مقالة اخرى اعجبتني للكاتب
مقتدى الصدر...الجريمة و العقاب
سعت الولايات المتحدة منذ اليوم الأول لاحتلالها العراق إلى محاربة أي صوت مناهض لتواجدها هناك حتى وإن غلب على ذلك الصوت الطابع السلمي، فإنه مجرد توجيه النقد لممارسات الاحتلال ودعوتهم للخروج الفوري من العراق كان أمرا غير مسموح به لأن ذلك من شأنه عرقلة المشروع الأميركي «الكبير» في عراق المستقبل, لذلك قامت القوات الأميركية بالتعامل بشكل سريع على إخماد تلك الأصوات واستئصالها على وجه السرعة كما حدث مع التيار الصدري بقيادة السيد مقتدى الصدر.
اكتسب مقتدى الصدر شعبيته الحالية من عائلته العريقة والمعروف عنها تصديها للنظام البعثي السابق، فوالده هو المرجع الديني الكبير السيد محمد صادق الصدر الذي اغتيل بأوامر مباشرة من الرئيس العراقي البائد صدام حسين في العام 1999. ومنذ تاريخ اغتيال الصدر الأب والتيار الصدري (الذي يتخذ من مدينة الصدر في قلب بغداد مركزا له) لم يكن له أي تواجد «سياسي» ملموس وذلك لعدة أمور منها افتقاره إلى شخصية قيادية بارزة, ولكن ومع احتلال العراق وسقوط نظام صدام بدأ التيار الصدري الذي يبلغ أنصاره حوالي 2 مليون نسمة (نيوزويك الأميركية27/4/2004) بالتبلور شيئا فشيئا حيث كان السيد مقتدى المرشح لقيادة ذلك التيار بعد استشهاد باقي إخوته على يد أزلام النظام البائد, وقد لا يختلف اثنان على أن مقتدى الصدر تنقصه الخبرة السياسية وهو أمر طبيعي في حالته، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يخفي حقيقة تميز بها السيد مقتدى وهي رفضه العلني للاحتلال الأميركي منذ اليوم الأول ودعوته لتحرير العراق من براثن الاحتلال.
ومع ذلك فقد انتهج السيد مقتدى منذ اليوم الأول لسقوط النظام البعثي سياسة المقاومة السلمية، إلا أن قوات الاحتلال بدأت تدرك حقيقة نفوذ ذلك التيار حيث أصبحت له جغرافية معروفة في قلب بغداد وكذلك في النجف وكركوك والناصرية والبصرة، فكان الخوف الأميركي من تنامي شعبية الصدريين بحيث ينعكس سلبا على لعبتها السياسة التي رسمتها لباقي التيارات الأخرى والتي استثنت منها التيار الصدري حيث ازداد قلقها بعد أن أعلن السيد مقتدى عن رغبته الدخول في التركيبة السياسية القادمة ومطالبته بأن تكون وزارة الدفاع من نصيب الصدريين، لذلك كان لزاما على قوات الاحتلال العمل بشكل سريع على إجهاض ذلك التيار وانتهاج أسلوب «قص الأجنحة» معه لمحاولة ثنيه عن الدخول في التركيبة السياسية المقبلة.
بدأت سلسلة التفاعلات بين أنصار التيار الصدري وبين قوات الاحتلال الأميركي في تاريخ 20 مارس الماضي عندما أقدمت تلك القوات على إغلاق صحيفة «الحوزة» الناطقة بلسان التيار الصدري وما تبع ذلك من اعتقال لرئيس تحرير الصحيفة الشيخ مصطفى اليعقوبي (الذراع الأيمن للسيد مقتدى) حيث كانت التهمة الموجهة لصحيفة «الحوزة» هي تشجيعها العداء ضد الاحتلال الأميركي في العراق، الأمر الذي يجعلنا نتساءل بشفافية: إذا كانت الولايات المتحدة ترفع شعار حرية التعبير والرأي والرأي الآخر فلماذا إذا ضاقت ذرعا من تلك الممارسة الإعلامية المشروعة؟
ولنعود للحديث مجددا حول الأحداث التي تلت 20مارس الماضي، فقد قام الصدريون باتباع الأسلوب الديموقراطي عندما خرجوا في مظاهرات سلمية تطالب الاحتلال بالإفراج عن الشيخ اليعقوبي وإعادة فتح صحيفة الحوزة، إلا أن ذلك لم يرق لقوات الاحتلال فقامت باتباع أسلوب وحشي في قمع تلك المظاهرة السلمية (كالعرس الذي قامت بقمعه مؤخرا في مدينة القائم), واستمر الاحتلال في سياسته الاستفزازية أملا من أن ينجر مقتدى وأنصاره إلى المواجهة المسلحة معهم، فقامت بإصدار مذكرة اعتقال ضد السيد مقتدى بشخصه حيث وجهت له تهمة ضلوعه في اغتيال عبد المجيد الخوئي العام الماضي وبذلك تم استدراج التيار الصدري إلى المواجهة المسلحة مع قوات الاحتلال وبات السيد مقتدى بإمكاناته المتواضعة محصورا في زاوية حرجة جدا، فإما أن يسلم نفسه وإما أم يقتل! فلم يجد بدا سوى الاحتماء داخل العتبات المقدسة ليعيد توازن القوى بينه وبين قوات الاحتلال (وللتوضيح فإننا لسنا في مجال تأييد أو معارضة تلك الخطوة فلذلك مقام آخر)، لكن ذلك لم يعن شيئا للاحتلال حيث قامت القوات الأميركية بانتهاك حرمة المدن المقدسة باستخدامهم القوة المفرطة والعربات المدرعة وطائرات إف 16 وطائرات الهليكوبتر الهجومية لإخماد التيار الصدري «عن بكرة أبيه».
وفي هذا الصدد لا يجب إغفال دور المرجعية النجفية التي أثبتت على الدوام حنكتها السياسية في تعاطيها مع الشأن العراقي وخصوصا مع قضية مقتدى الصدر، حيث استوعبت المرجعية مبكرا أهداف الحملة المغرضة ضد السيد مقتدى وأن تلك المحاولات ليست إلا مجرد «فتح ثغرة» داخل البيت الشيعي العراقي لإضعافه، لذلك قام المرجع الأعلى للشيعة في العراق آية الله السيد علي السيستاني بدعوة كافة الأطراف الشيعية على ضرورة استيعاب واحتضان السيد مقتدى وعدم إضعاف موقفه حتى وإن كان للبعض تحفظ على ممارسات مقتدى فلا الوقت ولا الزمان يسمحان بفتح ملفات قديمة أو شخصية لن تخدم أحدا في هذا التوقيت سوى الاحتلال.
وأخيرا، فقد كشفت حركة مقتدى الصدر عن الوجه القبيح للاحتلال مثلما كشفه من قبل أهالي الفلوجة والسجناء المحررون من سجن «أبو غريب»، ويتبقى لنا في هذا المقام سؤال أخير: هل كانت جريمة السيد مقتدى بقوله كلمة «لا» للمحتل تستحق كل ذلك العقاب الذي لحق به على أيدي قوات الاحتلال التي مازالت ترفع شعار الحرية والعدالة والديموقراطية للعراقيين؟!
إشارة حمراء
نتمنى من (بعض) الشخصيات الدينية المحلية أن تحذو حذو رئيس مجلس الأمة الكويتي السيد جاسم الخرافي في معالجته الإيجابية لتصريحات السيد مقتدى الصدر تجاه الكويت، وأن يبتعد ذلك (البعض) عن سياسة «صب الزيت على النار» خصوصا وأنهم يدعون ارتباطهم بالمرجعية النجفية لكنهم للأسف يضربون برأي المرجعية «عرض الحائط»,
2/6/2004
السلام عليك يا ابا عبدالله