rasid23


مجتمعنا الشيعي وقصة جحا!

إبراهيم اسماعيل * - 7 / 4 / 2009م - 2:53 م
نتيجة لمتابعتي لاحداث البقيع وما تلاها، وقراءتي لتعليقات بعض «او اكثر!» القراء على الاخبار والمقالات التي تتعلق بهذه الحادثة بكل ابعادها وتبعاتها، برزت من الذاكرة قصة جحا وابنه والحمار. تلك القصة وان كانت مشهورة، الا انه لا بأس من التذكير بها بتصرف.

سار جحا وابنه في طرقات البلدة خلف حمارهما الذي يحمل متاعهما. سخر منهما بعض من صادفوهما وقالوا: لديكما حمار وتسيران على الاقدام؟! لم لا تركبان وتستريحان؟!

ركب جحا وابنه على ظهر الحمار وواصلا المسير. لقيهما بعض ابناء البلدة في موقع آخر فعلقوا قائلين: الحمار هزيل وانتما راكبان على ظهرة وهو يئن من الاثقال التي يحملها! الا توجد في قلبيكما رحمة عليه؟! لينزل واحد منكما.

عملا بهذه النصيحة ونزل جحا ومشى وترك ابنه راكبا. مرا بجماعة في السوق فوبخوا الابن صارخين: اتترك اباك الكبير الطاعن في السن يمشي وانت الشاب القوي المفتول السواعد راكب على ظهر الحمار؟ لم لا تبر اباك فتنزل ليركب مكانك؟!

تمشيا مع رغبة هذه الشريحة من المجتمع، تبادل جحا وابنه المراكز وواصلا المسير. لمحهما بعض المارة فنهروا الاب منفعلين. اليس في قلبك شفقة ورحمة على ابنك يا جحا؟ انت البالغ الراشد راكب وهذا الشاب اليافع يمشي؟! الا تخشى على قدميه الغضتين من التورم؟!

جحا وابنه لم يسلما لا ماشيين ولا راكبين ولا احدهما ماش والآخر راكب! لم يدركا رضى ابناء مجتمعهما في كل الاحوال «رضى الناس غاية لا تدرك»، رغم انهما في كل تصرف قاما به عملا على رأي طائفة من المجتمع!

رغم ان القصة واضحة والرسالة فيها اوضح، لابد من وقفة وجيزة للتعليق وربط القصة بما يجري في مجتمعنا الشيعي في المملكة.

بعد احداث البقيع المؤسفة والمؤلمة مباشرة، خرجت نداءات ابناء المجتمع لـ "وجهائه" من مشايخ ومفكرين ومثقفين بأن يتحركوا من اجل حل الاشكال اولا والمطالبة بعدم تكراره ثانيا واستثماره في سبيل المطالبة بحقوق الطائفة الوطنية الضائعة ثالثا.

انبرى للقضية ثلة من الغيارا على مجتمعهم المهتمين بالشأن الوطني والمخلصين العمل لوجه الله تعالى من كافة مناطق تواجد ابناء الطائفة الشيعية الامامية في المملكة وتحقق ما يعلمه الجميع.

بعض ابناء المجتمع شكر الله اولا لانه وحد كلمة معظم وجهاء الطائفة لتخرج في وفد واحد وتطالب بصوت واحد ورأي واحد رغم التباين الكبير بينهم في التوجهات والرؤى قبل الاحداث. وشكروا الله ثانيا ان من على هذه الثلة بالحصول على بعض المطالب الآنية السريعة والمهمة والتي على اثرها تم اطلاق السجناء والتوقف عن ملاحقة المطلوبين. هذا البعض طالب المجموعة ببذل المزيد من الجهد في سبيل مواصلة المشوار من اجل الحصول على باقي الحقوق الوطنية الكاملة بدون اي حيف طائفي او مناطقي «رب ضارة نافعة!».

بعض ثانٍ لم يحرك ساكنا حينها ولم تعجبه النتائج فيما بعد! وبدلا من ان يمد يد العون من اجل التكاتف والتكامل في سبيل "تصحيح" المسار والرقي بالعمل الاجتماعي، ودعم التوجه الوحدوي للمساهمة في دفع عجلة المطالبات، والتي ندرك انها ما يجب ان تكون لها حاجة لو ان الامور تسير بطريقة عادلة وشاملة، قاموا بوضع العراقيل في طريق هذه الجماعة، و بعثروا الاوراق التي بدأت طريقها في الترتب للتو!

بعض ثالث لم يفعل اي شيء، وانما جلس خلف لوحة مفاتيح الحواسيب واخذ ينظّر لمطالبه وافكاره بطريقة صارخة وغير حكيمة لينشرها في فضاء "الانترنت" المفتوح باسماء مستعارة، وهو ينعت الآخرين بانهم جبناء عن المطالبة بحقوقهم الوطنية، ناسيا او متناسيا ان "ليس كل ما يعلم يقال"، كما ان ليس كل ما يقال يكتب! هذا البعض لا يتوانى ان يصرخ باعلى صوته مستنكرا: من خولكم بالعمل او التحدث باسمنا، وهو سؤال وجيه، لكنه حق يراد به باطل! لعل هذا البعض لا يدرك ان ليس ثمة شخص في هذا المجتمع او مجموعة منه مخولا بأن يتحدث باسم الجميع نظرا لغياب اي تجمع رسمي «مجلس منتخب من قبل ابناء الطائفة ليعنى بشؤونها!»، لكن في نفس الوقت هذا البعض ينتظر من اشخاص معينين اخذ زمام المبادرة والعمل من اجل الطائفة، واذا تصدى هؤلاء بمبادرات فردية نابعة من حرصهم على حقوق المجتمع اتت السهام الطائشة ترشقهم من كل حدب وصوب، خصوصا من اولئك النكرة المتخفين خلف اسماء مستعارة ووهمية.

ردات فعل البعض الثاني والثالث لم تثبط من عزيمة تلك الثلة، بل زادتها ايمانا بصحة نهجها وغذتها بالاصرارا والعزيمة على المضي قدما في خطتها الهادئة لتعالج بحكمة الاخطاء التي وقع فيها الآخرون من اجل الآخرين انفسهم اولا ومن اجل المجتمع باسره ثانيا.

ارجو من هذه الثلة المؤمنة بأحقية مطالبها ان تواصل المشوار بهمة ونشاط حتى تتمكن من الوصول الى هدفها المنشود: العدالة والمساواة بين كل الاطياف الوطنية، وان لا تعير اي انتباه للمثبطين الذين لا يعملون شيئا ولا يعجبهم من يعمل؛ وسدد الله على دروب الخير خطاها.

ما تقدم ليس انتصارا لرأي، بقدر ما هو تشخيص للواقع المر الذي نعيشه، وبقدر ما هو دعوة قلبية صادقة للتدبر في افضل السبل للعناية بشأننا العام، والله وحده من وراء القصد.