التغيـيـر الأمريـكـي




--------------------------------------------------------------------------------


--------------------------------------------------------------------------------



الحرية والديمقراطية عناوين للمشروع الأمريكي في المنطقة

فضل الله يحذر من "محطات جديدة لأميركا في المنطقة"

سئل العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، في ندوته الأسبوعية، حول موقف الإسلام من التغيير ودعوات التغيير الأميركي في المنطقة؟

فأجاب: "أطلق الإسلام يد الإنسان كي يسعى دائماً للتغيير نحو الأفضل، على أساس النظرة الإسلامية للإنسان كصانع للتغيير، وأن عملية التغيير لا بد أن تنطلق من الإنسان نفسه، سواء كان فرداً أو جماعةً أو أمةً أو قائداً، فالإنسان هو الذي يصنع حركة الاقتصاد، كما يحرك العملية السياسية، كما أن الإنسان المتنوع الأبعاد، على المستويات الفكرية والنفسية والعلمية وما إلى ذلك، يبقى هو محور التغيير، ولذلك أفسح الإسلام في المجال له كي يواصل العمل على تطوير المجتمع وواقعه وفق قاعدة: "مَن تساوى يوماه فهو مغبون". ولكن الإسلام أراد لعملية التغيير أن تنطلق على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووفق الحديث الشريف: "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر، أو ليسلطنّ الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم"... ولم يرد لعملية التغيير أن تتم من خلال استخدام أساليب العنف، إلا إذا وصلت المسألة إلى أقصى حدود الخطر على الأمة ومصالحها، فعندها يكون استخدام العنف على طريقة العملية الجراحية لإنقاذ الأمة في جسدها وحركتها العامة.

إن التغيير في الإسلام هو فعل إرادة ينطلق من داخل الإنسان ومن داخل الأمة، ولا يُفرض عليها من الخارج، ولا يصدر بمرسوم ملكي أو جمهوري أو ما إلى ذلك، ولا بد أن ينطلق من خلال دراسة شاملة لوضع الأمة الداخلي وحاجتها الماسة إلى التغيير، لا من خلال مزاج، أو على أساس مسايرة الآخر والتملّق له، أو مجاراةً لمشروعٍ معادٍ، أو من خلال عقدة نقص أمام حضارة الآخر، فإن التغيير تحت هذه المؤثرات والعناوين محكوم بالفشل في نهاية المطاف.

والإسلام الذي حضّ على التغيير نحو الأفضل، وعلى دفع الأمة باستمرار لدراسة أوضاعها وممارسة عملية نقدية مستمرة للذات وللواقع، حذّر مما قد ينطلق به العقل الجمعي من خضوع واستسلام للواقع القائم، أو لفكرة التغيير المفروضة لحسابات لا تتصل بمصلحة الأمة العامة، ولذلك حضّ على التأمل والتفكّر، وفي الوقت عينه على عدم الخضوع لما هو عليه الوضع القائم نتيجة اختلال موازين القوى، ورفض أن يكون التغيير شكلياً وتجميلياً، لأن التغيير الشكلي سيؤدي لاحقاً إلى انبعاث المشكلة من جديد، ولأن كثيراً من عمليات التغيير التي تنطلق على أساس إحداث ديكور ديمقراطي جديد، كما هو قائم في أكثر من موقع من مواقعنا، سوف تقودنا إلى الهاوية مجدداً.

ولذلك، فعلى الأمة أن تتنبّه وأن تكون حذرة حيال دعوات التغيير "ونشر الديمقراطية" في العالم، والتي تحاول فيها بعض الجهات الغربية، والإدارة الأمريكية على وجه الخصوص، أن تستغل أية حادثة أو أية حركة في الواقع العربي والإسلامي، لتوحي بأنها مؤشر على تنامي روح الديمقراطية التي تزعم هذه الإدارة بأنها الحاضنة لهذه الروح، لتدخل إلى قلب الحدث، وتتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد أو ذاك، ولتعطي لنفسها الحق في التصرف كما تشاء، على أساس أنها رسول الديمقراطية الغربية إلى العالم الثالث. ومن هنا، فإننا نحذّر من أن تبنّي الكونغرس الأمريكي لدعوة الرئيس بوش لنشر الديمقراطية في العالم، على أساس تحول سفارات أمريكا في العالم إلى "قلاعٍ للحرية" كما يزعمون، ليس إلا الوجه الخلفي للمشروع الأمريكي الزاحف إلى المنطقة، والذي تتحدث عنه مراكز الدراسات الأمريكية المرتبط بعضها بالإدارة الأمريكية أو بالمحافظين الجدد، والذي تثيره أدبياتهم بكل وضوح لتشير إلى استهداف سوريا ولبنان بعد العراق، ومن ثم استهداف إيران، بكل ما يعنيه هذا الاستهداف من إخضاع وهيمنة ومن إسقاط، ومن تحوير وتسويف في عناوين الحرية والديمقراطية، بحيث تجاري هذه العناوين الخطوط العامة والتفصيلية للمشروع الأمريكي وتحاكي أهدافه بشكل متطابق.

إن الأمور تبدو أكثر وضوحاً، عندما يعمد الرئيس الأمريكي وغيره من المسؤولين الأمريكيين إلى تزكية بعض البلدان في المنطقة، والزعم أنها تسير في ركب الديمقراطية والحرية والانفتاح السياسي، مع أن حركة هذه البلدان في هذا المضمار لا يمكن أن توازي حركة إيران أو لبنان أو غيرهما على صعيد الانفتاح والمشاركة والانتخابات والحوار مع الآخر، الأمر الذي يؤكد أن المسألة لا تتصل بالعنوان الديمقراطي للتغيير الذي تحركه الإدارة الأمريكية وفق بوصلتها السياسية وبرنامجها للسيطرة والهيمنة، بل بسبل الإثارة التي تكون بمثابة المقدمات السياسية أو حتى الأمنية لهذا المشروع.

إننا نحذر من أن دعوات الرئيس الأمريكي وإدارته لإنهاء الطغيان في العالم، ونشر الديمقراطية فيه، هي دعوات تستبطن تعميم الطغيان الأمريكي فيه، وبخاصة في المنطقة العربية والإسلامية، وإن السفارات الأمريكية التي كانت ولا تزال قلاعاً للجاسوسية وللتآمر على أنظمة الحكم أو على الحركات الشعبية والتحررية المناهضة للصهيونية وللهيمنة، لا يمكن أن تصبح بقدرة قادر منارات للحرية ولنشر الديمقراطية، لأن ما تفهمه إدارة بوش من نشر الديمقراطية في المنطقة العربية والإسلامية، هو الانسجام مع ما تريده إسرائيل شارون، والتطبيع الكامل معها، مع التناسي الكامل لحقوق الفلسطينيين، ولذلك فإن بعض المواقع التي تتحرك فيها عمليات الانتخاب في المنطقة، بتصفيق أمريكي تارةً، وتلويح بالمزيد أخرى، قد تكون المحطات الجديدة للمشروع الأمريكي في مرحلته الثانية.

وعلى هذا الأساس، نريد للبنانيين جميعاً أن يعرفوا أنّ أمريكا ليست حريصة على مصالحهم وأوضاعهم، بصرف النظر عن الأخطاء التي ارتكبت وترتكب هنا وهناك، ولم تكن ولن تكون الحاضنة لمشروع الدولة الحقيقية في سعي اللبنانيين لبناء البلد على أساس من الحرية والسيادة، فهي التي جعلت البلد رهينة لإسرائيل ولاحتلالها وجرائمها، وهي التي تسعى في هذه الأيام لاستثمار الأوضاع فيه لحساب مشروعها العام في المنطقة، ولذلك فهي تتدخل في التفاصيل، وتدخل طرفاً بين هذا الموقع اللبناني وذاك، وتتحدث عن رفضها لهيمنة معينة لحساب هيمنة أخرى تريدها لحسابها. إننا نحذِّر من وجود سعيٍ لجعل لبنان ساحة اختبار حقيقية للمشروع الأمريكي في المنطقة، وربما ساحة انطلاق جديدة لهذا المشروع بالمعنى السياسي، وربما بالمعنى الأمني، ونريد للبنانيين أن يحرصوا على صون وحدتهم بالحوار وبالتعقل، وباختيار الكلمة الأحسن في الخطاب السياسي، حتى لا نكون مرة أخرى حطباً للمشاريع الدولية التي تريدنا أن نتقاتل على العناوين لحسابها، لا أن نقاتل للقضايا الكبرى لحسابنا.