العباسه أخت هرون وقصة زواجها

اسمها ونسبها :
علية بنت المهدي بن المنصور، من بني العباس، أخت هارون الرشيد، أديبة، شاعرة، تحسن صناعة الغناء، كان أخوها إبراهيم ابن المهدي يأخذ الغناء عنها. وكان مولدها ووفاتها ببغداد.
صفاتها :
كانت علية بنت المهدي ، من ربات الفضل والأدب والجمال ، فهي من أجمل النساء وأطرفهن وأكملهن فضلا ً وعقلا ً وصيانة، وكان في جبهتها اتساع يشين وجهها فاتخذت عصابة مكللة بالجوهر، لتستر جبينها، وهي أول من اتخذها.
قال الصولي: لا أعرف لخلفاء بني العباس بنتاً مثلها، كانت أكثر أيام طهرها مشغولة بالصلاة ودرس القرآن ولزوم المحراب، فإذا لم تصل اشتغلت بلهوها،أي الغناء ، وكان أخوها الرشيد يبالغ في إكرامها ويجلسها معه على سريره، وهي تأبى ذلك وتوفيه حقه.
أدبها وشعرها :
ولها "ديوان شعر" وفي شعرها إبداع و متعة.
.

زواجها :
تزوجها موسى بن عيسى العباسي، وهو الثابت عند الثقات من العلماء ، وقد روت بعض الكتب روايات تضطرب مع ما وصف الصولي- العباسة - وهو ثقة ، من انشغالها بالصلاة والقرآن الكريم . ولو رجعنا إلى كتب التراث والمصادر القديمة، لوجدنا فيها الكثير من الحكايات الشبيهة بهذه الحكاية، فالفضل وجعفر ابنا يحيى البرمكي أسقطا كل حاجز نفسي ومادي بينهما وبين الرشيد على اعتبار أنهما أخويه ووزيريه فأمهما هي التي أرضعت الرشيد وتسمت بأم الرشيد، ولكن الرشيد عندما شب عن الطوق وأحس بخطر المؤامرة على الدين والدولة، رجع إلى ربه محتسبا ومعتمدا وابتعد عن مجالس آل برمك المبتذلة، ونادى أبا يوسف القاضي والليث بن سعد وغيرهما من العلماء الثقات قائلا لهم: انصحوني وقوموني، فو الله إن سيرة جدي عبد الله بن عباس ابن عبدالمطلب هي التي يهفو لها قلبي ويسعى بتطبيقها.
إن قصة زواج العباسة أخت هارون الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكي، قصة مدسوسة، لا أساس لها من الصحة، بالرغم من أنها ذكرت في بعض المصادر البعيدة زمنيا عن عهد الرشيد معتمدة على إشاعة كاذبة راجت بعد مقتل البرامكة، والعجيب أن هذه المصادر التي ذكرتها أضافت عليها حبكة فنية قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، وهي أن الرشيد وجعفر والعباسة يجلسون جميعا في مجلس مبتذل فيه طرب وشراب وتهتك. وألف الكتاب المتأخرون حول هذا الزواج المزعوم بين العباسة والبرمكي الكثير من القصص بعضها لمستشرقين أجانب وبعضها لعرب مثل: (قصة العباسة) للكاتب المصري جورجي زيدان (ومسرحية العباسة) للشاعر المصري عزيز أباظة، وأشار لها الأستاذ منير العجلاني في كتابه (عبقرية الإسلام) حيث يقول: (وتغلب جعفر في النهاية على أمر الرشيد، الذي كان يحبه حبا جما حتى زوجه أخته ،العباسة ـ وكان الرشيد يحب مجلسهما كثيرا ـ وذلك لينعم باجتماعهما في مجلس واحد).فهذا المؤرخ القديم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) صاحب كتاب (الرسل والملوك) وهذا عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808هـ) صاحب (المقدمة الشهيرة) التي اكتشف أهميتها الأوروبيون قبل أن نكتشفها وصاحب تاريخ (العبر وديوان المبتدأ والخبر) ينفيان هذا الزواج نفيا قاطعا بالأدلة النقلية والعقلية المعروفة والمنقولة *
أما الذين ركزوا على قصة العباسة مع جعفر البرمكي ومواقعتها ، فإنهم أرادوا أن يبعدوا الناس عن حقيقة البرامكة ، وأرادوا تشويه صورة الرشيد ، ولم يورد المؤرخون الثقات علاقة بين العباسة وجعفر من خلال الروايات التاريخية المحققة ، على وجه الإطلاق ، ومنهم الطبري وابن خلدون وابن كثير في البداية والنهاية ، وغنما أرجعوا سبب نكبة البرامكة وما دفع الرشيد للتخلص منهم ، إلى الأسباب التالية :
1 ـ حادثة يحيى بن عبد الله الطالبي: الذي خرج إلى بلاد الديلم ودعا لنفسه هناك، وبايعه كثير من الناس، وقويت شوكته، وذلك سنة 176 هـ، فأرسل إليه الرشيد الفضل بن يحيى، واستطاع الفضل أن يستنزل يحيى بالسلام على أمان له عند الرشيد، وذلك من غير أن تهراق نقطة دم، وعد ذلك من أفضل أعمال الفضل، وبعد فترة ظهر من يحيى ما أوجب عند الرشيد نقض الأمان، فأمر بحبسه عند جعفر بن يحيى، وفي ذات ليلة اجتمع يحيى مع جعفر، وما زال به حتى أطلقه جعفر وزوده بالمال اللازم لخروجه من بغداد، فوصل الخبر للرشيد، وكان ذلك يعد خيانة عظمى عند العباسيين لشدة خوفهم من الطالبيين، فخاف الرشيد من تآمر آل برمك مع الطالبيين من أجل إقصاء العباسيين، فأمر بقتل جعفر وحبس باقي الأسرة.
2 ـ الترف الشديد: كان البرامكة يعيشون في ترف شديد جدًا، حتى أنهم كانوا يبنون قصورهم ويضعون على الحوائط بلاط الذهب والفضة، وبنى جعفر بيتًا له كلفه عشرين مليون درهم، وكان الرشيد في سفر ذات يوم، فلم يمر على قصر ولا إقليم ولا قرية إلا قيل له: هذا لجعفر، وعندما عاد الفضل من حربه في الديلم أطلق لمادحيه ثلاثة مليون درهم. وهذا السرف جعل الرشيد يتابعهم في الدواوين والكتابات، فأكتشف وجود خلل كبير في مصاريف الدولة.
3 ـ الفضل بن الربيع: وكان من موالي العباسيين، وكان شديد العداء للبرامكة، ويقال أنه هو الذي سعى بهم عند الرشيد, وأظهر عيوبهم، وغطى محاسنهم، ووضع عليهم العيون، حتى استطاع أن يرصد حادثة هروب يحيى الطالبي عند جعفر، فأخبر بها الرشيد، وزين له أن البرامكة يريدون الخلافة للطابيين.
4 ـ أصل البرامكة: حاول بعض المؤرخين الربط بين أصل البرامكة وهم مجوس، وبين ما حدث لهم على يد الرشيد، فيما أنهم حاولوا إظهار الزندقة، وإعادة دين المجوس مرة أخرى، وأنهم أدخلوا النار في الكعبة حتى تعبد هناك، والذي ساعد على ترويج هذه الفكرة مصاحبة جعفر بن يحيى لبعض الزنادقة أمثال أنس بن أبي شيخ الذي قتله هارون الرشيد بيده، ولكن هذا السبب بعيد المأخذ، ولا دليل عليه.
5 ـ جيش البرامكة: ولعل هذا السبب هو الأوضح والأقوى مع حادثة يحيى الطالبي، وأصل هذا الجيش كما ذكرنا كونه الفضل بن يحيى من جند خراسان (وتلك البلاد معروفة تاريخيًا بولائها للعباسيين، ولكن ميلهم أكثر للطالبيين وآل البيت)، وتعداده خمسين ألفًا جعل ولاءه له مباشرة دون غيره، ثم استقدم منهم عشرين ألفًا لبغداد وسماهم "الكرنبية" مما حرك هواجس الرشيد، غير أنه لم يتحرك حتى جاءه خبر من والي خراسان علي بن عيسى بن ماهان أن السبب في اضطراب خراسان هو موسى بن يحيى من بغداد، فتحقق الظن عند الرشيد، واجتمعت عنده كل ما سبق من الأسباب، وعندها قرر الرشيد عند رجوعه من الحج، وفي آخر ليلة من المحرم سنة 187 هـ بالإيقاع بالبرامكة، فأمر بقتل جعفر وصلبه على جسر بغداد، وحبس باقي البرامكة في السجون، والاستيلاء على أموالهم وقصورهم وكل ما لديهم وساموهم في السجن سوء العذاب، وتبدل نعيمهم بؤسًا، وماتوا واحدًا تلو الآخر في السجون.
ولقد ظهر من يحيى بن خالد صبر عظيم ورضا بقضاء الله وقدره، ومن عجيب ما يذكر في أسباب هذه الحادثة أن يحيى بن خالد كان يحج ذات مرة، فوقف عند باب الكعبة, ودعا قائلاً: "اللهم إن كان يرضيك عني سلب جميع مالي وولدي وأهلي فافعل ذلك" فكان الأمر كما دعا هو بنفسه، والله أعلم بالعاقبة.
المراجع: 1 ـ البداية والنهاية( 10/204) 2 ـ الطبري (ج4). ا3 ـ محاضرات الخضري ص129. 4 ـ الكامل 5/327. 5 ـ المنتظم 9/130. 6 ـ شذرات الذهب 1/311. 7 ـ الصبر 1/298.[3]