موقف الشارع الاوروبي وتاثيره على الضربة الامريكية للعراق
من الضروري لفهم هذا التاثير الوقوف عند خلفية الموقف الامريكي ومدى قوته ، وخلفية الشارع الغربي ومدى تاثيره والية هذا التاثير .
بالنسبة الى امريكا فان موقفها يتعدى كل مامطروح من ذرائع لضرب العراق فقرار الضربة العسكرية للعراق بقراءته الاولى قرار من اجل تواجد اكبر للقوة العسكرية الامريكية في المنطقة لاحكام السيطرة عليها واخضاع كل القوى المعارضة لامريكا في المنطقة كسوريا وايران والمنظمات الفلسطينية المعارضة لعملية السلام مع اسرائيل وحزب الله وممارسة ضغط اكبر على حلفائها مثل السعودية ومصر والسلطة الفلسطينية ، اما القراءة الاعمق والاهم في عملية الضربة فهو انها تمثل خطوة كبيرة نحو الاستفراد بالعالم وتحييد وتحجيم للسياسية الغربية خصوصا والعالمية بكل اشكالها عموما ، فان مثلت ضربة العراق الاولى عام 1991 المعول الاشد تاثيرا في انهاء الحرب الباردة وبداية نظام القطب الواحد في العالم او ماسمي بالنظام العالمي الجديد ، فان الضربة الثانية يراد منها التخلص من شركاء القطب الاوحد بالعالم كشركاء واخضاعهم وتحويلهم الى ذيول وهم الدول الاوربية وكتحصيل حاصل تهميش اكبر للدول الاخرى كروسيا والصين، فالدول الاوربية كانت شريكا في الضربة الاولى للعراق ولكنها خرجت بخفي حنين من حيث الحصول على اي امتيازات تذكر فقد استفردت بتائجها امريكا مع شيء بسيط لبريطانيا وشيءابسط لفرنسا ، وماتريده امريكا من هذه الضربة هو تكريس هذا الاستفراد بشكل ملموس وعملي وبالاخص من حيث حصد النتائج على كل الاصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والامنية وغيرها .
هذا ما يخص خلفية الموقف الامريكي اما من حيث شدة تشبثهم بالضربة او بالاصح التواجد العسكري المباشر والتحكم بالعراق والمنطقة والعالم من وراءه فان ماسلف من اهداف حقيقة للضربة او التواجد العسكري المباشر يدلل على قوة هذا التوجه مهما كان رد فعل العراق وطريقة تعامله مع الامم المتحدة وقراراتها ، وعظم الخسارة السياسية التي ستلحق بامريكا ان لم تستطع ان تحقق قدرا معقولا من الاهداف المرجوة هذه الخسارة قائمة ان فشلت الخطة في الوصول الى اهدافها الحقيقية حتى مع ايجاد اهداف بديلة تحفظ ماء الوجه السياسي ولكنها لاتصل الىا الغاية الاهم ، ومن التامل بوثيقة باول المقدمة لمجلس الامن قبل حوالي شهر تكشف ايضا عن مدى قوة هذا الموقف الى الدرجة التي حاول فيها استعمال اوراق تعتبر تمويها للحقائق واستماتة لحصد التاييد بوسائل بائسة تعتمد الاثارة الاعلامية اكثر مما هي ادلة علمية على خروقات عراقية وكانت تمثل اخر الادلة التي يمكن التلويح بها في حينها ، والمؤشر الاخر هو تعريض التحالف الغربي لخطر التصدع بسبب اصرار امريكا على الضربة وتلويحها اكثر من مرة بانها ستكون بقرار او بدون قرار من الامم المتحدة ، وهذا يكشف عن ان امر الضربة من الاهمية بمكان يستحق معه المغامرة باحداث شرخ مع اوروبا بسببه . كما انه ممكن الاستدلال على قوة القرار وجديته ان الاستعدادت الامريكية للضربة خرجت عن كونها استعدادات عسكرية فقط , فقد نقول فيها انها تلويح باستخدام القوة لاخضاع نظام صدام ، وهذا مالازال صدام حسين يامل بانه كذلك ، فهذا وان كان محتملا ولكنه ضعيف جدا لان الاستعدادات وصلت الى دراسات عميقة للملف العراقي فيما بعد صدام وكيفية اعادة تشكيل البنى الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية العراقية نشطت في اعداد هذه الدراسة عدة وزارات امريكية شكلت فيما يسمى بمكتب اعادة اعمار العراق والمساعدات الانسانية .
اما اذا نظرنا الى موقف الشارع الغربي ، فان خلفيته اؤسست على رؤيا ايديولجية سياسية قائمة على محاربة الامبريالية الامريكية كاحد الرؤى السياسية المتبقية من متبنيات الحرب الباردة ، لذا فان التظاهرات التي خرجت في 15 / 2 /2003وان ضمت اطياف سياسية متنوعة الاانها يجمعها الرفض للهيمنة الامريكية وكان العنصر الانشط في تجمعات ادارة التظاهرات هم ورثة الشيوعية الاوربية والتيار اليساري عموما .
هذا الشارع لايمك تاثيرا مباشرا على السياسة الامريكية فرغم تدني مستوى الثقة بالرئيس الامريكي في اوروبا الاانه لايعنيه هذا التدني كثيرا ، ولكن تاثيرهم على القرار الامريكي ياتي من خلال حكوماتهم التي تحسب حسابا كبيرا لاصواتهم ، التقى صوت الشارع الاوربي مع رؤى سياسية عميقة للساسة الاوربيين المعارضين للضربة الامريكية - خاصة فرنسا والمانيا - قائمة على فهم خطر الاستفراد الامريكي والحذر من تكرار الحصد الاحادي للنتائج من جانب امريكا كما حدث في عام 1991 ، ومارس الشارع الاوربي ضغطا كبيرا على السياسيين الاوربيين المؤيدين للضربة الامريكية .
اذن فالموقف الامريكي متاثرا سلبا وايجابا بموقف الدول الاوربية المعارضة وليس شعوب اوربا ، وموقف هذه الدول بني على مصالحها السياسية والاقتصادية المتعارضة مع الضربة ، وشكل الشارع الاوربي عنصر دعم لقرارها وليس سبب للقرار .
كيف ستتصرف امريكا مع الدول الاوروبية الرافضة
هناك ثلاثة خيارات لااظن وجود رابع لها في ظل اصرار اوربا على موقفها الرافض للضربة والمتاسس على قراءة ستراتيجية للاهداف الامريكية وفي ظل فقدان امريكا لمسوغات معقولة ضد العراق .
1 - اختلاق امريكا لادلة جديدة على تورط صدام حسين في امور تبرر التدخل العسكري في العراق وهذه قد تستدعي اختلاق احداث جديدة تعتبرها امريكا تهدد الامن القومي الامريكي او خرق صريح لقرارات الامم المتحدة ، وهذا الاحتمال وان كان صعبا بسبب حذر السلطة العراقية حاليا وبسبب عنصر الزمن الضاغط الذي لايتحمل الانتظار طويلا الا انه احتمال قائم وان تحقق فانه سيمد بعمر التحالف الغربي لانه سيقدم مبررات للدول الاوربية لاتستطيع تجاهلها والتغاضي عنها والاستمرار في رفضها .
2 - سحب امريكا للبساط من تحت الحلفاء الاوربيين تدريجا من خلال ضغوطات اقتصادية واضعاف قوتها وقدرتها على الاستمرار باستقلالية القراروهذا وان كان يبقي التحالف موقتا الا انه اسرع انهاءا للدور الاوربي العالمي من الاحتمال الاول .
3 - تدخل عسكري في العراق بدون موافقة الدول الاوربية وربما بدون موافقة الامم المتحدة وهذا اشد الاحتمالات خطورة ولن تتورط به امريكا الا بعد حسابات دقيقة لقدرتها على النجاح في هذا الدور لوحدها ولكن ان اتخذت امريكا هذا القرار ونجحت في خطوتها فسيعني هذا تغيير سريع في توزيع مراكز القوى السياسية العالمية وانهاء للدور الاوربي وعلى الارجح تغيير لمقاعد مجلس الامن اوصلاحيات الاعضاء خاصة الدائميين او هما معا ولايستبعد تغيير المجلس او الامم المتحدة وفق رؤية القوة الجديدة المنتصرة وهي امريكا .
بقي ان اؤكد ان الضربة الامريكية العسكرية كقرار امريكي لااجزم بانه القرار الوحيد والمؤكد المتخذ لحل الموقف ولكن قرارالتواجد الامريكي العسكري في العراق قرار مؤكد لارجعة فيه امريكيا ولايعني بالضرورة الحرب بشكلها السافر، اما هل ستقوى امريكا الى تحويل قرارها هذا الى واقع فان المؤشرات تشير الى ترجيح ذلك ولكن مدى هذا التواجد من حيث الشكل والزمن يخضع لدور الاخرين ومنهم اللاعبين الصغار ان احسنوا تحريك بيادقهم .

احمد الاسدي
alasady96@hotmail.com