 |
-
الجانب المرضي في الثقافة
الجانب المرضي في الثقافة
السيد ابو جهاد الحسني
يبدوا انه يجب علينا ان نقدر ونراقب , بل وان نمسك _ اذا اقتضت الظروف _ تنفسنا العقلي .. وان نتخذ اشد الاحتياطات ضد بعض أسباب العدوى الخطيرة المحتملة .
اما بالنسبة للتنفس الفزيولوجي العادى في جو ملوث او مسموم , فالامر واضح : ان التقدم المدني قد جهزنا بالشىء اللازم , اى بالقناع ضد الغازات .
أما بالتنفس العقلي .
فكيف يكون الامر خاصة وان كل عملية لخنق التنفس العقلي تؤدى الى تكوين العقل المختنق ؟!
في الثقافة جانب نسميه (( الجانب المرضى في الثقافة )) , ونحاول في هذا الحديث تحديد النوع الجرثومي الذي يعزى اليه هذا الجانب , فأطلقنا عليه اسم ( الفكر القاتل المدمر ) .
ونقصد بالافكار القاتلة : تلك الافكار التي نستعيرها من الغرب او نستوردها منهم .
كما سوف نطلق اسم (( الافكار الميتة )) على ما يجول في أنفسنا من افكار فقدت الحياة .
وربما يمكننا ان نلاحض ان هذه الافكار وتلك .. يعبر كل منها عن جانب من مأساة البلاد المحتلة او المستعمرة : الجانب الذي نسميه (( الاستعمار )).. والجانب الذي نطلق عليه ( القابلية للاستعمار او القابلية الى الاحتلال ).
ولكن : لو زجب علينا ان نميز بين الفئتين من الافكار لقلنا ( الافكار الميته ) التي ورثناها من عصر ما بعد
(( الموحدين )).. او فرضت علينا من فئة اخرى .
ويكفينا _ لكي نتاكد من هذا _ ان نلقي نظرة على قائمة الافكار التي فعلت فعلتها في التاريخ , فقتلت المجتمع الاسلامي ,
أن هذه الافكار التي اصبحت ميته والتي تكون الجانب السلبي في نهضتنا .. قد كانت تكون الجانب القاتل في عهد التقهقر والافول الذي مر على الحضارة الاسلامية .
هذه الافكار اذن كانت قاتلة في مجتمع حي قبل ان تصبح ميتة في مجتمع يريد الحياة .
هذه حقيقة في منتهى الوضوح : ان كل مجتمع يصنع _ بنفسه _ الافكار التي ستقتله ,لكنها تبقى بعد ذلك في تراثه الاجتماعي (( افكار ميتة )) , تمثل خطراً عليه , اشد من خطر (( الافكار القاتلة )), اذ الاولى تظل منسجمة مع عاداته , وتفعل مفعولها في كيانه من الداخل ,انها تكون _ مالم نجر عليها عملية التصفية _الجراثيم الموروثة الفتاكة التى تفتك بالكيان الاسلامى من الداخل , وهي تستطيع ذلك لانها تخدع قوة الدفاع الذاتي فيه .
وقد نجد احياناً دور (( الافكار الميته )) ودور(( الافكار القاتلة )) يتمثلان في شخصية واحدة تمثل المظهرين , لانها تحمل الجرثومة في كيانها .. تلك الجرثومة التى تمتص _ بطبيعتها _ وعلى نحو ما : الجرثومة المستوردة وتقرها في المجتمع الاسلامي المعاصر .
وهذه الظاهرة المزدوجة تثير مشكلة من نوع خاص , محدودة بصورة معينة لا يجوز لنا ان نتناولها في صورة غيرها , حتى لا تنعكس القضية , فلا يجوز لنا مثلاً ان نتساءل : لماذا توجد عناصر فكرية قاتلة في الثقافة الغربية ؟ بل فليكن سؤالنا في صورة اخرى : لماذا تمتص بالضبط طبقتنا المثقفة في البلاد الاسلامية هذه العناصر القاتلة ؟
أن هذه هي الصورة الصحيحة للمشكلة ..فمن الواضح ان المسؤول في الامر ليس مضمون الثقافة الغربية الذى يتضمن فعلاً هذه الافكار الخطرة , ولكن اتجاه الفكر في البلاد الاسلامية منذ عهد ما بعد الموحدين هو الذي يدفع هذه النخبة الى انتقائها .
