 |
-
العراق بعد عامين من الاحتلال مقال للدكتور موسي الحسيني
العراق .. بعد عامين من الحرب
د . موسى الحسيني
بعد عامين على احتلال عاصمة العباسيين بغداد ، سوف لن نتوقف كثيراً عند توصيف أو مراجعة ما جرى خلال هذين العامين ، المليئة بالاحداث اليومية ، بل سننطلق من دلالات هذه الاحداث لنستقرء ما يمكن ان يجري من نتائج على الارض ، على اساس ما مر منها ، خلال المرحلة القريبة القادمة ، أو السنة الجديدة على الاقل .
سننطلق في محاولتنا هذه على مناقشة موضوعتين اساسيتين تختزلان بمضامينهما كل ابعاد الهم العراقي . هما :
1 : المقاومة العراقية
2. موضوعة التقسيم والوحدة .
اولا : مستقبل المقاومة العراقية :
لاشك ، وكما سبق أن ذكرنا في أكثر من مناسبة ومقالة ، تتميز المقاومة العراقية بخصائص فريدة لم تتحقق في أي من التجارب الثورية ، وحروب التحرير في تاريخ البشرية ، أهمها ، سرعة انطلاقها وأتساعها ، فعادة ما يأخذ الاعداد لتنظيم هكذا مقاومات ، فترة أطول ، تشكل ضرورة زمنية لنضوج المشاعر الوطنية ، والتخلص من مشاعر الهزيمة والاحباط ، اضافة الى ما تحتاجه المقاومة من وقت كافي للاستعدادات الفنية والتنظيمية اللازمة ، فغالباً ماتنطلق المقاومات كمبادرة من نخبة او نخب صغيرة ، تعمل جاهدة على توسيع قاعدتها الشعبية ، ولضعفها ومحدودية انتشارها تنطلق حركات التحرر عادة من القرى والغابات او المناطق الجبلية ولاتنتقل من المدن الا بمراحل متاخرة .
عند الاخذ بهذه القوانين العامة التي تعتبر من الخصائص الرئيسية لكل مقاومة ، نكتشف ملامح الجدة ، والسمات الخاصة للمقاومة العراقية ، التي انطلقت بقطاعات واسعة من الشعب ، أي انها لم تكن حركة نخبة بل حركة شعبية واسعة . لذلك لم تحتاج لان تمر بمرحلة التجمع او الاختباء خارج المدن ، بل أنطلقت من المدن .متجاوزة بذلك مراحل زمنية وتنظيمية كثيرة . .
الخاصية الاخرى والمهمة في المقاومة العراقية ، والتي التصقت بها ، دون غيرها من التجارب الثورية الاخرى ، هي انها أنطلقت على أساس قدرات وطنية خالصة . دونما أي دعم خاجي . تلك حقيقة لاتقبل النقاش ، بغض النظر عن الحرب الاميركية المضادة التي تهدف لتضليل العالم بالايحاء بفكرة أن المقاومة العراقية ما هي الا عمليات طائشة لمجموعة من الفدائيين القادمين من الخارج . وهي التهمة التي لم تستطيع ان تثبتها سلطة الاحتلال ولا ممثليها المحلين ، رغم ترديدها للقصص اليومية المختلقة عن الارهابيين الاجانب ، وابو مصعب الزرقاوي وغيرها من القصص التي لاتقنع عاقلا . وكما سياتي الحديث عن ذلك . مع أن وجود مقاومين عرب لايمثل نقصاً أو عيباً في كيان المقاومة العراقية ، فهناك عشرات الاف من العراقيين اللذين خدموا او تطوعوا في فترات مختلفة في المقاومة الفلسطينية ، وارتقى بعضهم لأعلى الرتب القيادية كالمرحوم الشهيد باسل الكبيسي ، وابو ليلى السامرائي ، وموسى الحسيني . ومع ذلك لم يشعروا وليس هناك من يشعرهم بانهم كانوا غرباء .وعندما حصل الغزو الايطالي على ليبيا عام 1908 ، افتى العلماء الشيعة بوجوب السفر الى ليبيا والجهاد هناك .
لايكتمل الحديث عن المقاومة العراقية دون الحديث عن الحرب الاميركية المضادة . فوجئ الاميركان بحجم وقوة المقاومة بعكس التوقعات والتطمينات التي نقلها لهم بعض معارضي النظام السابق . فعملوا على محاصرتها ، وتحجيمها ، ومنع انتشارها كخطوة اولى باتجاه القضاء عليها ، اعتمدوا في حربهم المضادة عدة طرق وخيارات ، سنركز هنا على اهمها :
1 : صبغها بصبغة طائفية لحصرها في مناطق الوسط والشمال الغربي . فقالوا عنها انها محصورة بما يسمى المثلث السني ، وخيبة امالهم انفجارات الجنوب التي عرفت بالانتفاضة الصدرية ، التي حصلت في الجنوب والمركز الشيعي الاول – النجف - . هذا اضافة الى كثير من الدلالات الاخرى التي حولت مصطلح المثلث السني ، الى مجرد نكته يتندر بها الناس . من بين اكثر الحوادث دلالة على حجم الاسهام الشيعي في المقاومة هو حجم الشهداء من ابناء مدن الجنوب اللذين شاركوا في الدفاع عن مدينة الفلوجة ، واللذين وصلت جثث بعضهم الى مدنهم كالسماوة والناصرية والعمارة والبصرة ، والمدن الاخرى .ولاتعبر اعداد الجثث التي وصلت لهذه المدن عن الارقام الحقيقية ، لان هناك اعداد كبيرة من الناجين اضافة لاعداد الجثث المجهولة الهوية .
2 : ممارسة عمليات ارهابية كبيرة من قبل الاميركان مباشرةً او بعلمهم وموافقتهم ، بتخطيط من قبل الموساد التي كانت قد دربت واعدت الفين من المرتزقة قبل بدء الحرب ، ودفعت بهم مع القوات المحتلة لينتشروا في مختلف المدن العراقية بحماية قوات الاحتلال ورعايتها ، على ان المراقب يستطيع أن يؤشر على هوية بعض العمليات المعدة من قبل قوى عراقية من تلك المتحالفة مع سلطة الاحتلال . ونسبت كل ذلك لشخصية مزعومة اسموها ابو مصعب الزرقاوي الذي تؤكد بعض المعلومات الخاصة على انه سبق ان قتل في الاشتباكات التي حصلت بين انصار الاسلام والقوات الاميركية خلال العمليات التي تمت في الاسبوع الثاني من بدء العمليات الحربية . ما يجعل الاميركان اكثر ثقة من انه سوف لن يظهر يوما ما في مكان ما ويكشف زيف ادعاءاتهم . ونعتقد أنه لو كان لايزال حيا فهو يقيم في احد القواعد الاميركية وبحمايتها . هذا الاعتقاد لم ياتي من فراغ بل هو قائم على كثير من الوقائع التي لايسمح المجال لذكرها هنا موجودة في كتابنا " المقاومة العراقية والارهاب الاميركي المضاد " . والزرقاوي هو الابن الشرعي لوكالة المخابرات المركزية التي جندته وارسلته الى افغانستان . حيث تلقى هناك تدريبات على مستوى من الاتقان والتطور .
3 : عمليات القتل و الابادة الجماعية ، وتدمير المدن ، بدون حدود ، من اجل اشاعة حالة من الارهاب لردع أهالي هذه المدن من تقديم الدعم والعون لفصائل المقاومة . كما حصل في النجف والفلوجة ، سامراء الموصل ، تلعفر ، ومدينة الصدر في بغداد ، وغيرها من المدن .
نركز هنا على استخدام الارهاب لوصف العمليات الاميركية ، بالاعتماد على ما هو شائع في الادبيات الاميركية والانكليزية عامة ، عن تعريف الارهاب على أنه : أستخدام الوسائل العسكرية ضد المدنيين لتحقيق اهداف سياسية .
وبالتدقيق في الممارسات الاميركية ضد المدن العراقية نجد أنها تقدم خير نموذج للتوصيف الواقعي للارهاب كما جرى ويجري على الارض .
4 : أن أستخدام الاميركان لموضوعة الجزرة مقابل العصا ، كواحدة من تكتيكات الحرب المضادة ضد المقاومة . فاطلاق ايدي عملائها وحلفاء ممن عرفوا كوزراء او مدراء عامين واتباعهم ، سواء في ما عرف بمجلس الحكم ، او ماعرف بالحكومة المؤقتة ، كوسيلة لتخريب ذمم الناس ، وتشويه اخلاقهم ، وتوريطهم في عمليات الفساد والسرقة الرسمية للاموال والبضائع العراقية ، والمشاريع الوهمية للاعمار والبناء . والرشاوي والسرقات ، التي حولت بعضهم الى رؤوس اموال كبيرة بفترات محدودة وقياسية . حيث وصل عدد الذين بلغوا مستوى المليونير اكثر من 84 شخص حتى اواسط عام 2004 .
5 : الانتخابات كوسيلة لتخدير العراقيين على انها الوسيلة السلمية الفعالة للتخلص من الاحتلال من خلال ما نص عليه قانون ادارة الدولة من ان من حق حكومة شرعية ان تطلب خروج قوات الاحتلال . وهذا كان احد اهم الاسباب التي دفعت الكثير العراقيين للمشاركة في الانتخابات .
على اساس هذا التوصيف المختصر لطبيعة المقاومة العراقية ، وللخطوط العامة للارهاب الاميركي المضاد ، يمكن ان ننطلق لتوصيف مستقبل المقاومة العراقية ، للعام الثالث ما بعد الاحتلال .
نعتقد أن المقاومة العراقية ستنتشر بشكل واسع في المنطقة الجنوبية هذه المرة ، بعد أتضاح الصورة عند عامة العراقيين ، وفهم طبيعة المناورات والتكتيكات الاميركية التي هي ابعد ما تكون عن شعارات الديمقراطية والتحرير التي رفعتهما قوات الاحتلال .وأنكشاف حقيقة واغراض العمليات الارهابية ومن يقف ورائها ، وزيف قصة الزرقاوي . ففي اتصالات مكثفة مع عدد كبير من اهالي الحلة للاستفسار عن تصوراتهم عمن يكون الفاعل الحقيقي للتفجير الاخير في مدينتهم . يشخص الجميع الاميركان بدون تردد ، ويكذبون قصة الانتحاري الاردني ، وأن العملية تمت عن طريق تفجير عن بعد لمتفجرات مزروعة بأتقان وليس بعملية انتحارية كما تدعي سلطة الاحتلال واتباعها المحليين .
رغم محاولات سلطة الاحتلال وحلفائها المحليين تضليل المواطنيين العراقيين وتشويه الحقيقة . من خلال تنظيم مظاهرات الاستنكار ، المدفوعة الثمن ، ( عشرة دولارات لكل متظاهرمع غداء او عشاء دسم بعد الانتهاء من المظاهرة ) . لعل هذه التظاهرات المنظمة بهذه الطريقة أحد وسائل المواطن العراقي لاستكشاف الحقيقة ، ومن يقف وراء مثل هذه العمليات . يعتقد الدارسيين والمختصين المتابعين لعمليات الاستنكار ضد مجزرة الحلة ، ان قوى الثورة المضادة قامت بهذه العملية واعقبتها بحملة الاستنكار هذه كعملية وقائية لمنع انتشار المقاومة في الحلة بعد ان تصاعدت عملياتها المنظمة ضد قوات الاحتلال وحلفائها .
عندما يمتزج هذا الوعي مع أفرازات الانتخابات التي سوف لن تكون الوسيلة السلمية للتخلص من الاحتلال كما وعدت بعض الاحزاب الدينية الناس بها ، وتراجع حديث هذه القوى والرموز الدينية عن رحيل الاحتلال في الايام الاولى القليلة بعد الانتخابات مباشرة . لذلك لم يبقى امام العراقي المتطلع للحرية والاستقلال غير خطاب المقاومة المسلحة الذي اثبت صدقيته اكثر من القوى التي تظاهرت بمسايرة الاحتلال على انها الوسيلة السلمية للخلاص منه .
كما ستقدم الانتخابات خدمة جوهرية اخرى للمقاومة ، فكما ذكرنا ، تم تضخيم الحديث عن النتائج السحرية التي ستحققها الانتخابات ، كحل المشاكل اليومية التي يعاني منها المواطن العراقي الذي لاتخونه فطرته عن ادراك حقيقة الاهمال المتعمد لحل مشاكل الماء والكهرباء والامن ، وشحة البانزين في بلد النفط وغيرها من ضرورات الحياة اليومية .
لذلك سيكتشف ان الحلول السلمية ، لم تعد تكفي للتخلص من حالة الموت البطئ التي يعيشها . أي أن الاستياء المنضبط او المسيطر عليه ، سينطلق من عقاله هذه المرة ويندفع الانسان العراقي الجنوبي ليشارك اخوانه في الشمال والشمال الغربي والوسط ، في عملية الاسهام لصنع مستقبله وتقرير مصيره بيده هذه المرة وليس من خلال التفاهم الذي يقول به بعض من رموزه السياسية او الدينية .
نركز هنا على أن تنفيذ عملية الحلة التي قتلت اكثر من مئة شخص ، وما تبعها من حملة مفتعلة لهي دلالة على حجم مخاوف قوات الاحتلال وحلفائها المحليين من امتداد المقاومة للمدن الشيعية . كما ان حملة الاستنكار المنظمة والمدفوعة الثمن ، تظهر ايضا كيف يمكن ان تلتقي المصالح المختلفة في تشويه سمعة المقاومة وتضليل الناس حول حقيقة من يقف وراء هذه العمليات الارهابية . فبعض المؤسسات الدينية الشيعية تريد ان تنتقم من الملك عبد الله بسبب تصريحاته التي اطلقها ابان الانتخابات معبراً عن مخاوفه من المثلث الشيعي ، كما سماه .
ثانياً : موضوعة التقسيم والوحدة :
وهو شأن لايمكن فصله عن موضوعة المقاومة والاحتلال ، فهما قضيتان متداخلتان ،متلازمتان ، ويؤثران احدهما بالاخرى .
وفي البدء اود التذكير بأنه مهما قيل ويقال عن الاسباب الحقيقية وراء العدوان على العراق واحتلاله ، فأن أمن اسرائيل يحتل الصدارة في مقدمة هذه الاسباب . والامر واضح جداً من طريقة ادارة المعركة خلال الحرب وبعدها . لم تكتفي قوى العدوان بتدمير القوة الفعلية للعراق ، بل راحت تستمر بتدمير وتفتيت طاقاته او قوته الكامنة ، التي يشكل العنصر البشرى اهم مقوماتها ، لذلك تجهد قوى الاحتلال على تدميره بمختلف الوسائل ، اهمها زرع الفرقة والخصام والنزاع بين قواه الاجتماعية المختلفة ، وتهدف الى خلق صورة عند كل من مكوناته الاساسية على أن الطرف الاخر يشكل تهديداً لوجوده عليه الخلاص منه . مع انه لم يسبق بتاريخ العراق أن قتل شيعياً او سنياً او مسيحياً او حتى يهودياً بسبب معتقداته الدينية ، تعايش الجميع بسلام وامن ، وتعاون وتفاعل دون حسابات للفوارق الدينية او المذهبية بل باحترام متناهي لمعتقدات الاخر .وتعتمد الاستراتيجية الاسرائيلية من خلال قوات الاحتلال بتدمير الانسان العراقي والقوى البشرية العراقية ، تنفيذاً لمشروع شارون – ايتان الهادف لتقسيم الدول العربية الكبيرة لدويلات صغيرة ، متناحرة . لذلك اسمي هذه الحرب ، دائما ، حرب تحرير أسرائيل من الهم العراقي . فالعراق هو البلد العربي الوحيد الذي رفض التوقيع على الهدنة في حرب 1948 ، أي انه ووفق قوانين الحرب الدولية كان وما زال في حرب قائمة ودائمة مع اسرائيل .
عند الربط بين هذه الحقائق ، واهداف العمليات الارهابية المضادة التي تنفذها قوات الاحتلال وتوابعها من عملاء الموساد ، او الاطراف المحلية . نعتقد أن هذه العمليات ستتصاعد وبكثافة خلال العام القادم ، وستكون احد الملامح الرئيسية لساحة الصراع في العراق . ، بامل أنجاح المخطط الصهيوني في تصعيد النعرات الطائفية الى حد الحرب الاهلية .امعاناً في تفتيت طاقات الشعب العراقي ، وقواه البشرية .
.
.أن عوامل الاحباط والفشل ستثير عند القادة الاميركان حالة من الغضب والقسوة وروح الانتقام ، والرغبة في ان تنجح عملياتهم هذه في أثارة الحرب الاهلية – المبتغاة – على الاقل سيقلل تشاغل العراقيين في القتال فيما بينهم من قوة المقاومة ، ويخفف ضرباتها لقوى الاحتلال . كما ستتصاعد مخاوف الاطراف العاملة لصالح اسرائيل من أن تتسارع الاحداث التي تدفع قوات الاحتلال للانسحاب دون ان تحقق هذه الاطراف اهدافها كاملة ، مايحفزها لتصعيد عملياتها بامل التسريع في تحقيق النتائج الايجابية التي تحقق مصالحهم وخططهم . .
أما الحلفاء أو الاجراء المحليين ، فكما اثبتت الاحداث ، فان قلوبهم او عقولهم خلو من اي ايمان بالثوابت الوطنية التي لاتعني بالنسبة لهم اكثر من وسائل للكسب والربح الفاحش . والاحتلال والتسيب يمثل بالنسبة لهم موسماً غير عادي للكسب لكنه غير معروف الأمد ، يتطلعون لاستثماره والى اخر فرصة قبل العودة او الانتقال للمواطن والبلدان التي اختاروها لقضاء بقية حياتهم هناك . ليس في سلوك اي من هؤلاء الاجراء المحليين ما يوحي بأنه يفكر فعلا بالعودة النهائية والاستقرار في العراق ، لذلك حافظوا جميعا بدون اية حالة استثنائية واحدة ، على اماكن اقامتهم خارج العراق ، تاركين عوائلهم هناك وجاؤوا كالمسافر موقتاً من اجل العمل في بلد أخر . لم يغير الكثير منهم حتى الطبيعة القانونية لاقامته مثل استلام المساعدة المالية التي تقدمها البلديات عادة للعاطلين عن العمل ، او العاجزين لاسباب صحية ، وهي للكثير منهم اسباب نفسية مفتعلة تصنعوا بها طمعاً بالمساعدة . مع التاكيد على حقيقة نعرفها نحن المتخصصون بعلم النفس ، أ، الادعاء بالجنون هو شكل من اشكال اضطرابات الشخصية المضطربة ( أي هو حالة من حالات الجنون )
لم يتردد الكثير من هؤلاء الحلفاء المحليين لقوات الاحتلال من تشكيل ما يشبه العصابات ، لممارسة النهب بكافة اشكاله ، اختطاف الناس خاصة الاغنياء منهم لمساومتهم على فدية تدفع عادة بالعملة الصعبة ، من قبل اقارب المخطوف خارج العراق في اغلب الاحيان . الى سرقة مؤسسات الدولة المختلفة وتاسيس الشركات الوهمية ، بل حتى السرقة المنظمة في الشارع ، حيث كشفت وسائل الاعلام كيف ان الشرطة داهمت منزل احد الوزراء المتخصص في سرقة السيارات الحديثة والثمينة من الاهالي ومؤسسات الدولة الاخرى ، وكيف ان وزيرا اخر سرق مطابع جريدة الجمهورية الحكومية ونقلها الى قريته ، ونمتلك معلومات مؤكدة عن مشاركة احد الفائزين في الانتخابات من المرتبطين بمخابرات دولة عربية قام بسرقة الاثار العراقية من متحف الموصل ، وتهريبها الى تلك الدولة بالتعاون مع مدير احد اجهزة مخابراتها . وقصص الرشوة والابتزاز التي يعرفها العراقيون كثيرة ، وتكاد تكون هي محور حديثهم اليومي .
أن المراقب المدقق يلاحظ ان هذه العصابات بدات تنشطر الى عصابات فرعية تعمل لصالحها بدلا من العمل لصالح هذا الوزير او المسؤول ، ونعتقد أن خيبات الامل والفشل الاميركي في القضاء على المقاومة يظل يثير مخاوف هؤلاء الناس من أنسحاب اميركي سريع ومفاجئ ، الامر الذي سيدفعهم الى تصعيد عملياتهم والامعان في النهب بلا حدود ، تحسبا لاي طارئ . لذلك ستتدهور الحالة الامنية العادية او العامة ، وتتصاعد عمليات الخطف والسرقة والنصب والاحتيال من قبل حلفاء الاحتلال المحليين .
أن الطائفية ، هي أحد أسلحة هؤلاء المنحرفون ، اللذين سيظلوا يصرخون دائماً وبصوت عالي ، وباعتبارهم من المدافعين عن مظلومية الطائفة وحقوقها التي سرقوها هم انفسهم . وأتهام الطرف الاخر هو اقرب لحالة الاسقاط السيكولوجي ( أي عزو ونسبة ما في المنحرف للاخرين للتخفيف من ضغط مشاعر الاحساس بالذنب التي تضغط على نفسه ). وتلعب الدعوة الطائفية كبرقع لاخفاء الوجوه القبيحة ، المشوهة ، وعرضها بصفة تبدو مقبولة .
والطائفية ، كوسيلة للعيش وسرقة قوت ابناء الطائفة هي ايضاً مصدر ووجه أخر للربح الفاحش ، لعل احد لايستطيع تصور الاموال الطائلة ومئات الملايين التي يجمعها تجار الطائفية في المناسبات الدينية ، عاشوراء خاصة بالنسبة للشيعة ، ان اموال مناسبة واحدة يمكن ان تؤمن لهم ولابنائهم العيش الرغيد مدى الحياة . هذا اضافة الى ماتدره الاوقاف وبناء المساجد والحسينيات من ارباح طائلة . حتى عاد بناء مسجد او حسينية يعتبر افضل مشروع تجاري في العراق الان ، مع ما يمنحه المشروع من سمعة طيبة يمكن ان تشكل أرضية طيبة لاستثمارات اخرى ، من خلال تسويق المساهم اجتماعياً .
لايختص هذا الامر بالمؤسسات الدينية والسياسية الشيعية ، فاللسنة ايضا تجارهم اللذين بدوأ يصرخون مستنكرين مظلومية السنة ، من خلال اضفاء التفسير الطائفي على الانتخابات . مع أن بعضهم ( ونعرفهم شخصياً ) قد لايعرف ما هو عدد ركعات صلاة المغرب ، او ما هو الفرق بين صلاة المسافر والمقيم . الا أن هذه الاستثمارات أقل عند السنة ، بسبب الموقف الوطني الذي تتمسك به هيئة علماء المسلمين ،التي تبذل جهدها لعزل تجار الطائفية عن بقية المواطنين ، وفضح او الكشف العلني لرجال الدين اللذين يسيرون بهذا الطريق – المتاجرة بالطائفية - ، كما حصل ان تبرئت من الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي ، في بيان رسمي اعلنته على الملأ ، بسبب عرض استعداده للحاق بجماعات المتاجرين بالدين .
يندرج تحت مظلة تجار الطائفية الكثير من السياسين اللذين ليس لديهم من قضية يطرحونها ، او تعوزهم القدرة على التنظير ، أو ايجاد الاطار السياسي او النظري الذي يمكن أن يسوقوا انفسهم من خلاله . فيجدوا في الطائفية الاطار الاسهل على فهمهم وفهم الاخرين . لعل في نموذج العلماني الجلبي ، وبعض العلمانيين من السنة خير مثال على ذلك.
أن الاهداف الاستراتيجية الاميركية – الصهيونية في العراق ، بل حتى تلك التكتيكية لبعض دول الجوار ، تكاد تتطابق مع نوايا واهداف تجار الدين والطائفية هؤلاء ، وأن اختلفت قليلا في بعض المفارق ، والتفاصيل .لذلك ستتصاعد حدة الدعوات الطائفية بشكل اكبر مما هي عليه في السنتين السابقتين في وسائل الاعلام – بما فيها خطباء المساجد والقراء - ، والمحطات الفضائية التي انشئت لهذا الغرض .
