النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2003
    المشاركات
    16

    افتراضي لماذا لم تقتل ابن زياد يا مسلم؟

    لماذا لم تقتل ابن زياد يا مسلم؟
    زكي لطيف
    تاريخ الشيعة بتاريخ الإسلام إلا أن الطائفة الشيعية انقسمت إلى العديد من المذاهب، بقي منها الاثنى عشرية والإسماعيلية والزبدية وكلا هذه المذاهب منقسمة فيما بينها إلى فرق وتيارات متعددة على غرار المذهب الإسلامية الأخرى،الشيعة في هذا العصر اغلبهم أثنى عشرية وتراثهم التاريخي يحتل الجزء الأعظم من التاريخ الإجمالي للطائفة الشيعية، ألاحظ على هذا التاريخ عنصر التراجيديا ،فهو حاضر باستمرار ، فالزهراء (ع) ماتت مظلومة غاضبة على الخليفتين ومسقطة جنينها ومطالبة بالخلافة لزوجها وأب ابنيها الحسن والحسين الإمام علي(ع) الذي وابنيه قضوا مقتولين على أيدي أعدائهم، فعلي بضربة سيف وهو يصلي في ليلة التاسع عشر من رمضان سنة 40 هـ ونجله الحسن قضا سمى على يد زوجته جعده والحسين قتل بسيوف من دعوه للخلافة بالقرب من الكوفة سنة هـ61، ويكاد يجمع المؤرخون الشيعة وعلماء المذهب وأقطابه على أن كافة الأئمة (ويستثنى بطبيعة الحال الإمام المهدي الغائب) قضوا جميعا بالسم على يد حكام عصورهم، وتشير الكثير من الأدبيات والمرويات في سيرة الإمام الغائب (المهدي بن الحسن) على انه سيموت بالسم أيضا ، ويقر العديد من العلماء والمؤرخين الشيعة على أن النبي(ص) مات بالسم كذلك ، ونظرا لمسببات عديدة وعوامل متعددة في التاريخ كان الشيعة أقلية وفي نفس الوقت كانوا يشكلون عنصر المعارضة الأبرز للأنظمة الحاكمة خاصة في العهود الأموية والعباسية ، لذلك فقد أوقع فيهم الحكام المتعاقبين المجازر في مقدمتها مجزرة حرب كربلاء التي جرت بين الإمام الحسين وأصحابه وجيش ابن زياد الذي يشكل الكوفيين الذين دعوا الحسين لتولي السلطة معظم جنوده وتليها ثورات عديدة كثورة التوابين وثورة زيد بن علي ويحي بن زيد وغيرها الكثير، كما كان الشيعة باعتبارهم أقلية عددية في مقابل أهل السنة ضحايا لفتن دامية في التاريخ ،وما يجري اليوم في العراق ليس سوى امتداد لذلك المسلسل العبثي منذ ما يناهز الألف سنة حتى يومنا هذا.
    لم يكن الشيعة مهادنين لسلطات زمانهم ولو كانوا كذلك لما تعرضوا للقتل والتصفية ولما أصبحوا أقلية في مقابل المذاهب الأخرى، في فترات قليلة في التاريخ السياسي قامت دول شيعية كالادارسة في المغرب والبويهيين في العراق والدولة الصفوية في إيران، والأخيرة هي التي فرضت المذهب الشيعي الأمامي على الشعب الفارسي وقبل ذلك كان سكان فارس يدينون بالإسلام على مذاهب أهل السنة وخرج منهم العديد من الفقهاء والأعلام كالإمام البخاري صاحب صحيح البخاري ، ثاني كتاب بعد القران الكريم عند فقهاء أهل السنة ، وتشيع إيران اليوم لا يتجاوز عمره ال700 عام، فقط بينما تشيع بعض حواضر الخليج والعراق يعود إلى أيام حكم الإمام علي (ع) .
    تعرض الشيعة للاضطهاد فرضته عوامل متداخلة ومتشابكة، من أهمها عدم ولاء أقطاب المذهب سواء من الأئمة أو الفقهاء للحكومات القائمة على العكس من المذهب السنية ، و لم يمتلك علماء المذهب وأعلامه أية رؤى تمكنهم من الانسجام والتعامل الايجابي مع هذه الحكومات، لذلك طغى التوتر والشك والريبة على علاقة الطائفة الشيعة بالحكومات السنية القائمة وشابتها الدماء والصراعات الطائفية، هذا الاضطهاد المستمر من قبل الدول والأنظمة التي تعاقبت على الحكم اوجد في الحياة الشيعية عقدا نفسية ودينية عميقة ، فرغم أن الشيعة في العراق الجديد هم من يمسك بزمام السلطة إلا أن هناك أصوات من كبار القادة الدينيين كالسيد عبد العزيز الحكيم تطالب بالفيدرالية وتصر على إقامة فيدرالية في الجنوب الشيعي ويبرر الحكيم موقفه هذا بان ذلك ضمانا لعدم عودة الديكتاتورية،ّ رغم أن النظام السياسي الحاكم في عراق ما بعد صدام حسين تتزعمه الأغلبية الشيعية، ومن المفارقات أن الأقلية السنية تعارض الفيدرالية وتدعوا إلى حكومة مركزية قوية!!
    هناك عقدة المظلومية التي ما تزال مستحكمة في التركيبة النفسية والعقائدية للشيعة، كما أن الشيعة بشكل عام خبراتهم في إدارة السلطة محدودة قياسا بالسنة الذين تولوا الحكم بعد وفاة النبي(ص) مباشرة ، ومن النكات الجديرة بالاهتمام أن الأغلبية في العراق والبحرين من الشيعة إلا أن العراق الحديث حكم من قبل الأقلية السنية إلى نهاية عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وفي البحرين تتربع الأقلية السنية على سدة السلطة رغم أن الشيعة يمثلون الأكثرية العددية .
    أن عقدة المظلومية المستحكمة وما يرتبط بها من مفاهيم وقيم وضعف الخبرات السياسية وقلة المؤسسات المدنية والتنفيذية والحضارية في الاجتماع الإنساني الشيعي حول الشيعة على مر تاريخهم إلى مذهب مضطهد مقهور، ولعل من أثار ذلك عقيدة التقية.
    يحيي الشيعة مآسيهم التاريخية طوال العام، في مناسبات يغلب عليها البكاء واللطم وكافة أشكال التعبير عن الحزن والتفاعل العاطفي مع القيادات التاريخية في مقدمتها الأئمة ، إلا أن هذه الشعائر الدينية وان كانت تحمل جوانب تنويرية كالمحاضرات السياسية والثقافية إلا إنها تخلو من النقد ورصد الأخطاء التي من الممكن أن تكون كارثية والتي أدت إلى حدوث تلك المجزرة أو تلك الواقعة التي اجتمع الحاضرون للبكاء عليها ! ذلك أن المذهب الشيعي كغيره من النحل الدينية أسير عقائد صلبة تنعدم فيها مساحات الحرية اللازمة لنقدها ومراجعتها ،لذلك ظل الشيعة أسراء لماضيهم التراجيدي في معظم الأحيان ، وتغدي هذه النزعة الصوفية تلك العقائد التي تدعوا المجتمع المتدين للصبر وانتظار المهدي الغائب، الذي سوف ينتقم للشيعة وأئمتهم ويجعلهم سادة العالم.
    أن انتصار الشيعة في إيران ولبنان قائما على تلك النزعات العقائدية الصوفية التراجيدية وليس على جلد للذات تاريخا وعقيدة ، أن التاريخ والعقائد الشيعية مثلما سخرا لتصب في صالح المشروع الديني الشمولي في إيران ولبنان استغلا أيضا للإبقاء على دائرة الصبر وتحمل الاضطهاد الممارس على الفرد والمجتمع حتى ظهور المصلح ، فلقد انقسم الفقهاء الشيعة إلى فرقتين، الأولى ترفض الحكم والسلطة والكفاح في سبيل مجد الطائفة الشيعية وعزها،في رجوع أيدلوجي للفتاوى الفقهية وعبر فهم آحادي الجانب لتاريخ قادة الشيعة ، لتصبح المفاهيم الدارجة ضرورة حفظ الأموال والأنفس وحرمة الخروج في عصر الغيبة والثانية بناء على توابث ومنطلقات تاريخه وعقائدية وفقهية أيضا تنادي بالجهاد كما في لبنان والعراق أيام حزب البعث وفي ظل الاحتلال الأمريكي، وفي كلا الحالتين ليس الإنسان الشيعي سوى وقود للاجتهادات المتباينة وللمركزية المسيطرة، فإذا اجتمع على السلم قيل هكذا كان الحسن وإذا رفع السلاح ورفرفت راية الحرب قيل الحسين ! وفي كل الحالتين تنعدم الرؤى الناقدة الداعية لانتشال الإسلام الشيعي من عقدة الضعف والحزن السردي وعدم تكبيله بالتعاليم الدينية التي تقف في وجهة تأسيسه لنظام سياسي واقتصادي واجتماعي متمدن ومنفتح يحتضن الدين إلى جانب القيم الإنسانية المتسالم عليها .
    للشيعة إلى يومنا هذا عقدهم المستحكمة سياسيا، فهم يرفضون الاعتراف بشرعية الأنظمة الحاكمة بل حتى نظام ولاية الفقيه في إيران لا يقره إلا القليل من الفقهاء ويرى الأغلبية بان الحكم الإسلامي الصحيح هو من حق المعصومين فقط ، وبسبب هذه العقيدة يرفضون إقامة أية علاقة مع السلطة، ومن هذا السلوك العصامي المتطرف أصبحت علاقة الشيعة بالسلطة كإدارة ونظام سياسي قائم ضيقة ومتوترة على مر الزمان، وللشيعة عقدهم النفسية فهم تاريخا ضحايا دائمين للقمع السياسي والمذهبي وللتصفيات الجسدية والمجازر، فهم اليوم في العرق يقتلون يوميا رغم كونهم الأغلبية العددية والسياسية والعسكرية !! أن هذا الخلل الذي يعيشه الشيعة إلى يومنا هذا ليس سوى امتداد لأخطاء تاريخية خطيرة انعكست على الشعوب والمجتمعات الشيعية على امتداد أجيال متعاقبة، في ليلة الرابع من المحرم يجتمع آلاف الشيعة بل الملايين منهم في جميع أنحاء المعمورة ليقرئوا سيرة مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين في الكوفة ، يبكي الحاضرون على مصيبة مسلم ويذكرون بطولاته الخالدة، إلا أن نظرة تحليلية متصفة بالموضوعية والحياد والمعالجة التاريخية لا شك بأنها سوف تكشف حقائق خطيرة وأخطاء جسيمة لو إنها لم تحدث لانقلبت الأحداث رأسا على عقب لصالح ثورة الإمام الحسين (ع) ولستتب له الحكم والسلطة ولانهار حكم بني أمية وتغير مسار الإسلام العقائدي والسياسي تماما، هذه الأخطاء أظن أن العديد من العلماء والفقهاء والمفكرين الشيعة التفتوا إليها إلا إنهم وئدوها في دواخلهم وعوضا عن مراجعتها وتحقيقها من اجل تصحيح مسار الطائفة الشيعة في مختلف الأصعدة الميادين الحيوية عمدوا إلى بث الفلسفات المناوئة لمنهج التفكير النقدي والموضوعي كقولهم أن الإمام الحسين ذهب ليقتل وانه كان يعرف مصيره، "وما منا إلا مقتول أو مسموم" رغم أن العديد من المؤرخين يشككون في أن جميع الأئمة قضوا مسمومين كما يقول بذلك اغلب الفقهاء وما هو شاع في الثقافة الشعبية الدارجة ، وذلك من اجل عدم فتح باب النقد والمراجعة والتحليل في ثورة الإمام الحسين التي تعتبر إحدى أهم الأحداث التي تأسست منها الكثير من العقائد والمفاهيم والفتاوى التي يستند عليها الشيعة بشكل عام والأمامية خاصة .
    نظرة مقارنة بسيطة بين مسلم بن عقيل(ع) سفير الإمام الحسين (ع) وسيرة عبيد الله بن زياد والى يزيد بن معاوية على الكوفة ، تتضح من خلالها الأخطاء التاريخية الفادحة التي اثرث على الإسلام الشيعي وجعلته عرضة للاضطهاد والقمع والضحية الدائمة لسياسات السلطات الحاكمة على مر الزمان سواء كان أكثرية أو أقلية مذهبية ، عندما سار مسلم للكوفة اعترته مشقة فركن للسلامة وطلب من الحسين الإعفاء ، يقول ابن مخنف: فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى حسين وذلك بالمضيق من بطن الخبيت. أما بعد فاني أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا واقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بخشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبيت وقد تطيرت من وجهي هذا فان رأيت اعفيتنى منه وبعثت غيري والسلام" (1)
    أما مسيرة ابن زياد للكوفة فقد اتصفت بالجلادة والقوة والبأس، فقد خرج ابن زياد ومعه المئات من أهل البصرة ومضى حثيثا نحو الكوفة، يسابق خطاه ويصل الليل بالنهار حتى مات منهم الكثير فلا يلتفت إلى من قضى نحبه منهم "لما جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد انتخب من أهل البصرة خمسمائة فيهم عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور وكان شيعة لعلي فكان أول من سقط بالناس شريك فيقال انه تساقط غمرة ومعه ناس ثم سقط عبد الله بن الحارث وسقط معه ناس ورجوا أن يلوي عليهم عبيد الله ويسبقه الحسين إلى الكوفة فجعل لا يلتفت إلى من سقط ويمضي حتى ورد القادسية وسقط مهران مولاه فقال يا أبا مهران على هذه الحال أن أمسكت عندك حتى تنظر إلى القصر فلك مائة ألف فقال لا والله ما استطيع فنزل عبيد الله واخرج ثيابا مقطعة من مقطعات اليمن ثم اعتجز بمعزة يمانية فركب بغلته ثم انحدر راجلا وحده"(2)
    ماذا فعل مسلم (ع) في الكوفة وماذا فعل ابن زياد ؟
    عندما دخل مسلم الكوفة أخد البيعة من جموع أهلها وبعث بمكاتيبهم للحسين ، ومكث فيهم بانتظاره واخذ يصلي بالناس جماعة ، وترك قصر الإمارة وأنصار بني أمية دون أن يزيحهم عن طريق الثورة ، اشترى مسلم السلاح وكان له أنصار إلا أن ذلك كان خارج دائرة قصر الإمارة التي تمثل السلطة والقوة والنفوذ ، ولو انه استولى على قصر الإمارة في الكوفة وحبس الأمويين وأنصارهم لامسك بزمام الأمر تماما، تقول السير: ثم اقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيد وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين فأخذوا يبكون، فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فاني لا أخبرك عن الناس، ولا اعلم ما في أنفسهم، وما أغرك منهم، والله أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه، والله لاجيبنكم إذا دعوتم، ولا قاتلن معكم عدوكم ولا ضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله، لا أريد بذلك إلا ما عند الله. فقام حبيب بن مظاهر الفقعسى فقال: رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك، ثم قال: وأنا والله الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه. ثم قال الحنفي مثل ذلك، فقال الحجاج بن علي: فقلت لمحمد بن بشر فهل كان منك أنت قول؟ فقال: أن كنت لأحب أن يعز الله أصحابي بالظفر وما كنت لأحب أن اقتل وكرهت أن اكذب، واختلفت الشيعة إليه حتى علم مكانه..(3)
    أما ابن زياد فقد توجه من ساعته مع من بقى من مرافقيه إلى قصر الإمارة وأزاح واليها الضعيف النعمان بن بشير، تقول السير: ، فركب بغلته ثم انحدر راجلا وحده، فجعل يمر بالمحارس، فكلما نظروا إليه لم يشكوا انه الحسين فيقولون: مرحبا بك يابن رسول الله، وجعل لا يكلمهم وخرج إليه الناس من دورهم و بيوتهم، وسمع بهم النعمان بن بشير فغلق عليه وعلى خاصته.
    وانتهى إليه عبيد الله وهو لا يشك انه الحسين ومعه الخلق يضجون. فكلمه النعمان فقال: أنشدك الله ألا تنحيت عني، ما أنا بمسلم إليك امانتى ومالي في قتلك من ارب، فجعل لا يكلمه، ثم انه دنا وتدلى الآخر بين شرفتين فجعل يكلمه فقال: افتح لافتحت، فقد طال ليلك، فسمعها إنسان خلقه فتكفى إلى القوم فقال: أي قوم ابن مرجانه والذي لا إله غيره، فقالوا: ويحك إنما هو الحسين ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا وأصبح فجلس على المنبر
    فقال: أيها الناس إني لأعلم انه قد سار معي وأظهر الطاعة لي من هو عدو للحسين حين ظن أن الحسين قد دخل البلد وغلب عليه، والله ما عرفت منكم أحدا ثم نزل وأخبر أن مسلم بن عقيل قدم قبله بليلة وأنه بناحية الكوفة " (4)
    لقد اعد ابن زياد الجنود والسلاح والأموال وحكم في أهل الكوفة السيف والبأس والمكر وطارد مسلم وأنصاره فقتل منهم من قتل وسجن من سجن ، وأغرى بالمال من أغرى ، حتى خضعت له الكوفة ، وتفرق الناس عن مسلم وغدا وحيدا ، وبعد أن كان يقود الآلاف من القاتلين ويؤم منهم الجموع غدا وحيدا في أزقة الكوفة، إلى أن امسكه ابن زياد وقتله.، قال ابن كثير" اخذ عبيد الله بعض الأمراء وأمرهم أن يركبوا في الكوفة يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل ففعلوا ذلك، فجعلت المرأة تجي إلى ابنها وأخيها وتقول له ارجع إلى البيت الناس يكفونك ويقول الرجل لابنه وأخيه كأنك غدا بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟ فتخاذل الناس وقصروا وتصرموا وانصرفوا عن مسلم بن عقيل حتى لم يبقى إلا خمسمائة نفس ثم تقالوا حتى بقي في ثلاثمائة ثم تقالوا معه ثلاثون رجلا، فصلى بهم المغرب وقصد أبواب كندة فخرج منها في عشرة ثم انصرفوا عنه فبقي وحده ليس معه من يدله على الطريق ولا من يؤانسه بنفسه ولا من ياويه إلى منزله فذهب على وجهه واختلط الظلام وهو وحده يتردد في الطريق لا يدري أين يذهب" (5)
    لماذا لم يقتل مسلم ابن زياد؟
    كانت فرصة سانحة وتمثل مغنما عظيما لو انتهزها مسلم لاستولى على السلطة في الكوفة ومن بعدها البصرة ولتهيئ الأمر للحسين (ع) ولاجتمعت عنده العساكر من كل صوب وحوب لإسقاط دولة بني أمية وتأسيس دولة بني هاشم، جاء في بعض التواريخ " وقدم شريك بن الأعور شاكيا فقال لهاني: مر مسلما يكون عندي فان عبيد الله يعودني، وقال شريك لمسلم: أرأيتك أن أمكنتك من عبيد الله أضاربه أنت بالسيف؟ قال: نعم والله، وجاء عبيد الله شريكا يعوده في منزل هاني وقد قال شريك لمسلم إذا سمعتني أقول: اسقوني ماء‌ا فاخرج عليه فاضربه، وجلس عبيد الله على فراش شريك وقام على رأسه مهران فقال: اسقوني ماءا، فخرجت جارية بقدح فرأت مسلما فزالت، فقال شريك: اسقوني ماء‌ا ثم قال الثالثة: ويلكم تحموني الماء اسقونيه ولوكانت فيه نفس، ففطن مهران فغمز عبيد الله فوثبب، فقال شريك: أيها الأمير إني أريد أن أوصى إليك، قال أعود إليك.... (6)
    يقول ابن كثير موضحا هذا الخلل المفصلي الذي أودى بالثورة الحسينية " ومرض شريك بن الأعور وكان كريما على ابن زياد وكان شديد التشيع فأرسل إليه عبيد الله إني رائح إليك العشية فعائدك فقال شريك لمسلم أن هذا الفاجر عائدي العشية فإذا جلس فاقتله ثم اقعد في القصر وليس احد يحول بينك وبينه فان أنا برأت من وجعي من أيامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها " ولما خرج ابن زياد سالما قال له شريك ما منعك من قتله؟ فقال خصلتان أما احدهما فكراهية هاني أن يقتل في داره وآما الأخرى فحديث حدثنيه الناس عن النبي (ص) أن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن" فقال له شريك : أما والله لو قتله لقتلت فاسق فاجرا كافرا غادرا" (6) البداية والنهاية ج8 ص 166
    أن التكبر خصلة ،إلا إنها على المتكبر سلوك حميد، الكذب خصلة مذمومة ومرفوضة إلا إنها في بعض الأحيان واجبة ومطلوبة، أن الأخلاق نسبية وليست مطلقة، ولو أن مسلم(ع) قتل ابن زياد لكان قتل نفسا جبلت على قتل الأنفس المحترمة ولعق دمائها ، نفس لا تتورع عن الغدر والمكر والفجور في سبيل تحقيق مآربها ، فمثل هذه الأنفس ليس لها على الله كرامة وعلى عباده احتراما، جاء في السير " خرج رسول الله (ص)من منزل عائشة فاستقبله إعرابي ومعه ناقة فقل: يا محمد أتشتري هذه الناقة ،فقال النبي(ص) نعم بكم تبيعها يا إعرابي؟ قال: بمائتي درهم، فقال النبي(ص) ناقتك خير من هذا. قال: فما زال النبي(ص) يزيد حتى اشترى الناقة بأربعمائة درهم قال: فلما دفع النبي (ص) إلى الإعرابي الدراهم ضرب الإعرابي يده على زمام الناقة وقال الناقة ناقتي والدراهم دراهمي فان كان لمحمد شيء فليقم البينة.قال: فاقبل رجل فقال النبي(ص) أترضى بالشيخ المقبل؟ قال:نعم، فلما دنا قال النبي (ص) اقض بيني وبين الإعرابي.قال: تكلم يا رسول الله، فقال النبي(ص) الناقة ناقتي والدراهم دراهم الإعرابي، فقال الإعرابي: بل الدراهم دراهمي والناقة ناقتي فان كان لمحمد شيء فليقم البينة.... وهكذا ظل الإعرابي يأبى ألاذعان بحق النبي (ص) في الناقة حتى حكم النبي الكريم(ص) أكثر من ثلاث أشخاص حتى قال آخرهم" القضية فيها واضحة يا رسول الله لان الإعرابي يطلب البينة فقال النبي(ص) اجلس حتى يأتي الله بمن يقضي بيني وبين الإعرابي بالحق.قال: فاقبل علي (ع). فقال النبي (ص) أترضى بالشاب المقبل؟ قال:نعم، فلما دنا قال يا أبا الحسن اقض بيني وبين الإعرابي، قال:تكلم يا رسول الله.فقال النبي(ص) الناقة ناقتي والدراهم دراهم الإعرابي.فقال الإعرابي: بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي فان كان لمحمد شيء فليقم البينة.فقال علي(ع) خل بين الناقة وبين رسول الله(ص) فقال الإعرابي:ما كنت بالذي افعل أو يقيم البينة. فدخل علي (ع) منزله فاشتمل على قائم سيفه ثم أتى فقال خل بين الناقة وبين رسول الله (ص) قال: ما كنت بالذي افعل أو يقيم البينة. قال: فضربه(ع) ضربة فاجتمع أهل الحجاز على انه رمى برأسه وقال بعض أهل العراق بل قطع منه عضوا. فقال النبي(ص) ما حملك يا علي على هذا؟ فقال: يا رسول الله نصدقك على الوحي من السماء ولا نصدقك على أربعمائة درهم" (7)
    يجتمع العامة ليلطمون ويضربون صدورهم حزنا على مصيبة الحسين (ع) ، وفي الواقع إنما هو تعبير عن إحساس جماعي بالذنب على عدم النصرة وتحمل المسئولية تجاه الحسين كقائد روحي وعرفاني وسياسي وأنساني، أن البكاء ليس سوى تعبير عن عقدة ذنب تناقلتها الأجيال المتعاقبة بدء بأهل الكوفة التي كانت وما زالت منطقة نفوذ لعلي وبنيه منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا ، أن على الشيعة في هذا العصر أن يوجدوا مساحة للنقد العلمي الموضوعي التحليلي لواقعة ألطف وكافة محطات تاريخهم خاصة فيما يتعلق منها بالثورات السياسية والعسكرية ويتجردوا من العواطف الهوجاء والقيم الساذجة والعقائد المكبلة للفكر ، ليستخلصوا منها ما يمكنهم من السير في دروب الحرية والكرامة في الألفية الثالثة ، لم يكن رجال ثورة الحسين (ع) معصومين فان سلمنا جدلا بعصمة الحسين (ع) فان ما دونه من رجال الثورة ليس كذلك وفي مقدمتهم مسلم (ع)، لذلك لا بد من التحليل العلمي الموضوعي المتجرد من الأحكام المسبقة حتى يمكن التوصل إلى نتيجة تستخلص منها دروس وعبر على كافة المستويات، أن البكاء والعاطفة لن يغنم منها شي وسيبقى الشيعة يدورون في حلقات مفرغة وسوف يقع شيعة القرن الحادي والعشين في مطيات وعثرات أسلافهم، ما لم يتجردوا من سيطرة الدموع الساذجة ، أن البكاء تعبير عن الندم، والندم يدفع الذات إلى التمعن والتفكير ، وكلاهما يؤديان إلى استخلاص النتائج التي لا بد من تحويلها إلى مناهج عمل لمواصلة درب ابتدئ منذ مئات السنين في سبيل الحرية والكرامة والعدالة ، يقول الحسين(ع): لم اخرج بشرا ولا أطرا ولا مفسدا وإنما اطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله، لآمر بالمعرف وأنهى عن المنكر" إلا أن أتباع البكاء الساذج(وما أكثرهم) حرفوا هذه الكلمات المضيئة عن معانيها الحقيقة وتفاعلاتها الواقعية وقالوا بان الحسين ذهب ليقتل بينما كان مسلم يجمع له السلاح في الكوفة !! وكيف يمكن للحسين أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في دولة شمولية عبثية دون تبؤ كرسي الخلافة؟ وكيف يمكنه ممارسة دوره في ظل وجود حاكم فوضوي متجرد من القيم والأخلاق كيزيد؟ إلا أن أتباع التيار الكوفي وما أكثرهم في هذا العصر يريدون أن تكون ثورة الحسين دمعة في عيون البسطاء لا ثورة في عقول وقلوب التائقين نحو الحرية والعدالة، إنهم يستغلون ثورة الحسين كمحطة تاريخية مفصلية وعقيدة دينية راسخة لترسيخ سلطاتهم المتجذرة في الشعوب الشيعية المغلوبة على أمرها،فتحول الحسين إلى بكاء ودموع وتاهت قيم الحرية والموضوعية والتجريدية والعدالة والمساواة والسعي نحو الأهداف الإنسانية بين دموع البسطاء واستبداد المستبدين الحاكمين في المجتمعات الشيعية.. إنما لطلب الإصلاح في امة جدي لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ..انه هذه الكلمات هي لب المعادلة وغاية الغاية ومعالم الدرب الطويل نحو الحرية...
    *******************
    (1) مقتل الحسين(ع) لابن مخنف
    (2) المصدر السابق
    (3) نفس المصدر
    (4) المصدر نفسه
    (5) البداية والنهاية ج8 ص 187
    (6) مقتل الحسين لابن مخنف
    (7) الانتصار الشريف المرتضى ص 489
    حق عدل حرية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    الدولة
    بغداد
    المشاركات
    2,017

    افتراضي

    السلام عليكم..

    بداية احب ان اشد على يد الاخ زكي لطيف على هذا المقال الرائع..وليسمح لي بأن اختلف عنه في بعض الامور...

    يقول الباحث الكريم ان مسلماً قد اخطأ في عدم قتله عبيد الله بدار المختار...وان الكذب والغدر وغيرها من الصفات..اذا استعملت مع اهلها لاتكون رذائل...وهذا يعني ان هذه الصفات نسبية
    وليست قبيحة بذاتها وانما بحسب ماتضاف اليه..هذا ما استخلصته وادركه ذهني مما يطرحه السيد الباحث الكريم...
    ونحن الآن لانريد ان نخوض نقاشاً فلسفياً او نلقي دروساً في علم الاخلاق..او نلج "جمهورية افلاطون"..او مدينه الفارابي الفاضلة وننادي للمثاليه..ولكن نقول:
    ان هناك طريقين اوقل منهجين ياسيدي الكريم..النهج الاول هو نهج علي..وهو النهج الديني
    ذلك النهج وذلك المنطق الذي يتعامل مع خصومه بمنطق الانبياء..فترى معاوية يحتل الفرات بصفين ولا يقبل ان يروي منه جيش الامام..ولما يحوز الامام ضفة النهر برماحة وسيوفة تجده يترك جانبا منه لنفس الخصم الذي منعه منه والذي يريد ان يشرب الماء ليتقوى في قتاله له!!
    علي الذي يروي المؤرخون انه يمر بقاتله فيوقضه للصلاه وهو يعلم ماذا يضمر تحت ثيابه!!
    علي الذي على رغم ظلم الخلفاء له واغتصابهم لحقه تجد ان انسانيته اكبر من الاحقاد البشريه فيسمى اولاده باسمائهم :ابي بكر وعمر وعثمان...
    هذا هو منطق علي..ولتسمه منطقا مثاليا او حتى طوبائياً...اما انا فسأسميه بمنطق الدين..
    وهو نفسه منطق محمد الذي عفا عن شيوخ مكه وكفارها يوم الفتح بعد ان هجروه من دياره وقتلوا عمه واماتوا قومه من الجوع وحزبوا الاحزاب لقتاله..فلم يجد الا ان يقول لهم كلمه واحده:اذهبوا فأنتم الطلقاء!!
    وهو لابد يعلم عندما فعل ذلك ان ابناء هؤلاء الطلقاء سيذبحون ابناءه ويسبون حرمه..ولكنه منطق الدين
    النهج او المنطق الثاني..هو منطق معاويه..هو منطق من يسعى لتحقيق اهدافه بشتى الطرق
    والوسائل..ولو بالغدر!..ولو بالظلم..ولو على رؤوس واشلاء الضحايا!!
    وهذا هو منطق السياسه..في كل عصر ومصر..انه منطق ميكيافيلي تبرر فيه الغايه للوسيله..
    وللاسف الشديد غالباً ماتجد ان هذا المنطق هو المنتصر دوماً ..لانه منطقٌ واقعي!!لانه منطق ارضي..اما المنطق الآخر فمنطقٌ سماوي..يؤمن بالحق..ومن طبيعة الناس في كل اوان ومكان ان تنفر من الحق..حتى لو تظاهروا بحب رجاله!!
    وهذه الحقيقه اثبتها القرأن:"وان اكثرهم للحق لكارهون"
    فنحن الآن امام مدرستين..مدرسه علي والتي يمثلها الحسين..وسفيره بالكوفه مسلم
    ومدرسه معاويه والتي يمثلها يزيد وواليه في الكوفه ابن زياد...
    الاول يتعامل بالمنطق المثالي السماوي
    والثاني يتعامل بالمنطق المكيافيلي الارضي..
    والناس كما وصفهم الفرزدق للحسين في طريقه للكوفه:"قلوبهم معك وسيوفهم مع بني اميه!!"
    ان الدين والسياسه ضدان لايجتمعان!!
    انهما نقيضان..الاول يمثل سلطه الله المثاليه...اما الثاني فيمثل سلطه البشر..
    الاول فن اللاممكن..الثاني فن الممكن..
    لهذا نشأ الصراع قديماً وحديثاً بنهما..
    فنحن نقرأ في المدارس عن الحضارات العتيقه ونفتخر بما قدمته للانسانيه خصوصا حضاره وادي الرافدين ووادي النيل..
    ولكننا حين نقرأ سيرتي ابراهيم وموسى نجد الاول قد خرج على تعاليم قومه فاضطهدته تلك الحضاره التي نباهي بها بل احرقته..
    والثاني هجروه من ارضه بعد ان كانوا يغرقوه في اليم..
    ونحن نعجب بحضاره بني العباس التي از\دهرت فيها العلوم والآداب واصبحت بغداد قبله للعالم القديم..ولكننا نصطدم حينما نعلم ان تلك الحضاره وفي عصرها الذهبي كانت قد حبست موسى الكاظم خمسه عشر سنه ومن ثم سمته بالسجن!!!
    هناك صدام ازلي بين الدين والسياسه...وهما لن يجتمعا ابدا...لانهما نقيضان..والنقيضان لايجتمعان..وان حدث واجتمعا فهو اجتماع وهمي كاذب يستفاد فيه من الدين لشرعنه السياسه
    ولخدمتها وهذا مكله يضر بالدين..
    الاول طريق الانبياء والائمه والشهداء...
    الثاني طريق الزعماء والقاده والخلفاء...
    صحيح ان الاول لاينتصر عسكرياً لكنه ينتصر معنوياً..لارتباطه بالجوانب الروحيه..التي دائماً ما تنزع لللافكار المثاليه..ولعل هذا هو السبب في ازدواجيه الشخصيه خصوصاً لدينا نحن العراقيون..
    فنحن نحب الحسين ونبكي بل نلطم عليه..بينما في حياتنا العمليه تجد ان كل شخص منا يقلد يزيد من حيث يشعر اولا يشعر...انها طبيعه النفس الانسانيه المتناقضه بين الواقع والمثالي!!

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الدولة
    000
    المشاركات
    1,930

    افتراضي

    حياك الله أخي الكاتب

    كما أشكر الاخ زيد على أجابته

    الشيعة نحن نعترف بأن هناك تقصير لدينا والبحث لدينا مفتوح وليس مغلق وهذه من نهج أئمتنا سلام الله عليهم

    هدف الامام الحسين هو هدف عقائدي بحت الحسين ع هو نفسه وقبل أن يخرج قالها مدوية

    أنما خرجت لإصلاح أمة جدي

    لم يكن من الائمة أهل البيت من هو طامعأ أو محب لدنيا فانية وجاه لانهم خيرة العرب والاطهر والاشرف على الإطلاق
    كما إنهم لم تكن لهم أطماع حكم كما هو عند غيرهم ولا حتى محابات لحاكم ضال كما فعل ويفعله الاخرين
    والى 09.04.2003 لم نقترب لصلاة الجمعة لاننا لسنا مقتنعين بصلاة خطبتها تخط وتكتب بأقلام المتملقين وعلماء السلاطين ونفاقهم

    أما أن نصلي له سبحانه وتعالى رب العالمين ونشكره وأما العدول عنها مادامت فيها من الميح ما هو لغير الله
    أئمتنا حسموا أمرهم مع الله وأن مسكوا الحكم فلوجهه وإعلاء كلمة الحق ودحض المنكر لا لشئ آخر ونحن على ولايتهم ماضون بعقيدة أصلب من الامس حتى نعبد إلا الله وحده لما عبده المصطفى الامين وآله وصحبه الكرام أجمعين فلا نفرط بحكم يعز دين محمد وآله

    شكرأ لك على طرحك وبحثك

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2005
    المشاركات
    732

    افتراضي

    يقول زيد : وهو نفسه منطق محمد الذي عفا عن شيوخ مكه وكفارها يوم الفتح بعد ان هجروه من دياره وقتلوا عمه واماتوا قومه من الجوع وحزبوا الاحزاب لقتاله..فلم يجد الا ان يقول لهم كلمه واحده:اذهبوا فأنتم الطلقاء!!
    و الحق ان هذا المنطق هو منطق السياسي المحنك الذي كان مجافيا لمشاعر البعض الدينية من صحابة الرسول .. ينقل لنا التاريخ ان بلالا و صهيبا شاهدا ابا سفيان .. و قالا ان سيوف الله لم تاخذ من عدو الله ماخذها .. هؤلاء الاكابر لم يؤمنوا بالاسلام و لا باخلاق الاسلام و اظهروا الاسلام مرغمين .. و لكن مفهوم المؤلفة قلوبهم _الناجع نسبيا_ هو الذي ادى الى ان يتفوق هؤلاء الى الحد الذي يصل بابي سفيان ان يركل قبر الحمزة برجله و يقول ( ايه ابا عمارة .. لقد اصبح الامر الذي تجالدنا عليه لصبياننا ) ربما نحتاج الى تحديد الدين اولا قبل ان نتحدث عن منطقه
    الدين و السياسة شيء واحد متشابك في الاسلام و الدليل هو الدولة الدينية التي اقامها الرسول .. و الحروب التي خاضها .. والتشريعات و الاحكام التي انزلها الله على رسوله .. و نحن لا نتحدث عن دولة الامويين او العباسيين ليقال لنا عن مساوئ الاسلام السياسي بل دولة الرسول و دولة الخلفاء الاوائل و دولة الامام علي عليه السلام ..
    لا اعتقد ان اننا نجرؤ على تحديد منطق الدين و نحن نشاهد كل هذه المفارقات من التباسات التاريخ
    خالد بن الوليد .. يقيم حفلا دمويا ببني جذيمة المسلمين و في عهد النبي صلى الله عليه و اله
    .. في الحوزة العلمية في قم المقدسة .. قرات هذا الخبر التاريخي المفجع و قلت في نقاش مع احد الاخوة لو كنت صاحب القرار لقطعت راس خالد .. الرسول صلى الله عليه و اله عالج الموضوع بارسال علي لاعطاء الدية لبني جذيمة وعوضهم عن الخسائر الفادحة و اللاخلاقية التي احذثها خالد في بني جذيمة .. عوضهم علي عليه السلام حتى عن الاناء الذي يلغ فيه الكلب .. و بعد ان تم التعويض اعطاهم ما فاض من الاموال ... ارضاء لروح الرسول و استرضاء للقوم .. خالد حسب المنطق الواقعي الديني ظل متنفذا و اقام مجازر اخرى باسم ابي بكر بعد ان اقامها اول مرة باسم الرسول و التي دعته الى ان يرتقي المنبر ليقول اللهم اني ابرا اليك مما صنع خالد ثلاثا
    عمر فقط هو الذي كبح جماح خالد بتجريده عن منصبه العسكري الاعلى .. و ان كان قد احجم عن تنفيذ وعيده لخالد بان يرجمه باحجاره جزاء وفاقا على قتل خالد بن الوليد للصحابي مالك بن نويرة و ليزني خالد بزوجة مالك في نفس الوقت ..
    ينقل عن الفيلسوف الايراني عبد الله جوادي املي .. انه استعرض الحادثة التاريخية التي تقاعس فيها كميل بن زياد عن اداء واجب الدفاع عن الارض التي غزاها معاوية و اعتذاره للامام بانه كان ينتظره الاوامر منه عليه السلام .. و عنفه الامام علي على هذا ..يقول جوادي املي ( كميل يصلح لدعاء كميل فقط )هذا هو ملخص اعتذار علماء الطائفة و منهم السيد المرتضى عن سبب استقواء الدين برجال لا تمت للدين باية صلة ..جنرالات من السفاحين البشعين يضطر الدين لاستخدامهم بعد ان يجد المتورعين غير قادرين على استيعاب و تفعيل فنون القتال الارضي .. فيا اخ زيد منطق الدين الذي تتحدث عنه تحدده السياقات التاريخية و كتب الاثر و ليس الانطباعات الروحانية
    و ان كان مسلم سلام الله عليه لم يقم بما يلزم وفقا لما نعايشه نحن من تصورات و مفاهيم سياسية تنبع من واقعنا السياسي الشائك .. مفوتا الفرصة من حيث لا يعلم على قيام الدولة الحسينية و الامل الانساني المنشود .. فقد ارتكب الشيعة اخطاء مماثلة منحت السلطة للاعداء على طبق من ذهب
    و مراد النفوس أصغر من أن تتعـــــادى فيه و أن تتفــــانى

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    الدولة
    بغداد
    المشاركات
    2,017

    افتراضي

    و الحق ان هذا المنطق هو منطق السياسي المحنك الذي كان مجافيا لمشاعر البعض الدينية من صحابة الرسول .. ينقل لنا التاريخ ان بلالا و صهيبا شاهدا ابا سفيان .. و قالا ان سيوف الله لم تاخذ من عدو الله ماخذها .. هؤلاء الاكابر لم يؤمنوا بالاسلام و لا باخلاق الاسلام و اظهروا الاسلام مرغمين .. و لكن مفهوم المؤلفة قلوبهم _الناجع نسبيا_ هو الذي ادى الى ان يتفوق هؤلاء الى الحد الذي يصل بابي سفيان ان يركل قبر الحمزة برجله و يقول ( ايه ابا عمارة .. لقد اصبح الامر الذي تجالدنا عليه لصبياننا ) ربما نحتاج الى تحديد الدين اولا قبل ان نتحدث عن منطقه
    لاياسيدي الكريم...

    هذا ليس منطق السياسي المحنك!

    بل هو منطق الانسان المثالي..انه منطق النبي..

    ولو كان ماتقوله من انه منطق السياسي المحنك..لذبحهم عن بكره ابيهم..وافناهم بالحال..

    وكان بذلك قد حفظ دماء اولاده..وحفظ دينه من الانحراف الذي تم بواسطه هؤلاء وابنائهم..

    ومهد الطريق امام علي بن ابي طالب بأن تنتقل الخلافه اليه وبدون مناوئين او خصوم سياسيين..
    نحن لو درسنا اسباب قوه الدول وضعفها لوجدنا في مقدمة تلك الاسباب هي وجود الحاكم الغاشم

    الذي يضرب بيد من حديد ويبطش بأعداه بقسوه لاهواده فيها...حين يجد ذلك مناسبا..

    ويرسل اليهم بالعطايا والاموال كي يستلين جانبهم حينا..او يشغلهم بها تاره اخرى...

    وهي نفسها سياسه معاويه..!!

    يحدثنا التاريخ ان معاويه كان يقتل الشيعه تحت كل حجر ومدر..يقطع ايديهم عن خلاف..

    يصلبنهم على جذوع النخل..يحرق بيوتهم..يمنع عنهم العطاء..وهو الرائد الاول لنظريه الاغتيال

    السياسي بالاسلام..حتى قال قولته المشهوره:"ان لله جنوداً من عسل"!!

    وفي المقابل تجده يتصالح مع الحسن "وهو امام الشيعه" على بيت مال المسلمين الذي قدره بعض المؤرخين بمائة الف دينار..!
    معاويه هذا كان يسترضي كبار شخصيات قريش بالاموال ليضمن سكوتهم عنه ويشغلهم باموالهم وضياعهم..
    فكان هناك مبلغاً لابن عباس ولابن عمر ولابن الزبير وغيرها من الوجوه القرشيه..!!

    وكان كذلك يتعامل مع رؤساء القبائل..فكانت هناك اموال للاشعث بن قيس وللاحنف..ولغيرهم

    مقابل ذلك كان يبطش بباقي الناس بدون رحمه ولاهواده..انها سياسه العصا والجزره!!

    وهي التي مهدت له ان ينشأ دوله عمرها ثمانين سنه..

    اما رسول الله فكان يعفو عن الجميع..بلا فرق بين سيد وعبد وانسان مغمور..!!

    اما علي بن ابي طالب فكان يسوي في العطاء بين الزبير وطلحه وقنبر خادمه!!!

    لو كان عليٌ سياسياً محنكاً لما ساوى بين هؤلاء بالعطاء...

    لو كان كما تدعي لاعطى لهما ولايتي البصره والكوفه والقم حلقيهما احجاراً..

    لو كان كذلك لاستبقى معاويه والياً على الشام وسلمه قتله عثمان !!

    لو كان كذلك لما تنحى عن شاطيء النهر يوم صفين وتركه لمعاويه!

    لو كان كذلك لانقض على معسكر معاويه ولم يلتفت لاولئك المنافقين الخوارج..ولقضى على معاويه وفتنه الى ابد الآبدين!!

    لكنه لم يفعل!...لماذا؟؟
    نتركه يجيب:

    "حتى قالت قريش ان ابن ابي طالب رجل ضعيف لاعلم له بالحرب..ومن امرس بها مني؟!!
    ولقد دخلتها وانا ابن العشرين وها انا ابلغ الستين...ولكنني عرفت انها لاتتم الا بالغدر..!
    ولكل غدره فجره..ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامه"

    اذن هناك طرفي نقيض بين علي والسياسه..السياسه تدعو صاحبها للغدر..والجور

    وعلي يرفض ان يكون غادرا ويرفض النصر بالجور"لاتطلبن النصر بالجور"

    ولذلك فشل سياسياً..وانتهت دولته بقتله..تلك النهايه المأساويه التي نقرأ عنها في بطون الكتب
    من انه يصرخ ثلاثاً"ولكن لاامر لمن لايطاع...لاامر لمن لايطاع!..لاامر لمن لايطاع"

    علي رجل المبادي..ومن طبع المباديْ ان تكون ثوابت لايحيد عنها صاحبها..

    والسياسه تقوم على المتغيرات..تتبدل في كل يوم..وترتدي لبوساً يناسب تلك الحاله..

    هذا هو الفرق بين الدين والسياسه..انهما نقيضان لايجتمعان..

    اما قيام الدوله الدينيه في زمن الرسول والامام فهي لاتصلح للقياس..

    الرسول اقام دوله في المدينه عمرها عشر سنون انقضت بارتحاله الى الرفيق الاعلى...

    وخاض في تلك العشر سنين ثلاث وثمانين غزوه..فتخيل الصعوبات التي واجهته..وهو يخوض في عشر سنين ثلاث وثمانين حرباً...
    وعلي حكم اربع سنين وخاض خلالها ثلاث حروب طاحنه..
    الملاحظ ان كليهما قاتلا على الصعيد الداخلي...ان حروب الرسول مع قريش..وحروب علي
    مع المسلمين..كأنها حروب داخليه..بل هي حروب اهليه اذا لم يخني التعبير..
    حروب كانت فيها هاشم تتزعم الجانب الاسلامي..واميه تتزعم الجانب الشيطاني..

    ولما الت الامور الى بني اميه فأنهم اتجهو الى الحروب الخارجيه وفتح البلدان..طمعا في التوشسع والاحتلال ونهب خيرات الشعوب واستعباد ابنائها...
    ماذا يوحي لك هذا يا سيدي؟؟؟
    هذا يوحي ان الطرف الاول كانت معاركه من اجل الاصلاح الداخلي ونشر مبدأ ما بحيث تجد احد رموزه وهو علي يخوض حربا طاحنه كالجمل ولايسمح لاصحابه بنهب معسكر القوم بل يوزع عليهم كل فرد ثلاث دنانير او اقل او اكثر..
    بينما الطرف الثاني يحتل دولا لغرض التوسع ويوزع الاموال على جيوشه الى درجه ان الذهب والفضه فيها قد اصبح يكسر بالفؤس..
    واصبح سعر الجاريه عندهم ارخص من سعر الخروف...
    هذا هو الفرق بين الدين والسياسه..الاول هدفه الاصلاح الاجتماعي..والثاني هدفه اقامه الدول

    القويه التي تضمن لقادتها السطوه والبطش وانواع الملذات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني