عندما توجهت الناس الى الانتخابات متحدية الموت المتربص في كل زاوية من زوايا العراق على يد عصابات الإرهاب البعثي الوهابي ..لم تكن تضع في ذهنها ان هذا المترشح الذي سيتبوأ مقعده في البرلمان الجديد سيكون تلك العبقرية التي ستنتشل العراقيين من غيابات سنوات الظلم والقهر والذبح التي عاشها العراقيون ولم تول الا بعد أن جعلت كل عراقي ما خلا اولئك المجرمين يدفع نصيبه من الضريبة الباهظة في أعزائه وحياته ووجوده وإستقراره وتطوره الطبيعي الذي يمكن أن يعرفه أي إنسان يعيش في ظروف إعتيادية ليس فيها لا قائد ضرورة ولا حزب قائد .. ولا عشيرة متسلطة تستبيح الوطن والأرواح والأموال والدماء والأعراض .. ولا منظمات رسمية وغير رسمية أُنشأت من أجل أن تحول حياة العراقيين الى جحيم كي يعيش المتسلطون في نعيم .. الأمر الوحيد الذي حمل هؤلاء الذين هم في السلطة والبرلمان وتحت الأضواء الى حيث هم هو آلام الناس ومعاناتها من نظام القهر البعثي المنهار .. وحتى عندما ترشحت بعض الاطراف ونافست من هم في الصدارة اليوم .. كان العراقيون يتنافسون على إسقاط الطرف الآخر من باب شبهة إنتمائه لحزب البعث او تستره على تسلل البعثيين مرة أخرى الى السلطة ..
تقلد هؤلاء اليوم لمقاليد السلطة او مقاعد البرلمان تعني في الحد الأدنى أمانه حملهم إياها الشعب ومع ان الغالبية ممن يحتلون الصدارة اليوم قد أثبتوا بالممارسة بأنهم ليسوا أهلا لحمل مثل هذه الأمانة .. إنما ولو من باب المصالح الشخصية او الحزبية او الفئوية فإن الشعب لن ينسى لهؤلاء أنهم يقدمون اليوم على التفريط بمصالح هذا الشعب او مصالح من وضعهم في سدة الحكم .. والانتخابات التي مرت لن تكون الأخيرة .. وعموم الناس تعرف اليوم وجربت وإختبرت ولن يشفع لأحد بعد ذلك أي أحد ومن يقصر في حمل الأمانة سيدفع الثمن غدا مهما كانت آماله وفي أي طرف بأن يعود مرة أخرى الى تحقيق المنافع الشخصية على حساب مصلحة الشعب الذي حمله الى مجلس النواب من أجل ان يحقق مصالح هذا الشعب لا مصالح أطراف وجهات أخرى ..
عندما يتلفت المواطن الى وضعه الخاص او وضع الشعب والوطن سيجد التقصير والإخفاق في كل ناحية من نواحي الحياة .. لكنه يتسامح ويصبر ويمني النفس وحتى يبرر حينما يقارن وضعه في عراق بدون صدام ومجرمي البعث وبين عراق صدام الذي باد وإنطوى .. مع ان ثمن إزاحة صدام وزمرته المجرمة كان باهظا وكبيرا وإنتهى الى إحتلال العراق لأمد لا يعلم مداه إلا الله .. فضلا عن أثمان كثيرة يدفعها المواطن العراقي على مدار الساعة .. ويرضى بدفعها حتى لا تعود عقارب الساعة الى الوراء ..
ولا ننسى هنا بأن السياسيين المتربعين على عرش السلطة اليوم لا يجدون بابا يدخلون منه الى أفئدة الناس وعقولهم أرحب وأوسع من باب العداء للفترة الدموية البشعة لحزب البعث في العراق .. أو من باب وضع الضوابط للحيلولة دون عودة تلك الفترة .. لو تتبعنا كل الخطوات والإجراءات السياسية منذ سقوط نظام صدام الى يومنا هذا والقوانين الصادرة لتنظيم هذه الإجراءات سنجد أنها تمت ومررت تحت شعار رفض ذلك النظام وممارساته الذي وجد فيه السياسيون وسيلة لتحقيق ما يريدون لأنه يلقى إستجابة منقطعة النظير عند المواطنين وبالطبع نعني هنا بالمواطنين اولئك الذين إكتووا بنار ظلم وبشاعة النظام البعثي وهم الغالبية العظمى من الشعب العراقي ولا نتحدث هنا عن المستفيدين والمنتفعين من النظام السابق او أولئك الوالغين بدماء الشعب العراقي ولا من يمارس الترف التنظيري والسياسي سواء داخل أو خارج العراق .
وبينما يستفيد كثيرون من ركوب موجة الإنتصار لضحايا الإضطهاد والظلم فإن المظلومين والمضطهدين لم ينالوا من حقوقهم شيئا يذكر فما زالت عوائل الشهداء في الدرجة الأدنى من سلم الإستفادة من الوضع الجديد بل ربما لم تضع قدمها على أول درجات هذا السلم أصلا .. ولدينا أمثلة لا تعد ولا تحصى ويكفي ان يلتفت أي واحد حوله لينظر ماذا جنت عوائل وأسر الشهداء والمظلومين والمطاردين والمعتقلين من منافع في ظل الوضع الجديد وسيجد أن الحالة العامة هي : لا شئ ..
وبينما يسود الحديث عن مظالم الناس والجرائم التي إرتكبت في ظل العهد البعثي المجرم أطنانا من الصفحات فإن جزاء عادلا لم ينل من المجرمين الذين تسببوا بمآس يحتاج حصرها الى مداد بحجم بحر بل ان الغالبية الساحقة من المجرمين قد أفلتت من العقاب والأنكى من ذلك أن أياد ملطخة بالدماء عادت لتساهم في بناء عراق ما بعد صدام وإجرامه .. او على الأقل تعيش في أمن وإطمئنان نتيجة صفقات سياسية أو أمنية مع المحتل في المقام الأول ..
وحتى عندما أقيمت المحاكم ومع ان نتائجها على ضآلتها قياسا الى ما إرتكب نظام البعث من جرائم والى سعة رقعة المجرمين المساهمين في هذه الجرائم كانت تدخل بعض السرور الى نفوس الضحايا .. لكنها كانت رمزية أكثر مما يجب ولم تطل من ساهموا في تحويل حياة العراقيين الى موت وخراب ودمار .. ولو أخذنا محاكمة مجرمي الدجيل مثلا لوجدنا أنها أغفلت امورا كثيرة ولم ترد إعتبار الضحايا ولا أماطت اللثام عن حقيقة النظام وجسامة جرائمه وأغفلت ان هناك مجرمين آخرين لعبوا أدوارا قد تفوق في جرمها الأدوار التي قام بها من صدر بحقه حكم الإعدام من المجرمين ..
.. يتبع