المجلس والدعوة ... حكايات مريرة (1)
المجلس والدعوة ... حكايات مريرة (1)
سليمان الفهد
كاتب وسياسي عراقي
Sulaiman_alfahd@hotmail.com
منذ سقوط بغداد ولازلت أترقب العلاقة المفاجئة بين حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بعد أن عايشت كل سنين الصراع بينهما . فالسنوات الثلاث للسقوط كشفت زيف تلك العلاقة بعد أن تصور أصحاب نظرية استشهاد محمد باقر الحكيم أنهت الخلاف وبدون رجعة , وها نحن نشهد من جديد ظهور الصراع على القيادة من جهة والسلطة من جهة أخرى , فلعبة جر الحبل أرجعتنا لما كنا نؤكد عليه منذ سنوات . حينما ابلغ محمد باقر الحكيم الدعوة رسميا بأن الخطين متوازيين لا يلتقيان أبدا . فاستشهد الرجل وحمل الوصية أخيه عبد العزيز الحكيم ( طبعا ألشغله وراثة). وكم كنت مترددا أيضا في الكتابة حول الموضوع لما فيه من محاذير متشعبة اضعف الإيمان فيها هي رصاصة رحمة في رأس الكاتب . وقد حاولوا ذلك منذ حوالي الثلاث أشهر حيث نحتفظ بأسماء الجناة ولكنهم لم يفلحوا , فالكلمة يجب أن تقال للتاريخ والتاريخ فقط , ولا أخفيكم سرا أن احد قادة حزب الدعوة الإسلامية كتب مسودة كتاب بهذا الخصوص منذ سنين ولكنه اخبرني شخصيا انه يحتفظ به ويرغب نشرة بعد موته وان الكتاب في مكان امن . لذا وجدت من واجبي الشرعي والأخلاقي أن اكتب بعض الشيء عن الموضوع للأمانة والتاريخ ليس إلا . محاولا قدر الإمكان الابتعاد عن ذكر الأسماء والتواريخ وتسلسل الإحداث , وقد اضطر بعض الأحيان لإخفاء مالا يستوجب ذكره في هذه المرحلة . كما إني سوف لن التزم تسلسل الأحداث إطلاقا .
البداية :
حزب الدعوة الإسلامية بدأ نشاطه الفعلي والعلني في الساحة العراقية في بداية السبعينيات وان حزب البعث لم يك قد اشتد عوده بعد على الساحة العراقية وهو في طور البناء وكسب الشارع كي يبرر أفعاله التي اقترفها في انقلاب شباط الأسود 1963 ( اقرأ كتاب المنحرفون – مكتبة الغري – النجف الاشرف 1964 ) .
قيادي الدعوة آنذاك مؤسسه الشهيد السعيد محمد باقر الصدر وتلامذته السيد العسكري والحائري والاصفي وقد يستغرب البعض حتى محمد حسين فضل الله وعلي التسخيري والهاشمي ومهدي الحكيم ومحمد باقر وقبضة الهدى وآخرين لايسعنا المجال لذكرهم في هذه النظرة المتواضعة .
اشتد الصراع بين السلطة العراقية التي أعدت للحرب مع إيران قبل سقوط الشاة وقيام الثورة الإسلامية في إيران كما يتصور خطأ بعض المحليين السياسيين أن الحرب وليدة التغيير في إيران ولدينا دراسة مسهبة حول الموضوع نسخة منها في إحدى الجامعات العراقية إن وجدت الآن . كتبناها آنذاك عام 1975 ولم تر النور (تاريخ الحروب بين الجارتين العراق وإيران ) ورفضت وقتها عدة دور نشر , طبعها . لكن ظروف سقوط الشاه وحماس الثورة بالتصدير للخارج قد عجل تلك الحرب .. علما أن العراق كان مرشحا لقيام ثورة شعبية قبل إيران .
اندلعت الثورة الإسلامية في إيران وحمى وطيس الصراع بين السلطة من جهة وحزب الدعوة الإسلامية من جهة أخرى , حيث زج الكثير من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية في السجون وتشتت بعض الخلايا السرية واخترق قسما منها واعدم آخرون ولكن الحزب رغم الضربة القاسية للسلطة له لازال نشطا يستمد قوته من توجيهات الشهيد السعيد محمد باقر الصدر ... خرج من خرج من العراق وبقي من بقى يتخفى من عيون السلطة . فكان قرار البعث الشهير بإعدام الدعاة بعد حضر نشاط الحزب سرا أو علنا.
اتجه قسما من القادة في الحزب إلى سوريا وإيران وبعض أصقاع الأرض . حاول الحزب تجميع قواه من جديد في إيران وسوريا ... شكل حزب الدعوة مجاميع قتالية في إيران عرفت بقوات الشهيد الصدر واحتضنتهم إيران في معسكر اعد خصيصا في جنوب البلاد لسهولة الدخول والخروج لتنفيذ المهمات .
وصل الخبر إلى السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عنه والذي بدوره طالب العراقيين في إيران بتجميع قواتهم والعمل من اجل إنقاذ شعبهم من كابوس البعث وتسهيل أمورهم ودعمهم بكل ما يحتاجونه .
فعلا اجتمع بعض القادة للحزب آنذاك لتدارس الوضع والقيام بزيارة السيد الخميني لتدارس الوضع معه .. وكان الرأي بتجميع كل القوى الإسلامية العراقية الفاعلة بالساحة في تجمع واحد قد يكون مثلا ( مجلس أعلى للثورة ) يظم تحت لوائه حزب الدعوة الإسلامية ومنظمة العمل الإسلامي وحركة المجاهدين العراقيين وآخرين على أن يكون الأمر بينهم شورى ... كانت الفكرة مقبولة من الجميع رغم اختلاف وجهات النظر والحذر من المخاطر التي تحف العمل ...بدأ البحث جديا عن قائد للعمل كبداية , ليس لعدم توفر القيادة . ولكن وضع الساحة العراقية وفهم الشارع العراقي الذي يحتاج قائد له تاريخ في الساحة أو على الأقل من المعروفين عليها دينيا لما للعامل الديني عند العراقيين ركنا مهما في حياتهم .. كان السيد ( .... ) احد قيادي الدعوة حي يرزق خارج التشكيلة التي يعرفها العراقيين ألان , طرح اسم محمد باقر الحكيم المحاصر في داخل العراق وبالإمكان تهريبه لإيران لما للرجل من علاقة حزبية معه وتحمل أعباء الخطة , كان ذلك بداية الثمانينيات . وفعلا تم إعداد خطة تهريب محمد باقر الحكيم من النجف إلى سوريا ومنها إلى إيران ( بالدشداشة واليشماع الأحمر ) كما نوهت في مقالة سابقة . استبشر الجميع خيرا وقدموا السيد محمد باقر الحكيم للإمام الخميني الذي استقبله بحفاوة وفعلا تم إعداد مسودة نظام داخلي للمجلس المقرر الذي سمي رسميا بعد ذلك ( المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ) وجرت الانتخابات داخل المجلس فاز السيد الهاشمي بقيادة المجلس والناطق الرسمي هو محمد باقر الحكيم الذي من المفترض تمثيله حزب الدعوة داخل المجلس .. لكن الرجل بعد تثبيت أقدامه جيدا بعلاقاته الحميمة مع الجانب الإيراني واستقلالية عمله دون مشورة الآخرين حيث كون له جناحا داخل المجلس بعدد من الأعضاء بعد أن أصبح رئيسا دائما للمجلس منذ تأسيسه وحتى استشهاده خلافا لدستوره .
المخابرات الإيرانية كان لها دور أبو ناجي خبيث ( فرق تسد ) حيث دعموا محمد باقر الحكيم الذي تنصل من انتمائه لحزب الدعوة الإسلامية بعد أن وفروا له كل الإمكانيات المادية والإعلامية ونقصه الوحيد التأييد الجماهيري وقوة عسكرية عراقية ضاربة .. بدأ البحث عن سبل أخرى .. تحرك الإيرانيين لحزب الدعوة الإسلامية وطالبوهم بقوائم أسماء الأعضاء , فرفض الحزب الذي اعتبر ذلك تدخلا سافرا بشؤونه وخصوصياته ولسرية وحساسية الأسماء والخطورة الأمنية فكان الرفض قاطعا وبدون نقاش . حيث كان يرغب الحزب العمل باستقلالية تامة دون تدخل من أية جهة .
لقد وجد الإيرانيون مبتغاهم في محمد باقر الحكيم الرجل المطيع لكل الأوامر عكس حزب الدعوة الذي يريد استقلالية عمله عن الجانب الإيراني وهذا حتما لا يحلوا لهم إطلاقا . فاشتدت المؤامرة تلو الأخرى.
تحرك الإيرانيون على قوات الشهيد الصدر وطالبوهم بالانضواء تحت قيادة محمد باقر الحكيم ولم يفلحوا بداية . حيث قطعوا لقمة العيش عنهم رويدا رويداا وناقش الحزب أمرهم الذي هو أصلا يعتاش على مساعدات أعضاء الحزب في الخارج وعلى مساعدات المتعاطفين معه في الداخل الإيراني وسوف لن ننسى موقف الشهيد الشيخ العطار الذي أطلق عليه فيما بعد خزينة الحزب لدعمه المادي المطلق للحزب . فوصل الأمر بتلك القوات الثلة المؤمنة البحث عن رغيف الخبز . لكنهم بقوا صابرين محتسبين . ( وصلتنا رسائل وقتها نحتفظ بها ألان . إن هؤلاء الرجال وصلوا الى حال يرثى لها !!!!! لا استطيع ذكر المحتويات ) .هكذا وصلت الحالة . تصورا!!! من اجل إيصالهم مرحلة الانهيار والقبول بالأمر الواقع ليكونوا عبيدا للسيد الحكيم.
تحرك السيد محمد باقر الحكيم داخل إيران وسوريا وبعض الدول الأوربية لتجميع ما يمكن تجميعه من أنصار وتحت أي ذريعة , فكسب قسما من المسفرين ومن بعض العوائل في مخيمات اللاجئين العراقيين الهاربين من بطش النظام العراقي .
حتى كاتب السطور هذا العبد الفقير تم الاتصال به لفتح مكتب للمجلس في إحدى الدول الأوربية , رفض . رغم سنين من المحاولات اليائسة والوسيط حيا يرزق .
انظم لركب السيد الحكيم بعض الشخصيات الباحثة عن سلم الشهرة وتسلم المناصب المغرية . الإيرانيون يعملون على قدم وساق لتدمير حزب الدعوة وبشتى الوسائل والطرق يساعدهم في ذلك السيد محمد باقر الحكيم كي يعتلي سلم القيادة الجديدة بكل الوسائل وشتى الطرق.
في احد الأيام تجمع بعض أنصار السيد محمد باقر الحكيم وهم يحملون الهراوات بهجوم غير طبيعي على مقر حزب الدعوة الإسلامية في طهران وأصابوا الحراس واعتدوا على بعض القيادات وتم إشعال النيران بداخله , أتلفت بعض محتوياته . خلافا لكل الأعراف وأخلاق الضيافة وزج بعض الإخوة الدعاة في السجون لدفاعهم عن النفس ليس إلا . فالحزب يعرف سر هذه الهجمات وجازما بأنها لن تكون الأخيرة .
طبعا الإيرانيين يشكلون غطاءا لتلك الإعمال رغم تظاهرهم غير ذلك .
أفضل الطرق شق الحزب من داخله وتجريده من قوته العسكرية في معسكر الشهيد الصدر . هكذا كان يفكر الإيرانيين ومحمد باقر الحكيم وقتها .
حيث نستطيع تسمية هذه الحقبة , مرحلة المؤامرة .
وللحديث بقية
سليمان الفهد
كاتب وسياسي عراقي
Sulaiman_alfahd@hotmail.com