تعليق السيد فضل الله على قانون منع الحجاب في المدارس بعد اقراره
السيد فضل الله لوكالة الصحافة الفرنسية:
من حقنا أن ننقد قانون الحجاب، فالتدخل في شؤون فرنسا لا ينسحب على النقاش الفكري
إننا نأسف ونستنكر هذا القرار الفرنسي، لأنه، في نظرنا ونظر الكثيرين من المسلمين وحتى العلمانيين في العالم، قرار لا يرتكز على أية قاعدة فكرية. ذلك أن الأمر يتعلّق بحقوق الإنسان، ويبتعد عن الإساءة للعلمانية التي تتبناها فرنسا، وهو يمثِّل اضطهاداً لفريق من الطلاب الذين سوف يتعقدون نفسياً من وطنهم فرنسا عندما يواجهون هذا الاضطهاد الديني في مدارسهم، ولا سيما إذا أصرّوا على الالتزام الديني بالحجاب، ما يؤدي إلى طردهم وحرمانهم من التعليم. إذ ربما يعلق بعضهم أن فرنسا التي قادت الثقافة في العالم وقادت مسألة تقدم المرأة، تحرم الفتيات المسلمات من التعليم إذا كانت ظروفهنّ لا تسمح لهنّ بالدخول في المدارس الخاصة.
إن المسألة التي طرحت في هذا القانون قد تشمل كل الديانات التي تملك رمزاً دينياً، ولكنها ـ كما عبّر أحد وزراء الحكومة الفرنسية ـ تستهدف بالدرجة الأولى، الحجاب الإسلامي، لأن هناك تعقيداً بعد 11 أيلول، ومن خلال بعض الخلفيات التاريخية في فرنسا، ضد الإسلام والمسلمين، كما أنها (المسألة) ناجمة عن تأثير الإسلام الفرنسي على الواقع الفرنسي، وهي تدخل في إطار الحملة على "معاداة السامية".
ومن الطريف أن العرب الذين يمثلون أغلبية إسلامية هم ساميون، ولكن فرنسا الحرّة ترفض انتقاد السياسات اليهودية في أيّ مجال من المجالات لتعتبرها معاداة للسامية، ونحن نعرف أن إسرائيل هي التي تعادي السامية، لأنها تعادي العرب، الذين هم أكثر سامية من اليهود.
إن القانون الفرنسي وبقية القوانين الأخرى في الغرب يعكس عدم الاعتقاد بعصمة الأنبياء، ولكنهم يعتقدون بعصمة اليهود في العالم، فهم يرفضون أن ينتقدهم أحد في سياستهم إزاء إسرائيل وغيرها، ويعتبرونها معاداة للسامية. إن بعض المعلمين يتعقدون من انتقاد بعض الطلاب المسلمين لليهود في ألمانيا أو غيرها، لأن المسألة عندهم أنه لا يجوز انتقاد اليهود، لكن لا مانع من انتقاد المسلمين، ولا مانع من انتقاد المسيحيين.
إننا نعتقد أن هذا القرار سوف يسيء إلى فرنسا في وعي المسلمين في العالم، والذين يمثلون خُمس العالم في تعدادهم. وإذ نؤكد رفضنا لهذا القرار، نقدّر، في الوقت نفسه، موقف رأس الكاثوليكية في العالم، البابا، الذي دعا إلى احترام الحرية الدينية وحرية المعتقد، موحياً بأن رفض الرموز الدينية، وفي مقدمها الحجاب، هو انتهاك للحرية الدينية وحرية المعتقد.
إننا نخشى من المؤثرات الشعورية لدى العالم الإسلامي تجاه فرنسا. فنحن في الوقت الذي نجد بأن المواقف السياسية الفرنسية هي أقرب للقضايا العربية من أمريكا، نقدر في هذه المرحلة الموقف الأمريكي من اعتبار هذا القانون قانوناً يتنافى مع القاعدة الفكرية للعلمنة، ويعمل على انتهاك الحريات الدينية في هذا المجال. إننا نرفض هذا القرار لأنه في نظرنا قرار لا معنى له، ونؤكد أن كل ما أثير في البرلمان الفرنسي من قِبَل المؤيدين له لا يرتكز على أية قاعدة علمية حتى في تفسير العلمانية، وحتى في الحديث عن خطر هذه الرموز عليها.
إننا ننظر بشيء من الأسف إلى تصريح بعض النواب في البرلمان الفرنسي حول قضية هذا القانون بأنه يمنع تحوّل المدارس إلى ساحة للجدل الديني. إننا نعتبر أن مجرد وضع رمز ديني يوحي بوجود تعدد الأديان في العالم، أمر مماثل تماماً لتعدد الأحزاب وتعدد الاتجاهات في العالم، فهل هذا يثير الجدل؟؟
إن عدم وضع رمز ديني لن يمنع الطلاب المسلمين والكاثوليك واليهود وغيرهم من إثارة المسائل الدينية في المدرسة بين بعضهم بعضاً وفي ساحة الملعب. إن الدين في العقل والقلب وليس في مسألة الرمز.
ونقول لهم إن ذلك لا يحلّ المشكلة، إذا كانت هناك مشكلة.
إننا من حقنا أن ننقد هذا القانون كما أن الفرنسيين يجدون من حقهم أن ينقدوا بعض القوانين في الدول العربية والإسلامية، ونعتبر أن هذا من حوار الحضارات، ونحن نسجل على الحضارة الفرنسية بأنها تعمل على نوعٍ من الاضطهاد الديني حتى لو قالت بأن هذا القانون لا يمثل ذلك.
وندعو المسلمين الفرنسيين ألاّ يواجهوا هذا القرار بأي أسلوب من أساليب العنف، بل إن عليهم أن يؤكدوا مواطنيتهم وأنهم جزء من دولة فرنسا، وأن من حقهم الاعتراض على أي قانون يحتقر مواطنيتهم، لأننا نرفض العنف في هذا المجال.
وإذا كان بعض الناس يعتبر أن هذا يمثل تدخلاً في شؤون فرنسا، فنحن نعتقد أن ذلك غير صحيح، لأن التدخل يبرز في الجانب المادي، لا في الجانب الفكري الذي يرتفع فيه فكر على فكر.
كما أننا ندعو المسلمين في العالم إلى أن يفصلوا بين القضية السياسية وبين القضية الدينية في هذا المجال.
ونحن نقول إننا سنبقى في حوار مع فرنسا ومع الغرب حول القضايا الإسلامية، لأن المسلمين أصبحوا مواطنين في أكثر دول الغرب على مستوى الملايين ومن حقهم أن يطالبوا باحترام مواطنيتهم في ذلك.
بيروت 20 ذو الحجة 1424 هـ الموافق في 11-2-2004م