والواقع ان هذه النخبة تقوم بعمل أنتقاء واختيار في مضمون ثقافي لا يتضمن الافكار القاتلة فحسب , بل انه مضمون صالح لحضارة اخرى لها شروطها الادبية والمادية المختلفة .
وعليه .. فأن (( الافكار القاتلة )) التي نجدها في مضمون هذه الحضارة .. ماهى الا افرازاتها وجانبها الميت , الجانب الذي يمتصه فكر ما بعد الموحدين .
لماذا نركن اذن الى هذه العناصر القاتلة ؟
لان موقفنا من مشكلة الثقافة ليس صحيحاً, لا من الناحية الفكرية ولا من ناحية الاجتماعية .
ومن هذا الانحراف المزدوج ينتج انحراف اخر في موقفنا , عندما نريد البت في الموضوع , اننا نصدر حكمنا فيه تبعاً لمن يذهب الى البلاد الغربية اما في وضع (( الطالب المجتهد )) واما في وضع (( السائح المتهم )) فلا شك ان هاتين الحالتين تمثلان الوضع الذي يكون عليه النموذج الاجتماعي الذي يكون تسعون بالمئة من النخبة المحتكة بالثقافة الغربية .
ولا شك ان نموذج (( السائح المتهم )) كأن مهتمت جداً بالجانب التفاها التائهة من الحياة الغربية : في مقهى او مرقص , او في اي مكان تتحلل فيه الحضارة , وتنتهي فيه الى مخلفاتها (( القتالية )) .. في مزبلة .
ومن ناحية أخرى .. فأنك نجد نموذج الثاني , اي الطالب المجتهد الذي يحتك بالثقافة الغربية _ تجد هذا النموذج منغماً في الجانب التجريدي والنظري من الحضارة الغربية : منكبا هنا على كتاب , عاكفاً هناك في مكتبة , مربطاً من جهة اخرى في كلية , اى في كل مكان تتقطر فيه الحياة الغربية الى خلاصتها العلمية مع عناصرها القاتلة احياناً, والمقتولة احياناً اخرى .. في جو مقبرة .
وعندما يحاول (( الطالب المجتهد )) الفرار من هذه المقبرة .. فأنه يذهب يتسلى في قاعة برلمان او الى اي دار للعرض السينمائي او المسرحي.. اي الى مقبرة اخرى .
ومن هنا يمكن الوقوف عند نتيجة اولى .. فموقفنا ازاء مفهوم الثقافة بصفة عامة , والثقافة الغربية على وجه الخصوص , هو السبب الرئيسي في الشر كله .
القضية غير عائدة _ اذن _ الى طبيعة الثقافة الغربية ولكنها تعود الى طبيعة صلتنا بها , وهذه الصلة لا تحددها غير وراثتنا الاجتماعية التي لم نتخلص بعد من تأثيراتها , بل انها على وجه الخصوص هي التي تملى اختيار (( السائح المتهم )) في المزبلة , واختيار (( الطالب المجتهد )) في المقبرة .
فكلاهما _ بمقتضى وراثته الاجتماعية _ لا يذهب الى المهد الذي تولد فيه الحضارة , والى الذي تصنع فيه .. ولكنمهما يذهبان احدهما الى الاماكن التي تتعفن فيها الحضارة .
والاخر الى مكان التى تقطر فيها .. اى ان كليهما يذهب حيث تكون الحاضرة فاقدة الحياة .. لا يعطيها .
مالمو- السويد
iraq_najaf_59@hotmal.com
السيد ابو جهاد الحسني
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |