدولة كريمة فرهاد الدولة وعقيلة ناصر الدين شاه القاجاري بإطلاء الواجهة الأمامية القريبة من سهوات الباب القبلي بالذهب . وقام السيد حسن الملقب بمقتدر السلطنة باطلاء الواجهة الغربية من البهو ، ويقرأ التاريخ المثبت في الجدار الغربي لهذا البهو سنة 1319 هـ .
    وقد أمر السلطان عبد الحميد العثماني بتسقيف البهو المذكور بالخشب الساج والزان في سنة 1306 هـ ، كما هو واضح من التاريخ المذكور في أعلى الباب القبلي للحرم الشريف مع بعض الأبيات من الشعر التركي (1) وفي عام 1367 هـ تبرع الثري الإيراني الحاج حسين حجار باشي برصف وفرش أرضية الروضة العباسية من بقايا الرخام الذي كان مخصصاً لقصر كلستان في إيران ، وقدرت تكاليفه بأكثر من 15 الف تومان أي مايساوي 1100 ديناراً عراقياً (2) . وتبرع الحاج أمين السلطان في سنة 1311هـ بنصب الساعة الدقاقة الموجودة حالياً في الروضة العباسية ، وأشرف على نصبها فضيلة المرحوم السيد علي القطب (3) . وكما قام المرحوم الحاج محمد صادق الشوشتري الأصفهاني بانشاء الاطراف الأربعة لصحن الروضة العباسية وذلك سنة 1304 هـ . وقام بإكساء قبة الروضة بالقاشاني سنة 1305 هـ . ويقرأ هذا التاريخ المذكور في كتيبة القبة نفسها . وفي سنة 1221 هـ بلطت مئذنتا الروضة العباسية بالقاشاني كما هو منقوش في أسفلها .


    (1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 2 ص 174
    (2) المصدر السابق ج 2 ص 175
    (3) ترجم له السيد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة ) المجلد 42 ص 12 فقال : ان السيد علي القطب أشهر من نار على علم في زمانه ترك مازندران (إيران ) وسكن العراق مجاوراً للعتبات المقدسة وكان متصوفاً له من المريدين كثرة ، وكان كريماً في قومه ورهطه وكان معروفاً بالقطب الهزار جريبي المازندراني الحائري تزوج من ابنة تاجر كبير في الكاظمية وبنى قصراً عظيماً في كربلاء توفى سنة 1322هـ في كربلاء .



    والمرجع أن المرحوم محمد حسين صدر الأعظم الأصفهاني ( الجد الأعلى لآل نظام الدولة وآل صدري في كربلاء اليوم ) هو الذي قام بإكسائها ، ولدى إجراء الإصلاحات الأخيرة للصندوق الخاتمي وجدت العبارة التالية منقوشة عليه ( ياأبا الفضل العباس ادركني سنة 1246 هـ ) وكذلك تبرع النواب( بهراء ) بتجديد سقف الضريح بالخشب الجاوه والزان . وكان المشرف على تبديله المرزا محمد باقر الراجه الحائري ، وقام بزخرفته النجار باشي اسطه اسماعيل .كما وجدت على المشبك الفولاذي المحيط بالصندوق الخاتمي العبارة التالية منقوشة عليه ( ضريح العباس سنة 1182 هـ عمل أحمد اكبر المشبك المذكور سنة 1183 ). كما يقرأ التاريخ من العبارة الأخرى المنقوشة عليه وهي ( لازال مطافاً لخيار الناس ).
    أما الذي تبرع بالضريح الفضي للمرقد هو محمد شاه بن عباس مرزا القاجاري ، والمشرف على صنعه هو المرحوم الحاج عبد الهادي الاسترابادي عميد أسرة آل الاسترابادي في الكاظمية (1). وعلى ذكر قبر ابي الفضل العباس عليه السلام يحدثنا الأديب المحامي محمود العبطة فيقول : ان الشاعر التركماني هجري دده شاعر ينظم بأربع لغات التركية والفارسية والعربية والكردية ، وانه أكثر اقتداراً بالأول وان له أبياتاً كتبت بماء الذهب على قبر سيدنا العباس بن علي في كربلاء باللغة العربية وأنه يميل إلى القول بما قاله شعراء التصرف المسلمين من الرمز واللغز ووحدة أبناء البشر والمحبة والأخوة (2) . وقام المغفور له السيد مرتضى آل ضياء الدين سادن الروضة العباسية بإكساء المداخل الداخلية للروضة المطهرة داخل الرواق القبلي بالفضة . ومما يجدر ذكره أن هناك أبياتاً نقشت على مصراعي الباب الفضي الكائن في إيوان الذهب وهي للخطيب المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي وهي :


    (1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 2 ص 175 و 176
    (2) جريدة ( الأيام ) البغدادية الصادرة بتاريخ 13/ 1/ 1963




    لُـذ بـأعتاب مرقـد قـد تمنـت أن تكـون النجوم مـن حصباه
    وانتشق من ثرى أبي الفضل العباس ليـس يحكى العبيـر نشر شذاه
    غـاب فيـه من هـاشم أي بـدر فيـه ليـل الضلال يمحي دجاه
    هو يـوم الطفوف سـاقي العطاشى فإسـق من فيض مقلتيك ثـراه
    و أطـل عنـده البـكـاء فـفيـه قد أطـال الحسيـن شجواً بكاه
    لايضـاهيـه ذو الجنـاحيـن لما قطعـت في شبـا الحسـام نداه
    هـو باب الحسين مـاخـاب يوماً و افـداً جـاء لائـذاً بحـمـاه
    قـام دون الهـدى ينـاضل عنـه و كـفـاه ذاك المقـام كـفـاه
    فـاديـاً سـبـط أحمـد كـأبيـه حيـدر مـذ فدى النبـي أخـاه
    جـدد( المرتضى ) لـه باب قدس مـن لجيـن يغشى العيون سناه
    انـه بـاب حطـة ليـس يخشـى كـل هـول مستمسك في عراه
    قـف بـه داعيـاً و فيـه توسـل فبـه المـرء يستجـاب دعـاه

    كما نقشت على مصراعي الباب المؤدي للروضة الكائن في الجانب الغربي قصيدة الشاعر الكربلائي المرحوم السيد حسين العلوي المتوفى سنة 1364 هـ وهي : فتبدى للصبـح مـذ جـددوه بعنـان السماء منه الضيـاء
    ( حسـن الندب بالسـدانة فيه نال فضلاً عنت له الفضلاء)
    نصـر الدين عن بصيرة أمن صابـراً للذي أراد القضـاء
    فعلـى قبره الملائـك طافت وإليـه قـد زارت الأنبيـاء
    و غـدا بـاب قدسه للبرايـا كهف أمن به المنى والرجاء
    بطل نال في الطفـوف مقاما غبـطتـه بنيلـه الشهـداء
    قـد حباه اللوا حسيـن فخراً و إلـى مثله يحـق اللـواء




    نار موسى أم باب قدس تجلى لأبي الفضل نوره ام ذكـاء
    أم غدا العلقمي طور التجلـي وبه الأرض أشرقت والسماء
    مـذ حوى مرقد لشبـل علي من له الفضل ينتمي والوفاء

    وقال أيضاً في تاريخ تجديدها : قـد جـددوا بـاب حمى للمبين بنـوره أشـرق للسـالـكـيـن
    مـذ تـم أرخ ( مجمـلاً قولنا باب الهدى والرشد في العالمين )

    وللمرحوم الشاعر الشيخ محسن بن الشيخ محمد حسن أبو الحب أبيات في تشييد باب في الروضة المقدسة سنة 1936 م وهي : شيدت يابن المرتضى باب علاً بهـا البرايا قد لوت رقـابها
    فقـف عليهـا خاضعاً مسلمـاً ملتـثمـاً مـن أدب أعتـابها
    فإنها الباب التي قد ضرب الله علـى هـام السهـا أطنـابها
    ألا ترى الأملاك فيها احدقـت أضحـت على أبوابه حجابها
    باب أبي الفضل سليل حيـدر من فـاق أبناء العلى انجابها (1)

    وللمرحوم الشاعر الشيخ جعفر الهر أبيات في تشييد باب في الروضة العباسية أيضاً وتاريخ التشييد هو عام 1318 هـ وهي : صحن أبي الفضل رفيع الذرى قد فاخر العرش علاً فارتفعا
    فيه قبـاب للفخـار ضربـت بفخـرهـا خازنها قـد رفعا
    أبـوابها أمست رجاء المرتجى ومستجـاب دعـوة لمن دعا
    ألق العصا مؤرخاً ( بباب مجد أذن الله لـه أن يـرفعـا )

    1318هـ


    (1) ديوان أبي الحب / تحقيق المؤلف ص 42 ( 1385 هـ / 1966 م ) .



    وفي مخلع النعال ( الكشوانية ) المقابل لديوان سادن الروضة العباسية بيتان منقوشان في الواجهة وهما للشاعر المرحوم السيد حسين العلوي : لذ بأعتـاب أبي الفضل الذي كأبيه المرتضى يحمي حماه
    واخلع النعلين وادخل صاغراً وانتزع من قدسه طيب شذاه

    ومرقد العباس عليه السلام فخم البناء ، يتخلله ضريح في وسط الحضرة الشريفة ، تكسوه الفضة الناصعة البياض ، وتحيط بجهاته الأربعة أروقة تؤدي واحدة إلى الاخرى ، وتعلو الأركان الأربعة قبة من القاشاني البديع الملون ، وتتقدمها مئذنتان مطليتان بالذهب الأبريز من القمة وبالقاشاني والفسيفساء من الأسفل ، وفيهما قال الشاعر الشيخ محمد حسين بن الشاعر الحاج جواد بدقت : بحضـرة القدس وغـاية الأمل مئـذنة زانـت لعبـاس البطـل
    فقــل لبانيهـا سعـدت فبـذا أحبطت نسـراً و يغوثـاً وهبـل
    وقـل لمن يرقى بهـا مكبـراً أرخ ( فقل حي على خير العمل )

    1309هـ

    وتقوم ساعة دقاقة كبيرة على برج شاهق باتجاه هاتين المئذنتين عند باب القبلة ، ويحيط بالحضرة المشرفة كلها صحن واسع أصغر من صحن الحسين بقليل .
    وفي عام 1375 هـ / 1955 م تم تذهيب قبة العباس عليه السلام وذلك على عهد مكي الجميل متصرف اللواء ، وبهذه المناسبة نظم الشاعر الكربلائي المعاصر السيد مرتضى الوهاب الأبيات التالية وهي من الموشح : شع ثغر الفجر نوراً وانجلـى عن سماء الدنيا رداء الغيهب
    مستطيلاً من ذكا رأد الضحى يخطف الأبصار غيلاً طفحا
    وغزال الشرق مجداً سبحـا ومن الآيـات أوحى جمـلا

    نشرت موجتها في المغرب




    بكـر الطيـر علـى أنـواره زاحفاً في الروض من أوكاره
    و انتشى البلبـل مـن أزهاره و على الأغصان بالشدو علا

    باغاريد الهوى والطرب
    سابحا وسط حشايم عميق من خيال حالم فيه غريق
    كلما يظمأ سلسال رحيق يجتني ثغر الأقاحي قبلا

    فائزا منها ببنت العنب
    سحر الطرف بياض السحر فخـلا للسمـع لحن الوتر
    (ما لعيني عشيت بالنظر ) أطلى الكأس تجلت أم طلى

    قبة صيغت بغالي النشب
    خلتهـا بالتبر لمـا برقـت نار موسى جانب الطور بدت
    أم سنا الشمس جلالاً سجدت أم غريض الماء يشفي الغللا

    سال مشفوها بنهر سرب
    أنثار الورد في الأرض انتشر فتـراءى كالـلآلي للبشـر
    أم ترى أدركت الشمس القمر ام جـلال الله بالقدر جـلا

    فتجلى للورى عن كثب
    قبـة بالتبـر لمـا طليت شرف التبر بها مـذ حليت
    فوق طود للمعـالي بنيت من له يوم وغى في كربلا

    خالد رغم مرور الحقب
    من بوجه الشمس فرداً غبرا وأذاق القوم موتاً احمرا
    فاتحاً نحو الفرات انحـدرا عرف الماء وعنه عدلا

    ذكر السبط ولما يشرب

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    قبـة فـوق الثـريا ارتفعت وعلى الآفـاق بـدر أطلعت
    من أبي الفضل بنور سطعت وحكى تاريخها ( صدقاً على

    مرقد العباس تاج الذهب )
    1375هـ

    وليس من شك ان للعباس عليه السلام كرامات لاتعد ولاتحصى ، وأصبح يضرب به المثل بإيثاره ، فما من زائر يؤم قبره إلا وتراه يخشع أمام مثواه ويتضرع في طلب قضاء حاجة . ومما رواه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني في كتابه ( كروس الانشاء ) بهذا الصدد قوله : « في سنة 1306 هـ انقطع نهر الحسينية وعاد أهل كربلاء يقاسون شحة الماء وكضة الظمأ ، فأمرت الحكومة العثمانية بحفر نهر في أراضي النقيب السيد سلمان ، فأبى النقيب ان يمكنهم فاتفق ان زرت كربلاء فطلب أهلها أن أكتب إلى النقيب ، فكتبت إليه ما يشجيه وعلى حالهم مايبكيه :
    لك عصبة في كربلاء تشكو الظمأ من فيض كفـك تستمـد رواءها
    وأراك ياسـاقي عطـاشى كربلاء وأبوك ساقي الحوض تمنع ماءها

    فأجاز النقيب حفر النهر وانتفع أهل كربلاء منه (1).
    ومنذ عام 1951 م / 1371 هـ وحتى يومنا هذا بوشرت التعميرات في الروضة العباسية : أو قد بذل السؤولون في كل الأدوار اهتماماً ملحوضاً ، فقد تم جلب الكاشي المعرق من أصفهان وتم اكساء الواجهات الأمامية للصحن بالقاشاني .
    والروضة العباسية لاتقل روعة وضخامة عن الروضة الحسينية وعن بقية روضات المشاهد والعتبات المقدسة . وقد اعتاد المسلمون أن يزينوا هذا المرقد


    (1) طروس الانشاء / تأليف : السيد محمد بن السيد مهدي القزويني ( مخطوط ) نسخته في مكتبة الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي في النجف .



    كغيره من المراقد المقدسة بالمجوهرات والحلي . وقد ساهموا في صيانتها وتطوير أبنيتها، فبلغت الروعة في الفن المعماري والزخرفة والتذهيب مبلغاً عظيماً بشكل يليق ومقام العباس العظيم في نفوس المسلمين .
    هذا وتبلغ مساحة الروضة العباسية والحصن الشريف ( 4370 متراً مربعاً ) وللصحن ثمانية أبواب هي : باب الإمام الحسن ، باب الإمام الحسين ، باب الإمام صاحب الزمان ،باب الإمام موسى بن جعفر ، وهذه الأبواب موقعها في الجهة الغربية من الصحن ، باب الإمام أمير المؤمنين ، باب الإمام علي بن موسى الرضا ، ويقعان في الجهة الشرقية ، باب الرسول صلى الله عليه وأله وسلم المسماة بباب القبلة ، تقع في الجهة الجنوبية ، أما في الجهة الشمالية فتوجد باب الإمام محمد الجواد .
    وتضم جوانب الصحن الشريف عدة غرف وأواوين دفن فيها العلماء والسلاطين والوزراء وكبار الشخصيات الإسلامية ، وزينت جوانب الصحن بالفسيفساء والكاشاني البديع الصنع ، ويعتبر اليوم من النفائس الأثرية .
    وفي يوم 28 رجب سنة 1385 هـ احتفلت مدينة كربلاء بوصول الضريح الأثري الجديد لمرقد سيدنا العباس عليه السلام ، وهو ضريح مصنوع من الذهب الخالص والفضة ، مطعم بالميناء والأحجار الكريمة ، ويعتبر آية في الابداع .
    وقد أعلمني السيد بدر الدين آل ضياء الدين سادن الروضة العباسية المطهرة ان كلفته بلغت حوالي 150 الف دينار ، وقد استعمل في صياغته 400 الف مثقال من الفضة و 8000 آلاف مثقال من الذهب ، واستغرق العمل فيه ثلاث سنوات ، وتم إنجازه في أصفهان بمساعي العلامة الكبير آية الله السيد محسن الحكيم الطباطبائي ، وكان يوم استقباله من أيام كربلاء المشهورة . كما تم استملاك قطعة مجاورة للصحن ، وشيدت مضيفاً لسيدنا العباس عليه السلام .
    اما تولية سدانة الروضة العباسية (1) ، فقد كانت في السابق تابعة لسدانة الروضة


    (1) راجع بشأن سدانة الروضة العباسية كتاب ( مدينة الحسين ) ج 1 ص 87 ـ 88 .



    الحسينية . وتسنم مقاليدها اخيراً الحاج السيد بدر الدين الكليدار نجل المرحوم السيد محمد حسن الكليدار بن المرحوم الحاج السيد مرتضى الكليدار بن السيد مصطفى الكليدار بن السيد حسين الكليدار آل ضياء الدين من آل فائز الموسوي الحائري . ومنذ عشر سنوات انتزعت منه السندانة وأوكلت إلى لجنة خاصة من خدمة الروضة العباسية بإشراف مديرية الأوقاف.





    في شوال 1339 هـ / 1921 م ويبدوا إلى يمينه : حميد خان متصرف كربلاء أحد ضباط الجيش ، السيد حسين الدده ، صالح حمام مدير شرطة كربلاء ، السيد محمد حسن ضياء الدين ، السيد عبود السيد علي نصر الله ، وإلى يساره : السيد مرتضى ضياء الدين سادن الروضة العباسية ، السيد عبد الوهاب آل طعمة ورئيس بلدية كربلاء السيد حسن النقيب .







    فضل كربلاء والتربة الحسينية

    تمتاز تربة هذه الأرض المقدسة عن سائر بقاع العالم بقدسيتها الدينية السامية فكم أثنى عليها الشعراء والكتاب وأشادوا بها ورفعوها إلى المكانة اللائقة والدرجات الرفيعة التي تستحقها . فهي الأرض التي قدم إليها الحسين عليه السلام وقتل بها ، فاختلطت التربة الطاهرة بدماء الحسين وأهل بيته من العلويين الأبرار وقد نعتت الأرض بأنها قبلة الاباء ومكة قبلة الصلاة ، ولذا فضلها الله سبحانه وتعالى على كافة البقاع المعمورة . فأرض كربلاء هي بحق وحقيق جديرة بالثناء والاجلال .
    والتربة الحسينية هي خير شفاء للناس ، فيها الفوائد الكثيرة والمنافع العامة لكل إنسان . قال الامام الصادق عليه السلام في طين قبر الحسين شفاء من كل داء : إذا أخذته فقل باسم الله اللهم بحق هذه التربة الطاهرة وبحق البقعة الطيبة وبحق الوصي الذي تواريه وبحق جده وأبيه وأخيه والملائكة الذين يحفون به والملائكة العكوف على قبره ليلاً ينتظرون نصره صلى الله عليهم أجمعين اجعل لي فيه شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف وعزاً من كل ذل ووسع علي في رزقي أوصح به جسمي (1) . وقال الامام الصادق أيضاً : إذا أكلتها فقل اللهم رب التربة


    (1) راجع الكافي للكليني وانظر : من لايحضره الفقيه / للشيخ الصدوق طبع طهران ـ ص 304 .


    المباركة ورب الوصي الذي واريته صلى على محمد وآل محمد واجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء . وقال حريم قبر الحسين عليه السلام : خمسة فراسخ من أربع جوانب القبر .
    وروى اسحاق بن عمارعن أبي عبد الله عليه السلام قال : موضع قبر الحسين منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة (1). كثيرة هي المزايا التي تتصف بها هذه الأرض المقدسة والتربة الحسينية المشرفة ، وكثيرة هي الفوائد التي يجنى منها . ولعل رأي العالم الفاضل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء خير مصدر لتفهم حقيقة هذه التربة ، قال : وهذه التربة هي التي يسميها أبو ريحان البيروني في كتابه الجليل (الآثار الباقية) التربة المسعودة في كربلاء نعم ، وإنما يعرف طيب الشيء بطيب آثاره وكثرة منافعة وغزارة فوائده وتدل على طيب الأرض وامتيازها على غيرها ، طيب ثمارها ورواء أشجارها وقوة نبعها وريعها ، وقد امتازت تربة كربلاء من حيث المادة والمنفعة بكثرة الفواكه وتنوعها وجودتها وغزارتها حتى انها في الغالب هي التي تمون أكثر حواضر العراق وبواديه بكثير من الثمار اليانعة التي تخصها ولاتوجد في غيرها ، إذاً فليس هو صميم الحق والحق الصميم أن تكون أطيب بقعة في الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر . نعم لم تزل الدنيا تمخض لبلد أكرم فرد في الإنسانية واجمع ذات لأحسن مايمكن من مزايا العبقرية في الطبيعة البشرية وأسمى روح ملكوتية في اصقاع الملكوت وجوامع الجبروت فولدت نوراً واحداً شطرته نصفين سيد الأنبياء محمداً وسيد الأوصياء علياً ثم جمعتهما ثانياً فكان الحسين مجمع النورين وخلاصة الجوهرين ، كما قال صلى الله عليه واله وسلم : حسين مني وأنا من حسين ، ثم عصمت أن تلد لهم الأنداء أبد الآباد (2).
    وقوله أيضاً : فإذا وقفت على بعض ما للأرض والتربة الحسينية من المزايا


    (1) من لايحضره الفقيه / للشيخ الصدوق ص 304 .
    (2) الأرض والتربة الحسينية / الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ص 21 .




    والخواص لم يبق لك عجب واستغراب إذا قيل أن الشفاء قد يحصل من التراب وان تربة الحسين عليه السلام هي تربة الشفاء كما ورد في كثير من الأخبار والآثار التي تكاد تكون متواترة كتواتر الحوادث والوقائع التي حصل الشفاء فيها لمن استشفى بها من الأرض التي عجز الأطباء عن شفائها ، أفلا يجوز أن يكون في تلك الطينة عناصر كيماوية تكون بلسماً شافياً من جملة الأسقام قاتلة للميكروبات ، وقد اتفق علماء الامامية وتضافرت الأخبار بحرمة أكل الطين إلا من تربة قبر الحسين عليه السلام بآداب خاصة وبمقدار معين وهو أن يكون أقل من حمصة وأن يكون أخذها من القبر بكيفية خاصة وأدعية معينة (1).
    هذا أهم ما ورد عن فوائد تربة الحسين عليه السلام في شفاء المرضى وهي أقوال أثبتتها الدلائل العديدة .


    (1) المصدر السابق ص 24 .




    زيارة الملوك والخلفاء والأمراء لكربلاء

    لمدينة كربلاء منزلة خاصة في قلوب المسلمين وغير المسلمين ، فلا جرم وهي مدينة السبط الشهيد المضرجة بدمائه الزكية ، العبقة بأرواح شيعته القدسية ، الزاخرة بالمعالم الاسلامية ، وهي لهذا منتجع الملوك ، ومرتاد الخلفاء والأمراء ، يؤمونها زرافات ووحداناً ، تيمناً بتربتها المقدسة وزلفى لله تعالى في زيارة أضرحة الأئمة الأطهار ، وكان لهم شرف الخدمة في تقدير موقف الحسين عليه السلام وصحبه للدفاع عن العقيدة والإباء والانسانية .
    إن أول من زار الحائر الشريف من السلاطين الديالمة هو عز الدولة البويهي وذلك في سنة 266 هـ ، ثم زار الحائر عضد الدولة البويهي في سنة 271 هـ وأقام فيه مدة . وقيل عند زيارته ما نصه : « كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري في شهر جمادى الاولى سنة 271 ، وورد مشهد الحائر مولانا الحسين صلوات الله عليه لبضع بقين من جمادى الاولى ، فزاره صلوات الله عليه وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم وجعل في الصندوق درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتين اسم ووهب العوام والمجاورين عشرة آلاف درهم وفرق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ومن الثياب خمسمائة قطعة وأعطى الناظر عليهم ألف درهم » (1) .


    (1) فرحة الغري / للسيد ابن طاووس ص 59 . وانظر : تحفة العـالم للسيد جعفـر آل بحر العلوم ج 1 ص 273 .



    وزار الحائر الشريف كل من الأخوين الملقبين بجالبي الحجارة الداعي الكبير حسن بن زيد العلوي ملك طبرستان وديلم فباشر هذا بتشييد الحضرة الحسينية واتخذ حولها مسجداً ولم يكن الزمن كفيلاً بإنجازه حيث توفى سنة 271 هـ وتولى بعده أخوه الملقب بالداعي الصغير محمد بن زيد العلوي الذي ملك طبرستان وديلم وخراسان فزار الحائر وأمر بتشييد قبة قبرالحسين وبنى حوله مسجداً وسور الحائر واستغرق إنجاز هذا البناء عشر سنوات حيث تم عام 283 هـ (1) . ويذكر لنا المؤرخون أن الزعيم القرمطي أبا طاهر سلمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي وكان كثير التردد على كربلاء عند غزواته للكوفة سنة 313 هـ حيث توجه إلى الحائر الحسيني فزار قبر الحسين وطاف حوله مع أتباعه وأمن أهل الحائر ولم يمسهم بأي مكروه بالرغم من أن أبا طاهر كان كثير العبث بالحجيج (2).
    وزار الحائر السلطان أبو طاهر جلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي سنة 431 هـ ترافقه حاشية كبيرة من أهله وأتباعه ومواليه من الأتراك وبضمنهم الوزير كمال الملك أبو المعالي عبد الرحيم ، وكان في أكثر الطريق يمشي على قدميه طلباً لمزيد الأجر والثواب ، ومكث في كربلاء مدة من الزمن أجزل خلالها العطايا والنعم على سكان الحائر ، ثم قصد زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف (2).
    وزار الحائر من السلاجقة السلطان أبو الفتح جلال الدولة ملك شاه بن أبي شجاع محمد ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق حيث توجه قاصداً زيارة الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء سنة 479 هـ ومعه حاشية كبيرة كان من


    (1) المنتظم / لابن الجوزي ج 2 ص 60
    (2) المنتظم / لابن الجوازي ج 8 ص 105
    (3) المنتظم / لابن الجوازي ج 8 ص 105




    ضمنهم الوزير خواجة نظام الملك ، وقد أجزل السلطان لدى زيارته أكثر من ثلاثمائة دينار على سكان الحائر وأمر بعمارة سوره ثم توجه إلى النجف ، حيث زار مشهد الإمام علي عليه السلام (1) .
    وفي سنة 513 هـ زار كربلاء الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد أبو الأعز الأسدي ، وكان شجاعاً أديباً شاعراً ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء 17 عاماً وقتل سنة 529 هـ بتحريض السلطان مسعود السلجوقي ولما قصد كربلاء دخل الحائر الحسيني باكيا حافيا متضرعا الى الله ان يمن عليه بالتوفيق وينصره على أعدائه ، ولما فرغ من مراسيم الزيارة أمر بكسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة قائلاً لا تقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة ولايخطب هنا لأحد . ثم قصد مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف وعمل ماعمل في كربلاء (2).
    وفي سنة 696 هـ قدم العراق من بلاد الجبل السلطان محمود غازان خان ماراً بالحلة فالنجف فتوجه إلى كربلاء حيث قصد زيارة الحسين بن علي عليه السلام وفي هذه المرحلة أمر بتوزيع آلاف من الخبز في اليوم للأشخاص المقيمين بجوار قبر الحسين عليه السلام . وكذلك قصد السلطان غازان خان العراق سنة 698 هو قدم إلى زيارة كربلاء والنجف وفي رحلته هذه كان قد عبر الفرات في 10 جمادى الأولى متوجهاً إلى الحلة ومكث بها ستة أيام ، وهناك أمر الخواجة شمس الدين صواب الخادم السكورجي ان يحفر نهرا من اعالي الحلة ياخذ الماء من الفرات ويدفعه إلى مرقد الحسين عليه السلام ويروي سهل كربلاء اليابس القفر ، ووهب غلاة هذا النهر إلى العلويين والفقراء الذين يأتون إلى المرقد الحسيني وعددهم كان عديداً (3).


    (1) المنتظم / لابن الجوزي ج 8 ص 74
    (2) المنتظم / لابن الجوزي ج 9 ص 74
    (3) الحوادث الجامعة / لابن الفوطي ص 497 وانظر : مجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري ص 380 و 390



    ويؤكد براون Broun المستشرق الإنكليزي بقوله : وفي سنة 701 هـ أو سنة 703 هـ توجه السلطان غازان إلى الحلة وانحدر منها إلى كربلاء لزيارة المشهد الحسيني وأهدى إلى المشهد هدايا سلطانية وزين الروضة بالتحف النفيسة وأمر للعلويين المقيمين فيها بأموال وفيرة (1). وقد ولد السلطان محمود فجر يوم الجمعة سنة 670 هـ وتوفي سنة 703 هـ . (2) وفي دور الدولة الأيلخانية الجلائرية التي تأسست أمارتها في العراق على عهد الشيخ حسن الجلائري المتوفى سنة 757 هـ وأعقبه في الحكم نجله السلطان أويس قام بتشييد بناية الروضة الحسينية المقدسة . وقد زار الحائر نجله السلطان أحمد بهادر خان بن أويس الذي تم على يده بناء الروضة الحسينية الماثلة للعيان اليوم.
    يروي لنا بعض المؤرخين : أما السلطان أحمد فإنه عندما أيقن بعدم مقدرته على صد هذا الفاتح العظيم اضطر إلى ترك بغداد والانسحاب منها بجيشه الذي كان نحو الفي مقاتل فخرج من بغداد بعساكره ليلاً وحمل ماقدر عليه من الأموال والذخائر ونزل في سهل كربلاء فاستولى تيمور على بغداد في السنة نفسها ( سنة 795 هـ ) وفتك بأهلها فتكاً ذريعاً ثم أرسل جيوشه في اثرالسلطان أحمد فدارت بين الفريقين معركة شديدة في سهل كربلاء انهزم في آخرها السلطان أحمد إلى مصر مستجيراً بسلطانها المللك الظاهر برقوق (3).
    وأول من زار الحائر من الصفويين السلطان اسماعيل الصفوي وذلك بتاريخ 25 جمادى الثانية سنة 914 هـ . ويروي المسترلونكريك في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق ) بهذا الخصوص ماهذا نصه :« فأسرع الشاه في القضاء


    (1) تاريخ أدبي ايران / للمستشرق براون ج 3 ص 53 وانظر : كلشن خلفا ص 157
    (2) انظر : مجلة الأقلام / الجزء 9 / السنة 4 ( 1388 هـ / 1968 م ) مقال ( كربلاء في العهد المغولي الايلخاني ) للسيد عادل عبد الصالح الكليدار .
    (3) مختصر تاريخ بغداد القديم والحديث / علي ظريف الأعظمي ص 156 و 157



    على الحكومة الآق قويونليه التركمانية في العراق فخضعت بغداد لحكمه في أواخر سنة 1508م / 914 هـ علي يد القائد حسين بك لاله . وان دخول العراق في حوزة العرش الشيعي الجديد بالشاه مسرعاً لزيارة العتبات المقدسة إذ لم تكد تستقر جنوده في بغداد حتى قدم لزيارة الأضرحة المقدسة في كربلاء والنجف (1).
    وفي سنة 941 هـ / 1534 م تم فتح العراق على يد السلطان سليمان القانوني الذي احتل بغداد في 18 جمادى الأولى سنة 941 هـ وزار مرقد الإمامين الهمامين الجوادين (ع ) في ظاهر بغداد . ثم قصد زيارة المشهدين المعظمين أمير المؤمنين وأبي عبد الله الحسين عليهما السلام واستمد من أرواحهما (2) . وكانت زيارته لكربلاء في 28 جمادي الأولى من السنة المذكورة ، وأمر بشق نهر كبير من الفرات وأوصله إلى كربلاء وجعلها كالفردوس الأمر الذي زاد في محصولاتها وأثمار أشجارها وأنعم على الخدمة والسكان . كما وأنعم على ساكني دار السلام ... (3) .
    كما زار الحائر الشاه عباس الكبير حفيد الشاه اسماعيل الصفوي وذلك في سنة ( 1032 هـ / 1623 م ) . ويؤيد ذلك صاحب كتاب ( عالم آراي عباسي ) كما في قوله : « بعدما قضى الشاه عباس زيارة الحسين عليه السلام توجه عن طريق الحلة إلى النجف للثم عتبة الحرم الحيدري (4) .


    (1) أربعة قرون من تاريخ العراق / للمسترلونكريك . ترجمة الأستاذ جعفر خياط ص 20 وأنظر : تاريخ العراق بين احتلالين ج 3 ص 316 والتاريخ الحديث / لوزارة المعارف ص 10 طبع بغداد 1946 م
    (2) تحفة العالم / للسيد جعفر بحر العلوم ج 1 ص 265
    (3) كلشن خلفا / ص 200 و 201 وانظر : تاريخ العراق بين احتلالين ج 4 ص 29 وموسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ج 1 ص 111
    (4) عالم آراي عباسي / لاسكندر منشي ج 3 ص 707 وأنظر : أربعة قرون من تاريخ العراق / لونكربك ص 62




    وفي بداية سنة 1088 هـ توجه الوالي قبلان مصطفى باشا إلى زيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف وذلك في شهر شعبان و أنعم على الخدم ثم عاد إلى بغداد ، وعند عودته ورد أمر عزله (1).
    ثم زار الحائر السلطان حسن باشا سنة 1117 هـ / 1705 م يروي لنا ابن السويدي في كتابة ( تاريخ بغداد ) عن وصف زيارة السلطان المذكور بقوله: وفي شوال من هذه السنة رفع اللواء بالمسير إلى كربلاء لزيارة سيد الشهداء وإمام الصلحاء قرة عين أهل السنة وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله رضي الله عنه وإلى زيارة الليث الجسور والشجاع الغيور قاطع الأنفاس من ضال كالخناس أبي الفضل العباس فدخل كربلاء وزار أصحاب الكساء واطلعت المباخر وظهرت المفاخر فأجزل على خدامها وأجمل في فقرائها ودعا بحصول المراد وزوال الأنكاد ودعا له بما يروم وأنجح في سعيه بالقدوم وبقي يوماَ واحداً لضيق القصبة بأحزابه وأعوانه وأصحابه ثم ارتحل قاصداً أرض الغري (2) .
    وممن زار كربلاء أيضاَ السلطان نادر شاه الأفشاري ، فانه توجه نحو العراق عن طريق خانقين إلى بغداد سنة 1156 هـ ومنها إلى الحلة ثم منها إلى النجف دخلها يوم الأحد في الحادي والعشرين من شوال وارتحل عنها يوم الجمعة ودخل كربلاء يوم السبت وأقام فيها خمسة أيام هو ووزراؤه وعساكر ه وأرباب دولته ومعه تديمة مرزا زكي (3) .
    وزار الحائر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري حفيد فتح علي شاه وذلك في سنة 1287 هـ فقيل عن لسانه في تاريخ زيارته ( تشرفنا بالزيارة ) ، وقد دون


    (1) كلشن خلفا ص 282 وانظر : تاريخ العراق بين احتلالين ج 5 ص 113 وموسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ج 1 ص 119
    (2) تاريخ بغداد / لابن السويدي ص 25
    (3) ماضي النجف وحاضرها / للشيخ جعفر محبوبة ج 1 ص 222 و 223.




    ماأسعفته الذاكرة في رحلته المطبوعة بالفارسية بأسم ( سفرنامه ناصري ) . ويقال ان معتمد الملك هو الذي كتب وصنف هذه الرحلة عن لسان السلطان المذكور . جاء في ( المنتظم الناصري ) وصف زيارته للحائر قوله : في سنة 1287 هـ في شهر رمضان في الثالث عشر منه ورد السلطان ناصر الدين شاه زائراً النجف وخرج يوم العشرين منه عائداً إلى كربلاء وأنعم على المجاورين للروضة المطهرة وقدم لأعتاب تلك الحضرة المقدسة فض الماس مكتوباً عليه سورة الملك على يد متولي الحضرة الشريفة ( انتهى ) (1). ومن جملة الإصلاحات التي أنجزت في عهده توسيع صحن الحسين من جهة الغرب وتشييد الجامع الناصري العظيم فوق الراس اضافة الى التذهيب القبة السامية كما يستدل من كتيبة القسم الأسفل من القبة ، وقد نقشت بماء الذهب . ويؤيد ما ذهبنا اليه صاحب كتاب ( تحفة العالم ) بقوله : في سنة 1276 هـ جاء الشيخ عبد الحسين الطهراني إلى كربلاء بأمر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وجدد تذهيب القبة الحسينية وبناء الصحن الشريف وبناء الايوانات بالكاشي الملون وتوسعة الصحن من جانب فوق الرأس المطهر ، ولما فرغ من ذلك مرض في الكاظميين وتوفي سنة 1286هـ ونقل إلى كربلاء (2) .
    ويروى أنه لدى وصول السلطان ناصر الدين شاه لكربلاء ، كان في استقباله داخل الحضرة الحسينية المرحوم السيد محمد علي بن السيد عبد الوهاب آل طعمة ـ رئيس بلدية كربلاء آنذاك ـ فاحتفى به وأنشده هذين البيتين بالفارسية : قبهء سبط نبي در ارض ني (3) برتوش برقبهـا افكنـده فـي
    كفتـهء شهـزادهء اقليم ري جون بنات النعش بردور جدي


    (1) المنتظم الناصري / ناصر الدين شاه ج 3 ص 315
    (2) تحفة العالم / مير عبد اللطيف الشوشتري ص 308 طبع الهند .
    (3) مختصر كلمة ( نينوى ) وهي من أسماء كربلاء . انظر الفصل الأول من هذا الكتاب .


    وعند ذاك منحه السلطان المذكور وساماً فضيـاً مزينـاً بشعار الحكومة الايرانية (1) .
    وممن زار الحائر الحاج حسن باشا والي بغداد ، وكانت ولايته من عام 1308 هـ ـ 1314 هـ ، إذ جاء إلى كربلاء ثم تشرف بزيارة النجف وكان قد زارها مراراً عديدة .
    كما زار الحائر أيضاً السيد محمد خان اللكناهوري أحد سلاطين الهند . وذلك في سنة 1310 هـ .
    وزار الحائر في سنة 1326 هـ مير فيض محمد خان تالبر امير مقاطعة خير بور السند وهو شيخ كبير ومعه عدد من وزرائه وعساكره .
    وفي 19 رمضان سنة 1338 هـ زار الحائر السلطان أحمد شاه بن السلطان محمد علي شاه القاجاري ملك إيران وزينت المدينة تزييناًُ رائعاً وخرج الاشراف والأعيان لاستقباله .
    وزار كربلاء الملك فيصل الأول بن شريف حسين ملك العراق وذلك في شوال سنة 1339 هـ ـ 1921 م وذلك عند توليه عرش العراق لأول مرة ، واستقبل بحفاوة بالغة من قبل أعيان البلد ووجهائه ، وزينت الشوارع والطرق بالسجاجيد الثمينة .
    وزار كربلاء سنة 1342 هـ رضا شاه بهلوي رئيس وزراء إيران وقائد الجيش الايراني ، فاستقبل استقبالاً رائعاً ، ولدى عودته إلى إيران تولى العرش .
    وزار الحائر الشريف الأمير عبد الله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية وذلك في يوم الأربعاء 19 جمادى الأولى سنة 1348 هـ .
    وزار الحائر أيضاً عباس حلمي ملك مصر السابق في رمضان سنة 1351هـ .


    (1) مذكرات السيد مجيد السيد سلمان الوهاب آل طعمة .



    وزار الحائر ملك العراق غازي الأول وذلك في يوم الاثنين 24 ذي الحجة سنة 1352 هـ واستقبل بحفاوة وتكريم عظيمين .
    وزار الحائر السيد علي رضا خان الرامبوري وذلك في يوم الأحد في الخامس والعشرين من رجب سنة 1353 هـ عائداً من النجف .
    كما جاء الحائر أيضاً السيد طاهر سيف الدين زعيم الطائفة الإسماعيلية في الهند وأفريقيا وذلك في سنة 1358 هـ .
    وزار الحائر أيضاً السلطان محمد ظاهر شاه ملك الأفغان في اليوم الخامس من جمادى الآخرة سنة 1369 هـ حيث توجه إلى النجف .
    وزار الحائر ملك العراق فيصل الثاني مع خاله عبد الإله في اليوم السابع عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1369 هـ . كما زار الحائر زيارات متتالية أخرى .
    وبعد إعلان ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958 م / 1378 هـ زار كربلاء عدد كبير من رؤساء وملوك الدول الإسلامية وما زالوا يزورون ، وذلك لقدسيتها ومكانتها العلمية .

    دروس من مأساة كربلاء

    تحل في شهر محرم من كل عام ذكرى حادثة أليمة عرفها التاريخ الاسلامي منذ أمد طويل ، ألا وهي فاجعة الطف التي مازال صداها يدوي في سمع الزمن .
    ان مأساة كربلاء أو حادثة الحسين عليه السلام مثلت دوراً من أسمى أدوار الانسانية الفذة ، ولقنت العالم الاسلامي دروساًُ لن تنسى أبد الدهر . فمن هذه المدينة الخالدة وجه الامام الحسين عليه السلام ضربته القاضية بوجه الأمويين ، وفي هذه البقعة الشريفة خاض الشهداء معركة الحق والكرامة ، فأهرقت دماؤهم البريئة وروت أرض الطف ، فاصطبغت بدمائهم الزكية ، وبذلوا أنفسهم




    الكريمة من أجل العزة والسيادة ، فكانت أحسن وقع في نفس الاسلام وفي تحقيق الوحدة الاسلامية النبيلة . ومن يتصفح التاريخ الاسلامي يلمس تلك المنزلة والقداسة التي حلت بهذه المدينة المقدسة منذ مقتل أبي الضيم سيدنا الحسين بن علي عليه السلام حتى يومنا هذا .
    لقد أعطى الامام الحسين لشباب العالم وشيوخ الأمم دروساً بليغة في النضال والحرية والدفاع عن شرف النفس ، فقدم نفسه وأهل بيته وأطفاله ضحايا على رمال الصحراء وقرابين على مذبح الشرف والاباء في سبيل تقويم شرعة جده ، وهكذا وقف الحسين موقفه الجبار في عرصات الطفوف غير هياب ولامكترث ، ولسان حاله يقول : إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي ياسيوف خذيني (1)

    ويوم عاشوراء من الأيام المشهودة التي تمر علينا كل عام منذ استشهاد الحسين الخالد في العاشر من محرم الحرام ، وما يزال ليعيد لنا ذكرى بطولة أبي الأحرار وموقفة الحازم من الطاغية يزيد بن معاوية ، ذلك الصراع الذي دار بين الحق والباطل ، فقد اندحر الظلم وانتصرت العدالة ، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه .
    قيل لما بلغ الحسين عليه السلام القادسية ، لقيه الحر بن يزيد الرياحي (2) فقال له : أين تريد يابن رسول الله ؟ قال : اريد هذا المصر ، فعرفه بقتل مسلم ، وما كان من خبره ، ثم قال : ارجع فإني لم أدع خلفي خيراً أرجوه لك ، فهم بالرجوع ، فقال له اخوة مسلم : والله لانرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل كلنا . فقال الحسين : لاخير في الحياة بعدكم ، ثم سار حتى لقي خيل عبيد الله بن زياد عليها


    (1) من قصيدة طويلة لشاعر كربلاء وخطيبها المرحوم الشيخ محسن أبو الحب المتوفى عام 1305 هـ .
    (2) الحر بن يزيد الرياحي التميمي هو الذي انضم إلى جيش الحسين ( ع) يوم العاشر من المحرم بعد أن خرج من صفوف أهل الكوفة ، ووقف بين يديه نادبا تائباً ، فأذن له الحسين ، وكان أول قتيل بين يدي ودفن على بعد 6 كيلومترات عن كربلاء وقبره يزار .



    عمر بن سعد بن أبي وقاص فعدل إلى كربلاء وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل ، فلما كثرت العساكر على الحسين أيقن أنه لامحيص له فقال : اللهم أحكم بيننا وبين القوم دعونا لينصرونا ثم هم يقتلونا ، فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه (1).
    ومن يتعمق في هذه الفاجعة الرهيبة ويتصور موكب المجد السائر في طريقه نحو التضحية والشهادة ، وموقف العباس بطل العلقمي في الدفاع عن حرم الحسين ومصرعه الرهيب في كربلاء ، يستمد منها دروساً وعبراً ، فمن الشهداء من يتركوا الدينا لأنهم لم يصلحوا للبقاء فيها . ومن يخرجون من نعمائها وما دعتهم قط للدخول في تلك النعماء ، أما شهيد كربلاء فقد ترك الدنيا وهي في يديه وتركها وهي مقبلة بنعمائها عليه تركه لأنها أرادها كما ينبغي أن يرضاها ولم يقبل أن تريده هي على شرطها كما ترضيه فهو الشهيد ملء الشهادة من نبل وعظمة وإيثار (2) .
    فحري بنا أن نتعظ بتلك الدروس ونتقبل تلك العبر لكي نستطيع أن نشق طريق الحياة بحرية واسعة ، ونبني مجداً ونعيد للأمة الإسلامية مكانتها المرموقة في التاريخ .
    إن التشاور والتآزر ووحدة الصفوف وجمع الكلمة وضرب الحزازات والعمل في سبيل المصلحة العامة وغيرها من جلائل الأعمال الصالحة هي التي تمهد لنا السبيل لتحقيق رسالة الحسين عليه السلام وتأدية الواجب المقدس والعمل على تمجيده وتخليده .
    هذا هو المغزى الصحيح لفاجعة الطف ، وهكذا يجب ان يعمل الإنسان من أجل الثورة على الظلم والطغيان .


    (1) مروج الذهب / لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي ج 3 ص 70 طبع مصر .
    (2) مجلة ( الألواح ) اللبنانية السنة الاولى العدد 4 ( محرم 1370 ) بحث ( يوم الحسين ) لعباس محمود العقاد .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    الفصل الثاني



    كربلاء .. قبلة الانظار

    على الجانب الغربي من نهر الحسينية المتفرع من نهر الفرات تقوم أخلد مدينة في التاريخ ، هي كربلاء التي يبلغ تعداد نفوسها اليوم 110،000 الف نسمة . وجدير بنا أن نذكر أن نهرها الجميل هو مثار للعاطفة ورواء للقلوب الضامئة ، لاسيما في أيام الربيع وليالي الصيف الحالمة ، وبمجرد أن يزحف موكب الأصيل بأعراسه وبهجته الساحرة ، تمتد الكراسي على ضفتيه وينتظم الشباب عليها في حلقات جميلة للتمتع بهذه الروعة الطبيعية المدهشة والجمال الخلاب حيث النسيمات الندية تهب مغمورة بعطرالورد والقداح ، وحيث يتكسر الماء في قلب هذا النهر الجميل ، فيبدد ظلمة الهموم وينير القلوب بوميض من الفرح ، ويتجه هذا النهر نحو الطريق الذي يمر بمرقد الحر الرياحي مخترقاً صفوف النخيل وشجيرات الصفصاف التي تنعكس ظلالها على صفحات الماء الرقراق لتزيده روعة وسحراً .
    ان من يسير غور تاريخ كربلاء ، يحب ألواناً من الجهاد الوطني الذي يشع بإيمان الاخلاص .. جهاد لايضاهيه جهاد ، واخلاص لايضارعه اخلاص . فكربلاء قد حازت قصب السبق في الحقلين الديني والوطني ، ونالت القدح المعلى




    في الزعامة الفراتية ، وضربت الرقم القياسي في الدفاع عن حقوقها ، فهي أبداً ثائرة بوجه الاستعمار ، أبداًُ طامحة إلى بلوغ امانيها النبيلة ، أبداً ناشرة تعاليم منقذ الإنسانية الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
    وقد ضمت حضيرتها رجالاً اتصفوا بالعزم والحزم ورباطة الجأش وشدة الشكيمة ، رجالا اتصفوا بالنزاهة ، رجالا اشادوا بالتفاني في سبيل المبدأ ، رجالاً لاتأخذهم في الحق لومة لائم .
    وكذا ضمت كربلاء بيوتاًُ لها من الشرف نصيب وافر ، وقد فتحت أبوابها على مصراعيها للشارد والوارد ، ونوادي ادبية حوت انفس الاثار الادبية، خلقت علماء لهم مكانتهم العلمية الرفيعة ، وقد بلغت كربلاء علواً ورفعة وقداسة مستمدة علوها ورفعتها وقداستها من رفعة الحسين وعلوه وقداسته . فهي من أسبق المدن التي انتزعت إليها الزعامة العلمية وعادت إليها بعد مضي قرون .
    وقد وصف كربلاء عددغير قليل من الرحالين والمستشرقين والمؤرخين على اختلاف المراحل الزمنية ، وجاءت أوقالهم نابعة من صدق الاحساس ومن صميم الواقع .
    وممن قصد كربلاء في سنة 726 هجرية الرحالة الشهير محمد بن عبد الله بن محمد ابن ابراهيم بن يوسف اللواتي الطنجي المعروف بأبي عبد الله شرف الدين ابن بطوطة القاضي ، فكتب عنها في رحلته قائلاً :« زرت كربلاء في أيام السلطان أبو سعيد بهادر خان بن خدابنده بعد أن تركت الكوفة في سنة 726هـ قاصداً مدينة الحسين ( كربلاء ) وهي مدينة صغيرة تحصنها حدائق النخيل ويسقيها ماء الفرات والروضة المقدسة داخلها وعليها مدرسة عظيمة وزاوية كريمة فيها الطعام للوارد والصادر ، وعلى باب الروضة الحجاب والقومة ( الخدمة ) لايدخل أحد إلا عن اذنهم فيقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة ، وعلى الأبواب أستار الحرير وأهل هذه المدينة طائفتان أولاد زحيك وأولاد فأئز وبينهما القتال أبداً وهم




    جميعاً إمامية يرجعون إلى أب واحد ولأجل فتنتهم تخربت هذه المدينة ثم سافرنا منها إلى بغداد » (1) .
    ووصف كربلاء الرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا الذي زارها يوم الجمعة المصادف 24 ايلول 1604 الموافق 1024هـ فقال : نزلت في أحد الخانات العامرة التي كان بناؤها للزوار يعد من الأعمال الخيرية المبرورة . ويقول تكسيرا : ان كربلاء التي يسميها مشهد الحسين ، كانت بلدة تحتوي على أربعة آلاف بيت معظمها من البيوت الحقيرة ، وكان سكانها من العرب وبعض الايرانيين والأتراك ،الذين كانوا يعينون للاشراف على المناطق المحيطة بها كذلك ، ولكن الأتراك كلهم كانوا قد انسحبوا يومذاك إلى بغداد بسبب الحرب مع الايرانيين فأدى ذلك إلى رحيل العجم عنها أيضاً لأنهم لم يعودوا يشعرون بالطمأنينة والأمان . وقد كانت أسواقها مبنية بناء محكماً بالطابوق ، وملأى بالحاجات والسلع التجارية لتردد الكثيرين من الناس عليها . وبعد أن يشير إلى وجود الروضة الحسينية وتوارد المسلمين لزيارتها من جميع الجهات يتطرق إلى ذكرى السقاة الذين كانوا يسقون الماء للناس في سبيل الله وطلباً للأجر ، او احياء لذكرى الإمام الشهيد الذي قتل عطشاناً في هذه البقعة من الأرض . ويقول: أنهم كانوا يدورون بقربهم الجلدية الملأى بالماء ، وهم يحملون بأيديهم طاسات النحاس الجميلة . ثم يشيرإلى تيسير الأرزاق ورخصها ، وتوفر المأكولات والحبوب بكثرة مثل الحنطة والشعير والفواكه والخضروات واللحوم ،وإلى لطف الهواء فيها وكون الجو فيها أحسن منه في جميع الأماكن التي أتى على ذكرها من قبل . وقد وجد في كربلاء عدداً من الآبار العامة الحاوية على الماء العذب الجيد جداً وكثيراً من الاشجار وبعض أنواع الفاكهة الاوروبية على حد تعبيره . وكانت الأراضي فيها تسقى من جدول خاص يتفرع من الفرات الذي يبعد عن البلدة بثمانية فراسخ وكان هناك بالإضافة


    (1) تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار / للرحالة ابن بطوطة ج 1 ص 139 طبع مصر .



    إلى ذلك عدد كبير من الأغنام والماشية التي شاهدها ترعى في المراعي المحيطة بالبلدة . وفي نهايتها من جهة الفرات كانت هناك بركتان كبيرتان من الماء مربعتا الشكل ،وهو يعتقد أنهما كانتا قد أنشئتا للنزهة والتسلية ، مستدلاً على ذلك بما شاهده من اطلال بعض الأبنية والملاجئ الموقتة من حولهما . ولعل مواقع الأمكنة والمخيمات التي كانت تنصب للزوار في مواسم الزيارات الكبيرة . وهنا يشير كذلك إلى أن كربلاء والنجف كانتا تخضعان يومذاك إلى المير ناصر المهنا الذي يطلق على نفسه لقب ( ملك ) كما يشير إلى أنه كان تابعاً للأتراك الذين كانوا يغتصبون واردات الأراضي الممتدة في المنطقة كلها .
    ومع هذا فقد شاهد تكسيرا بنفسه الأعراب التابعين للمير ناصر يبيعون في وضح النهار خيول وملابس وأثاث وأسلحة . أربعة وثلاثين تركياً من رجال الحكومة التركية في كربلاء بعد ان قتلوهم وسلبوهم مايملكون . وهذا يدل بلا ريب على مقدار الفوضي التي كانت تضرب أطنابها في تلك الجهات ، وهو يعزو هذا إلى انشغال الحكومة يومذاك بالحرب مع إيران . ومما يذكره في هذه المناسبة أنه وجد في الخان الذي كان ينزل فيه أربعين ( سكمانياً ) مع ضابطهم الخاص ، و( السكمانيون ) هم من الجيش المحلي التابع للحكومة ، وقد كان الناس يخشونهم لأنهم كانوا متعودين على التجاوز على الناس في كل فرصة أو مناسبة وكانوا من دون وجدان أو ضبط على حد قوله ... الخ (1) .
    وزار كربلاء الرحالة الألماني كارستن نيبور فوصلها في أواخر أيام السنة الميلادية وهو يوم 27 كانون الأول 1765 م بعد أن استغرق في قطع المسافة بينها وبين الحلة حوالي سبع ساعات على ظهور الدواب ، ويقارن نيبور كربلاء بالنجف من حيث كثرة النخيل فيها وازدياد عدد سكانها . لكنه يقول ان بيوتها


    (1) موسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء . فصل ( كربلاء في المراجع الغربية ) ترجمة جعفر الخياط ص 281 ـ 284 .



    لم تكن متينة البنيان لأنها كانت تبنى باللبن غير المشوي ، وكانت البلدة على ما يظهر مما جاء في الرحلة محاطة بأسوار من اللبن المجفف بالشمس أيضاً ، كما كانت لها في هذه الأسوار خمسة أبواب ، على أنه وجد الأسوار متهدمة كلها في تلك الأيام الغابرة ، ولاشك ان أهم ما يلفت نظره في كربلاء الروضة الحسينية المطهرة التي رسم لها رسماًُ تقريباً خاصاً استقى تفصيلاته من الدوران حولها والتقرب إليها ، ومن دخوله إليها في إحدى الأمسيات لفترة وجيزة بصحبة الملا البغدادي الذي كان معه بعد أن لبس عمامة تركية مناسبة في رأسه ، والظاهر أنه فعل ذلك في موسم أحد الأعياد والزيارات المهمة . لأنه يقول ان أطراف الحضرة والصحن كانت متنورة للشبابيك الكثيرة التي كانت موجودة فيها . وقد كان ذلك يكاد يكون غريبا ًفي هذه البلاد التي كان يقل فيها زجاج النوافذ يومذاك ، ومما يأتي على ذكره في هذه المناسبة ان الحضرة تقوم في ساحة كبيرة تحيط بها من أطرافها الأربعة مساكن السادة والعلماء على حد قوله ، ولا شك أنه يقصد بذلك ساحة الصحن الكبيرة ، وكان يوجد بين يدي الباب الكبرى شمعدان نحاسي ضخم يحمل عدداً من الأضوية ، على شاكلة ما كان موجوداً في مشهد الأمام علي . لكنه يقول أنه لم يلاحظ وجود الكثير من الذهب في الروضة الحسينية يومذاك ، ولاسيما عندما يقارن ضريح الإمام الحسين بضريح الإمام علي في هذا الشأن .
    ويذكر نيبور أيضاً ان العباس بن علي عليه السلام قد شيد له جامع كبير كذلك تقديراً لبطولته التي أبداها في يوم عاشوراء ، وتضحيته بنفسه من أجل أخيه . وهنا يروي قصة العباس المعروفة في الوقعة التي قطعت فيها يداه الكريمتان حينما احترق حصار الأعداء الأخساء لمعسكر الإمام الحسين وذهب ليأتي بالماء إليه وإلى الأطفال والنساء ، ويشير أيضاً إلى وجود مزار خاص خارج البلدة في أول الطريق المؤدي إلى النجف ،ويقول أنه شيد في الموضع الذي سقط فيه جواد




    الحسين بركبه الشهيد ... الخ (1).
    ومما يزيد من مناظر كربلاء و جنانها روعة وابتهاجاًً هو ( نهر الحسينية) الذي يخترق بساتين كربلاء مبتدأ بشماله المدينة ومنتهياً ببحيرة ( أبي دبس ) حيث يصب فيها من جهة الغرب . وكان يعرف الفرع الرئيسي هذا باسم نهر الحيدري أو الخصيبة ، ويسير باتجاه الشمال الغربي من المدينة لإرواء بساتينها .
    غير ان كربلاء كانت تعاني أحياناً الجفاف والظمأ ، فقد ينقطع عنها الماء طيلة أربعة أشهر ، وكانت معظم بساتين كربلاء ، قد حفرت فيها الآبار المبنية بالآجر ، فاستخدم الفلاح الكربلائي ( الكرد ) لسحب الماء من تلك الآبار وسقي البساتين والمزارع (2) .
    وقد وصف كربلاء في مفتتح هذا القرن ( عمانوئيل فتح الله عمانوئيل مضبوط ) حيث زارها سنة 1329 هـ 1911م ونحن ننقل الوصف بكامله لأهميته ، فقال : « قد سرنا منظر ( كربلاء ) أعظم السرور لاسيما ( كربلاء الجديدة ) أو شهرنو ، فإن طرقها منارة كلها تنيرها القناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري والقادم من بغداد إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة أو إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة أو إذا كان لم يخرج من مدينته الزوراء ويدهشني أعظم الدهش عند رؤيته لأول مرة هذه الشوارع الفسيحة التي تجري فيها الرياح والأهوية جرياً مطلقاً لاحائل يحول دونها كالتعاريج التي ترى في أزقة بغداد وأغلب مدن بلادنا العثمانية . وعند دخولنا المدينة نزلنا على أحد تجار المدينة وهو السيد صالح السيد مهدي (3) الذي كان قد أعد لنا منزلاً نقيم فيه ، فأقمنا


    (1) موسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ( فصل كربلاء في المراجع الغربية ) ترجمة جعفر الخياط ص 286 ـ 288 .
    (2) مذكرات السيد مجيد السيد سلمان الوهاب آل طعمة .
    (3) يغلب على الظن ان السيد صالح هوابن السيد مهدي البلور فروش من تجار المدينة . والسيد أحمد هوابن السيد حسن بن السيد مرتضى آل طعمة.




    فيه نهاراً وليلتين . وفي الليلة الاولى خرجنا لمشارفة ما في المدينة مع السيد أحمد وأخذنا نطوف ونجول في الطرق فمررنا على عدة قهوات حسنة الترتيب والتنسيق ورأينا فيها جوامع فيحاء ومساجد حسناء وتكايا بديعة البناء وفنادق تأوي عدداً عديداً من الغرباء وقصوراً شاهقة ودوراً قوراء وأنهاراً جارية ورياضاً غناء وأشجاراً غبياء ، والخلاصة وجدنا كربلاء من أمهات مدن ديار العراق إذ أن بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشباً أثمن وأنفس على أشكال ورسوم بديعة عربية وهندية وفارسية وهندسية . ولما كان الغد وكان يوم السبت رأينا مالم نره في الليل فسبقنا وصفه . وكنا نقف عند التجار زملائنا وحرفائنا ومعاميلنا الذين نتعاطى معهم بالبيع والشراء . وفي خارج المدينة نهر اسمه ( الحسينية ) ( بالتصغير ) وماؤه عذب فرات ومنه يشرب السكان إلا أن ماءه ينضب في القيظ فتخرج الصدور وتضيق النفوس ويغلو ثمن الماء فيضطر أغلبهم إلى حفر الآبار وشرب مياهها وهي دون ماء الحسينية عذوبة فتتولد الأمراض وتفشو بينهم فشواً ذريعاً كالحميات والأدواء الوافدة والأمل ان الحكومة تسعى في حفر النهر وحفظ مياهه طول السنة. في كربلاء مستشفى عسكري ودار حكومة ( سراي ) وثكنة للجند وصيدلية وحمامات كثيرة ودار برق وبريد وبلدية وقيسريات عديدة . وفيها قنصلية إنكليزية والوكيل مسلم وأغلب رعية الإنكليز من الهنود . وفيها أيضاً قنصل روسي وهو مسلم أيضاً من كوه قاف ( قوقاسي ) وهيئة كربلاء الجديدة ترتقي إلى مدحت باشا الشهيرة , و يبلغ عدد سكانها 105000 نسمة منها 25 الفاً من العثمانيين و60 الفاً من الإيرانيين وبعض الأجانب المختلفي العناصر و 20 الفاً من الزوار الغرباء الوافدين اليها من الديار البعيدة وليس فيها نصارى لكن فيها عدد من اليهود . أما هواء كربلاء فمعتدل في الشتاء ورديء في الصيف لرطوبته .




    أما في سائر أيام السنة فيشبه هواء سائر مدن العراق بدون فرق يعتد به . والذي يجلب المسلمين إلى كربلاء هو زيارة قبر الحسين بن بنت رسول المسلمين وقبور جماعة من شهداء آل البيت والحسين مدفون في جامع فاخر حسن البناء فيه ثلاث مآذن وقبتان كلها مبنية بالآجر والقاشاني ومغشاة بصفيحة من الذهب الابريز وهناك أيضاً ساعتان كبيرتان دقاقتان وكل ساعة مبنية على برج شاهق . وفي كربلاء جامع آخر لايقل عن السابق حسناً في البناء وهو جامع العباس وفيه أيضاً مئذنتان وقبتان وساعتان كبيرتان على الصورة المتقدم ذكرها ووصفها . وفي هذه المدينة قسم قديم البناء و الطرز ضيق الازقة والشوارع والأسواق إلا أن مايباع في تلك الأسواق بديع الصنع وأغلب بضائعها تشاكل بضائع بلاد فارس لاسيما يشاهد المناظر كثيراً من الطوس من كبيرة وصغيرة من النحاس الأصفر ( الصفر ) وهناك سلعة لاتراها تباع في غير كربلاء وهي الترب ( جمع تربة وزان غرفة ) وهي عبارة عن قطعة من الفخارأخذ ترابها من أرض كربلاء وجبلت على صورة مستديرة أو مربعة أو مستطيلة أو نحو ذلك يتخذها الشيعة وقت الصلاة فيجعلونها في جبهة القبلة ويصلون متجهين نحوها . ومما يكثر في اسواقها انواع الاحذية المختلفة الشكل الفارسية الطرز وترى في الحوانيت الزعفران الفاخر الخالص من كل شائبة وغش مما لا تجد مثله في بغداد . ولغة أغلب أهل كربلاء الفارسية لكثرة العجم فيها ، إلا أن الكثيرين منهم تعلموا العربية ويحسنون التكلم بها. ويقسم لواء كربلاء إلى ثلاثة أقضية وهي مركز قضاء كربلاء والهندية والنجف والى سبع نواح وهي : ثلاث منها في مركز القضاء وأسماؤها : المسيب والرحالية وشفاثه وواحد في الهندية وهي الكفل وثلاث في النجف وهي الكوفة والرحبة والناجية . ولما كان نهار الأحد 4 نيسان نهضنا صباحاً وفطرنا ثم ركبنا العجلات وبرحنا كربلاء في نحو الساعة العاشرة (1) .


    (1) مجله ( لغة العرب ) الجزء الرابع ( رجب 1329 شوال 1911 م ص 156 ـ 160 )



    وقد وصف كربلاء المؤرخ العراقي المعاصر السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه ( موجز تاريخ البلدان العراقية ) فقال ما هذا نصه :« أما كربلاء اليوم فتبعد عن بغداد 74 ميلاً ، وتربطها بها سكة حديد ثابتة . وهي مدينة واسعة جالسة على ضفة ترعة ( الحسينية ) اليسرى ، يحيط بها شجر النخيل الوارف وتحفها البساتين المحتوية على أشجار الفواكه الباسقة المختلفة الصنوف ، وهي إلى ذلك ذات جادات واسعة ومؤسسات فخمة وأسواق منظمة ومبان عامرة ورياض وغياض كثيرة ، وتقسم كربلاء من حيث العمران إلى قسمين يسمى الأول ( كربلاء القديمة ) وهو الذي أقيم على أنقاض كربلاء العريقة في القدم والشهيرة في التاريخ . ويدعى الثاني ( كربلاء الجديدة ) وهو الذي خطط في عهد ولاية المصلح الكبير مدحت باشا في عام 1285 هـ ( 1868 م ) وبني بعد عام 1300 للهجرة على طراز يختلف عن الطراز القديم ، إلا أنه تهدم معظمه ـ مع الأسف ـ حيث أقيم على أرض سبخة تنزفيها المياه فتأكل أسس الجدران ، ولهذا السبب يحيط بكربلاء اليوم مستنقع كبير هو علة وجود أمراض مزمنة في هذه المدينة تجعل وجوه الأهلين صفر الوجوه هزيلي الأجسام معرضين للأمراض المختلفة (1) كما وصف كربلاء أيضاً الأستاذ رزوق عيسى فقال : كربلاء وهي إحد المدن المقدسة عند الشيعة وفيها مرقد الحسين وموقعها على ضفة نهر الحسينية اليسرى يحيط بها من جهة الشمال والغرب وتكتنفها المزارع والبساتين والرياض من الشمال والشرق والجنوب ، وهي واقعة إلى الجنوب والجنوب الغربي من بغداد تبعد عنها 80 كيلومتراً أو نحو 35 ميلاً وتبعد عن الحلة 25 ميلاً وهي قائمة إلى الغرب والشمال الغربي منها . وفي كربلاء بلدتان الواحدة قديمة والأخرى جديدة فالأولى إلى الشمال ويحيط بها سور من الشرق والشمال والغرب ومفتوحة من جهة الجنوب حيث ترى البلدة الجديدة وهي متسعة البناء وفيها جادة واسعة عريضة آخذة


    (1) موجز تاريخ البلدان العربية / للسيد عبد الرراق الحسني ص 63 و64



    إلى الشمال والجنوب وعلى مسافة ميل من جنوب البلدة الجديدة منزل واسع للزوار . وأما البلدة العتيقة فطرقها معوجة ودورها متجمعة وارتفاع سورها يتراوح بين 20 و30 قدماً وهو مبني بالآجر وفي أعلاه أبراج ، وموقع المدينة مستو إلا أن الجهة الشمالية الغربية أعلى من سائر الجهات (1).
    ولعل أروع وصف لجمال الطبيعة في كربلاء ما دبجه يراع الأستاذ عبد الرزاق الظاهر حيث يصف لنا نهر الحسينية ويتأمل جماله الفتان ، وسحره الأخاذ ، وهو ينساب بني البساتين الغناء والسهول الخضراء ، فاهتزت خلجات نفسه لهذه المناظر الطبيعية الخلابة ، وصورها الحالمة، وجاشت قريحته بهذه العبارات البليغة الزاخرة بالعواطف الملتهبة والمشاعر المتدفقة التي تنم عن حبه العميق لمدينة كربلاء العربية الخالدة فهو يقول : وفي كربلاء صورة بديعة للملكية الصغيرة وما ينتج من تطبيقها من الحسنات والمنافع فالبساتين المنثورة على ضفتي نهر الحسينية وعلى فروعه تذكرني بغوطة دمشق وجناتها ومياهها . والداخل إلى تلك الجنائن يشعر بالراحة والانتعاش وتحمل اليه الأرواح العذبة التي تهب من جنبات الأشجار والنخيل ومن أريجها وعبقها أطيب العطور . وتقع العين على المنظر البهيج والثمر الشهي يتدلى بقدرة القادر فتطيب له النفس . ولقد كنا صغاراً في أوائل مراحل الصبا نخرج في مواسم الزيارة ونذهب إلى طرف مدينة كربلاء فنركب الحمير السريعة العدو ونحن فرحون مرحون ، ونتجه إلى مسجد الحر الرياحي ومقبرته ، فنقطع الطريق من النخل والشجر والزرع والماء تماسك أوله بأخره وهذه الرياض والبساتين لاتمتاز بالجمال فحسب وإنما تمتاز بالخير الوفير والبركة وينتفع مالكوها من ثمراتها أضعاف ماينتفع به المالكون للمئات من الدونمات المهجورة والتي تستغل لزراعة الحبوب ولجعلها مراعي للمواشي في أماكن أخرى (2) .


    (1) جغرافية العراق / رزوق عيسى ص 119
    (2) الاقطاع والديوان في العراق / عبد الرزاق الظاهر ص 61



    ويصف أبو طالب خان رحلته إلى كربلاء فيقول : وباليوم الرابع من ذي القعدة سنة 1218 هـ الموافق اليوم الأول من مارس سنة 1803 م بعد إقامتي ببغداد ثمانية أيام استأنفت سفري لزيارة مشهد كربلاء ومشهد النجف الأشرف وفي هذه المرة لم أعلم الباشا بنيتي وخطتي فاكتريت خفية خيلاً وبغالاً من حوذي ، وانفقت معه على أن يرافقني في جميع الطريق وسافرت بلطف فائق ، ولقيت حفاوة من كل من لاقاني في أي موضع كنت من طريقي، وأبتهجت بلقيا قاضي كربلاء ( ملاعثمان ) وكان عائداً إلى كربلاء وكان رجلاً سنياً ولكنه كان قد تفقه وتثقف وتعلم علماً جليلاً وكان بريئاً من أوهام الأحكام التي يحكم بها الطغام قبل الاستعلام وظهر لي أنه سر سروراً عظيماً بلقائي ورجا مني أن أكون رفيقه في السفر . وفي الطريق من بغداد إلى النجف رأيت بين كل ثمانية أميال خانات مسافرين مبنية بالآجر تشبه حصوناً ، ولكنها يندر أن يقيم فيها المسافرون . وفي اليوم الأول سرنا أربعين ميلاً وقضينا الليل في خان المزراقجي ثم وصلنا إلى كربلاء في نحو الساعة الثالثة من اليوم الثاني ونزلت في دار السيد حمزة وكنت عرفت ابن أخيه في مقصود آباد في البنغال وكنت أرجي أن أراه ثانية بكربلاء ولكنه توفي قبل وصولي اليها بعدة أشهر ومع ذلك استقبلني أبواه استقبالاً حسناً وأعاناني على إتمام مختلف مناسك الزيارة وتلقاني حاكم كربلاء أمين آغا بكثير من الأدب ودعاني مرتين إلى التغذي معه وأعد لي فيلا لأسافر إلى النجف ورغب في دفع كرائها ولما كان ذلك يحرمني ثواب الزيارة لم أقبل قط هذا البذل (1).
    وكانت مدينة كربلاء مقسمة إلى ثلاثة أطراف أو محلات تشكل قصبة كربلاء قديماً ، يدعى الطرف الأول بمحلة ( آل فائز ) التي تعرف اليوم بمحلة باب السلالمة والقسم الشرقي من باب الطاق وباب بغداد وبركة العباس . أما الطرف


    (1) رحلة أبي طالب خان إلى العراق واوروبه / 123هـ / 1799 م ص 381


    الثاني فيعرف بمحلة ( آل زحيك ) وتضم محلة باب النجف وباب الخان . ويدعى الطرف الثالث بمحلة ( آل عيسى ) وتشمل القسم الغربي من باب الطاق ومحلة المخيم . وقد سميت المحلات الثلاث بتلك الأسماء نسبة إلى السادة العلويين الذين كانوا يقطنونها منذ عدة قرون ، وكانوا يتقاضون ضرائب على أعقارهم من العشائر التي سكنت هذه الأطراف فيما بعد ، كما تنص على ذلك الوثائق الرسمية والمستندات القديمة التي يحتفظ بها معظم رجالات البلد وذوي البيوتات .وبعد ان اتم السيد علي الطباطبائي الشهير بصاحب الرياض بناء سور كربلاء ابتداء من سنة 1217 هـ جعل له ستة أبواب، وعرفت كل باب باسم خاص ، واستبدل اسماء الاطراف باسماء تلك الابواب كما هي اليوم ، ولدى مجيء الوالي مدحت باشا (1) هدم قسماً من السور من جهة باب النجف ، وأضاف طرفاً آخر إلى المدينة سمي بطرف ( العباسية ) مضافاً إلى ذلك ان محلة العباسية نفسها قسمت الى قسمين يعرفان بالعباسية الشرقية والعباسية الغربية ، فأصبحت بكربلاء اليوم ثمانية أطراف ( محلات ) وهي :
    1 ـ محلة باب السلالمة : وسميت بهذا الاسم نسبة إلى العشيرة العربية المعروفة بـ ( السلالمة ) اتي قطنتها ، وتقع إلى الشمال من مرقد الامام الحسين عليه السلام.
    2ـ محلة باب بغداد : وتقع إلى الشمال من مرقد العباس عليه السلام وهو الحي الذي يمره المسافرون منه إلى بغداد ، وتعرف أيضاً بـ ( باب العلوه ) نسبة إلى وجود علوة لبيع الخضروات .
    3 ـ محلة باب الطاق : وتقع إلى الجهة الشمالية الغربية من المدينة وسميت


    (1) ومن أعمال هذا الوالي في كربلاء تبديله طريق كربلاء بغدادالسابق المعروف بـ ( عكدإ بغداد ) وذلك عند مجيء ناصر الدين شاه القاجاري لزيارة العتبات المقدسة سنة 1287 هـ وجعله من طريق كربلاء ـ عون وهو الطريق الأصلي الذي كانت تسير فيه القوافل والعربات حتى زمن الاحتلال .
    تراث كربلاء 100



    بذلك نسبة إلى وجود طاق السيد ابراهيم الزعفراني أحد رجالات كربلاء في حادثة المناخور سنة 1241 هـ .
    4ـ محلة باب الخان : وتقع إلى الجانب الشرقي من المدينة وسميت بهذا الإسم نسبة إلى وجود خان كبير كان قد أقيم بالقرب من سور المدينة .
    5ـ محلة المخيم : تقع إلى الجنوب الغربي من المرقدين المقدسين وسميت بذلك تيمناً بوجود المخيم الحسيني .
    6ـ محلة باب النجف : تقع في قلب المدينة وتشمل الأماكن التي تفصل المرقدين المقدسين . وهو الحي الذي كان يمر المسافرون منه إلى النجف .
    7ـ محلة العباسية : تقع إلى جنوب المدينة ، وقد اختطت في عهد الوالي مدحت باشا ، وتعرف بالجديدة ، وقسمت إلى قسمين :
    العباسية الشرقية : وهي التي تقع إلى شرق شارع العباس
    العباسية الغربية : وهي التي تقع إلى غرب شارع العباس .
    وفي عام 1956 م أحدث متصرف كربلاء حسين السعد ( حي الحسين ) ويقع جنوب كربلاء. ثم أخذت المدينة تتوسع ويزداد عدد سكانا فاستحدثت محلات أو أحياء أخرى ، وهي كما يلي
    1ـ حي المعلمين .
    2ـ حي العباس ويقع شمال المدينة ضمن أراضي ( فدان السادة ) العائدة للسادة آل طعمة .
    3ـ حي النقيب
    4ـ حي الثورة
    5ـ حي الحر
    6ـ حي رمضان
    7ـ حي الصحة
    8ـ حي الاسكان
    9ـ حي الإصلاح الزراعي
    10 ـ القزوينية




    11 ـ حي العدالة
    12 ـ حي البنوك
    13ـ حي الأنصار
    14 ـ حي الموظفين
    15 ـ حي البلدية
    16 ـ حي العروبة
    17 ـ السعدية
    18 ـ حي العلماء
    19 ـ المعلمجي
    20 ـ حي التعليب
    21 ـ حي العامل
    وفي كربلاء عمارات بديعة أشهرها رباط الهنود الاسماعيلية المعروفين ( البهره ) فإنه كبير جداً وفيه مشروع إسالة ماء خاص به ومؤسسة للكهرباء وصيدلية توزع فيها الأدوية مجاناً . ومنها بناية دائرة الماء والكهرباء وصرح الحكومة ودائرة البرق وعمارة القنصلية الايرانية الى عدد كبير من الفنادق الحديثة المعدة لإيواء الزوار ومكتبة للأوقاف العامة ومكتبات خاصة وتجارية كثيرة (1) إضافة إلى ذلك فإن هناك الكثير من المباني الحكومية التي أنشئت حديثاً . كما أن فيها شوارع مستقيمة ومبلطة كشارع الإمام علي وشارع علي الأكبر وشارع الحسين وشارع العباس وشارع الرسول الأعظم وشارع الوحدة العربية وسواها ، ويروى أن أحد ملوك الهند زار كربلاء في أوائل القرن التاسع عشرة الميلادي أي بعد حادثة الوهابيين فأشفق على حالتها وبنى فيها أسواقاً حسنة وبيوتاً قوراء أسكنها بعض من نكبوا وبنى للبلدة سوراً حصيناً لصد هجمات الأعداء ، وأقام حوله الأبراج والمعاقل ، ونصب آلات الدفاع على الطراز القديم وصارت على من يهجمها أمنع من عقاب الجو فأمنت على نفسها وعاد اليها بعض الرقـي والتقدم (2). وفي أيام الوالي المصلح مدحت باشا ( 1871 م ) بنيت الدوائر الحكومية في كربلاء وتم توسيع السوق فيها (3) . إضافة إلى وجود عدد من الأسواق


    (1) العراق قديماً وحديثاً / السيد عبد الرزاق الحسني ص 126 .
    (2) تاريخ كربلاءالمعلى / عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 22 .
    (3) موسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ج 1 ص 280




    الكبيرة (1).
    ولعل أشهر المباني الحكومية الفخمة التي تتوسط حي الحسين الجميل هو فندق كربلاء أو ما يسمى بفندق المصايف والسياحة ، حيث يأوي اليه السواح والزوار .
    أما نفوس كربلاء فقد ثبت لدى الاحصائية الأخيرة التي أجريت سنة 1976 م أن نفوس مدينة كربلاء ( 814 .281 ) نسمة .
    وقد اقترن اسم كربلاء بحكم مركزها الديني المرموق بأسماء العديد من ذوي المواهب الفنية والأدبية ، فقد خرجت العديد من الشعراء والكتاب و رجال العلم والدين ، كما اشتهرت بعدد من الصناعات والفنون الشعبية الدقيقة كصناعة السيراميك والقاشاني الملون المنقوش بالصور الجميلة وصناعة النقش على النحاس التي برع بها الكربلائيون فأخرجوا من النماذج ما يرتقي إلى مصاف اللوحات الفنية


    (1) يروى أن سوق البزازين ( سوق العرب ) اليوم أسس قبل 200 سنة وكان بسمى قديماً بـ ( سوق مدك الطبل ) أي أنه كان سوقاً للصفارين.و للسادة آل الأشيقر بعض الموقوفات في هذا السوق . وقد أطلعت على وقفية خاصة بها وتاريخها سنة 1251 هـ ، الواقف لها علي الحردان والموقوف عليه السيد محمد السيد حمزة الاشيقر .
    ومن الأسواق الأخرى ( سوق الحسين ) الذي أوقف بعض حوانيته الشيخ محمد صالح البرغاني على الجهات الخيرية للحائر الحسيني . وقد اطلعت على الوقفية الخاصة بتلك الحوانيت وتاريخها رجب المرجب من شهور سنة سبعين بعد الألف والمائتين مختوماً بختم شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الأنصاري .
    وهناك أسواق أخرى قديمة كسوق القبلة الذي بناه السيد أحمد الدده وكان عبارة عن مجموعة دور وخان كبير . ووردت أهزوجة شعبية بعد وضع ( الجمالي ) على السوق من قبل الوالي تقول : الله يديمه الوالي سوه السوك جمالي
    وعدا ماذكرت فان هناك سوق التجار الكبير وسوق العباس وسوق الزينبية وسوق العلاوي وسوق باب الخان وغيرها .



    المتكاملة (1) ومما لاغبار عليه أن كربلاء مجبولة على الصناعة اليدوية البدائية ، فقد كان من الطبيعي أن تكون مركزاًُ لقيام صناعات النحاس ( الصفر ) على أشكاله وهي تعد من أنفس الصناعات لاسيما ( السماورات ) لصنع الشاي ، والصياغة الدقيقة والوشي والتطريز ، وفيها صناعة الترب ، وصناعة الأحذية الشعبية والصياغة الذهبية والفضية وصناعة الأواني النحاسية والبرونزية المنقوشة بالصور والتماثيل ، كما تقوم بصناعة الغزل والنسيج والصناعات الفرعية الأخرى كصناعة الترب التي تتخذ من أرض كربلاء تبركاً للسجود عليها والسبح للتسبيح بها وغير ذلك، وكان من جراء الماضي الصناعي لكربلاء أن تخرج فيها عدد من العمال المهرة .
    وقد أسهم الشعراء والكتاب إسهاماً ملحوظاً في وصف كربلاء والثناء عليها . وها نحن نثبت في هذا الفصل بعض النماذج التي تجسد مفاتن ومحاسن هذه المدينة شعراً . فهذه أبيات من قصيدة بعنوان (بعد الأحبة ) للشاعر الكربلائي المرحوم عباس أبو الطوس يستنهض بها أحبته فيناشدهم بقوله : هب النسيـم علـى الربى فذكرتكم وهفـا الفـؤاد لأمسـه البسـام
    والبـدر قـد أرخـى طلاقته على هضبات وادي ( الطف ) والآكام
    و( الطف ) دارصبـابتي وسعادتي ومقـر أحبـابـي وأرض إمامي
    أرض بها طـابت ملاعب صبوتي وصفـت كلطـف نسيمها أيامي
    ونشأت بيـن حقـولهـا ونخيلهـا فغدت مثار عواطفـي وهيـامي
    وسحبت ذيل صباي فيهـا باسـماً ما بين صحب من ذوي الأقـلام
    ياكربـلاء تقـدمـي يـاكـربلا للعلم ، للأدب الرفيـع السامـي
    سيري على نور الحضارة والعلى هـذا أوان الـجــد والاقـدام
    سيري على نهـج النهـى جذلانة ودعي ارقاد فـلات حين منـام


    (1) مجلة ( العراق الجديد ) العدد 10 تشرين الأول 1961 م .



    ثم اخلعي الثوب الذي لعبت به كف البلى في سالف الأعوام
    سيري على أسس الحياة فانما تعلو البلاد إذا سـرت بنظام
    ياكربلاء وما القريـض بنافع إذ لايشق حنـادس الابـهام
    لايستحق أخو الأحاجي عـزة إن كان فيه كخابـط بظلام (1)

    وفي يوم 16 / 2 / 1960 م زار الشاعر خضر عباس الصالحي مدينة كربلاء ، ومكث فيها زهاء أربعة أيام تسنى له خلالها التعرف على طائفة ممتازة من أدبائها الأحرار المثقفين ، فلقي منهم أنبل اللطف وأروع المجاملة ، وأحسن اللقاء فألهمته هذه المزايا الرائعة قصيدة وجدانية هي : أرسلـت حلـو الغناء عـلـى ربـى كربلاء
    كعـاشـق مسـتهـام بـغـادة حــسـنـاء
    أو هـائـم هيجـتـه عواطـف الشـعـراء
    أو ظامـئ بات يحسو خمر المنـى باشتـهاء
    أو طـائر راح يشدو فـي واحـة فـيـحاء
    بها تحـف ريـاض مـلأى بكنـز الـرخاء
    وحولها غـاب نخل يطفو بـدفـق الثـراء
    بأفقها الرحب تسمو مـراقـد الـشهــداء
    تشق قلـب الليـالي بـنـــورها الـلألاء
    فيالهـا ذكـريـات جاشـت بفيـض الولاء
    بها فؤادي المعـنى أضحى طليـق الـرجاء
    وعاش في ظل قوم من صـفـوة الادبـاء
    فـي لجة من حنين وموجـة مـن هـنـاء
    بهـا الشعور تعرى مـن الأسـى والشقـاء


    (1) جريدة ( القدرة ) الكربلائية ـ العدد 12 تموز 1951 م 13 شوال 1370 هـ .



    والقلب صـار يغـني بنـغـمـة خضـراء
    الـذكـريـات ستبقى مغمـوسة فـي دمائي
    كنـفـحـة تتهـامى مــن وردة عـذراء
    طاف الربيـع عليهـا بروحـه السمـحـاء
    فـدب فـي كل عرق منهـا عبيـر الضياء
    فانسـل من عاطفاتي همس الدجى والمساء
    ياليت شعري أأحظى بعد النـوى بـاللقاء (1)

    ويشارك الشاعر هادي الشربتي بهذه المشاعر الصادقة والأحا سيس المتدفقة نحو مدينته فيقول : كلفـت بأرض الطـف منذ طفولتي وأرجوبأن تمسي لدى الموت مهجعي
    فلي عندها في كـل شبـر لبـانـة من العمر تبدو لـي على كل موضع
    وأوعتها أحلى الأمانـي فما أبتغـى فؤادي سواها فهـي بيتـي ومفزعي
    ولو جبت في الآفاق طراً فلم يكن إلى غيرها يوماً ركونـي ومـرجعي
    دفنت بها خير الأحبـة لـم تـزل طيوف لهم تتـرى فينهـل مدمعـي
    ومن نبتها أحببـت غرسـاًً وصاله لدى الـروح من أحلى الأماني وامتع
    أهاجت شظايا لوعة البين أضلعي قـواف بهـا جـادت يـراعة مبدع


    (1) جريدة ( شعلة الأهالي ) الكربلائية ت العدد 9 ( 21 مايس 1960 م / ذي القعدة 1379 هـ ).

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    الفصل الثالث



    الآثار التاريخية في كربلاء


    تعتبر كربلاء من اقدس وأشهر المدن الإسلامية الكبرى ، إذ يؤمها ملايين الزائرين من جميع الأقطار الإسلامية وغيرها لزيارة مرقدي الإمام الحسين بن علي وأخيه العباس عليهم السلام وباقي الآثار التاريخية فيها . فإلى جانب هذين المرقدين المقدسين ، تحتضن كربلاء عدة مزارات مقدسة وقبور أساطين العلم ومقامات رفيعة الشأن بأسماء الأئمة الأطهار . فمن بين هذه المراقد التي تزار في الروضة الحسينية هي :

    مرقد السيد ابراهيم المجاب

    والسيد ابراهيم هوابن السيد محمد العابد المدفون في شيراز ابن الإمام الهمام موسى بن جعفرعليه السلام يقع مرقده الشريف في الزاوية الشمالية الغربية من الرواق المعروف باسمه في الورضة الحسينية ، وعليه ضريح لطيف الصنع من البرونز . لقد أجمع المؤرخون وعلماء النسب ان السيد ابراهيم المجاب الضرير الكوفي هو أول فاطمي انتقل إلى الحائر الحسيني ، وآثر الاستيطان فيه بعد حادثة مقتل




    المتوكل في أيام ابنه المنتصر العباسي وذلك سنة 247 هجرية ،أي في منتصف القرن الثالث الهجري ، ولذا يلقب ابنه الأكبر بمحمد الحائري وهو الجد الأقدم السادات ( آل فائز ) المعروفين اليوم في كربلاء بـ ( آل طعمة وآل نصرالله وآل ضياء الدين وآل تاجر وآل مساعد وآل سيد أمين ) ذكرها العلامة السيد محسن الأمين في موسوعته قائلاً : عن كتاب عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب للسيد الشريف النسابة أحمد بن علي بن الحسين أنه قال : وأما ابراهيم الضرير بن محمد بن موسى الكاظم عليه السلام فهو المعروف بالمجاب وقبره بمشهد الحسين عليه السلام معروف مشهور 1هـ . وفي رجال بحر العلوم وإنما لقب أبوه محمد العابد لكثرة عبادته وصومه وصلاته كما ذكر المفيد طاب ثراه في الإرشاد وغيره انتهى . أي ان المفيد ذكر كثرة عبادته لأنه قال ذلك سبب تلقيبه بالعابد .أما سبب تلقيبه ابراهيم المجاب فهو يقال أنه سلم على الحسين عليه السلام فأجيب من القبر والله أعلم بصحة ذلك وليس هو جد السيدين المرتضى والرضي كما يتوهم لأن جدهما ابراهيم ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام (1).
    وذكره النسابة الشهير ابن زهرة نقيب حلب في كتابه :« غاية الاختصار » فقال : وبنو المجاب ابراهيم بن موسى قالوا : سمي بالمجاب برد السلام وذلك لأنه دخل إلى حضرة أبي عبد الله الحسين بن علي فقال : السلام عليك ياأبي فسمع صوت وعليك السلام ياولدي (2) .
    وقال الشيخ شرف الدين العبيدلي في كتابه ( تذكرة الانسان ) : ابراهيم الضرير الكوفي المجاب برد السلام يقول بعض ولده : من أين للناس مثل جدي موسى أو ابن ابنه المجاب


    (1) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي ج 5 ص 401 .
    (2) غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار للسيد تاج الدين ين محمد بن حمزة ابن زهرة الحسيني ( طبع النجف ) ص 89 .



    إذ خاطب السبط وهو رمس جاوبه أكرم الجواب (1)

    وجاء ذكره أيضاً في كتاب ( نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ) هذا نصه ك في الجواب عن أول من جاور الحائر المقدس من الاشراف الحسينية فاعلم ان آل ابراهيم المجاب ويقال له ابراهيم الضرير الكوفي ابن محمد العابدبن الإمام موسى الكاظم عليه السلام أول من سكن الحائر فيما أعلم ولم أعثر على من تقدم في المجاورة عليهم ، فإن علماء النسب كلهم ينسبون محمد بن ابراهيم المجاب بالحائري ويصفون ابراهيم المجاب نفسه بالكوفي ، وفي بالي إني رأيت انه كان ابراهيم المجاب الضرير مجاور الحائر وبه مات وقبره هناك معروف لكني لا أذكر الكتاب الذي رأيت فيه ذلك لكن نص الكل عل أن أبنه محمد الحائري كان في الحائر وعقبه بالحائر كلهـم انتهى (2).
    وعلق المؤلف نفسه بالنسبة لقبور بعض بني هاشم الشهداء وبعض أولاد الأئمة المحترمين قوله : ومنهم ابراهيم المجاب بن محمد العابدبن الامام الكاظم قبره في رواق حرم الحسين وهو صاحب الشباك وهو أول من سكن الحائر من الموسوية كان ضريراً يسكن الكوفة ثم سكن الحائر وقد وهم فيه السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية فظنه ابراهيم بن الامام الكاظم وانه ابراهيم صاحب أبي السرايا وهو وهم في وهم وعرفت التحقيق فيما وقد شرحت التفصيل في كتاب تكلمة أمل الآمل في ترجمة السيد المرتضى انتهى (3) .
    وجاء في كتاب ( بغية النبلاء ) ص 20 أقول : كانت قرية المجاب حتى سنة 1217 هـ سبعة عشر والف ومائتين _ على ما ذكره ابو طالب ابن محمد الاصفهاني


    (1) تذكرة الانساب لا أحمد بن محمد بن مهنا بن علي بن مهنا الحسيني النسابة فصل ( بيت أبي الفائز ) مخطوط في مكتبة الامام الرضا بمشهد سنة 657 هـ ص107 ـ 112 .
    (2) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ـ للسيد حسن الصدر ( طبع لكهنو ) ص 21 .
    (3) نزهة أهل الحرمين ص 21 .




    في رحلة ( مسير طالبي ) في الصحن الشريف وعندما ألحقت بالروضة الطاهرة الأروقة الثلاثة الشرقي والغربي والقسم الشمالي أصبح عندئذ ضريحه في الرواق الغربي حيث الشمال كما هو عليه اليوم (1) .
    تلك هي بعض الآراء في السيد ابراهيم المجاب جاولنا عرضها قدر المستطاع ، وهي غيض من فيض أردنا التنويه عنها .

    مرقد حبيب بن مظاهر الأسدي

    وهو أحد شهداء حادثة الطف ، ناصر الحسين عليه السلام وشهر سيفه أمام الأعداء حتى سقط صريعاً على رمضاء كربلاء ، ودفن في الواجهة الغربي من الرواق الأمامي للروضة الحسينية المطهرة وضريحة مصنوع من الفضة . وهو أجل شأناً من أن يوصف . ذكره الكشي في رجاله فقال : كان حبيب من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليه السلام ولقوا حبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم ، ويعرف عليهم الأمان والأموال ، فيأتون ويقولون : لاعذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان قتل الحسين عليه السلام ومنا عين تطرف حتى قتلوا حوله رحمهم الله وحشرنا معهم برحمته في جوار مولانا الحسين عليه السلام . ولقد خرج حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يضحك ، فقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان يقال له سيد القراء : ياأخي ليس هذه بساعة ضحك ، قال : فأي موضع أحق من هذا بالسرور والله ماهو إلا أن يميل علينا هذه الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور العين (2). ويقال ان حبيب بن مظاهر كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب ، وكان يشرع بتلاوة جميع القرآن من بعد صلاة عشائه حتى الفجـر في كـل ليلـة (3) .


    (1) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 120 .
    (2) رجال الكشي ( طبع بمبي ) ص 52 .
    (3) تحفة الأحباب للشيخ عباس القمي ص 51 .



    وذكره الزرگلي في ( الاعلام ) قائلاً : حبيب بن مظهر أو مظاهر أو مطهر ابن رئاب بن الأشتر بن حجوان الأسدي الكندي ثم الفقعسي تابعي من القواد الشجعان ، نزل الكوفة وصحب علي بن أبي طالب عليه السلام ثم كان على ميسرة الحسين يوم كربلاء وعمره خمس وسبعون سنة ، وهو واحد من سبعين رجلاً استبسلوا في ذلك اليوم ، وعرض عليهم الأمان فأبوا وقالوا : لاعذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان قتل الحسين وفينا عين تطرف حتى قتلوا حوله (1).
    وجاء في ( القاموس الإسلامي ) وهذا نصه : حبيب بن مطر تابعي من شيعة الحسين وهو حبيب بن مطهر تابعي من شيعة الحسين وهو حبيب بن مطهر بن رئاب الأسدي اشترك مع الحسين في وقعة كربلاء وهو كهل في الخامسة والسبعين من العمر وعرض عليه الأمان فأبى واستشهد مع أصحابه عام 61هـ ( 680 م ) (2).
    إلى غير ذلك من الأقوال التي تؤكد على موقف حبيب بن مظاهر الحازم في حادثة الطف ، وما أداه من بطولة نادرة وشجاعة فريدة يضرب بها المثل .

    ضريح الشهداء

    وموقعه في شرقي الضريح الحسيني ، حيث مثوى أصحاب الحسين والقاسم ابن الحسن عليه السلام وهم ملحدون في ضريح واحد . وهذا الضريح وضع علامة لمكان قبورهم وهم في التربة التي فيها قبر الحسين عليه السلام (3) . والضريح لطيف بديع الصنع ، مصنوع من الفضة ، وقد شيده ناصر الدين شاه القاجاري . اما بقية شهداء الطف فإنهم يرقدون في الساحة الأمامية لضريح الشهداء المذكور .


    (1) الاعلام خير الدين الزركلي ج 2 ص 173 .
    (2) القاموس الاسلامي وضع : أحمد عطية الله ج 2 ص 33 طبع القاهرة .
    (3) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ص 54 .




    المخيم

    من معالم كربلاء الأثرية والأماكن المقدسة التي يتبرك بها الزوار المخيم ويقع في الجنوب الغربي من الحائر الحسيني ، يؤخذ من أقوال المؤرخين ان المخيم الحالي الذي نتحدث عنه لايمت إلى الحقيقة بصلة ولا يستند إلى دليل أو برهان ، ولذا لم نجد أثر يذكر لموقع مخيم الحسين في كتب ارباب السير والتواريخ .
    زار كربلاء الرحالة الالماني كارستن نيبور فوصلها يوم 27 كانون الاول سنة 1765 م . ولنتركه يصف لنا ما شاهده في المخيم قال : ان هذا الموقع قد اصبح حديقة غناء واسعة الارجاء تقع في نهاية البلدة وتشاهد فيه بركة كبيرة من الماء ، وموقع هذه البركة هو نفس الموقع الذي كان الامام العباس قد حفر فيه لايجاد الماء فلم يعثر على شيء منه . ويروي نيبور بالمناسبة ان الناس هناك كانوا يعتقدون بأن ظهور الماء في البركة بعد ذلك يعتبر من المعجزات .
    وقد أشار إلى وجود هذه البركة الكبيرة في الموقع نفسه الرحالة البرتغالي تكسيرا الذي زار كربلاء في 1604 م أي قبل مجيء نيبور إليها بمئة وستين سنة ، كما ذكر قبل هذا . ومما يذكره كذلك ان موقع المخيم كان يوجد بقربه مرقد غير كبير ، دفن فيه القاسم بن الامام الحسن عليه السلام وعدد من الشهداء الآخرين الذين سقطوا في معركة التضحية والبطولة يوم عاشوراء ويسرد بالمناسبة قصة القاسم الشاب وعرسه المعروفة (1).
    ويروي الرحالة أبو طالب خان في رحلته عند زيارته لكربلاء سنة 1217هـ قائلاً : وعلى بعد ربع ميل خارج المدينة قرية المخيم ومقام زين العابدين عليه السلام شيدت عليه زوجة المرحوم آصف الدولة عمارة لائقة ، وأقامت قربه رباط لم يتم


    (1) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء ج 1 ص 288 بحث الاستاذ جعفر الخياط .



    بناؤه بسبب وفاة آصف الدولة (1) .
    غير ان هناك رأياً للعلامة السيد محمد تقي الطباطبائي نقله عن المرحوم العلامة السيد حسن الصدر يقول فيه :ان مخيم الحسين كان قريباً من المستشفى الحسيني في كربلاء اليوم ، ويغلب على الظن ان هذا الموضع أقرب إلى الصواب الأمر الذي اكتفينا بالتنويه عنه (2) .
    والمرجح عندنا ان المخيم الحالي من ألابنية التي ابتدعها مدحت باشا من أجل ضيافة السلطان ناصر الدين شاه وعساكره وحاشيته . كما يؤكد بعض الثقاة ان عبد المؤمن الدده تولى بناء غرفة في هذا المكان لتكون رمزاً لمخيم الحسين ، وذلك عندما قطن كربلاء في القرن العاشر الهجري وغرس بجنبه نخيلات لتكون صومعة له . ولم يزل البستان الواقعة جنب المخيم تعرف ببستان الدده .
    وعندما أتم السيد علي الطباطبائي المشهور بصاحب الرياض بناء سور لكربلاء سنة 1217 هـ بعد غارة الوهابيين أتخذ هذا المحل مقبرة لدفن الموتى واستبدل الطرف بمحلة المخيم ، وكانت قصبة كربلاء القديمة التي شيدها عضد الدولة البويهي في المائة الرابعة الهجرية تحتوي على ثلاثة أطراف : يدعى الطرف الاول منها بمحلة آل فائز والطرف الثاني بمحلة آل زحيك والطرف الثالث بمحلة آل عيسى ، وعندما أتم السيد علي الطباطبائي بناء سور كربلاء جعل له ستة أبواب عرفت كل باب باسم خاص واستبدل أسماء الاطراف بأسماء تلك الابواب كما هو عليه الحال اليوم . وبعد مجيء مدحت باشا هدم قسماً من السور من جهة طرف باب


    (1) مسير طالبي مرزا أبو طالب خان بن محمد الاصفهاني ( فارسي ) طبع الهند سنة 1227 هـ ص 283 . ومما يجدر التنويه به ان الكتاب طبع باسم ( رحلة أبي طالب خان ) إلى العراق واوروبا سنة 1213 هـ / 1799 م . ترجمها من الفرنسية إلى العربية الدكتور مصطفى جواد ( مطبعة الايمان بغداد 1970 ) .
    (2) مدينة الحسين محمد حسن الكيدار آل طعمة ج 2 ص 24 .



    النجف وأضاف طرفاً آخر إلى البلدة سمي بمحلة العباسية ، فأصبحت لكربلاء سبعة أطراف (1) .
    وتنص الوثائق والمستندات التاريخية القديمة التي أطلعنا عليها لدى سادات كربلاء ان محلة المخيم والقسم الشرقي من محلة باب الطاق كانت تعرف بمحلة السادة ( آل عيسى ) حتى أواخر عام 1276 هـ . وقد تغير هذا الاسم إلى محلة المخيم بعد هذا التاريخ . وعلى باب المخيم توجد رخامة نقشت عليها أبيات للشاعر الكربلائي المرحوم السيد حسين العلوي ، وهي : هـذي خيام بني النبي محمد بالطف حصنـاً شيدت للدين
    قد خصها الباري لكل فضيلة شرفاً فلا نبـت لهـا بقرين
    ان قلت مكة قلت هذي كربلا فخراً سرت من عالم التكوين
    سلهـا إذا شرفت في أعتابها أين الحسين بعبـرة وشجون
    فتجبـل ماقـد ناله وأصابها من بعده أعـداؤه حـرقوني



    المخيم الحسيني


    (1) المصدر السابق ج 1 ص 15 .


    هذا وقد أجريت على المخيم مؤخراً إصلاحات جديدة من قبل وزارة الاوقاف حيث قامت بتعميره سنة 1978 م .


    سبيل خانة المخيم


    مرقد الحر بن يزيد الرياحي

    لو أتجهنا نحو ثلاثة أميال عن غربي كربلاء لاحت لنا قبة من القاشاني الملون ، تلك هي قبة الحر بن يزيد الرياحي التميمي الذي استشهد مع الحسين عليه السلام في




    حادثة الطف ودفن في هذا المكان ، ويقصد مثواه الاهلون للزيارة والتنزه في البساتين المحاطة بمرقده ، ويرى الزائر لدى دخوله عند بـاب الايوان كتيبتيـن تقـرأ الاولى « تعمير الايوان بسعي الحاج السيد عبد الحسين كليدار حضرة سيد الشهداء سنة 1330 هـ » . وفي الجانب الآخر الكتيبة التالية « قد عمر هذا المكان بهمة آغا حسين خان شجاع السلطان الهمداني دام ظله الفاني سنة 1330 ». وكان أول من بذل الاهتمام بتشييد هذا القبر هو السلطان اسماعيل الصفوي الذي زار العراق عام 914 هـ ـ 1505 م وبنى عليه قبة وجعل له صحناً .
    وللشيخ محسن أبو الحب خطيب كربلاء المتوفى سنة 1305 هـ أبيات يخاطب فيها الحر بن يزيد الرياحي بقوله : نصـرت أبياً من عرانين هاشم فتى من حماه النصر يستنجد النصرا
    وجدت بنفس كان لو لإبن أحمد عزيزاً علـى مـن رام إذلالها قسرا
    ولكنهـا هانـت عليك لأن من فديت بهـا كبـر النفوس لـه صغرا
    جريت بها جـري العبيد أبرها عبودية حتـى غـدوت بهـا حـرا
    ألا يا قتيـلاً زعزع المجد قتله فأضحـى عليه المجد ذا مقلة عبرا(1)

    وسمع السيد محمد القزويني قول أحد الشعراء المتقدمين في الحر : أشر للحر من بعد وسلم فإن الحـر تكفيه الإشاره

    فقال رداً عليه : زر الحر الشهيد ولاتؤخر زيارته على الشهدا وقدم
    ولاتسمع مقالة من ينادي أشر للحر من بعد و سلم

    وقال في المعنى نفسه :


    (1) الحائريات / للشيخ محسن أبو الحب المتوفى سنة 1305 هـ ( مخطوط ).
    تراث كربلاء 116



    إذا ما جئت مغنى الطف بادر لمثوى الحر ويحك بالرواح
    وزر مغنـاه من قرب وأنشد ( لنعم الحر حر بني رياح )


    مرقد ابن الحمزة

    وهو عماد الدين محمد بن علي بن حمزة الطوسى المعروف بابن الحمزة ، كان فقيهاً عالماً فاضلاً عن أعلام القرن الخامس الهجري . يقع مرقده في الطريق العام المؤدي إلى مدينة الهندية ( طويريج ) .

    مرقد الأخرس ابن الكاظم

    وهو محمد بن أبي الفتح الأخرس (1) ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام واليه ينتسبون السادة آل الخرسان في النجف . يقع مرقده بضواحي مدينة كربلاء في المقاطعة المعروفة بـ ( الأبيتر ) .

    مرقد عون بن عبد الله

    وعلى بعد سبعة أميال من شمال كربلاء ، تشاهد قبة مزينة بالقاشاني ، تلك هي قبة عون بن عبد الله بن جعفر من سلالة الإمام الحسن بن علي عليه السلام . وقد ذكر النسابة السيد جعفر الأعرجي الكاظمي في كتابه ( مناهل الضرب في أنساب العرب ) مانصه : كان سيداً جليلاً مقيماً في الحائر الحسيني ، وكانت له ضيعة على ثلاثة فراسخ من كربلاء ، خرج اليها وأدركه الموت ، فدفن في ضيعته وبنى على مرقده هذا المزار المشهور ، وعليه قبة عالية ، والناس يقصدونه بالنذور وقضاء الحاجات ، ويظن الناس أنه قبر عون بن عبد الله بن جعفر الطيار وهو غير صحيح ، إذ ان اسمه عون بن عبد الله بن جعفر بن مرعي بن علي بن الحسن البنفسج بن ادريس بن داود بن أحمد المسود بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام أمير المؤمنين


    (1) مراقد المعارف / للشيخ محمد حرز الدين ج 1 ص 133 .
    تراث كربلاء 117



    علي بن أبي طالب عليه السلام الأمر الذي اكتفينا بالتنويه عنه (1) ويزار مرقده من قبل العامة والخاصة ، وتنحر عنده الذبائح وتقدم اليه النذور والهدايا .

    مرقد السيد أحمد أبو هاشم


    يقع مرقده في الشمال الغربي من شفاثا الحالية في طريق طوله 25 كيلو متراً .
    ان السيد أحمد الناظر لرأس العين هو أبن محمد أبو الفائز الذي طلبه الرشيد طبيب اولجاتو خدابنده لكي يقتل تاج الدين وأطمعه في نقابة العراق فامتنع من ذلك وهرب من ليلته إلى الحائر (2)أما شهرته أحمد بن هاشم فهي خطأ ، ويحتمل أن يكون أبو هاشم ، لأن الناس إذا أرادوا أن يعظموا علوياً يستنهضونه فيخاطبونه بأبي هاشم .
    أما مقاطعة رأس العين فهي نسبة إلى عين شفاثة وتعرف حتى اليوم برأس العين ، وهي أراضي مساحتها 4786 مشارة ، تقع إلى شمال غربي شفاثة بالقرب من الرحالية ، وان تلك الأراضي التي كان السيد أحمد ناظراً عليها ، فيها عين ماء ، ولكن ماءها قليل ، لأنها مطمورة (3) .
    وفي أوائل القرن الثامن الهجري صادف فتح العراق من قبل الأمير اقساس تيمور الشهير بتيمور لنك وذلك سنة 797 هـ فجاء إلى كربلاء الأمير عثمان بهادر خان بن تيمور لنك على رأس جيش لمنازلة السلطان أحمد الجلائري ، والتحم


    (1) مناهل الضرب في أنساب العرب / للسيد جعفر الأعرجي الكاظمي ( مخطوط ) نسخته في مكتبة الشيخ آغا بزرك الطهراني في النجف .
    (2) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / لأحمد بن مهنا الداودي ص 335 طبع النجف وانظر : مناهل الضرب في أنساب العرب للنسابة السيد جعفر الأعرجي الكاظمي ( مخطوط ص 565 ) و( مراقد المعارف ) للشيخ محمد حرز الدين ج 1 ص 87
    (3) مذكرات السيد مجيد السيد سلمان آل وهاب آل طعمة .
    تراث كربلاء 118



    القتال بينهما في سهل كربلاء ، ولما فر السلطان أحمد والتجأ إلى حصن عين التمر ، أعقبه عثمان بهادر خان ،وفي الطريق خرج من ضيعته لاستقباله السيد الجليل الحسيب النسيب السيد محمد بن أحمد الموسوي الملقب بأبي طراس ، وعند ذلك خلع عليه الأمير عثمان الخلع والهدايا وعينه ناظراً على حصن عين التمر وخازناً للمشهدين كربلاء والنجف ، ولقب بالأمير محمد شمس الدين بن أحمد شمس الدين الذي قبره لازال ظاهراً يزار فوق شفاثا يعرف بقبر أحمد بن هاشم وهو الجد الأعلى للسادة آل فائز اليوم في كربلاء . ومنذ ذلك الحين أصبح للسادات العلويين من آل فائز وآل زحيك القبيلتين العلويتين الساكنتين يومئذ في الحائر الحسيني أراضي ومزارع من تلك الأراضي التي فتحها الامير المذكور ووهبها لهؤلاء السادة . جاء في كتاب « غاية الاختصار » المنسوب لابي الحسن ابن زهرة نقيـب حـلب قولـه :« وبيت أبي الفائز بالحائر الحسيني قوم من العلويين ذوو نيابة ونخل بشفاثا من أعيان سادات المشهد وكان جدهم شمس الدين محمد ناظراً لشفاثا كريماً موصوفاً بالافضال والجود وهم كانوا بالمشهد على قاعدة البدو وقد دخـلوا فـي طـي الخمـول (1) » .
    أما نسب السيد أحمد أبو هاشم فهو : السيد أحمد ناظر رأس العين ابن محمد أبو الفائز ابن أبي جعفر محمد بن علي بن أبي فويرة بن أبي جعفر محمد الحبر خير العمال ابن علي المجدور ابن أبي الطيب أحمد بن محمد الحائري ابن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام .
    وينص صاحب موسوعة ( دائرة المعارف ) بقوله : أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد بن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن موسى بن جعفر عليه السلام المشهور بأحمد بن هاشم أو أبو هاشم الموسوي الظاهر هو الذي قبره بشفاثة على


    (1) غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار / المنسوب لنقيب حلب ص 88
    تراث كربلاء 119



    ثلاثة مراحل بكربلاء (1).
    وقد دون هذا النسب الشريف في المشجرات العائلية المنتشرة في كربلاء وخارجها ،وفي مصنفاث كثيرة مخطوطة ومطبوعة (2) .
    وضمن مشجرة سادات كتابجي ، ذكر النسابة المعاصر السيد شهاب الدين المرعشي نسب السيد أحمد أبو هاشم في القرآن الكريم المطبوع في طهران مراراً بطبعات مختلفة .
    وهناك الكثير من تلك الادلة الصريحة التي تثبت صحة هذا النسب الشريف .
    أما مرقده فلا يقل عن المراقد والمزارات الاخرى أهمية ، حيث تعلوه قبة من القاشاني ، ويحيط به صحن واسع ، ويزور مثواه عدد كبير من عشائر كربلاء وأسرها ، وكذلك من المدن المجاورة في مواسم الزيارات الخاصة كل عام ، فتنحر حواليه الذبائح وتقدم القرابين وتهدى النذور .


    (1) دائرة المعارف المسماة بمقتبس الاثر ومجدد ما دثر / للشيخ محمد حسين بن سليمان الأعلمي الحائري ج 3 ص 256 ( طبع قم ).
    (2) من المصادرالتي وجد فيها نسب السيد أحمد أبو هاشم هي :
    أ ـ أنساب مشجر : لمؤلفه غياث الدين منصور دشتكي الشيرازي المتوفى سنة 968 هـ ، رأيت نسخته الأصلية المخطوطة في مكتبة الامام الرضا العامة بمشهد .
    ب ـ تذكرة الأنساب : لمؤلفه أحمد بن مهنا العبيدلي الحسيني ص 657 فصل ( بيت أبي الفائز بالحائر ) مخطوط بمكتبة الامام الرضا العامة بمشهد .
    ج ـ بحر الأنسان : للسيد المراد بن المرحوم السيد أحمد النقيب ص 174 مخطوط بمكتبة الامام الرضا العامة بمشهد .
    د ـ جامع الأنساب : للسيد محمد علي الروضاتي ج 1 ص 35 طبع إيران 1376 هـ .
    هـ ـ بحر الأنساب : للسيد حسين بن محمد الرفاعي الشافعي الحنفي ص 30
    و ـ مراقد المعارف : للشيخ محمد حرز الدين ج 1 ص 85

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    حصن الأخيضر

    من الآثار المهمة التي تبعد عن مركز المدينة حوالي 29 ميلاً ، أو ما يقارب السبعة فراسخ بين كربلاء وشفاثة . ويتكون حصن منيع ذي ثلاثة قصور متقاربة يحيط بهن سور عظيم لم يبق منه غير الانقاض . ومن المؤسف حقاً أنه لم يعرف تاريخه على وجه التدقيق ، وذلك لعدم وجود كتابة أو إشارات على جوانب القصر أو الحصن .ولقد اختلفت آراء الباحثين حول زمن بناء الأخيضر ، فالمؤرخون مجمعون على أنه من مباني العرب في العصر الاسلامي ، غير أنهم اختلفوا في تاريخ البناء وفي العصر الذي بني فيه . ولكن الرأي الارجح هوأنه من الآثار العربية الاسلامية ومن عمارات المنتصف الثاني من القرن الثاني الهجري اعتماداً على نوعية الريازة العامة في البناء ودراسة اللقى التي عثر عليها خلال التحريات الاثرية في الموقع ، حيث أن كلها تعود للفترة الزمنية المذكورة .
    قال ياقوت الحموي في مادة « دومة الجندل » : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح اكيدر على دومة الجندل وأمنه وقرر عليه وعلى أهله الجزية ، وكان نصرانياً فأسلم أخوه حربث فأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مافي يده ، ونفض اكيدر الصلح بعد النبي صلى الله عليه وآله فأجلاه عمر من دومة الجندل في من أجلى من مخالفي دين الاسلام إلى الحيرة فنزل في موضع منها قرب عين التمر وبنى فيها منازل وسماها ( دومة ) وقيل ( دوماء ) باسم حصنه بوادي القرى فهو قائم يعرف ، إلا أنه خراب .... الخ (1) .
    وأسند العلامة المرحوم شكري الآلوسي رأيه هذا إلى قول ياقوت فعقب على ذلك قائلاً : ان كلمة ( الاخيضر ) محرفة من اسم ( الاكيدر ) وهو اسم أمير من أمراء كنده أسلم في صدرالاسلام ، فالقصر يجب أن يكون شيد من


    (1) معجم الياقوت / ياقوت الحموي ـ المجلد الثاني ص 106 مادة ( دومة الجندل ) .







    حصن الأخيضر في كربلاء





    قبل الامير المبحوث عنه قبل الاسلام ، غير أن ( موزيل ) لاحظ أن كلمة ( الاخيضر ) من القاب شخص معروف في التاريخ وهو ( أسماعيل بن يوسف الاخيضر ) حاكم اليمامة على الكوفة من قبل القرامطة ( في أوائل القرن الرابع الهجري ، العاشر الميلادي ) فقال : أن الاخيضر يجب أن يكون ( دار الهجرة ) التي أسست من قبل الحاكم المشاراليه (1) .
    ويعقب ماسينيون على رأي موزيل الذي ذكر أنه بني عام 277 وذلك ليجعله عين دار الهجرة التي بناها ثوار القرامطة في هذا العام بقوله : ولاشك في أنه من المحتمل جداً أن يكون القرامطة قد أعادوا تشييده للالتجاء اليه ولكن لم تكن لديهم الوسائل بل لم يكن من شأنهم أن يبتنوا مثل هذا الحصن العظيم ليتحصنوا فيه (2) .
    وقد لاحظ المستشرق ماسينيون عند زيارته الأخيضر ان ريازته تشابه الريازة الساسانية ، فاعتقد لذلك أنه يجب أن يكون قد شيد من قبل معمار أيراني قبل العهد الإسلامي في العراق لأجل أحد ملوك الحيرة من اللخميين ، وقال ربما كان ( قصر السدير ) الذي تغنى به الشعراء هو الأخيضر نفسه ، وقد أيد ( ديولافوا ) رأي ماسينيون من حيث الأساس واعتبر الأخيضر من المباني المشيدة قبل الإسلام في أواخر القرن السادس للميلاد .
    وقررت المس بيل سكرتيرة دار الإعتماد البريطاني في بغداد لدى زيارتها الأخيضر سنة 1909 م أنه من المباني الإسلامية لأنها اكتشفت المسجد ولاحظت المحراب ، ورجحت أن يكون دومة الحيرة التي شيدت في عهد الامويين . أما ( موزيل واسكار روتيروكره سويل ) فقد أيدوا رأي المس بيل من حيث الاساس فاعتبروا الاخيضر من المباني الاسلامية ، غير أنهم اختلفوا في أمر تثبيت


    (1) الأخيضر / الآثار القديمة في العراق ص 35 ( 1937 م ) .
    (2) دائرة المعارف الاسلامية / المجلد الأول ص 531 ( مادة أخيضر ) .



    تاريخ البناء بين أواخر القرن الاول وأوائل القرن الرابع للهجرة . ولكن ( كره سويل ) لم يوافق على رأي المس بيل في اعتبار الاخيضر في عهد الامويين ، بل قرر أنه من عهد العباسيين ورجح أن يكون قد شيد في عهد عيسى بن موسى ابن أخ السفاح والمنصور وابن عم المهدي ولي عهد المنصور وكان والياً على الكوفة وأما ( هو سفيلد ) فقال يجب أن يكون من مباني أوائل القرن الثالث للهجرة لانه وجد شبهاً ريازة الاخيضر وريازة سامرا (1) .
    ونشر البحاثة توفيق الفكيكي بحثاً مسهباً في مجلة ( المقتطف ) المصرية باسم ( قصر الاخيضر في التاريخ ) عندما كان الحاكم المنفرد في كربلاء سنة 1935 م ـ 1936 م وقد أعيد نشره في العدد الخاص من ملحق جريدة ( الاخبار ) البغدادية ويستخلص رأيه بالقول : ان قصر الاخيضر هو ( دومة الجندل ) وان مشيده هو ( اكيدر ) وان عصر تشييده هو العصر الاول من تاريخ الاسلام وفي عهد الخليفة الاول من الخلفاء الراشدين وليس هناك أية شبهة أو تضليل (2). وهناك بحث موسع آخر عن حصن الاخيضر وموقعه وأهميته التاريخية نقتبس منه مايخص وصف القصر : يتألف قصر الاخيضر من حصن كبير داخله قصر فخم وبجانبه بناية محصنة منفصلة عن البناية الاصلية . الحصن مربع الشكل يبلغ طول كل ضلع من أضلاعه 17 متراً . أما القصر فمستطيل الشكل يبلغ عرضه 80 متراً وطوله 110 متراً ، ويوجد في مدخل هذا القصر دهليز فخم يعلوه طاق مرتفع . اما الجامع فيقع في الجهة الغربية من الدهليز وجدرانه الخارجية مجهزة بسلسلة أبراج من جهاتها الأربعة ، والابراج الكائنة في الزوايا تستوقف الانظار أكثر من غيرها بطبيعة الحال . غير أن البرجين الواقعين في وسط الجهتين الشرقية


    (1) المصدر السابق .
    (2) قصر الأخيضر في التاريخ / للاستاذ توفيق الفكيكي ( ملحق العدد 132 ـ 10 الأخبار 19 تشرين الثاني 1938 / 26 رمضان 1357 هـ ص 15 ـ 17 ،



    والغربية يحتويان على آثار معمارية أهم من جميعها (1).
    يتضح لنا مما تقدم ان قصر الأخيضر من أهم الآثار التاريخية في العراق وقد اختلفت الآراء في سبب وجوده في هذه المنطقة العزلاء، ومما ذكر عنه أنه كان ملتقى لرؤوس اخوان الصفا فيه ، فكانوا يقصدونه من أجل اجتماعاتهم ويضعون رسائلهم . والأخيضر يحتفظ بكثير من مزاياه ومن هندسته ومن معالمه. وقد مهد الطريق اليه من كربلاء مؤخراً ،وسهل النقل اليه في طريق المعبد ، وأصبح قبلة للسكان والسواح الأجانب وغير الأجانب . وفي الآونة الأخيرة بذلت الحكومة العراقية اهتماماً ملحوظاً في إصلاح بعض جوانب القصر وإعداد ما يلزم من رسائل كإنشاء دار للاستراحة توفرت فيها المتطلبات الضرورية .

    قلعة الهندي

    أثر تاريخي يقع في الجنوب الشرقي من كربلاء على بعد 4 كيلو مترات شيده نوازش علي خان الكبير بن علي رضا خان النواب اللوهوري من القزلباش ، وذلك في عام 1296 هـ . وكان هذا الرجل من الشخصيات المرموقة في الهند ومن الأثرياء ، ويعرف بالنواب . وبعد أن أتم بناء القلعة المذكورة سافر إلى سامراء ، وقضى فيها ردحاً طويلاً من الزمن في خدمة المرزا حسن الشيرازي العالم المبرز في عصره ، عاد بعدها الى كربلاء بعد وفاة السيد المجدد الشيرازي ، ومكث فيها فترة من الزمن إلى أن وافاه الأجل ، ودفن في مقبرة خاصة له في صحن الحسين . ولا تزال تعرف القلعة المذكورة باسمه . وعلى أثر سفر أسرة النواب المذكور إلى الهند أوكل أمر الأملاك العائدة لها إلى رئيس وكلائها وهو محسن خان القندهاري الذي كان يمت بصلة إلى النواب المذكور والعقب منه في


    (1) رسالة الاخيضر : تأليف : عباس علوان الصالح ( مطبعة الثقافة / كربلاء 1941 م 1360 هـ . وانظر : جريدة الغروب الكربلائية / السنة الأولى تموز 1935 م فصل ( حصن الأخيضر ) .

    كربلاء يعرف بآل النواب ، ومن هذه الأسرة المحترمة معاون دائرة الاستخبارات للشرق الأوسط في السفارة البريطانية ، كما كان نائباً للحاكم العسكري في كربلاء ومنهم النطاسي البارع الدكتور حسن أفضل نائب كربلاء الاسبق ، والدكتور مهدي هاشم النواب والمرحوم محمد حسين خان سكرتير دار الاعتماد الشرقي في بغداد وغيرهم .

    خان العطشان

    ذكر الرحالة الفرنسي تافرنيه ضمن رحلته للعراق في القرن السابع عشر الميلادي وصفاً مسهباً لهذا الخان ، نقل إلى العربية ، وهذا نصه : قد يكون هذا القصر الذي اكتشفه تافرنيه ( خان العطشان ) وهو بناء قديم ترى أطلاله ورسومه في البادية غربي الفرات على نحو من ثلاثين كيلو متراً من جنوب غربي كربلاء وهو على حد وصف رحالتنا مبني بالآجر ، ومازالت كثير من جدرانه وأقواسه وبعض عقاداته ترى إلى يومنا هذا وإن كانت قد تشعثت وتصدعت والذي نميل اليه ان لهذا البناء صلة بالموقدة ( الموجدة ) وهو منار يبعد عنه مسيرة ساعتين إلى الشمال الغربي ان هذه المباني التي ترى بقاياها منثورة في طف البادية كانت فيما مضى مسالح ومعاقل وحصوناً ومناور للدولة الفارسية تقيها شر هجمات دولة الروم . وقد وصفت الآنسة المس بيل خان العطشان وصفاً أثرياً دقيقاً في كتابها الموسوم :
    (G. L Bell:palace and mosque at ukhider(oxford,1914 p p 14_ 43)
    وعنيت بتخطيط البناء وتصوير بقاياه في اللوحات 46 ـ 52 من الكتاب المذكور . أما أصل البناء وتاريخه فلم تتطرق اليه المؤلفة (1) .


    (1) العراق في القرن السابع عشر / تافرنيه . اعراب بشير فرنسيس وكوركيس عواد ص 133 .


    وفي رواية أخرى ان موقع هذا القصر بين موقدة وبين الكوفة (قصر العطشان) المسمى بهذا الإسم في العصر الحاضر وهذا القصر هو واسطة بين القصر الاول وبين الكوفة لاخبار من في الكوفة بالانارة حسب العادة القديمة وسمي بالعطشان لانطماس منابع مائه (1) .
    ويغلب على الظن ان هذا الخان ( قصر العطشان ) يعتبر من منشآت الدولة الصفوية ، وخير دليل على ذلك وجود ( تل مرعز ) على مقربة منه . وهذا التل هو المكان الذي كانت تقف فيه قوافل الزوار والمشاة لرؤية قبة الروضة الحسينية المقدسة ، وكان يطلق عليه قديماً ( قبه نما) (2) . على ان هناك قصوراً أخرى لاتقل أهمية عن الآثار المذكورة وهي قصر شمعون وقصر العوينة وقصر موقده (3) ويقال أنها كانت قديماً معمورة بالسكان ، ولاتزال آثارها شاخصة للعيان اليوم .
    وفي داخل مدينة كربلاء توجد آثار تاريخية أخرى جديرة بالاعتزاز والتقديس منها قبور بعض رجال الفكر وأساطين العلـم والادب الذين أحيوا التراث العربي والإسلامي وخدموا الشريعة الإسلامية فـي فترات متباينة منها قبر الشريف الرضي (4) والشريف المرتضى ووالدهما في مدخل الروضة الحسينية خلف ضريح


    (1) جريدة ( الندوة ) الكربلائية العدد 14 ( تموز / 1941 م ) .
    (2) كلمة فارسية تعريبها موضع رؤية معالم المآذن عن بعد .
    (3) جريدة ( الندوة ) الكربلائية العدد 14 وانظر ( الدليل العراقي ) لسنة 1939 م ص 687 .
    (4) هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الطاهر ذي المنقبتين الحسين بن موسى بن محمد بن موسى ابن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (ع) . ولد سنة 359 هـ مارس الشعر وهو ابن عشر وبرع فيه وأجاد وفاق شعراء عصره .له ديوان حافل بكل بديع ، وتوفي بداره في الكرخ يوم الأحد في السادس من محرم سنة 406 هـ ، ونقل إلى مشهد الحسين بكربلاء ، ودفن عند قبر أبيه ، وقبرهما ظاهر معروف ( عمدة الطالب ص 210 ) وجاء في كتاب ( النجوم
    =





    الحسين بستة أذرع . فقد ذكر السيد حسن الصدر في كتابه مانصه : وأما في كربلاء فغير المستشهدين مع الحسين عليه السلام منهم ابراهيم الاصغر ابن الإمام الكاظم عليه السلام قبره خلف ظهر الحسين بستة أذرع وهو الملقب بالمرتضى وهو المعقب المكثر جد السيد المرتضى والرضي وجدنا وجد اشراف الموسوية معه جماعة من أولاده كموسى أبي السبحة وأولاده وجدنا الحسين القطعي جماعة من أولاده في سردابين متصلين خلف الضريح المقدس كانت قبورهم ظاهرة ولما عمر الحرم العامر الاخير محوا آثارهم ومعهم قبر السيد المرتضى والسيد الرضي وأبوهما وجدهما


    = الزاهرة ) ج4 ص 240 فصل ( السنة العشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهي سنة ست وأربعمائة ) وفيها توفي محمد بن الحسين بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، الشريف أبو الحسن الرضي الموسوي ولد سنة تسع وخمسين وثلثمائة ، كان عارفاً باللغة والفرائض والفقه والنحو وكان شاعراً فصيحاً ، عالي الهمة متديناً ، إلا أنه كان مذهب القوم إماماً للشيعة هو وأبوه وأخوه . ومن شعره من جملة أبيات : ياصـاحبـي قفا لي واقـضيا وطـراً وحـدثـانـي عـن نجـد بأخبـار
    هل روضت قاعة الوعساء أو أمطرت خميلـة الطلـح ذات البـان والغـار
    وقد أكد السيد حسن الصدر في قضية وفاة الشريف بقوله : وقد شرحت التفصيل في كتاب تكملة أمل الآمل في ترجمة السيد المرتضى وتعرضت إلى تحقيق أن قبر السيد المرتضى وأخيه السيد الرضى في كربلاء وان المكان المعروف في بلد الكاظمية وقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولاً ثم نقلا منها إلى كربلاء ولابأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضاً ، وإنما أبقوه وذلك لعظم شأنهما ( نزهة أهل الحرمين ص 71 ). أما الدكتور عبد الرزاق محي الدين فهو الأخر الذي أدلى برأيه قائلاً : ان تقليداً أسرياً لآل أبي أحمد يقضي في الغالب بدفن أفراد الأسرة في كربلاء فقد دفن والد الشريفين النقيب أبو أحمد في داره ثم نقل إلى مشهد الحسين ( كربلاء ) وان أختاً للشريفين نقل جثمانها إلى كربلاء وان زوجة الشريف المرتضى ماتت ببغداد ونقل جثمانها إلى كربلاء فالملاحظ من تقاليد هذه الأسرة أن تتخذ مرقد الامام الحسين مدفناً لها . ( أدب المرتضى ص 77 و 78 ).



    موسى الابرش (1) . كما أن هناك قبوراً أخرى في الحائر لفريق من أعلام العصر كقبر الميرزا شفيع خان رئيس الطريقة الشيخية وقبر السيد كاظم الرشتي صاحب الفرقة الكشفية وقبر حسين علي شاه رئيس الطريقة الصوفية وقبر مؤمن دده رئيس الطريقة البكتاشية(2) وقبر السيد أحمد النقشبندي في تكية البكتاشية ومرقد الشيخ أحمد بن فهد الحلي صاحب الكرامات وقبر الآغا باقر البهبهاني والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض وقبر الشيخ يوسف البحراني وقبر السيد محمد المجاهد الطباطبائي وقبر الشاعر فضولي البغدادي وقبر الشيخ محمد تقي الشيرازي وغيرهم كثيرون ، وبالإضافة إلى ذلك فتوجد قبور بعض الملوك الديالمة ( آل بويه ) في الصحن الحسيني الصغير الذي تهدم في عهد متصرف لواء كربلاء عبد الرسول الخالصي عام 1948 م ، ومقبرة سلاطين آل قاجار قرب مرقد السيد ابراهيم المجاب .
    ويوجد في أرجاء مدينة كربلاء بعض الاماكن والمراقد المقدسة التي يتبرك بها الزوار ، ومنها هي :

    مقام الحسين وابن سعد

    يرمز هذا المكان إلى الموقع الذي اجتمع فيه الامام الحسين عليه السلام مع عمر بن سعد للمفاوضة . موقعه في قطاع ( الچاچين ) المحـرفة عن كلمة ( دكاكين ) التي


    (1) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين / السيد حسن الصدر ص 41 .
    (2) انظر : بستان السياحة / للحاج زين العابدين الشيرواني ( 1194 ـ 1253 هـ ) ص 492 ( مادة كربلاء ) وقد التبس الأمر على صاحب بستان السياحة في نسبته للمرزا شفيع خان كونه رئيس الفرقة الشيخية والصواب هوالميرزا شفيع خان الصدر الأعظم رئيس وزراء إيران الذي وصل جثمانه كربلاء يوم 19 رمضان سنة 1234 هـ .



    هي اليوم عند باب البويبة (1) في محلة باب السلالمة . والمقام عبارة عن شبه حانوت خارج من جدار الدار المرقم 322/75 / ويرجع تاريخ تشييده إلى سنة 1113 هـ كما هو موجود على الكتيبة . وتم تجديده سنة 1352هـ / 1934م ثم جدد عام 1378 هـ 1952 م . وهذا المقام يؤمه الزائرون ليتبركوا به .

    مقام تل الزينبية

    يقع في الجهة الغربية من الصحن الحسيني بالقرب من باب الزينبية ، في مرتفع يعرف بـ ( تل الزينبية ) . ويقال ان هذا التل كان يشرف على مصارع القتلى في حادثة الطف ، حيث كانت السيدة زينب الكبرى تتفقد حال أخيها الحسين عليه السلام وإلى ذلك أشار الشاعر الشعبي المرحوم حسين الكربلائي بقوله : روحـي مـن الصبـر ملت و صاحت ومثلهـا مـاانسبـت حرة وصاحات
    على ( التل ) اوكفت (زينب ) وصاحت نـادت يـاخوتـي يهــل الحميـه

    وتيمناً بها سمي هذا الموضع باسمها . والمقام عبارة عن شبك صغير من البرونز داخله أبيات كتبت على القاشاني . وتوجد في أعلاه أحجار من القاشاني مزينة بصورتمثل معركة الطف ، وقد جدد بناؤه أخيراً سنة 1398 هـ .

    مقام الكف الأيمن للعباس

    يقع بين محلتي باب بغداد وباب الخان ، وهذا المكان يمثل موضع سقوط الكف الأيمن لأبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام ـ أثناء بترها في معركة كربلاء ، كما تقول العامة ، والمقام شباك من البرنز خارج من الدار المرقمة


    (1) البويبة : كلمة مصغرة من الباب ، ويقال أنها كانت باب سور محلة باب السلالمة قبيل هدمه .



    183 /5 الواقعة في زقاق الصخاني ، وعلى جدار المقام نقش لطيف مؤرخ سنة 1324 هـ وبيتان بالفارسية لم يذكر قائلهما ، وقد نقشت صورة ساعدين مقطوعين كتب تحتها : هنا قطعت يدا أبي الفضل العباس . والمعروف ان هذا المقام شيد في أواسط القرن الثالث عشر الهجري على بقايا نهر كان يعرف في حينه بنهر مقبرة العباس ، وقد يكون من بقايا نهر العلقمي .

    مقام الكف الأيسر للعباس

    يشاهد الزائر مقاماً آخر على بعد 50 متراً من باب القبلة الصغرى لصحن العباس عند مدخل سوق باب الخان ، وهو عبارة عن مشبك صغير من البرنز خارج من الدار المرقمة 52/ 51 مزين بقطع من المرايا الصغيرة ، وعلى الشباك لوحات من الأدعية ، وفوق المشبك أبيات شعرية نقشت على القاشاني للشاعر الكربلائي المرحوم الشيخ محمد السراج : سل إذا ما شئت واسمع واعلم ثم خذ مني جـواب المفهـم
    ان في هـذا المقـام انقطعت يسـرة العبـاس بحر الكرم
    ههنا ياصـاح طـاحت بعدما طاحت اليمنى بجنب العلقمي
    أجر دمع العين وابكيه اسـى حـق أن تبكي بدمع من دم

    وتوجد صورة كف فوق المشبك المذكور ، ويحكى ان هذا المقام شيد من قبل محمد علي آل شنطوط في عام 1327 هـ وذلك أثر رؤيا رآها في منامه ، وهي ان الساعد الأيسر للعباس قطع في هذا المكان مما دعاه إلى شق جدار داره في الصباح الباكر وانشاء هذا المقام تخليداً لموقع سقوط الساعد .

    مقام جعفر الصادق عليه السلام

    كانت الأراضي التي يقع فيها هذا المقام تعرف بالجعفريات ، وهي من موقوفات




    الشيخ أمين الدين الخيرية ، وهي ضمن الأراضي والعقارات العائدة له في الحائر الحسيني ، ويرجع تاريخها إلى سنة 904 هـ (1) . وقد شيد هذا المقام رمزاً تذكارياً من قبل الزعيم البكتاشي جهان دده ( كلامي ) الشاعر الصوفي الذي كان حياً سنة 970 هـ . ويعرف المكان هذا بشريعة الإمام جعفر بن محمد وهو المكان الذي كان يغتسل فيه الإمام جعفر الصادق في نهر الفرات قبيل زيارته للحائر (2) وموقعه في أراضي الجعفريات على الشاطى الغربي من نهر العلقمي (3). حيث يجد الزائر مزاراً مشهوراً عليه قبة عالية من القاشاني تحيط به البساتين والناس تقصده للزيارة والتبرك وقضاء الحاجات ، ومما يجدر ذكره ان هذا المقام كان المطاف الأخير للفرقة الاسماعيلية المعروفة ( البهرة ) حيث لم يكن يسمح لرجالها بالدخول إلى كربلاء لزيارة العتبات المقدسة حتى سنة 1262 هـ ، وذلك بعد وفاة العلامة السيد ابراهيم القزويني صاحب الضوابط ، إذ أجاز العلامة الشيخ زين العبادين المازندراني بإصدار فتوى للسماح لهم في الدخول إلى كربلاء . كما ان المرحوم السيد يوسف السيد سليمان آل طعمة المتوفي سنة 1288 هـ استحصل موافقة والي بغداد آنذاك ( السر عسكر عبدي باشا ) حيث ان السلطة العثمانية الحاكمة إذ ذاك كانت هي الأخرى تساند المنع المذهبي ، والمقام المذكور يقع على طريق العربات المؤدي إلى مدينة كربلاء عبر نهر الحسينية المار بقنطرة الحديبة وهو الطريق الرئيسي بين بغداد وكربلاء .

    مقام المهدي

    موقعه على الضفة اليسرى من نهر الحسينية الحالي ، عند مدخل كربلاء على الطريق المؤدي إلى مقام جعفر الصادق عليه السلام وهو مزار مشهور عليه قبة عالية ،


    (1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار آل طعمة ج 2 ص 165 .
    (2) تاريخ كربلاء / الدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة ص 82 .
    (3) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء / السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ص 82 .



    وقد سمي هذا المقام التذكاري تيمناً باسم الإمام المهدي المنتظر عليه السلام . جدده المرحوم الحاج حمزة الخليل وذلك عام 1378 هـ ، وأرخ تجديده الشاعر الكربلائي المعاصر السيد مرتضى الوهاب بأبيات كتبت بالقاشاني على جبهة المقام ، وهي : شاد للقـائم إذ ضحـى الخليل بيت قـدس فيه برد وسلام
    واعتنى ( الحمزة ) في تجديده فاستوى منـه عماد ورخام
    مـذ تجلـى نـوره أرختـه ( ضاء للمهدي ركن ومقام)

    1378هـ


    وهناك مقامات أخرى في مواضع مختلفة من أزقة المدينة شيدت تبركاً لاستلهام ذكرى الأئمة الأطهار بوحي من العقيدة .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    5

    افتراضي

    [frame="7 80"]السلام على الحسين ومن رقد معه في كربلاء[/frame]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني