إنكارات وتوكيدات
حازم صاغيّة الحياة 2005/02/12

في يومين متواليين أنكر «حزب الله» اللبناني اتهامين. فبغداد تحدثت عن اعتقال 18 عنصراً من أفراده في العراق كانوا يشاركون في النشاط الإرهابي هناك. وبدورهم، أشار رسميون فلسطينيون إلى أن الرئيس محمود عباس طلب منه وقف الدعم الذي يقدّمه للفصائل الفلسطينية.

وإنكار «حزب الله» الاتهامين كان يخفّف من صدقيته ما نقلته روما عن دمشق. ذاك أن الأخيرة ضمنت للايطاليين تدخّلها مع الحزب لردعه عن تخريب الهدنة التي عُقدت بين شارون وأبو مازن في شرم الشيخ.

بيد أن الإنكار المزدوج يثبّت، في الواقع، حقيقتين أهم وأبعد أثراً من التعهد السوري.

ذاك أن العراق وفلسطين يندرجان في «استراتيجية حزب الله» في كلّ واحد متصل مترابط. وهو كلٌ ينبغي أن لا يهدأ ولا يستقرّ ما دام الجولان محتلاً، وما دامت المشكلة النووية عالقة بين الولايات المتحدة وإيران. ولأن الحياة السياسية في منطقتنا خصبة وسائلة، يمكن أن يقفز إلى الواجهة، كل يوم، حدث آخر كبير، ويمكن لـ«حزب الله»، تالياً، أن يرهن الاستقرار بالتغلّب على الحدث هذا.

أما الحقيقة الثانية، فإن «حزب الله» الذي لا يبدو معنياً بأوضاع الفلسطينيين في لبنان، وهي أوضاع بالغة البؤس والسوء، ولا يبدو معنياً، كذلك، برغبات أكثرية العراقيين التي صوّتت، وأكثريتها شيعية، هو شديد العناية بتحرير فلسطين والعراق!

وهي سياسة لا يمكن إلا أن تثير شبهة بعد أخرى، لا سيما أنها تستأنف المعادلة المجرمة المعمول بها منذ 1975، والقائلة إن لبنان هو «الساحة» التي ينطلق منها تغيير المنطقة، إن لم يكن تغيير العالم! إلا أن هذا الهدف المفخّم والمضخّم يرتد، في حقيقة الأمر، خدمة لأنظمة مجاورة مكروهة من شعوبها، تُعدّ المخابرات العسكرية أقوى دعائمها في إدامة سلطاتها.

ولا شك أن لسورية قضية محقّة في الجولان، وأن التعامل الأميركي مع إيران التي لم يتأكد تطويرها للسلاح النووي غير عادل إذا ما قيس بالتعامل نفسه مع كوريا الشمالية، هي التي أعلنت أنها تمتلكه. لكن ما لا شك فيه كذلك أن اللبنانيين ليسوا الجسر الذي يبقى ممدوداً كيما تعبر عليه القضايا العادلة جميعاً. وهذا فيما يجمع اللبنانيين والسوريين والعراقيين والفلسطينيين والإيرانيين مجموعة أخرى من القضايا العادلة والمحقّة يقف لها «حزب الله» بالمرصاد تيمّناً منه بالأنظمة التي ترعاه.

ورمزياً على الأقل، يمكن القول إن وجود حزب كهذا في منطقتنا، وعدم وجود مثله في كوريا، يفسر بعض أسباب التمييز الأميركي الظالم لمنطقة الشرق الأوسط قياساً بباقي العالم. لكن الخطوة الشجاعة التي أقدم عليها محمود عباس بتسريح وإقالة الضباط المسؤولين عن تحدي الهدنة، وكان تمنّع عرفات عن إتيان مثلها، تنمّ عن تكاثر الراغبين في إزالة هذا التمييز الظالم. فالمنطقة اليوم تعلن، وإن بصوت لا يزال ضعيفاً، وبلغة لا تزال متعثرة، أنها تريد الحياة والعادية أكثر مما تريد القضايا البطولية التي تنتهي سيارات مفخخة وإضبارات أمن دسمة.