لا شك سيكون لهذا الزخم الاعلامي في الترويج للطائفية انعكاساته في نفوس البسطاء من الناس ، الا أن نفس هؤلاء المستفيدين من الترويج للطائفية ، والعاملين على تصعيد حدة المشاعر الطائفية ، سيعملون ايضاً على منع تطور هذا التصعيد الى حد الحرب الاهلية الطائفية . فهم ككل الجماعات البرجوازية الطفيلية ، يؤدون ادوارهم بحثاً عن ما يمكن أن يوفر لهم العيش الرغيد والرفاهية ، ومهما تاجروا بدماء الناس ، لايريدون ان ترتقي الى حد الحرب التي تنغص عليهم عيشهم . واذا ما اضطروا للهرب خارج العراق وترك مواطنيهم يعانوا من ويلات الحرب ، فانهم يكشفون بذلك زيفهم ، وزيف ادعائهم بالتفاني في حب الطائفة .أي سيغلقون ابواب رزقهم بأيديهم . وقد تطاردهم شرور الحرب الى اماكن هجرتهم ، وينقلب بذلك سحر الساحر عليهم ، وتفقد الاموال المكنوزة قدرتها على تحقيق الرفاهية والعيش الرغيد . هذا هو المفصل الحاسم الذي يمكن ان يختلف فيه هؤلاء التجار الذين يتمنوا تاخير اي انفجارات طائفية مسلحة الى اطول قدر ممكن من الزمن ، في حين يتعجل الاميركان والصهاينة في تحقيق ذلك .
لايمكن أن يتجاوز احداً على الدور الفعال لمثقفي الشيعة ، وحوزاتها الاخرى الملتزمة بجوهر الدين ، وروح التشيع ، الرافضة " لبازار مظلومية الشيعة هذا " ، مثل مؤسسة الخالصي ، وآية الله أحمد البغدادي ، والاخرين من صغار رجال الدين والعلماء الشيعة المنتشرون في المدن العراقية المختلفة . ولا يفوتنا هنا أن نذكر ،أن هناك حجماً لايستهان به من شيعة العراق ممن يعتمدون السيد فضل الله اللبناني ، كمرجع لهم .وقد لعبت وستلعب هذه المؤسسات دوراً مؤثراً في الحد من تصاعد المشاعر الطائفية .
كما لايمكن ان نهمل عملية صراع المصالح بين حلفاء المحتل انفسهم ، فالشيعة منهم سيحاول الحد من تاثير الدعوات الطائفية عندما يجد ان المؤسسات الدينية الطائفية تريد ان تستحوذ ، وحدها دون غيرها ، على كل الامتيازات المتنافس عليها . كما لمسنا ذلك من استياء علاوي الذي بدأ في تصريحاته الاخيرة يعلن رفضه لتدخل المرجعية الدينية في السياسة .
بشئ من التلخيص ستتصاعد حدة الدعوات الطائفية لكنها ستظل تحت الضبط والسيطرة دون ان ترتقي لمستوى الحرب الاهلية او الصدامات المسلحة ، فكل شئ سيتم ضبطه حتى التفجيرات التي تستخدم كجزء من الحملة الطائفية ستظل هي الاخرى تجري بشكل منضبط بحدود ما تحققه من أهداف . وسيرافق ذلك تصاعد حدة ظاهرة التدين بشكل عام ، كنتاج طبيعي لحالة الخوف والقلق والاحباط التي يعيشها المجتمع ككل .
لايكتمل الحديث عن محور التقسيم والوحدة دون تناول البعد الكردي . لكن الحديث عن هذا البعد طويل ويحتاج لمقالة خاصة ، الا أن الملاحظة السريعة ، يمكن القول أن القضية الكردية فقدت وستفقد تأيدها الشعبي العربي في العراق وخارجه ، والذي تمتعت به طيلة عقود ماضية . لذلك فالمشروع الكردي الهادف لتكريد العراق سوف لن يحقق اهدافه . فالملاحظ أن الاكراد لايريدون الانفصال فعلا عن العراق ، بل الاستيلاء على جميع العراق ، وتحويله لدولة كردية ، مقابل اسرائيل ، وبدعم مباشر منها بالسلاح والخبرات والاموال .
جميع الحقوق محفوظة للممهدون. نت
Copyright © mumehhidon.net
All rights reserved 2005
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |