معركة الانتخابات الخاسرة
"نحن نمارس الحكم كمهنة" سلام الزوبعي- 29 آذار 2010
افرزت الانتخابات الأخيرة نتائج كانت متوقعة للبعض، لكنها شكلت مفاجأة للكثيرين من العراقيين والمتابعين للشأن العراقي. لقد عكست نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة تغيرات حقيقية في مواقف العراقيين السياسية، كما مثلت أيضاً ترسيخاً لواقع سياسي واجتماعي عراقي يمتد لقرون. فنمطية الانتماء الطائفي، و تسييس الدين، و تديين السياسة، و تطبيق فعل المؤامرة، الذي أثبت أنه ليس نظرية وإنما ممارسة لها أصولها، تمارس، يومياً، بشكل راق حيناً ومبتذل حيناً آخر، بكفاءة يقل نظيرها في العالم. و تثبت أن المؤامرة، تستطيع إن توفرت بعض الظروف المناسبة لنجاحها، تستطيع أن تقلب أوضاعاً و تبدل أسساً دون سابق إنذار. لقد أصبحت الانتخابات العراقية "ميتافوراً" لواقع العراق وشخصيته وتنوعه وعقده.
الانتخابات أثبتت أن العراقي يمارس ديمقراطيته ذات الإصدار الخاص به، عن قناعة أو دونما قناعة، وأصبح يفهم أنها آلية مناسبة لإحداث التغيير، ولكنه فهم أيضاً، أنها تصلح أن تكون أداة انتقام، ضد هذا السياسي أو ذاك الفصيل، و ربما آلة في عملية التآمر. هكذا هي الحياة في وسط الأجواء الديمقراطية العراقية الفريدة في المنطقة. فالعراقي السني، الذي يعيش في بلد يقال أنه يقاد من الشيعة، مقارنة بجاره السعودي السني، الذي يقوده السنة، يتوفر على مساحة هائلة جداً من الحرية. فهو يمتلك عدد كبيراً من وسائل الإعلام التي تعكس وجهة نظره سواء كانت متطرفة أو معتدلة. وفي هذا البلد الذي يقال أنه يحكم من قبل الشيعة، يمارس السني العراقي حريته كاملة في انتقاد الحكم، و التآمر عليه في بعض الأحايين، بل والتخابر مع جهات أجنبية إن شاء، و رفع السلاح في وجه حاكمه الشيعي دون أن يخشى كدراً أو أذى. والسني العراقي أسوة بجاره السني السوري يستطيع أن يختار من يمثله في الحكومة بحرية تامة دون أن يفتش موظف الأمن في تفاصيل حياته في ملفه المحفوظ في بعض الأقبية، إذ أنه بكل بساطة لا يوجد له ملف أمني، يتم تدقيقه مرة كل شهر. كما أن السني العراقي مقارنة بقريبه المصري السني يستطيع أن تواتر عدة حكام في بلده، بدلاً من أن يموت وهو يحلم بالخلاص من رئيسه الذي يحكمه مدى الحياة.
و هكذا رغم كل ما يجده السني العراقي من بحبوحة العيش، من خلال تنفسه هواء الحرية النقي في العراق، مقارنة بجيرانه السنة الذين يتنفسون الهواء الفاسد المنبعث من أجهزة الأمن و عوادم الدكتاتوريات، إلا أنه ولعدد من الأسباب، منها ما يتعلق بهذه الديمقراطية، ومنها ما يتعلق بتركيبته السياسية والاجتماعية، ومنها ما يتعلق بعقد دول الجوار، يتعرض إلى الخديعة، والاستغلال من المحيط العربي، يتعرض إلى ما يجعله رخيصاً إلى درجة حولته إلى راع لمصالح دويلات تعودت على ممارسة التآمر. ورغم التجربة المريرة لحزب البعث في العراق، والتي أثبتت أن البعثيين، ليسوا فقط جهلة في الحكم، بل وأنهم هم المسؤولون عن انهيار الدولة العراقية، بسبب تراكم الأخطاء و عبثية القرارات، رغم ذلك فما يزال حزب البعث منصباً على أنه القائد للسنة في العراق، وهذا واحد مما أفرزته الانتخابات الأخيرة. فالسنة مايزالون يقادون من حزب البعث، وبإرادة عواصم الجوار. لكن تبقى المفارقة أن العراق بالنسبة لعواصم الجوار لم يكن مقبولاً في يوم من الأيام، سواء حكمه السني أو الشيعي، أو كان ذلك الحاكم ملكاً أو ضابطاً، انقلابياً أو منتخباً، بعثياً أو إسلامياً. ونستطيع أن ندّعي أن العراق كان على الدوام يتعرض إلى سياسة حصار واحتواء وحرب من قبل هؤلاء الجيران. إذ أن مصلحة تلك الدول فيما يبدو تتحرك في أفق إبقاء العراق ضعيفاً، غير قابل للنهوض، وشعبه أداة لتنفيذ ارادات دكتاتورياتها. و لهذا أسباب ربما يتسع وقت كي نأتي على ذكرها.
تم خلق اسطورة لدى السنة العراقيين، كانت إحدى البواعث التي تغذي ممارسة المؤامرة لديهم. و تمثلت الأسطورة بأن السنة هم رجالات حكم، يتميزون بالدهاء و الحنكة السياسية، وهي التي تمثل المشروعية للوصول إلى الحكم، فكونك سنياً، يعني أنك رجل حكم، وبالتالي يصبح الحكم من حقك، و أن تكون جزء من الجوار السني. ولكي تتخطى عقدتك كأقلية، تتكئ على الجوار العربي-السني، قتتحول بجرة قلم إلى أكثرية في مواجهة أكثرية-أقلية هي الشيعة. نظرية رسخها حزب البعث وتم تبنيها وتطبيقها، وثبت فشلها. فتلك النظرية لم تخلق عراقاً مستقراً، ولم تخلق عراقاً منسجماً مع جواره العربي السني وغير السني، ولم تنجح حياة مزدهرة حتى للسنة العراقيين أنفسهم.
نأتي إلى ما حدث مؤخراً، محاولة جعل السنة قادة للعراق من جديد، رغم أنف الشيعة، حيث ستكون نتائجه المتوقعة، إعادة العراق من جديد إلى التخندق الطائفي. بل و سيتجه الشيعة إلى الأخ الأكبر المفورض عليهم، إيران –وهو أمر سترحب به إيران- إن اقتنعوا أن الأجندة العربية السنية وبقيادة سعودية و برضى أميركي ستعيد الأمور على ما كانت عليه قبل سقوط نظام صدام حسين. وهكذا ستعطي هذه الوصفة العربية هدية كبيرة للايرانيين، و سيجد السعوديون والأميركيون ومن أمامهم سنة العراق أنهم خسروا الكثير جراء هذه السياسة. وفوق ذلك كله دعونا نهمس في أذن السنة في العراق، لا تنسوا أن هؤلاء الجيران العرب، دون استثناء يعانون من مشاكل مزمنة، وتمتلئ طرقاتهم الى المستقبل بمئات الألغام والقنابل الموقوتة، و لم نشهد لحد الآن انجازاً عربياً يذكر على مستوى السياسة، والتطور في الاقتصاد، أو التعليم أو الثقافة أو العلوم.
ما أردت ذكره هنا أن الخطة التي تحركت في أفق إحداث انقلاب من نوع ما، من خلال صناديق الانتخابات البلاستيكية، أرادت أن تجعل3 محافظات سنية هي التي تحدد من يكون في موقع المسؤولية الأول في العراق، اصطدمت، و ستصطدم بعوائق كثيرة، و كبيرة، خلقها تعقيد الواقع العراقي الذي بني خلال سبع سنوات، يجعل من الصعب جداً أن تنجح مثل هذه الخطة، بل وسترتد على من تحرك بها، بشكل لا يحمد عقباه، حتى وإن حظيت بدعم الولايات المتحدة أو غيرها.