في زيارتها لبغداد: رايس وقعّت اتفاقية الاحتواء في بغداد !!!



بقلم: سمير عبيد*



تفاجىء العالم قبل أيام قليلة، وكذلك تفاجىء معظم الذين يتابعون أحداث الملف العراقي الساخن والمريب في تقلباته ودرجة انحداره نحو الهاوية، عندما قرّرت وزيرة الخارجية الأميركية (كوندليزا رايس) زيارة العراق بشكل مفاجىء، والتي جعلتها على (قسطين)، أي قسط إلى أربيل في الشمال، والقسط الآخر إلى بغداد في المركز، وجاءت على ما يبدو على طريقة تشكيل حكومة ( التقسيط) حكومة الجعفري، وعلى أثرها سُرّب لوسائل الإعلام أنها جاءت من أجل الانفتاح على المقاومة العراقية بعد معركة القائم الكبيرة، والتي ستجيرها واشنطن وحكومة بغداد ضد سوريا، وهذا ما بدر في هذين اليومين على لسان رايس وزيباري والجعفري وغيرهم، وما توقعناه في مقالات سابقة أصبح يُردد هذه الأيام ضد دمشق، وهي عمليات تسخين ضد دمشق لحين إعلان أن الزرقاوي ( الكذبة) على أراضيها وحتما سيصار إلى ( خضراوي شامي) ليكون المطارد رقم (2) في دمشق، وهكذا يستمر مسلسل التصعيد والعرب صامتون، بل معظمهم مشاركون في المسلسل، والإعلام العربي (الببغاوي) هو الآخر من جانبه يقلّد ويجسّد ــ بغباء ــ ما تريده أميركا وإسرائيل في العراق وسوريا والمنطقة.



وكذلك أشيع أن الغاية من زيارة (رايس) المفاجئة إلى بغداد هي من أجل توسيع لجنة كتابة الدستور كي تشمل التمثيل السني، ومن ثم أشاع إعلام بغداد أنها راضية عن أداء حكومة الجعفري، وهي كذبة لا تلائم واقع الحال حيث حكومة الجعفري لحد هذه اللحظة ناقصة، وللآن لم تتبلور لا في تشكيلها ولا في عملها ولا حتى في برنامجها، بل ارتكبت أخطاء قاتلة، ومنها عندما قررت الموافقة على تشكيل لجنة كتابة الدستور، والبالغ عددها ( 55) عضوا، ولا يوجد بينهم إلا (2) فقط من السنة ــ حسب وسائل الإعلام والمعلومات ــ وهذه بحد ذاتها ستكون كارثة أخلاقية واجتماعية وقانونية قبل أن تكون كارثة دستورية، وكذلك أنها لجنة (غير شرعية) كونها انبثقت من جمعية ــ برلمان ــ غير شرعي بنظر أغلبية الشعب العراقي والكتل السياسية المعارضة، وكذلك بنظر كثير من القانونيين والحقوقيين في العالم، كونها جاءت من انتخابات أميركية فُرضت على العراقيين من أجل شعبية الرئيس الأميركي ( بوش)، ومن أجل ذر الرماد في العيون، كذلك أن هذه اللجنة ما هي إلا أملاءات خارجية، حيث هناك شخصيات في داخلها ولائهم الأول ليس للعراق، وكذلك هناك علامات استفهام كثيرة حول الانتماء الوطني العراقي لقسم من أعضاء اللجنة للعراق، وحتى الانتماء للعرب من ناحية الجنسية والعِرق ( وهنا لا نقصد شعبنا الكردي الذي هو عراقي وسيبقى كذلك)، وألم يقول الرسول الكريم (ص) ويحذر من (العِرق الدسّاس).

فهناك دولة إقليمية تدخلت ولازالت تتدخل في شؤون العراق ومن الألف إلى الياء، وما عجزت من تحقيقه في حرب دامت ثمان سنوات، حققته بأقل من سنتين حيث رجالها الآن في سدة الحكم العراقي الجديد الذي يُحمى بالدبابات والطائرات الأميركية، ولكن ربما قالت رايس هذا الكلام أي أنها راضية عن حكومة الجعفري، كونها لم تتوقع السرعة في عملية التوقيع على الاتفاقيات بعيدة المدى والعلنية منها والسرية من قبل الجعفري وحكومته.



التوقيع على سياسة (الاحتواء)!!!!



ولكن حقيقة زيارة الوزيرة ( رايس) غير ذلك تماما حيث صرّح لنا مصدر عربي رفيع جدا ( دبلوماسي) وقال ( أن لدى حكومتي معلومات تفصيلية أن الوزيرة رايس وقعّت مع العراقيين في بغداد ــ إتفاقية احتواء ــ والتي بموجبها أصبح 50% من النفط العراقي حصة واشنطن، ونسبة 50% الباقية من حصة النفط العراقي ستكون للأعمار).

ولكننا لم نتمكن من معرفة مدة هذه الاتفاقية، لهذا سعينا ومعنا نخبة من السياسيين العراقيين في داخل العراق، والذين هم يعارضون الاحتلال ومن خلال مصادر قريبة جدا من حكومة الجعفري، تبين لنا أن هذه الاتفاقية مدتها( 25) عاما قابلة للتجديد والتوسع، وحسب الرغبة الأميركية بالدرجة الأولى.



ثم قالت المصادر ( إن هذه الاتفاقية تمت مناقشتها مع الجانب الكردي قبل الجانب العربي، حيث وزعت رايس أي ــ واشنطن ــ حصة الأكراد المقطوعة من النفط العراقي، والتي لن يتدخل بها حكم المركز ولمدة 25 عاما أيضا، وبعد ذلك وقع الجانب الكردي موافقا على ذلك مما وقّع الجانب العراقي الذي مثلته ــ حكومة الجعفري ــ وأصبحت الاتفاقية سارية المفعول منذ ثلاثة أيام) ولقد تم إعلام حلفاء واشنطن في المنطقة وفي مقدمتهم العربية السعودية والكويت والأردن، وهذا ما أكده المصدر الدبلوماسي العربي والمصدر العراقي أيضا!!!!.



ولكن السؤال المحيّر:



هل استبقت واشنطن الأحداث لهذا سارعت إلى توقيع الاتفاقية الأهم مع العراق؟.



نعم... ربما شعرت واشنطن إن قضية كتابة الدستور سيتخللها نوعا من الفوضى والشد والجذب، وسيصار إلى تمديد فترة كتابة الدستور، وربما حتى حكومة الجعفري سيُمدد لها إن لم تتعرض إلى (تسونامي) قادم يشتتها وينهيها.



ومسألة الدستور الخطيرة والتجاذبات المخيفة هي التي جعلت واشنطن في حيرة من أمرها، فأن عادت أو ضغطت على مجموعة الائتلاف سوف تعادي السيد السيستاني الذي يمتلك سلاح الفتوى بين البسطاء، و الذي ربما سيحرك الشارع ضدها وبأوامر إيرانية، وحينها ستخسر واشنطن كل شيء لصالح إيران، خصوصا وهي غير مهيأة للمواجه مع طهران ومجموعاتها في العراق الآن.



وأن وافقت واشنطن على ما تريده مجموعة الائتلاف ( السيستاني) فهنا سوف تخسر السنة، وربما حتى الأكراد وستكسب إيران المعركة أيضا، لهذا استبقت الأحداث في عملية استخلاص التوقيع والموافقة على الاتفاقيات المتوسطة وبعيدة المدى و التي تريدها واشنطن، كي تتفرغ للتدخل الإيراني في العراق، وكي تتفرغ للفوضى التي أحدثتها مجموعة الائتلاف، ولهذا هي تبحث عن ظهير عراقي، وهذا سبب غزلها نحو السنة في العراق، ولأسباب مصلحية ونفعية بحتة.



ولهذا ستسعى واشنطن نحو الحرب الأهلية ( المُسَيطر عليها) في العراق، وأول أجراء ستتخذه واشنطن هو الانسحاب خارج المدن الكبيرة، وذلك للتفرج على المأساة القادمة، ومن ثم للتهيؤ نحو الانقضاض، وسوف تسلّم واشنطن أجزاء كثيرة من الملف الأمني إلى حكومة الجعفري قريبا، ولكن بنفس الوقت هي التي ستغرقه وتغرق حكومة الجعفري في الفوضى الأمنية.



لذا فمسألة الدستور والانهيار الأمني القادم هما القضيتان اللتان تقودان نحو الحرب الأهلية في العراق، و التي نرى بوادرها الآن، والتي تريدها واشنطن كي تنهي النفوذ الإيراني في العراق، ومن ثم كي تُنهي السياسيين العراقيين الذين من وجهة نظرها، وكثير من المحللين والمتابعين في العالم، أنهم أصبحوا عبئا وثقلا على واشنطن، بل زادوا في عزلة واشنطن في العراق، وزادوا في كراهية واشنطن داخل العراق والمنطقة العربية.



لهذا هي تسعى نحو تبديل الوجوه باللجوء إلى الجيل الثاني من العراقيين، والذين قسما منهم داخل العراق، والقسم الآخر عندها في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية والعربية، وذلك لتحسين صورتها أمام العراقيين والعرب، و تحت شعار تبديل الوجوه التي جاءت مع الاحتلال، ولكن بعد أن يوقعوا جميع الاتفاقيات متوسطة وبعيدة الأمد مع واشنطن، والتي ستكون قيدا مكبلا لأية حكومة مقبلة في العراق، وهذا ما حصل في اليابان والمانيا بعد الحرب العالمية.



لهذا فالسياسيين العراقيين الذين تبوأوا العملية السياسية وبدعم واشنطن هم جاءوا لمرحلة معينة، والتي أشرفت على نهايتها تقريبا، والتي ستكون بعد الانتهاء من التوقيع عل جميع الاتفاقيات السرية والعلنية والمتوسطة وبعيدة المدى، وحينها سيصار إلى تحجيمهم أو اغتيالهم أو هروبهم نحو الدول التي جاؤوا منها، لأن واشنطن لم تفكر قط أن تعطي الحكم ــ طويل الأمد ــ إلى هؤلاء بل أرادتهم ــ حصان طروادة للوصول إلى أجندتها في العراق، ومن خلال ربط مصيرهم مع الدبابة الأميركية والاحتلال ونجحت في ذلك، وهذا ما حدث لحد الآن.



وبالتالي ما هؤلاء إلا بمثابة الموتى من الناحية السياسية والمستقبلية، فأن انسحب الاحتلال سوف يقطعهم الشعب العراقي إربا إربا، وأن بقوا فهم لن يعطوا شيئا، ففاقد الشيء لا يعطيه، وثم واشنطن لا تريد عبئا أو ثقلا، لهذا سترمي هؤلاء مثلما رمت الرئيس الهاييتي ( أرستيد) التي جاءت به على دبابة أميركية عندما أسقطت حكم الجنرال هناك، بحيث عينت له حتى الحماية الأميركية في البيت والقصر وفي كل ركن يرتاده، ولكنها تخلت عنه بلحظة وهرب نحو أفريقيا الوسطى ليعيش في فندق بثلاث نجوم، وبعد أن سُحب منه حتى هاتفه (الجوال) ولازال الفندق يطالبه بتسديد فواتير الإقامة.



فهذه هي أخلاق واشنطن، وهذه هي نهاية بيادق المحتل بعد انتهاء اللعبة.



ولكن لا مجال للنُصح... فالذين تنكروا لوطنهم وبلدهم وأرضهم وأهلهم ودينهم يستحقون النهايات المهينة، بل زد حطب النار التي ستحرقهم.



فخونة الأمانة والشعوب والأرض والأديان لهم الخزي في الدنيا والآخرة!!!!.



أخيرا.....!



فما العمل الآن يا شعب العراق، وما لعمل الآن أيتها الأطياف المعارضة للاحتلال، فهل سيستمر السكوت وسيصل الحال أن يُطرد شعب العراق من العراق لصالح عمال الشركات العملاقة، والتي ستتسيد على العراقيين، ولصالح اليهود الذين انتشروا في العراق بطريقة السرطان، حيث أصبح هؤلاء يمتلكون القصور والبساتين والمقاطعات والعمارات والفنادق والشركات؟.



كاتب ومحلل سياسي عراقي

23.5.2005

Samiroff@hotmail.com