النتائج 1 إلى 10 من 10
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي البغداديون يقيمون تمثالا لعبد الكريـم قاسم في مكان شهد محاولة لاغتياله شارك فيها صدام

    [align=center]البغداديون يقيمون تمثالا لعبد الكريـم قاسم في مكان شهد محاولة لاغتياله شارك فيها صدام قبل 35 عاما

    لم يترك لورثته سوى 16 دينارا واربعمائة فلس، هي ما تبقى من راتبه وكل ما كان يملك [/align]

    [align=center][/align]

    الخميس 15/7/2005 لندن: «الشرق الأوسط» بغداد: (أف ب)- بعد اكثر من اربعين عاما على اعدامه، اقام البغداديون تمثالا برونزيا، هو الاول من نوعه، لعبد الكريم قاسم الذي حكم العراق للفترة من 1958 لغاية 1963 وعرف باسم الزعيم. وتحمل بعض تجار شارع الرشيد، تكاليف التمثال بالحجم الطبيعي، الذي وضع في الشارع نفسه وسط بغداد، في المكان الذي تعرض فيه قاسم الى محاولة اغتيال فاشلة عام 1959 على يد مجموعة من البعثيين، بينهم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
    وقتل في ذلك الهجوم عبد الوهاب الغريري، الذي اقام له صدام حسين تمثالا كأول «شهيد» في حزب البعث، ووضع في المكان الذي حاول البعثيون اغتيال (الزعيم) فيه وسط شارع الرشيد، لكن البغداديين اسقطوا التمثال بعد سقوط النظام مباشرة في ابريل (نيسان) 2003. واصيب قاسم الذي كان في سيارة صالون عسكرية في الاعتداء بجروح في يده، حيث دافع عن نفسه بواسطة مسدسه الشخصي، كما دافع عنه مرافقه الشخصي، وهو الحارس الوحيد الذي كان برفقته، وهبت الجموع البغدادية في الشارع لحمايته، بينما قتل الغريري وهرب صدام حسين والاخرون عبر الشوارع الضيقة.
    ولد عبد الكريم قاسم في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1914، في محلة المهدية، وهي من المحلات السكنية القديمة والشعبية ببغداد، من اب سني كان يعمل نجارا ويدعى قاسم محمد البكر، وام شيعية من مدينة الصويرة جنوب بغداد وتدعى كيفية حسن يعقوب التميمي.
    وكان قاسم قد تبرع بقطعة الارض الوحيدة التي ورثها عن أمه في بلدة الصويرة، الى وزارة التربية لبناء مدرسة ثانوية للبنات، اللواتي كن يتجشمن عناء السفر الى مدينة الكوت البعيدة للدراسة الثانوية، مما دفع اهاليهن لمنعهن من مواصلة التعليم، وببناء هذه المدرسة سهلت عملية متابعة هؤلاء البنات لدراستهن الثانوية، وتعد بناية المدرسة التي حملت اسم «ثانوية 14 تموز للبنات» نموذجا لعمارة الستينات، والحق بها سكن داخلي ومكتبة عامة تصل اليها طالبات الثانوية عبر نفق يمر تحت الشارع، حتى يطالعن الكتب ليلا من غير الحاجة الى الخروج من السكن او المدرسة، حيث كانت الاعراف الاجتماعية مشددة في بلدة ريفية مثل الصويرة. يذكر ان الرئيس المخلوع غير اسم الثانوية الى «ثانوية صدام للبنات»، بينما لم يطلق عليها قاسم اسمه، بالرغم من انها بنيت على ارضه التي يملكها قانونا وشرعا. ويقول المحامي عبد اللطيف العبيدي، 70 عاما، الذي جاء من منطقة الكرادة ليرى التمثال «لم نكن نحبه فقط كنا نميل الى تقديسه، لانه كان رجلا بسيطا وفقيرا مثلنا.. عاش ومات وهو لا يملك شيئا». ويضيف وهو يضع باقة من الزهور تحت قدمي الزعيم سلم يحكم العراق رجل مثله، فالجميع كان يبحث عن مصالحه الشخصية والحزبية الضيقة، اما هو فقد كان جل همه مصلحة هذا الشعب، لقد ظلمناه لاكثر من اربعين عاما وها نحن نعود من جديد لكي نعيد اليه حقه». ويتذكر العبيدي، الذي كان طالبا في كلية الحقوق يوم محاولة اغتيال قاسم عام 1959 فيقول «ما ان علمنا بانه لم يمت حتى خرجنا في شوارع بغداد ونحن نهتف (زعيمنا سلامات موتوا يا بعثية)». ويتابع «بقينا ثلاثة ايام نحوم حول بناية وزارة الدفاع، الى ان اطل علينا في اليوم الثالث من شرفته فطمأننا عليه وارتحنا». ويتذكر حسين علي، 56 عاما، جيدا الزعيم قاسم ويقول «كنت اعمل في مقهى بالقرب من بناية وزارة الدفاع، وكنت أراه بشكل يومي ببزته العسكرية والابتسامة لا تفارق وجهه. كان انسانا بسيطا ودودا متواضعا يتجاذب اطراف الحديث مع حراس الوزارة».
    عمل قاسم معلما في مدرسة الشامية منذ عام 1931 ثم التحق بكلية الاركان عام 1941، وكان من الطلبة الاوائل وحكم العراق بعد سقوط الملكية عام 1958.
    وفي اوج قوته كان يسكن غرفة صغيرة في مبنى وزارة الدفاع العراقية القديمة في منطقة الميدان، وعندما اعدم رميا بالرصاص لم يترك لورثته سوى 16 دينارا واربعمائة فلس، هي ما تبقى من راتبه وكل ما كان يملك. وعرف قاسم بالعفو وغالبا ما يردد البغداديون عباراته الشهيرة «عفا الله عما سلف» و«الرحمة فوق العدل»، حتى لاولئك الذين ارادوا قتله.
    اعدم قاسم في انقلاب 8 فبراير (شباط) عام 1963 في شهر رمضان، وكان صائما حين نفذ فيه حكم الاعدام رميا بالرصاص في مبنى الاذاعة والتلفزيون، وتم عرضه عبر التلفزيون للناس لكي يصدق العراقيون مقتله. ويروي مرافقه الشخصي قاسم الجنابي، 81 عاما، الذي لم يفارقه الى يوم اعدامه، «عندما وصل الزعيم عبد الكريم قاسم الى دار الاذاعة كان بكامل قيافته جذابا انيقا وقد حلق ذقنه في صباح التاسع من فبراير (شباط) من عام 1963.. كانوا وعدوه بأن يسمحوا له بمغادرة العراق، ولكنهم نكثوا عهدهم وقرروا اعدامه بدون اية محاكمة». ويضيف الجنابي، الذي يشغل حاليا منصب الامين العام للتجمع القاسمي الديمقراطي، «لقد رفض عصب عينيه عند اعدامه.. وقبل اطلاق النار وقف وهتف باسم العراق».





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    المشاركات
    205

    افتراضي

    العراقيون يخلدون ديكتاتورييهم !
    لا تغرنكم الحياة الدنيا

  3. افتراضي

    [align=center]ثورة 14 تموز 1958 بين ذكريات الفاجعة ودروس التاريخ [/align]

    محمد سعيد الشكرجي

    قبل 47 عاما وفي أحد أزقة بغداد القديمة، كنا نتناول افطارنا عندما سمعنا صوت رجل يصرخ في الزقاق بعبارات لم نفهم منها شيئاً. خرجنا لنعرف ما الخبر واذا به العم جبار الزبال يبشر الناس بسقوط النظام الملكي وان ضباط الجيش الأبرار استلموا السلطة لانقاذ البلاد. غمرت الجميع فرحة
    لا توصف. استمعنا الى المذياع والى اول بيان رقم 1 فتأكد لنا ما نقله العم جبار.. خرجنا الى شارع الأمين واذا بالمسيرات والهتافات. لم يصدق الناس انهم تخلصوا من نظام ارتبط بالاستعمار وبدا قوياً مستبداً في عيون الكثيرين وفقدت انتخاباته ومؤسساته مصداقيتها منذ زمن. وهكذا ولد يوم 14 تموز بعد انقلاب عسكري تحول الى ثورة بخروج الجموع الغفيرة ومساندتها للنظام الجديد.
    وأذكر وانا طفل العاشرة كيف شاركتُ في موجة اخراج التلاميذ من ابتدائيات البنين والبنات للانخراط في مظاهرات الاطفال !! وكيف كتبتُ "الأشعار" وشاركتُ في ترديد الأناشيد وأداء فعاليات اخرى. كانت ثقتي كبيرة بما يجري حولي واجتاحتني آمال عريضة في غد أفضل. ولكن هذا الفرح الغامر لم يلبث ان التف بالحيرة ثم اجتاحه الغضب فخيبة الأمل فالفاجعة الكبرى...
    حيث بعد فترة قصيرة، رفعت لافتات سوداء حزناً على الشهيد عبد الرسول سوادي، كما أتذكر، وعرفت ان هناك عراقيين يترصدون بالحافلات على طرق معينة خارج بغداد لاخراج ضحاياهم وقتلهم، ثم بعد فترة قصيرة، واثناء المشاركة في احتفالات الأول من ايار (عام 1959)، حاول البعض من العراقيين ايضاً ضرب المظاهرة عند الحيدرخانة، ثم أضرموا النار في حمامة السلام الضخمة عند وصولها الى باب المعظم. وعندما اردنا العودة من شارع الرشيد الى بيتنا كان علينا ان نعبر شارع الجمهورية ولكن البعض تمترس في منارة جامع (في عام 1959 !) قرب معهد المعلمات ليرمي جمهور العابرين للشارع برشاشته. ولم نستطع العبور الا بعد حوالي ساعة من المحاولات المتكررة. وكانت اول مرة أرى او اسمع بمثل هذه الاعتداءات الصارخة، لذلك اجتاحني الغضب كيف يمكن لعراقي ان يشرع بقتل عراقي آخر بدون اي معرفه بينهما وبطرق منحطة كهذه. واكتسب هذا الغضب فورته عندما نفّـذت مجموعة من مجرمي حزب البعث وفيهم صدام حسين محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم واتذكر كيف صُدمنا حينها وكيف كانت قلوبنا وقلوب الملايين تخفق بشدة مع اخبار من كنا نعتبره الزعيم الأوحد وابن الشعب البار.. الذي حملته جماهير بغداد وهو في سيارته، احتفاء به وفرحاً بسلامته.
    أما خيبة الأمل فقد ولدت امام شاشة التلفزيون الذي اشتراه ابي خصوصاً لمتابعة الأخبار ومجريات المحكمة العسكرية الخاصة (محكمة المهداوي). واتذكر المشهد المحزن عندما اعتدى شاهد على المتهم والوزير السابق سعيد قزاز بأبيات أتذكرها لحد الآن، ولكن فيها من الاحتقار والابتذال ما يمنعني من سردها. المهم ان المتهم استنكر هذه العبارات فصرخ به المهداوي طالباً منه غلق فمه لأن هذا صوت الشعب. حينها أبدى والدي سخطه وافهمنا بان هذا يمثل خروجاً عن قواعد العدالة واعتداء لا يمكن تبريره في محكمة جديرة بهذا الاسم. فقدت هذه المحكمة مصداقيتها عند والدي. أما أنا فكنت لا أفقه الا القليل مما يجري فيها من صخب ومجادلات.. ولكن أحسست بخيبة أمل لأن والدي أدانها بعد ان كان متحمساً لها ثم توقف عن متابعتها. ولم أعد أتمتع بتلك الجلسات التي طالما أتى الجيران الى بيتنا ليشاركونا فيها كما هي العادة بين أهالي العراق في ذلك الوقت.
    لكن هذه الخيبة ازدادت عند سماعي باستمرار استخدام الحبال من قبل عراقيين لسحل آخرين في الشوارع بعد ان كانوا يداً واحدة عشية 14 تموز المجيد. حيث صار سحل المعادين "لمصالح الشعب العراقي" أشبه بمسلسل مقيت. وأيضاً لما سمعنا عنه من أحداث مشابهة في الموصل وكركوك. اما على المستوى الفردي فقد صدمت بوصول اثنين من اقاربنا من احدى المحافظات هربا من الشرطة التي تريد القبض عليهم لأنهم شيوعيون. فبعد أن كانوا معارضين مضطهدين، ايام الملكية، ها هم يهربون اليوم من شرطة الشعب وفي ظل الزعيم ابن الشعب البار! واصبحت خيبتي اكبر عندما كنت اسمع والدي يعبر عن غضبه من مسلك الحكومة الملتوي ازاء الاحزاب السياسية والجماعات المتصارعة ويقول: ليت عبد الكريم قاسم يقرر هل هو مع الشيوعيين ام مع البعثيين حتى نقرر موقفنا لاننا نحبه ونريد الوقوف معه..
    اما الفاجعة، فكانت يوم 8 شباط، عندما هاجمت قوى الغدر والهمجية وزارة الدفاع التي تحصن فيها عبد الكريم قاسم ومعاونوه وقد ارتكبوا بذلك خطأ عسكرياً قاتلاً. وكنا في العطيفية، اخذت موقعي لساعات طويلة على سطح المنزل لأعتصر ألماً وانا أشاهد الطائرات وهي تنقض على عرين الأسد. وكنا نراقب أيضاً وبقلق استمرار صورته على شاشة التلفزيون، الى أن سيطرت عليه طغمة عبد السلام عارف والبكر. هكذا عشت فاجعة لا أنساها لحد الآن، اذ شهدنا انتصار قوى الجهل والغدر التي أضافت الى سجل جرائمها التي ذكرت قسماً منها فصلاً جديدا دامياً لن يمحى من ذاكرتي أبداً، ولآ زلت أشعر بالأسى كل يوم 8 شباط على ما شهدته بغداد ومختلف ارجاء العراق من قتل واضطهاد واغتصاب وتعذيب، ثم انتشر الخوف في كل مكان...


    دروس 14 تموز :

    لايمكن حصر دروس التجربة بمقال، انما أذكر النقاط التي أراها أكثر أهمية في يومنا هذا :
    1- ان الجيش عندما استلم السلطة باسم الشعب العراقي، أجهض بشكل غير مباشر التحرك الدؤوب للجماهير العراقية المطالبة بتخليص العراق من النفوذ الأجنبي وهنا حققت سلطة عبد الكريم قاسم نجاحاً كبيراً، ولكن هذه الجماهير كانت أيضاً مع الانتخابات الحقيقية لتمكينها من ايصال ممثليها الى البرلمان والحكومة، وهذا ما لم تحققه السلطة. حيث توهم الناس بحصول المطلوب ولكن الأمر لم يتعد استبدال دور الضغط والمعارضة للنظام قبل 1958، بموقع المتفرج والمصفق والمردد للشعارات وبموقع المعاناة من الحرب الدائرة بين الضباط الأحرار سابقاً ومن التطاحن الذاتي (بين الناس) ومن المشاكل التي بدأت تتفاقم مع تقدم الأيام والشهور. لعبت الأحزاب دوراً كبيراً في هذه التطورات السلبية، ولكن المهم أن هذا الحدث الكبير تحول تدريجياً الى تراجع في عملية البناء السياسي.
    2- لا يمكن تاريخياً القبول بمنطق بعض المثقفين الذين يصطفون اليوم مع العملية الديمقراطية ويسمون انفسهم بالتيار الديمقراطي وفي نفس الوقت يدافعون عن سياسة الحزب الشيوعي أيام عبد الكريم قاسم. إذ يمكن ان نصف سياسة الحزب الشيوعي في تلك الفترة باوصاف عديدة، لكن الديمقراطية ليس من بينها بالتأكيد، لا على مستوى الفكر في الجرائد والمنشورات والخطب والشعارات ولا على مستوى الممارسة بالمظاهرات والشعارات وعمليات اقصاء الخصوم والتهديد حال التواجد في موقع القوة. ولا داعي لتذكيرنا بما فعله البعثيون فهؤلاء فاشيون وضربوا الشعب بشكل مباشر، لكن هذا لايكفي للحصول على صفة الدمقراطية.
    3- ان تقديرنا لوطنية عبد الكريم قاسم ونزاهته وتفانيه لا يفقدنا القدرة على تشخيص ممارساته الفردية، حيث لم يكن صاحب برنامج بناء سياسي لهذا البلد، وهو الأهم لأن كل المكتسبات الاخرى يمكن ان تزول او تتلاشى بعد سقوط التجربة. لقد غُيبت الانتخابات ولم تقدم السلطة على خطوات واضحة لتثبيت مبدأ تحكيم الشعب، بل فرض قاسم نفسه كسلطة فردية في الأساس. فهو يُسلط محكمة عسكرية على الخصوم ولكنه يعفي عن أخطر المجرمين الذين أرادوا قتله ودمروا الوطن
    فيما بعد، ويتحالف مع الحزب الشيوعي مرة ويطارد مناضليه مرة اخرى ويرحب بالملا مصطفى البارزاني مرة، ثم يحرك الجيش لضرب الأكراد عند حصول خلاف جدي معه، ثم يريد احتلال الكويت، بقرار فردي أيضاً. كان قاسم يدير الدولة العراقية كما يقود ربانٌ سفينته بالعين المجردة ومن دون ملاح.
    4- - والأخطر من هذا كله ان عهد عبد الكريم قاسم شهد بداية تقليص كيان الدولة وتنامي مفهوم السلطة الحاكمة بالغلبة، فبعد فترة بداية البناء السياسي الذي شهدها العراق أيام الملكية، رغم كل المآخذ عليها، فتحت الممارسات الفردية الباب امام ممارسات دكتاتورية دمرت ثوابت المجتمع العراقي تدريجياً وأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق، وصار العراقيون بعد أقل من ربع قرن، يترحمون على أيام الملكية، رغم عدم ايمانهم بها ومحبتهم لشخص عبد الكريم قاسم.. ولنأخذ أمثلة بسيطة ومعبرة عن تجاوز القانون والثوابت من قبل السلطة :
    - تجاوز السلطة لقواعد النظام التربوي، فقرار الزحف أي إنجاح الطلاب بقرار سياسي فتح المجال أمام تدخل أكبر الى ان وصلنا الى منح الشهادات أيام صدام حسين التي منحت أيضاً الدرجات لتتجاوز معدلات البعض 110 او 120 على 100 !!
    - المحاكم الخاصة، حيث لم يستفد منها قاسم لتصفية معارضيه ولكنه أضر بكيان العراق، حيث أصبحت المحاكم "الثورية" هي القاعدة الى ان وصلنا الى محاكمات صورية يُعدم بقراراتها خيرة أبناء العراق دون أي رادع قضائي.


    تذكرة :


    أن الأوضاع الخطيرة التي تمر بها مجتمعاتنا اليوم لا تسمح بالاكتفاء بالذكريات والتباكي على ما مر من مصائب. وفيما يخص موضوعنا، فان أساس البلاء في العراق ان هناك، من جهة، من يقدس ثورة 14 تموز دون تقبل النقد الحقيقي لما جرى، ومن جهة اخرى، هناك من يعاديها ولا يحب ان يسمع عنها شيئاً. وهذا السلوك المتخندق مدان في العراق، كما في غيره، لأنه يمنع الفكر من أداء دوره في تنشيط العقل البشري وفي تحريك المجتمع نحو تبادل الآراء والتوحد على أساس فهم متقارب عفوياً، اي من خلال حركة ثقافية حقيقية في المجتمع إزاء الوقائع المختلفة. ويكون الفكر متقارباً لأنه موضوعي لا سياسي وقائم على نوايا حقيقية في المعرفة لا على التشبث بمواقف ايديولوجية وأحكام مسبقة.
    ان التخلص من الطريقة السلفية الاقصائية التي نعاني منها اليوم في مجال الفكر الاسلاموي التدميري (اي السلفي الوهابي)، مطروح كقضية مصيرية منذ عصور القمع الأموي وصولاً للاستبداد العثماني. وفي الأزمنة الحديثة، حصل نفس الابتلاء مع الفكر القومي والفكر الشيوعي لأن ممارسة الاقصاء هي حالة اجتماعية-ثقافية وليست حكراً على جهة معينة. فرغم الاختلاف طبعاً في حدة الاقصاء وطرق تنفيذه، نجد تراث الأحزاب السياسية الحديثة والحداثية مليئة بممارسات الاقصاء لسبب أو آخر.
    إن الوصول الى هذا الأساس المشترك (القائم على الموضوعية وتقبل الاختلاف) هو الذي سيخلصنا من الطابع المأساوي الذي نضفيه منذ القدم على اختلافاتنا في التقييمات والمواقف وهو الذي سيخلصنا من سرطان الفكر الاسلامي والثقافة العربية (القديمة والحديثة) المتمثل برغبتنا الدائمة والمَرَضية في اقناع الآخر برأينا، وإلا فهو.. خائن او متخلف او طائفي، او برجوازي صغير، او مرتد (يستحق القتل !)، الخ.



    دكتوراه دولة في العلوم السياسية/ باريس
    sahibsd@yahoo.com



    http://elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2005/7/76250.htm
    [align=center][/align]

  4. افتراضي

    [align=center]قالوا عن الزعيم عبدالكريم قاسم [/align]

    عبدالخالق حسين

    هذه مجموعة أقوال مؤثرة عن الزعيم الخالد الشهيد عبدالكريم قاسم، لعدد من الشخصيات الكريمة، كتاب وقادة سياسيون، عراقيون وعرب، ومنهم من كان على خلاف معه في عهده، جمعتها في فصل خاص بكتابي الموسوم (ثورة 14 تموز العراقية وعبدالكريم قاسم) الذي نشرته دار الحصاد بدمشق عام 2002. وهذه الأقوال هي غيض من فيض من شهادات صادقة ومخلصة بحق ابن الشعب البار الذي وهب حياته للشعب العراقي. وقد قال لحظات قبل استشهاده مع رفاقه الأبرار:(إن التاريخ سيخلد اسمي، وإنني بنيت للفقراء 35 ألف دار خلال عمر الثورة، وأنني ذاهب ولكن لا أدري ماذا سيحصل من بعدي). وبمصرعه يوم 9 شباط 1963 الأسود أغرق المغول الجدد العراق في دياجير الظلام وحروب داخلية وخارجية، أحالوا الوطن إلى أكبر سجن في العالم، نشروا فيه المقابر الجماعية وارتكبوا جرائم إبادة الجنس وشردوا خمسة ملايين من الشعب. وقد انتهى حكمهم المظلم بالاحتلال الأجنبي الذي كان لا مناص منه من أجل خلاص شعبه من أسوأ طغيان عرفه التاريخ.(ع.ح).

    *************

    مضى ربع قرن على إنعقاد أول جلسة عربية لمحاكمة عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز ولم ينته النظر في هذه القضية مع إن المتهم الرئيسي فيها قد أعدم رمياً بالرصاص دون محاكمة. ومرت عشرون سنة على إعدامه. شهود النفي صامتون.. وشهود الإثبات وحدهم الذين كتبوا الكتب، ونشروا المذكرات، وسودوا أعمدة الصحف العربية بالسطور الغاضبة. ولم يتخلف الشعر العربي العمودي والحديث عن الإدلاء بقصائده ضد المتهم الماثل أمام الأمة منذ ربع قرن ومازالت المحكمة مستمرة، يساهم فيها حتى هذه الساعة صحفيون عبروا مع الرئيس المصري أنور السادات إلى تل أبيب ورجال نفط وأشخاص حكموا على المتهمين الذين أطلق عبد الكريم قاسم سراحهم بالموت شنقاً وبالنفي حتى الموت رصاصاً.. فرصة ثمينة لأن يصير المنفى شاهد نفى. مفارقة لغوية غريبة تتحول إلى واقع النفي يولد النفي.. ويولد الشهادة الجديدة التي تأخرت عن موعدها ربع قرن.
    حسن العلوي
    أديب ومؤرخ سياسي عراقي، في كتابه:
    عبد الكريم قاسم رؤية بعد العشرين، صدرت طبعته الأولى عام 1983.


    *************

    إني أسمح لنفسي أن أبدي ملاحظاتي وأستميح كل مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي الذين مارسوا أدوارهم في تلك الفترة عذراً لأن أقول وبصراحة بأنه كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً. لا شك أنه كان منحازاً إلى طبقة الفقراء والكادحين وكان يكن كل الحب والتقدير للشعب الكردي وكان وطنياً يحب العراق والعراقيين وكان التعامل معه ممكناً لو أحسن التقدير. يُتَهَمّ عبدالكريم قاسم بالإنحراف والديكتاتورية، أتساءل هل من الإنصاف تجاوز الحق والحقيقة؟ لقد قاد الرجل ثورة عملاقة غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط وألهبت الجماهير التواقة للحرية والإستقلال وشكل أول وزارة في العهد الجمهوري من قادة وممثلي جبهة الإتحاد الوطني المعارضين للنظام الملكي ومارست الأحزاب نشاطاتها بكل حرية. ولكن لنكن منصفين ونسأل أيضاً من انقلب على من؟ إن بعض الأحزاب سرعان ما عملت من أجل المصالح الحزبية الضيقة على حساب الآخرين وبدلاً من أن تحافظ أحزاب الجبهة على تماسكها الذي كان كفيلاً بمنع عبدالكريم قاسم من كل إنحراف، راحت تتصارع فيما بينها وبعضها تحاول السيطرة على الحكم وتنحية عبدالكريم قاسم ناسية أولويات مهامها الوطنية الكبرى إني أعتبر أن الأحزاب تتحمل مسئولية أكبر من مسئولية عبدالكريم قاسم في ما حصل من انحراف على مسيرة ثورة 14 تموز (يوليو) لأن الأحزاب لو حافظت على تماسكها وكرست جهودها من أجل العراق، كل العراق ووحدته الوطنية الصادقة، لما كان بإمكان عبدالكريم قاسم أو غيره الإنحراف عن مبادئ الثورة. إن عبدالكريم قاسم قد انتقل إلى العالم الآخر، ويكفيه شرفاً أن أعداءه الذين قتلوه بتلك الصفة الغادرة فشلوا في العثور على مستمسك واحد يدينه بالعمالة أو الفساد أو الخيانة. واضطروا إلى أن يشهدوا له بالنزاهة والوطنية رحمه الله. لم أكره عبدالكريم قاسم أبداً حتى عندما كان يرسل أسراب طائراته لتقصفنا، إذ كنت امتلك قناعة بأنه قدم كثيراً لنا، كشعب وكأسرة لا يتحمل لوحده مسئولية ما آلت إليه الأمور. ولا زلت أعتقد أنه أفضل من حكم العراق حتى الآن.
    مسعود البارزاني
    زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، فصل عن ثورة 14 تموز 1958، من كتاب: البارزاني والحركة التحررية الكردية.



    *************


    كان للزعيم عبدالكريم قاسم الكثير من الصفات الحميدة وأفضلها من وجهة نظري أنه كان مهذباً جداً وذا إخلاق عالية وحضارية ولم أسمع منه كلمة نابية قط. وكان نصيراً للفقراء وذوي الدخل المحدود، يسعى لخدمتهم ورفع مستواهم المعيشي وقد عمل الكثير في هذا المجال من أجلهم فأنشأ لهم مشاريع خدمية وسكنية عديدة، لقد كان ذا نشأة عسكرية غير سياسية ولعل ذلك كان أحد أسباب عدم إستمرار حكمه زمناً طويلاً. .. وقد تألمت للمصير الذي انتهى إليه الزعيم عبدالكريم قاسم والمذابح والتصفيات التي جرت في صفوف الشيوعيين والوطنيين ولم يكن قائد ثورة 14 تموز (يوليو) يستحق ذلك المصير المؤلم بعد أن أسس النظام الجمهوري وحارب الإستعمار بصلابة وخدم الفقراء بصدق وسعى للارتقاء بمستوى العراق إلى مصاف الدول المتقدمة في جميع المجالات .
    د. نزيهة الدليمي
    وزيرة البلديات في حكومة ثورة 14 تموز، وقيادية سابقة في الحزب الشيوعي العراقي، في مقابلة معها في صحيفة الزمان اللندنية، العدد الصادر يوم 26/9/2001.



    *************

    اتبع قاسم سياسة التدرج بإلغاء التمايز الطائفي التي سارت عليها الحكومات السابقة، قد أثارت المخاوف في نفوس غلاة الطائفية، فقد عثر إنقلابيو 8 شباط (فبراير) عام 1963 في مكتبه على مسودة القانون الجديد للجنسية العراقية والذي كان سيلغي القانون القديم الذي يقسم العراقيين إلى مواطنين من الدرجة الأولى والثانية، والذي استغله صدام حسين فيما بعد لتهجير أكثر من نصف مليون مواطن.
    د.عدنان فاضل
    مهندس معماري وكاتب.
    عبد الكريم قاسم والطائفية، جريدة المؤتمر اللندنية، العدد 162 في 2 آب 1996.



    *************

    ولما كان قاسم في دورة أركان في كلية سانت هيرز في إنكلترا، والإمتحان النهائي كان يتمثل في سؤال واحد هو: أكتب خطة مفصلة لإحتلال عاصمة بلادك؟ وحين وزعت الأسلئلة، استجاب شباب الدورة من مختلف اصقاع الدنيا، إلا ضابطاً واحداً أمسك بورقة الأسئلة وقام صارخاً لا لإحتلال بغداد. أتعرفون من هو هذا الضابط؟ عبدالكريم قاسم.
    طالب خزعل القطان،
    رسالة إلى مناضل، جريدة الوفاق-لندن،
    العدد 222 في 11 تموز (يوليو) عام 1996، لندن.


    *************

    كان عبدالكريم قاسم، على خلاف ما نعته به بعض أقرب الناس إليه من الحاقدين على شخصه، يؤمن بمبادئ سياسية واضحة أعتنقها واستخلصها من حاجة الناس ومعاناتهم. وقد كانت تلك المبادئ تدور على ألسنة الكتل والأحزاب السياسية والأفراد والشخصيات الواعية، يرددونها في مجالسهم ويتحدثون بها في كل مناسبة متاحة للتعبير عن آرائهم. ولم تكن هذه المبادئ تستند بالضرورة، إلى فلسفة سياسية أنيقة أو أفكار استوعبتها النشرات والكتب السياسية، بل جسدها الواقع وتطلعات الجماهير لتحقيقها.
    إسماعيل العارف
    من أوائل الضباط الأحرار ووزير المعارف في حكومة ثورة 14 تموز. كتابه: أسرار ثورة 14 تموز 1958، ص 433 ، دار لانا للنشر-لندن، 1986.



    *************


    أُعطيتُ حين قدومي (إلى بغداد) مركزاً خطيراً. لقد واجهت قائد الثورة، فوجدته يختلف عن القادة العسكريين الذين يقومون بأمثال هذه الثورة، في كل بلد متأخر في العالم الآن، ووجدته في حيرة. إن أهداف القوم واحدة، فلماذا يختلفون ويقتل بعضهم بعضاً ؟ إن الرجل لا يفهم أن يستعمل العنف لتأديب من استعمل العنف هو مرة إن له فلسفة كفلسفتنا، ولا أدري من أين أتته؟ إذ أنه نشأ وتربى في وسط القوة التي لا تعرف غير القوة حلاً. لقد ملت إلى الرجل، ولكني أدركت أنه حمامة سلام في ثوب نسر، أو مسيحاً يحمل صليبه على كتفه. إن أعداءه في الخارج يسمونه دكتاتوراً. وهو لا يستطيع في نظري أن يحمي نفسه. أنه يترفع عن استعمال القوة حتى في الدفاع عن نفسه. أما الساسة الحاذقون المطلعون فيعتبرونه جاهلاً في السياسة، مفلساً من أساليب الحكم الصحيحة.
    أما أعداؤه في الداخل فيروجون بأنه رجل مجنون، وأن الخير في التخلص منه. وهو يسمع كل ذلك دون أن يتأثر، إن جل همه منصرف إلى إلغاء أنظمة قديمة جائرة، وإبدالها بأخرى منصفة إنسانية حديثة. وهذا ما استهواني للبقاء معه. على الرغم من أني أعلم، أنا وكل أنصاره القلائل، بأننا سائرون إلى هاوية.
    ذوالنون أيوب،
    أديب عراقي في رواية عن الزعيم: وعلى الدنيا السلام، ص74-75

    ***********


    إن ثورة 14 تموز العراقية صفحة مجيدة وخالدة في تاريخنا العراقي الحديث، أسهمت فيها كل القوى الوطنية الفاعلة آنذاك، وجماهير الشعب، وأما أخطاؤها وانحرافاتها فمن صنع هذه القوى نفسها، حيث لم تعبِّر عن النضج السياسي المطلوب ويظل قاسم زعيماً وطنياً ونظيفاً رغم أخطائه وخطاياه التي أسهمت فيها أخطاء الآخرين وخطاياهم، فمثلاً لو لم يفجِّر القوميون (والقيادة المصرية) كل الوضع العراقي بإسم الوحدة الإندماجية، ولو لم يتطرف الشيوعيون في الرد ويستصغرون القوى السياسية الأخرى، فلربما كان عبدالكريم قاسم مضطراً إلى السير في نهج آخر بدلاً من الحكم العسكري الفردي... وتبقى ثورة 14 تموز، ومهما اختلفت بشأنها الاجتهادات والآراء مجداً من أمجادنا الكبرى، فتحية لذكراها ولذكرى قاسم.
    د.عزيز الحاج
    قيادي شيوعي سابق، في مقال:
    ثورة 14 تموز من منظار مختلف،
    مجلة الموسم، العدد 32، 1997، ص197.

    ***********



    إن القيم التي زرعها الزعيم عبدالكريم قاسم يجب أن تحول دون أن نصبح جلادين أسوأ من صدام. هذه القيم ستنقذنا من إنحطاط خلقي ودموي جديد. إن أقسى عقاب نوجهه للمجرمين هو أن ننجح في بناء الوطن الذي أراد الزعيم بناءه لنا، ذات الوطن الذي حرمونا منه وهدَّموه على رؤوسنا. وهذا أنبل ما يمكن أن نقدمه لذكرى الزعيم. دعنا نستقي من روح الزعيم صورة للمستقبل.
    د.علاء الدين الظاهر
    صورة للذاكرة… صورة للمستقبل،
    أستاذ جامعي وباحث في تاريخ العراق الحديث،الموسم، العدد 32، 1997، ص 43.

    ***********


    قيل عن عبد الكريم انه كان شيوعياً ودكتاتوراً ودمويا واصلاحياً وخطراً ولغزاً... كيف جميعاً..؟!
    كان لغزاً لأنه احب بلده وأخلص لشعبه.
    كان خطراً لأنه أول رئيس عراقي لحكومة عراقية منذ الألف الثالث قبل الميلاد.
    كان خطراً لأنه عمل جاهداً ليجنب بلدنا ما يدور فيه اليوم من مهزلة مزاد علني.
    من يعرف نفسه جيداً من العراقيين يستطيع وبسهولة فهم عبد الكريم قاسم.
    من يعرف طبيعة الشعب العراقي يفهم عبد الكريم قاسم.
    لم يستطع أنصاف البشر حل هذا اللغز فقرروا القضاء عليه.
    نعم كان خطراً عليهم فقتلوه وحُلَّ اللغز. كافح وناضل العراقيون آلاف السنين ليأتوا بقائد مثل عبدالكريم قاسم وحينما جاء، قتله الذين يناضلون من اجل عبوديتهم فصح فيهم قول الرصافي:
    عبيد الأجانب هم ولكن على أبناء جلدتهم اسود
    قُتل عبد الكريم قاسم وهو يبتسم بحنان !
    ومنحنا بذلك خطيئة أزلية.
    دلير مصطفى
    مهندس كردي عراقي
    مجلة الموسم، العدد 32، عام1997، ص 49.


    ***********

    حين عاد القتلة من حفلة الدم الوحشية، بعد دفن جثة الزعيم عبد الكريم قاسم في ضواحي ديالى، فوجئوا باختفاء الجثة، وأعلنت يومها حالة طواريء، من قبل دولة كبرى، بمقاييس البلدان النامية بحثا عن جثة هاربة للزعيم الذي ظل حتى اللحظة الأخيرة من حياته يرفض حوار السلاح، هو المحارب النظيف، الذي لم ينجب ( أطفالا بعد منتصف الليل) في ثكنة كما كان يفعل الشباطيون، والعقداء الغجر، وفرسان الفصاحة والتشهير!.
    وحين ألقوه في النهر، كي لا يصير رمزا، لم يكونوا يدركون، لسذاجتهم، انهم صنعوا رمزا أبديا، وان المخيلة العراقية منذ أقدم العصور تربط بين الزعيم المنقذ وبين الأنهار المقدسة، وان أكثر حالات الانتظار قداسة عند العراقيين تلك التي تتم عند حافات الأنهار، وغياب جثة القائد في الأساطير والحكايات العراقية، يجعلها حاضرة أبدا، ويخلق فكرة الانتظار المثمرة، والأمل الإيجابي بالعودة، ويحولها إلى رمز.
    هل واجه الزعيم قوى سياسية وأحزابا فقط، أم انه واجه قوانين تأريخية، اجتماعية، ورغبات منفلتة في مرحلة تحول، وانهيار مجموعة قيم، وأنماط ثقافية سائدة، وتفسخ اجتماعي، سياسي، أخلاقي، ثقافي؟. في مثل هذا النوع من المراحل العاصفة التي تهب على المجتمعات، في المراحل التي تعقب الحروب، أو الكوارث الطبيعية، أو الثورات، والهزات الاجتماعية العاصفة، يحصل ما يسميه علماء الاخلاق بحالة فقدان المعايير(Normlessness ) التي تؤدي إلى ضرب من العدمية السياسية، والإخلاقية، وانهيار منظومة المثل والأعراف السائدة، وفقدان المقاييس. وفي مثل هذه الظروف الزلزالية العاصفة لا تتأسس القوانين، أو الدساتير، لأن الفورة الاجتماعية الجامحة لم تستقر بعد، ولأن الدساتير التي توضع في مثل هذه الأجواء لا تعكس بصورة دقيقة رغبات وقيم وحقوق الناس أو الشرائح الاجتماعية التي تمر في حالة إزالة وتراجع، وبروز قيم، وصراع آراء ومصالح جديدة، وفئات تتقدم وأخرى تتراجع، ونظام وأفكار وإخلاق يصعد في مشاهد عنف تاريخي جبار.
    ولقد اثبت الزعيم عبد الكريم قاسم بعدم سنه دستور دائم للبلاد (في تلك الظروف) ذروة الوعي الحقوقي، وشجاعة المشرع، لأننا لا نستطيع ان نقيم حفلا موسيقيا حالما على ظهور التماسيح!. وكان يريد أن يهدأ التاريخ من عربدته ويراهن على الأيام، ولم يكن يراوغ، لأن الدساتير تعكس مرحلة الاستقرار النسبي لمجموعة نظام القيم، والحدود الفاصلة بين الأعراف، واستقرار المعايير حتى وان في مرحلة محددة من الزمن. ولا توجد أمة من الأمم شرعت دستورها الدائم في ظروف الاضطراب لأن في صراع المعايير، وانفلات القيم لأكثر من الدم، وسيكون التمييز صعباً بين المسرح السياسي ومسرح الدعارة لأن الذي يحدث هنا يحدث هناك في عدمية مكتسحة.
    ولكن هذا الرجل المشتبك في صراع أسطوري، كأحد آلهة الإغريق، في صمت خرافي، وكبرياء حزين، مع هذه الأقدار الكبرى، حين يعود إلى منزله ليرتاح يجدنا قد حرمناه حتى من النوم الهادئ من أجلنا، واحتللنا وسادته، آخر مساحة للدموع السرية لأبطال الملاحم حين يعودون من معارك التاريخ الكبرى.
    (تقرر وضع المناشير في غرفة عبد الكريم قاسم، بواسطة أحد الأطفال(؟).... الذين اعتادوا الدخول والخروج إلى بيت حامد(؟).... ودسها على سرير الزعيم.... ولدى دخول الزعيم إلى غرفته فوجئ بحزمة مناشير مخبئة تحت الفراش.... فلم نلاحظ رد فعل ضد القائمين بهذا العمل وهم معروفون لديه ولدى عائلته (؟)
    أخيرا من قتل الزعيم عبد الكريم قاسم؟.
    * نحن جميعا شركاء،
    سواء الذين أطلقوا عليه الرصاص، أو الذين أطلقوا الدموع،
    أو الذين صمتوا ولم يتحركوا لمنع تلك الجريمة،
    أو الذين حاولوا من قبل ومن بعد قتل الزعيم الفكرة، والرمز.
    كان الزعيم يستطيع صباح يوم الجريمة أن يقود هجوما مدرعا من داخل وزارة الدفاع، ويفتح مجزرة لو أراد، لكنه قرر الاستشهاد، في لا وعيه، وضميره وبطريقة من الصعب جدا أن يفهمها الرجال الصغار.
    ايها الزعيم،
    أنت ترقد في قاع النهر ممزوجا بطين وأساطير الأنهار المقدسة،
    وسنظل ننتظرك، نحن الأبناء التعساء الذين أحببتهم كثيرا، على ضفاف الأنهار،
    وعندما ستخرج إلينا يوما،
    سنفرش قمصان اليتامى تحت قدميك،
    لكي تمر أيها الصديق!.

    حمزة الحسن
    أديب وروائي عراقي.
    في مقال: إنصافاً للرجل وللتاريخ، الغد الديمقراطي،
    العدد 121، تموز 1995.


    ***********

    ماذا كان يدور في ذهن قاسم لحظة إعدامه؟
    يقول طالب شبيب: وفي كل الأحوال فقد كان قاسم لا يستحق المصير الذي آل إليه ولا ندري بأي شيء تأمَّل أو فكَّر وهو يستعد لتلقي رصاصات سيطلقها تلاميذ مدرسته الوطنية العسكريين، الذين تمثلوا فوراً بعد قتله بطريقته في الحكم، ولكنهم فشلوا أن يصيبوا ما أصاب من عفوية وشعبية..؟
    ويجيب المؤلف الدكتور علي كريم سعيد على هذا السؤال فيقول: لابد أن أسئلة وتوقعات كثيرة جداً مرت بذهن قاسم وهو يترقب خروج الطلقات من فوهات البنادق الموجهة إلى صدره. وربما تسائل: هل يستحق ما اقترفه أو ما قام به من أعمال أن يُقتل بهذه الطريقة؟ ولا بد أن شريطاً قد مر بذهنه وأمام مخيلته منذ أن كان ملازماً، عندما فاجأ تلاميذه بالكلية العسكرية وكان بينهم عبد السلام عارف والبكر وعبد الرحمن عارف وطاهر يحيى ومحي محمود والدراجي وطاهر وفاضل عباس المهداوي وغيرهم، فاجأهم بحديث ولغة غير معهودة داخل الجيش، وكان أول ضابط يقوم بذلك، حدثهم عن الوطنية والإستعمار البريطاني ووعدهم بيوم يتمكنون فيه بطرد العسكريين الأجانب من البلاد.
    لا بد أن يكون قد تذكر إضافة لذلك معارك كردستان ثم حرب فلسطين وتحريره لقلعة كيشر والبيارات وإبداعه في نقل القوات خلال المواجهة مع الإسرائليين، ومخالفته للقيادة العسكرية العربية عندما خطط سراً لفك الحصار عن الجيش المصري المحاصر بالفالوجة، وتنسيقه مع عفيف البزري رئيس أركان الجيش السوري وعبد الحميد السراج في (المفرق) على مساعدة سوريا في حال تعرضها للإحتلال من قبل الجيش العراقي الذي كان بإمرة الإنكليز، وإنقاذه لبغداد من الفيضان عام 1954 وتأسيه لحركة الضباط الأحرار التي وصل عدد منتسبيها إلى حوالي مائتي ضابط مختلفي الإتجاهات بما في ذلك خلية بغداد المهمة التي قادها رفيق دربه رفعت الحاج سري، ثم قيادته ثورة 14 تموز، ومشاريعه في خدمة الفقراء التي تركزت على بناء المدارس وإيصال الكهرباء للريف والأحياء الفقيرة وبناء المساكن الشعبية والمعامل وإيجاد مناصب العمل ومشاريع الري وتوزيع الأراضي على مئات الآلاف الفلاحين وتعويض صرائف بغداد بمساكن شعبية، وتوسيع الجامعة والمعاهد وصار الدخول لها بواسطة الإجتهاد والمعدلات وليس المحسوبية والقبول الخاص أو الإستثنائي. وسن قانون رقم 80 الذي أمم أكثر من 99.5% من الأراضي العراقية وجلب أساتذة مصريين لسد نقص المعلمين بعد توسيع المقبولين في المدارس. وسلَّم مصر جميع الوثائق التي عُثِر عليها في الخارجية العراقية وتخص مصر وسوريا خصوصاً التي تتعلق بحلف بغداد والقواعد الصاروخية النووية في باكستان وتركية. وأسس جيش التحرير الفلسطيني. وبإقتراح من حكومته تأسست منظمة أوبك. وأسس صناعة الصلب والإسمنت والكيمياوية. وتضاعف دخل العراق واشتدت حركة السوق والبيع والشراء. وأبعد الطابع الأسري والطائفي، الذي اعتمده الإنكليز، عن السلطة. واخرج العراق من منطقة الإسترليني محرراً الإقتصاد العراقي من التبعية والهيمنة وبدلاً من ذلك جعل غطاء العملة العراقية ذهباً يعادلها تماماً، فلم يطبع أوراقاً ولم ينتفع ولم يدع غيره ينتفع بصورة غير مشروعة من أموال الوطن. ولم يخض حروباً بالنيابة، وغير ذلك كثير وكثير، مما يؤكد أن خصومه لم يعترضوا عليه لأسباب تتعلق بالسلوك بقدر ما كان صراعاً على توزيع المراكز في السلطة، فاستعانوا بجهات إقليمية ودولية لها مصالح في العراق لإسقاطه، فتتالت عليه الضربات والمشكلات المرتبة والتي انتهت بسقوطه، إلى درجة أن السفير البريطاني في العراق وصف حالة عبد الكريم قاسم بذكاء قائلاً عنه أنه: "فقد القابلية للتغلب على مشاكله".
    ويذكر أن وزراء عبد الكريم قاسم أودعوا معتقل معسكر الرشيد وتم التحقيق معهم فوراً فتبين أنهم لم يرتكبوا أية مخالفات شخصية، دخلوا وزاراتهم وخرجوا منها دون أية مكاسب شخصية أو تجاوزات قانونية.
    الدكتور علي كريم سعيد
    باحث عراقي، في كتابه الموسوم:
    عراق 8 شباط في ذاكرة طالب شبيب، من حوار المفاهيم إلى حوار الدم، دار الكنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1999، ص114.


    ***********

    إنه حان الوقت لنعيد لعبدالكريم قاسم إعتباره ونسمي الأشياء دونما أن نغفل ظروف ذلك الزمن ونوعية تحالافاته وعلاقاته.. كان عفيف اللسان نزيه الكف لم تذكر خطبه المسجلة كلمة شائنة في حق خصومه ولم تذكر دفاتره انه حقق جاهاً أو مالاً لنفسه أو لعائلته من وراء مناصبه.. مات كما لم يمت غيره من صناع تاريخ العراق، وحيداً دونما جاه أو قصور أو أطيان، أو حتى ملابس مدنية، ودونما أحزاب ومتحزبين ومليشيات، بل دونما زوجة أو وريث من صلبه.. بل سيذكر التاريخ إن الرجل الذي فجر الثورة وأسس الجمهورية وحالف الفقراء ووهب الوطن كل حياته لم يجد في أرض العراق الواسعة مترين من الأرض ليحتضنا جثته المثقوبة بالرصاص، وفضل رفاق الأمس في ظاهرة تكشف قلة الوفاء وسيطرة النوازع الإنتقامية، ان يرموا بالجسد في النهر ليكون طعاما للأسماك، حتى لا يعود العراقيون ذات يوم حينما يعود الوعي الغائب أو المغيب قسراً، إلى الترحم على رجل لم يبخل على أهله بشيء فبخل الأهل عليه بكل شيء بما في ذلك القبر!
    عبدالله المدني
    كاتب بحراني، (14 تموز وصورة قاسم)،
    جريدة الحياة 14/7/1994.



    [align=center]من هو عبدالكريم قاسم؟[/align]

    كان عبدالكريم قاسم يجسد في شخصه وبصورة مكثفة، الجوانب الإيجابية والمشرقة من القيم والأعراف والتقاليد العراقية الجميلة المحببة إلى العراقيين، في الوطنية والقومية والإنسانية والنبل والشهامة والشجاعة والكرم والمروءة والتسامح والبساطة والعفو عند المقدرة وحب الناس، وبالأخص الفقراء منهم، والثقة العالية بالنفس وبالشعب وبالناس المحيطين به والإعتماد عليهم. وهذه الصفات النبيلة هي التي أحالت بينه وبين المكر الذي قد يلجأ إليه السياسي الداهية أحياناً لإيهام الخصوم والإيقاع بهم وإبقاء الموالين له متماسكين من حوله والحفاظ على التوازنات ووحدة القوى الوطنية. وقد وضعته الأقدار في قمة القيادة وسلمته أعلى مسئولية لقيادة البلاد في مرحلة من أشد مراحل تاريخ العراق غلياناً وعربدة وهياجاً وانفجاراً. في تلك الإنعطافة التاريخية الكبرى التي لا بد من حصول الإنشقاق والصراع العنيف بين مكونات الشعب وقواه السياسية التي لم يسلم منها أعظم رجالات التاريخ مهما أوتوا من قدرة وكفاءة ودهاء. والظروف التي مر بها قاسم ومعاناته كانت فوق طاقة أي قائد مهما كان حكيماً وداهية، أشبه بتلك التي مر بها الإمام على بن أبي طالب (ع).
    ويمكن القول أن عبدالكريم قاسم كان يمتلك في شخصه طاقات كامنة وإمكانيات كبيرة كسياسي ورجل دولة لم تسمح له الظروف العاصفة بعد الثورة لإبرازها في السياسة والإدارة، لأنه رغم تلك الظروف العاصفة، فقد استطاع الرجل أن يحقق الكثير للعراق ودون أن يكون عنده حزب أو مؤسسات إستخبارية قمعية نشطة لتحميه. وعليه أعتقد أن نهاية قاسم بتلك الطريقة اللئيمة لا تدل على ضعفه في شيء، بل كانت حتمية فرضتها ظروف المرحلة التاريخية التي جاءت بالثورة والقوى السياسية التي ساهمت بها ولأن تلك القوى كانت وماتزال في مرحلة المراهقة السياسية، لم تدرك المخاطر المحيقة بها وبالوطن. ولذلك كان قاسم وكأي شهيد في التاريخ، برز وهو أقوى بعد مصرعه مما كان عليه في حياته. وسيبقى عبدالكريم قاسم، إبن الشعب العراقي البار رمزاً للوطنية العراقية والعدالة الإجتماعية، حياً في وجدان الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي.

    عبدالخالق حسين
    ثورة 14 تموز العراقية وعبدالكريم قاسم
    دار الحصاد، دمشق، 2002


    http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphW...05/7/75966.htm
    [align=center][/align]

  5. #5

    افتراضي

    من الخطأ أطلاق تسمية ثورة على انقلاب 14تموز فهو لم يحمل أية دلالات ثورية بل كان انقلاب عسكريا بقيادة الجيش
    من اسس الثورة أن تكون شعبية جماهيرية

  6. افتراضي

    [align=center]14 تموز 1958 [/align]

    حسين كركوش

    بالإمكان تقسيم تاريخ العراق الحديث إلى خمس مراحل تاريخية. المرحلة الأولى هي التي بدأت بتأسيس الدولة العراقية الحديثة "العهد الملكي" في بداية عشرينات القرن الماضي، وانتهت بقيام النظام الجمهوري في 14 تموز 1958. والمرحلة الثانية بدأت في 8 شباط 1963 وحتى 18 تشرين الثاني 1963، وحكم خلالها حزب البعث للمرة الأولى، والمرحلة الثالثة بدأت منذ ذاك التاريخ وحتى 17 تموز 1968، وهي مرحلة حكم الأخوين عارف. والمرحلة الرابعة هي الممتدة منذ ذاك التاريخ وحتى 9 نيسان 2003، وهي الفترة الثانية لحكم البعث، أو بالأصح، حكم صدام حسين. والمرحلة الأخيرة هي التي بدأ يعيشها العراق منذ ذاك التاريخ وحتى الوقت الحاضر. وباستثناء ما يعيشه العراق الآن، فان من ما فترة تاريخية شهدت اضطرابا سياسيا واجتماعيا، مثل تلك الفترة المحصورة بين14 تموز 1958 و 8 شباط 1963. وما من رئيس عراقي تعرض لمحاولات قتل أو إزاحة، سواء من جهات عراقية أو عربية أو أجنبية، مثلما تعرض له، أنذاك، رئيس الوزراء العراقي ومؤسس أول نظام جمهوري، الزعيم عبد الكريم قاسم.
    في الواقع، هناك تشابه، يكاد يصل إلى حد التطابق أحيانا، بين ما يعيشه العراق الآن، وبين ما عاشه خلال حقبة الجمهورية الأولى التي بدأت في 14 تموز 1958 وانتهت في 8 شباط 1963، سواء من ناحية أنواع الأصطفافات الداخلية والتدخلات الخارجية، وأماكن التوتر، واللاعبين المؤثرين، داخليا وخارجيا، بل حتى في مفردات الشتائم والاتهامات السياسية المتبادلة.
    فخلال فترة الجمهورية الأولى، كانت أماكن التوتر هي نفسها الموجودة هذه الأيام. المناطق المعارضة للحكومة وقتذاك هي نفسها مناطق التوتر حاليا: محافظة الأنبار والموصل وكركوك وما يسمى الآن بمثلث الموت جنوب غرب بغداد، وأعظمية بغداد وكرخها "شارع حيفا، الآن". وتلك المناطق كانت تقابلها مناطق الموالاة في الجنوب والوسط ومنطقة كوردستان في الشمال. وبينما نجد هذه الأيام أن التناحر الرئيسي يتم بين الأحزاب السياسية الشيعية وحلفائها من الأحزاب الكوردية، من جهة، وبين الجهات العروبية "حزب البعث" وحلفاءه أو من يؤيد نهجه من الجماعات السياسية الدينية، من جهة أخرى، فأن التناحر آنذاك كان بين حكومة الثورة والحزب الشيوعي وحليفه الحزب الديمقراطي الكوردستاني، من جهة، وبين الجماعات القومية العروبية ومن يتحالف معها من الجهات الدينية. في تلك الفترة كان شعار المعارضة هو، يا أعداء الشيوعية اتحدوا. وألان شعار المعارضة هو، يا أعداء الأحزاب السياسية الشيعية اتحدوا. أما فيما يخص الشتائم أو التهم السياسية آنذاك، فقد كان التركيز يتم على "كفر والحاد" الحزب الشيوعي، والعمالة للأجنبي "عملاء موسكو"، واتهام الحزب الشيوعي وحلفاءه الكورد في الإساءة والنيل من القومية العربية، وعدم الحرص على عروبة العراق " تهمة الشعوبية". والآن، فأن نفس مفردات القاموس السياسي يعاد تكرارها: اتهام الأحزاب السياسية الشيعية بالكفر والخروج عن ملة الإسلام " روافض"، والطعن في عروبتهم واتهامهم بالتنكر لعروبة العراق «تهمة الشعوبية"، واتهامهم بالعمالة للأجنبي وخيانة العراق "عملاء إيران، خدم الاميركيين". وعلى الصعيد الإعلامي، فأن التجربة الجديدة تواجه هجوما حادا تقوم به الفضائيات العربية والكثير من الصحف العربية. أما خلال الوضع السياسي بعد ثورة تموز، فقد كانت محطة "صوت العرب" المصرية هي التي تنوب مناب الفضائيات العربية، ومعها كانت، أيضا، الكثير من الصحف العربية الصادرة في بيروت. وفيما يخص مواقف الحكومات العربية والشارع العربي، فقد ألقت، آنذاك، مصر بكل ثقلها للقضاء على الزعيم عبد الكريم قاسم والوضع السياسي الذي كان يقوده. وكان الشارع العربي في غالبيته المطلقة ضد ما يجري داخل العراق حينذاك، ما خلا بعض البؤر في بعض البلدان العربية، كالبحرين، على سبيل المثال. وفي الوقت الحاضر فأن الشارع العربي في جميع البلدان العربية يقف ضد التجربة السياسية الجديدة في العراق، وهناك اتهامات عراقية ضد بعض الدول العربية بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية، وسعيها لإفشال التجربة الجديدة.
    ومثلما ذكرنا في البداية، فأن جميع المراحل التاريخية التي مر بها العراق الحديث، لم تعرف اضطرابا وتناحرا مثلما عرفته مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز 1958، وكذلك مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين، بما في ذلك التشابه الذي ذكرناه، ويكاد يكرر نفسه، حرفيا، في بعض الحالات.
    بالتأكيد، لا يمكن أن نعزي الأسباب إلى المصادفات وحدها. ولهذا يجدر البحث عن معرفة الأسباب الحقيقة.
    إن الشبه، أو الرابط المشترك بين ما حدث يوم 14 تموز 1958 وبين ما حدث في 9 نيسان 2003، يكمن في أن الحدثين تجاوزا الخطوط الحمر، أي التوازنات التي قامت عليها الدولة العراقية الحديثة، ودشنتها وزارة عبد الرحمن النقيب التي تشكلت في 25 تشرين الأول 1925، حيث تم تهميش الغالبية الشيعة والكورد، ومعهم تم، أيضا، تهميش السواد الأعظم من العراقيين بجميع مذاهبهم وقومياتهم، عندما استأثرت بالسلطة نخب اجتماعية وعائلات بعينها. جميع محاولات الانقلابات العسكرية، والتظاهرات، والتمردات، والمؤامرات التي حدثت منذ 1925 وحتى 14 تموز 1958، وكذلك الانقلابات العسكرية التي حدثت منذ 8 شباط 1963 وحتى سقوط نظام صدام حسين، كانت تحدث ضمن تلك الخطوط الحمر، ولم تتجاوزها. وحدها ثورة 14 تموز، هي التي أخلت، ولأول مرة، بتلك التوازنات، عندما خلقت الثورة وضعا جديدا، وجدت فيه الجهات المهمشة، ليس فقط لأسباب طائفية، وإنما لأسباب دينية وأثنية واجتماعية وسياسية، فرصتها التاريخية لكي تكون في متن المعادلة، وليس على الهامش. وبهذا المعنى، فأن ثورة 14 تموز 1958 مهدت الطريق لما يحدث حاليا داخل العراق.
    فبعد نجاح الثورة ظهرت إلى الوجود ثلاث سلطات. الأولى هي سلطة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم. والثانية هي "سلطة" الشارع، التي كان يمثلها ويقودها الحزب الشيوعي. والسلطة الثالثة هي سلطة المؤسسة العسكرية، التي خرج من رحمها العسكريون الذين نفذوا الثورة. وكانت السلطتان الأولى والثانية متقاربتين في الأهداف، رغم الخلاف الكبير في رؤى كل واحدة منهما. والدليل هو، وقوف الشيوعيين العراقيين للدفاع عن سلطة قاسم عندما تعرضت للانهيار. أما "سلطة" المؤسسة العسكرية فقد كانت ترمي، كما سنبين لاحقا، إلى تحقيق أهداف أخرى.
    لقد حاول الزعيم قاسم، ومنذ الأيام الأولى للثورة، أن ينأى بنفسه عن المحاصصة بجميع أنواعها، وعن الانحياز لهذه الجهة أو تلك، وأن يظل "فوق الميول والاتجاهات"، ليس السياسية فحسب، وإنما الدينية والطائفية والعشائرية والمناطقية والطبقية /استفادت إثناء حكمه الطبقة البرجوازية وكذلك الفئات الفقيرة/. كان الزعيم يتصرف كرجل دولة عراقية واحدة، وكرئيس منتخب من قبل الأكثرية "البرلمانية"، لكنه ملزم بالدفاع عن حقوق الأقلية، أيضا.. ورغم أن الزعيم لم ينس لحظة واحدة الإشادة بثورة 14 تموز، لكنه كان يحكم، أو يحاول صادقا أن يحكم، وفق "شرعية الدولة"، وليس "شرعية الثورة". وفي نفس الوقت فأن إشادته التي لم تتوقف يوما واحدا بالجيش العراقي، كانت تعني، عمليا على الأقل، أخراج الجيش عن سكة أرث النخب العثمانية التي كان يجسدها نوري السعيد وجعفر العسكري وجميل المدفعي وياسين الهاشمي وطه الهاشمي، ووضع المؤسسة على سكة عموم الشعب، الرافد للجيش بالقوة الرئيسية من الجنود والعرفاء ونواب الضباط. أي أن تكون المؤسسة العسكرية لكل الشعب، وليس حكرا على نخب بعينها. وهذا هو المعنى الذي كان قاسم يقصده عندما كان يخاطب العراقيين بقوله أن الجيش هو منكم وأليكم. وكمحاولة لإتمام هذا المسعى، أو السير في هذه الفلسفة، كان قاسم يبدي اهتماما، يصل حد الهوس، بأنصاف فقراء العراقيين، وذوي الدخل المحدود، كما كان يسميهم. ما كان قاسم يفرق بين مظلومية ومظلومية أخرى، بين فقير شيعي مظلوم وبين فقير سني مظلوم، بين ذوي الدخل المحدود الكورد والعرب والتركمان. كان قاسم يسعى لأعطاء ثورة 14 تموز بعدا ديمقراطيا. وكان يريد أن يمنح الثورة بعدا اجتماعيا، أيضا، ولكن بحدود معقولة، وفقا لرؤية توفيقية، واقعية، لا تريد حرق المراحل. ومن هنا، أصدادمه بالحزب الشيوعي العراقي، بعد العام الأول من الثورة.
    فيما يخص الحزب الشيوعي، صاحب "سلطة" الشارع، فإنه لم يكن بعيدا عن رؤيا قاسم "العراقية" الشاملة، الرافضة لأي محاصصة. لقد كان الحزب الشيوعي، وما يزال حتى الآن رغم ضمور نفوذه الجماهيري، بل ربما هو الآن أكثر من قبل، الجهة السياسية "العراقية" التي تتساوى عندها جميع أنواع المظلوميات، وجميع أشكالها، أيضا، أي بما في ذلك مظلومية المرأة. وقد سار الحزب الشيوعي، وربما بنوع من المبالغة، على هدى هذه الفلسفة منذ بداية تأسيسه، عندما وضع لنفسه، وفي آن واحد، مهمات متعددة، طبقية "التزام قضايا العمال والفلاحين" وأممية "أنصاف الكورد والأقليات الأخرى" وتحررية "استقلال العراق" وتقدمية "حقوق المراة". ولهذا، فأن العراقيين الذين وقفوا مع الحزب الشيوعي وساندوه بالآلاف، مباشرة بعد ثورة 14 تموز، ما كانوا ينتمون لطائفة واحدة أو منطقة جغرافية واحدة أو قومية واحدة أو لدين واحد. بالطبع، كانت أكثرية مؤيديه من الوسط والجنوب الشيعيين. وذلك تم لعدة أسباب منها، أن هذه المناطق تقطنها كتل بشرية هائلة غالبيتها الساحقة من الشيعة. والسبب الآخر هو، شعور العراقيين الشيعة، أو بالأحرى قناعتهم، تاريخيا، بالظلم والتهمميش. وقد تعمق هذا الشعور خلال فترة الحكم الملكي. ولهذا، فأن الحزب الشيوعي لاقى دعما كبيرا حتى داخل المدن المقدسة، كالنجف وكربلاء والكاظمية، وامتد نشاطه فوصل إلى "الجيوب" الشيعية الواقعة في المناطق السنية، كمدينة بلد والدجيل. ولكن نشاط الحزب الشيوعي لم يقتصر على المناطق الشيعية، فحسب، وإنما كان متواجدا، وأحيانا بكثافة، في المنطقة الغربية، أو ما تسمى في لغة الأعلام الآن، "المثلث السني". فقد كان الحزب ناشطا في مدن تكريت /يقال أن أول عملية قتل مارسها صدام حسين هي، قتل فلاح شيوعي من مدينة تكريت/ وسامراء والفلوجة وكركوك والموصل وديالى، مثلما كان ناشطا، أيضا، في المنطقة الكوردية ولدى المسيحيين والصابئة.


    "عراقية" الزعيم قاسم، و"عراقية" الحزب الشيوعي ألبت عليهما أصحاب الذهنية الانعزالية الطائفية، خصوصا داخل المؤسسة العسكرية، وريثة "الكوتا" الطائفية، وحاملة لوائها والحارسة لها. وفي مسعى من هولاء للتشهير بقاسم، فإنهم روجوا أن قاسم "مجنون"، وقالوا فيما بعد أنهم كانوا، قبل ثورة تموز، يطلقون على قاسم تسمية "قاسم جنية". أما الحزب الشيوعي، فلم يكن أمامهم سوى دغدغة عواطف الناس وتأليبهم ضده، أخذين بنظر الاعتبار أن أكثرية العراقيين مسلمون، فأشاعوا مقولة "الشيوعية كفر والحاد. وهي نفس التهمة التي تطلقها قوى المعارضة المسلحة، في الوقت الحاضر، على الأحزاب الشيعية السياسية الحاكمة، وقولها أنهم "روافض". وبالطبع، فأن مطلقي هذه التهم يعرفون أنها غير صحيحة. فالشيعة هم مسلمون، شأنهم شأن أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى. والحزب الشيوعي لم يعرف عنه منذ تأسيسه، ترويجه للكفر والإلحاد. وحتى لو كانت هذه التهمة صحيحة/ أقول لو/، فأن الحزب الشيوعي ليس من الغباء بحيث يروج لها، لأنها تقوده، ببساطة، إلى الانتحار السياسي. وكان الحزب الشيوعي من الذكاء والواقعية بحيث أنه كان يساهم، مباشرة بعد ثورة تموز، في إقامة المناسبات الدينية، خصوصا الشيعية، في مقرات المنظمات المهنية التابعة له. وقد شاعت وقتذاك أملوحة تقول: هل تذهب إلى حسينية الحزب الشيوعي العراقي ؟ كناية عن مقرات الشبيبة الديمقراطية التي كان الحزب يقيم فيها المناسبات الدينية.
    لقد كان الصراع وقتذاك ينحى منحيين. قاسم والشيوعيون كانوا يريدون السير قدما في تجاوز الخطوط الحمر، ومنح جميع العراقيين فرصا متساوية، والتعامل مع العراقيين كشعب واحد، مع التأكيد، خصوصا من قبل الشيوعيين، على خصوصية الوضع في منطقة كوردستان /شعارهم الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان/. وفي الجهة المقابلة كان زعماء المؤسسة العسكرية، ولا يهم أن الكثير منهم ساهم في ثورة 14 تموز، كانوا يريدون الحفاظ على "كوتا" وزارة عبد الرحمن النقيب التي تشكلت، كما ذكرنا عام 1925.
    لهذا السبب، فأن قادة المؤسسة العسكرية ألقوا بكل ثقلهم وراء حزب البعث، رغم أنهم يعرفون أن رؤاهم لا تتفق مع رؤيا هذا الحزب. كان حزب البعث، شأنه شأن الأحزاب العلمانية العراقية الأخرى، يضم في صفوفه العرب الشيعة والسنة. وكانت القيادة القطرية التي وصلت إلى السلطة في 8 شباط 1963، تضم في صفوفها شيعة وسنة. بل أن مؤسس فرع الحزب في العراق، فؤاد الركابي، ينتمي إلى واحدة من القبائل العربية الشيعية الضاربة في العراق. هذه التركيبة الحزبية "العراقية" التي وصلت إلى السلطة بعد 8 شباط 1963، على أنقاض التركيبة "العراقية" التي سبقتها، والتي، يا للمفارقة، دمرتها بطريقة دموية، لم تجد قبولا من لدن قادة المؤسسة العسكرية، وريثة وزارة النقيب الأولى "العثمانية"، وفي المقدمة عبد السلام عارف. إذ ينقل المؤرخون عن عارف قوله، عندما كان يصل أعضاء القيادة القطرية الشيعة للاجتماعات الوزارية وقتذاك، قوله: وصل الروافض. ربما كان عارف يمزح، لكنه كان ينطق الحقيقية، حقيقته هو، أو "حقيقة" "كوتا" وزارة النقيب الأولى. في الواقع، كان عارف ينطق، عندما يقول ذلك، بأسم المؤسسة العسكرية. وبموازاة تفكير عارف الأنعزالي، كان الفريق طاهر يحيى يلقي "محاضرة" على الكورد العراقيين، عندما أصبح رئيسا للوزراء في حقبة حكم الأخوين عارف، ليقول لهم أنهم "من أصل عربي".
    لقد كان زعماء المؤسسة العسكرية يجدون صعوبة في التأقلم مع أفكار حزب البعث، وهم يشتركون معه في السلطة. والعكس صحيح، أيضا. فقد حاول حزب البعث، رغم الدموية التي طبعت فترة حكمه بعد وصوله إلى السلطة في شباط 1963، أن يطيح، هو أيضا، بالتوازنات التي تأسست عليها الدولة العراقية الحديثة، بينما كان قادة المؤسسة العسكرية ميالين للحفاظ على تلك التوازنات. وعندما سنحت أول فرصة أمام قادة المؤسسة العسكرية، فأنهم تخلصوا من أندادهم البعثيين، في 18 تشرين عام 1963. وليس صدفة أن يشهد حزب البعث، بعد ذلك التاريخ، انشقاقات واسعة قادت إلى خروج غالبية قياداته منه، ولجوء بعضهم، لاحقا، للتبرؤ من الحزب، ونقد تجربتهم في الحكم، عن طريق نشرهم لبعض الكتب، أو عن طريق تصريحاتهم في المحافل العامة والخاصة. ولكن هذا النقد الذاتي، أو هذه المراجعة التجريحية، أو جلد الذات، لم يقم بها القادة العسكريون الذين شاركوا البعث في الحكم.
    وخلال حكم الأخوين عارف، وبعد ذلك حكم صدام حسين، فأن العراق لم يشهد تلك الأضطرابات التي شهدها خلال السنوات التي أعقبت ثورة تموز. والسبب في ذلك هو "عودة الأمور إلى نصابها"، أي عدم المس بالخطوط الحمراء المتمثلة في توازنات حكومة عبد الرحمن النقيب الأولى.
    لكن تلك التوازنات تم تهشيمها بعد 9 نيسان عام 2003. ولكن هذه المرة تهشمت بشكل جذري، عندما ألغيت المؤسسة العسكرية التقليدية القديمة، الحارسة لتلك التوازنات. أي، أن ما عجزت ثورة 14 تموز عن تحقيقه، تحقق في 9 نيسان عام 2003. ولهذا، فأن ردود الفعل التي أعقبت ما حدث في 9 نيسان عام 2003، اتسمت بعنف شديد، وطغى تصلب المواقف على جميع اللاعبين، سواء في السلطة أو خارجها.
    لكن الفارق كبير جدا بين ما كانت تطمح إليه ثورة 14 تموز عام 1958، وبين ما حدث بعد التاسع من نيسان عام 2003. ما كانت تطمح ثورة تموز إلى تحقيقه، وقد حققت منه شيئا كثيرا، مقارنة بعمرها الزمني القصير، هو إعادة تشكيل الدولة العراقية من جديد، ولكن ليس وفقا لأي محاصصة، وإنما وفقا لروح المواطنة. كان الزعيم قاسم، وفي آن واحد، يفتتح بنفسه كنيسة للعراقيين المسيحيين في قلب العاصمة العراقية، ويقبل بتعيين الصابئي الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيسا لأهم صرح ثقافي "جامعة بغداد"، ولا يعترض على ترشيح الدكتور عبد الستار الجواري لهذا المنصب، ويعود المرجع الديني آية الله الحكيم في مستشفاه، ويقبل بتوزير أمرأة، لتصبح أول وزيرة في تاريخ العراق، ويشرف بنفسه على بناء مدينة الثورة لتكون مدينة عصرية للفقراء، ويفتتح مهرجان الكندي، ليعيد الاعتبار لإنجازات الحضارة العربية الإسلامية ويفتح الطريق للتقدم الحضاري، ويستقبل الزعيم الكوردي ملا مصطفى البرزاني من منفاه، ويوقع على قانون رقم 80 ويفاوض شركات النفط لتصحيح ميزان العلاقة لصالح العراق، ويعد بأجراء انتخابات ديمقراطية وسن دستور دائم، ويعفي عن الذين حاولوا قتله، مدفوعا بفلسفته القائلة "الرحمة فوق القانون".
    وهذه الإنجازات كانت تحظى بقبول غالبية العراقيين، على اختلاف طوائفهم وأعراقهم ودياناتهم ومناطقهم، بل وحتى مواقعهم الطبقية، لكنها ما كانت تجد قبولا لدى حاملي ذهنية "الكوتا".
    كانت ثورة 14 تموز 1958 رائدة في أمور كثيرة، أهمها أن يكون العراق للعراقيين، لجميع العراقيين دون استثناء، وأن يكون عراقا عادلا، متحضرا، متسامحا، متوازنا، وديمقراطيا.


    http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphW...05/7/76084.htm
    [align=center][/align]

  7. افتراضي

    [align=center]14 تموز: الثورة المغدورة [/align]

    فالح الحمراني

    لم تكن ثورة 14 تموز( يوليو) 1958 حدثا عابرا في تاريخ العراق الحديث.ومازالت افرازاتها قائمة لحد اليوم، وكل ما شهده العراق خلال العقود الخمس الاخيرة وما يحدث اليوم هو بشكل ما امتداد للحدث التاريخي الكبير. والكتابة عن تموز اليوم ليست من باب الكتابة الموسمية للاحتفاء بحدث يرتبط فيه قطاع واسع من العراقيين بمشاعر رومانسية، مشحونه بذكرى ايام ناصعة. وهذا حقا ما يتسم به أي حدث تاريخي كبير، الكتابة عن 14 تموز( يوليو) مسالة ملحة كونها تساعدنا على ادراك كنه الحاضر واليات تحركه. فالتاريخ يعيد نفسه في العراق، وبصورة ماساوية.
    لقد تمخضت ثورة 14 تموز( يوليو) عن صراع داخلي طويل الاجل بين القوى التي كانت تنزع الى الاستقلال وبين نظام الحكم الملكي الذي كان ينفذ سياسات استعمارية تناقضت ومصالح البلد والمصالح القومية والاقليمية وحركة التحرر الوطني التي تصاعدت بوتائر عالية في تلك المرحلة. ومن وجهة نظر اليوم فان القاسم المشترك الوحيد، الذي كانت يربط القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية، والمحركة للثورة انحصر فقط في اسقاط النظام الملكي، لان الطرق سرعان ما افترقت بها، ربما في الايام من الثورة. حينها ارتسم اصطفاف جديد للقوى العراقية، التي كانت قاعدة اساسية للثورة، ونشب بينها صراع اسفر عن اراقة دماء غزيرة في العراق، مازال قائما لحد اليوم. وهذا ما يستدعي التمهل والتعمق في فرز السبب الحقيقي للفاجعة العراقية، واستمرارية دوران طاحونة الدم. ودون شك فان السبب الرئيسي يكمن في مصالح القوى المتطاحنة، في سعيها للسيطرة على السلطة والنفوذ ومصادر الثورة والتحكم بمقدرات البلد في رؤيتها لتطور العراق لاحقا. وقد جسمت الصراعات التي دارت في السنوات الاولى لثورة 14 تموز( يوليو) ذلك الصراع وافرزت بصورة واضحة القوى المنخرطة في الصراع وطبيعتها.
    ان النجاح الباهر الذي واكب ثورة 14 تموز( يوليو) والدعم الجماهيري منقطع النظيرلها، كان مشروطا بطبيعتها. فالشعب العراقي كان يتطلع الى ان تؤسس الثورة لبناء نظام حكم جديد يكون الغاء لما سبقه. ويضع المقدمات لدولة المؤسسات والقانون دولة العدالة الاجتماعية، والخلاص من مظاهر الطائفية والمذهبية. لذلك فاننا نرى ان الجماهير التي شاركت في دعم الثورة تناست انتماءاتها الطائفية والمذهبية والعرقية. وفعلا فان قيادة الثورة وبفعل ذلك الضغط باشرت بخطوات ايجابية لبناء مؤسسات المجتمع المدني واعطت فسحة واسعة من الحرية للعمل الحزبي والصحافة، والعقيدة والحريات العامة، فتنفست المرأة الصعداء، ووجد الطلاب والشباب واصحاب المهن نقاباتهم وجمعياتهم التي تعبر عن مصالحها. أي ان الناس عثروا على اسس جديدة للعلاقات بينهم . وسنت الثورة العديد من القوانيين التي صبت في مصلحة شرائح اجتماعية واسعة، وخططت لمشاريع انهاض الاقتصاد الوطني، وتخليص الثروة النفطية من قبضة الشركات الاجنبية، وانتهجت سياسة خارجية مستقلة تعبر عن مصالح البلد وتخدمها.وكان على الثورة المضي ابعد في طريقها هذا، واجراء الانتخابات لرئيس الجمهورية والبرلمان وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذا هو الطريق المشروع والوحيد لثورة 14 تموز، هذه هي المهمة التاريخية لثورة 14 تموز( يوليو). ولكن القوى المنخرطة غدرت بالمشروع واطاحت به واطاحت بالحلم العراقي فانقلب لكابوس مازالنا نراه لحد اليوم.
    ان مسار الثورة وفق ذلك المنظور اثار رعب القوى التي ادركت بانه سوف يحرمها نهائيا من الاستئثار بالسلطة وموارد البلد وانتقالها الى طبقات جديدة. وتحالفت قوى ذات اهداف وطبيعة مختلفة والتفت حول شعار:اجهاض الثورة، واستعادة ما خسرته، ومنع مضي العراق في الاتجاه الذي يصب في مصالحها. واليوم نرى في العراق ان بقايا تلك القوى هي التي تقف وراء عرقلة المسيرة نحو بناء دولة القانون الديمقراطية واستكمتال اهداف ثورة تموز. وتحارب تلك القوى اليوم بوسائل اكثر دموية، ولايقف امام تنفيذ جرائمها الوحشية وازع اخلاقي او ديني، فالرهان اكبر، وهي تدرك ان هزيمتها هذه المرة ستكون منكرة واخيرة, فالشعب العراقي مصمم على المضي في طريق بناء الدولة الديمقراطية.
    واستفادت قيادة الثورة، التي تراجعت عن الاهداف الحقيقية المعلنة، من ذلك الصراع، ولعبت على تلك الورقة فراحت تميل تارة لهذه القوى ومرة لتلك، من اجل تغذية الصراعات بينها وتاجيجها، بدلا من العثور على وسائل ناجعة والحلول الوسط من اجل الوفاق الوطني. وعملت قيادة الثورة التي تمثلت بالزعيم عبد الكريم ومجموعة الضباط والنخب الاجتماعية التي التفت حوله، ايضا من اجل الحيلولة دون تطور الوضع نحو اقامة عراق ديمقراطي حق، فاستاثر الزعيم قاسم بالسلطة، ورفض احداث تغيرات هيكليلة في ادارة الدولة، وابقى على اجهزة الامن السابقة، وابدى التساهل في تنفيذ القرارات التي صدرت لخدمة مصالح قطاعات واسعة من الشعب، وضيق اكثر على الحريات العامة حظر العمل السياسي وحصرها فقط باحزاب صورية بديلة للاحزاب الحقيقية. لقد ساعدت هذه السياسة وبدعم اجنبي على تعبئة القوى المعادية لمسيرة ثورة 14 تموز فانزلت بها ضربة قاصمة في رمضان الاسود 1963 .
    ولم تتحرك القوى التي كانت تقود قطاع واسع من الشرائح الاجتماعية ذات المصلحة بتحقيق الثورة اهدافها المنشودة، بفعالية وجد. لقد بدت مسلوبة الارادة السياسية، تتحرك بوجل، ففشلت في ادارة الصراع، وتحولت الى ذيل تارة للجماهير المنفعلة واخرى للقوى الخارجية، وغدت مخصية من الناحية السياسية ففقدت المبادرة، فاصدر التاريخ حكمه القاسي بها، لتكون اليوم قوى مهمشة، بعد ان كانت سيدة الشارع العراقي ومعبودته.
    وهكذا فان القوى التي دفعت نحو الثورة وقدمت الدعم لها والنخب التي قادتها، غدرت بثورة 14 تموز( يوليو) الفرصة التاريخية الفريدة التي منحها التاريخ ذات مرة لشعب العراق لبناء دولته الحديثة، ولم يظل امامه اليوم الا ان ياخذ العبرة من التجربة المريرة ولايدع فرصة اليوم تضيع من يده.


    http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphW...05/7/76160.htm
    [align=center][/align]

  8. افتراضي

    [align=center]هل كانت ثورة 14 تموز انقلاباً عسكرياً... [/align]

    مصطفى محمد غريب

    ... منعزلاً عن الشعب العراقي؟


    لم تكن ثورة 14 تموز عام 1958 حدثاً عابراً مرّ مرور الكرام وفقد معناه وتأثيراته على العراق والعالم الخارجي أو انقلاباً عسكرياً منعزلاً ومقتصراً على حفنة من الضباط استغلوا مناصبهم العسكرية لكي يسيطروا على مقاليد السلطة كهدف وحيد لهم اي بالمعنى الواضح لم يكن أكثرية هؤلاء طلاب سلطة فقط بل ان هذه الانتفاضة العسكرية المجيدة انتقلت كثورة جماهيرية عارمة منذ ان اعلن بيانها الاول على العرقيين والعالم وتوضح من الخطوط الاساسية في هذا البيان ان التغيير المنشود جاء بسبب ارتباط العراق الدائم بالعجلة الاستعمارية منذ ان تأسست الدولة الحديثة واصبحت اداة طيعة بأيديهم يفعلون ما يريدون فعله فاذلوا الشعب وباعوا البلاد واصبحت المعاهدات الاسترقاقية ديدناً ثابتاًفي نهجهم السياسي والاقتصادي والثقافي وبالضد من اراد الشعب وقد تكللت تلك المعادهدات الجائرة بحلف بغداد المعروف بتكويناته واهدافه العدوانية، ولم تكن الثورة وليدة لحظات سريعة طرأت فجأة دون سابق انذار بل جاءت بعد مخاض ثوري وطني ديمقراطي جعل من العراق سجناً يتنافى مع ابسط حقوق الانسان ، وقومي بسبب الخيانة الكبرى للقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية.
    ان الكم النضالي الوطني الديمقراطي والقومي الهائل الذي كان يتوسع ادى في الكثير من الحالات الى انفجارات اجتماعية وانتفاضات جماهيرية واضرابات عمالية واسعة وكأنها بروفات عملية تطبيقية لأجل انجاح التغيير التي تجسد في الانتفاضة العسكرية الثورية التي قامت في 14 تموز ثم حولتها الجماهير الشعبية الى ثورة عارمة جعلت منها نبراساً مضيئاً ولو الى حين لولا تكالب القوى الاستعمارية والقوى الرجعية عليها وبدأ التآمر منذ لحظاتها الاولى وتجسد ذلك في انزال القوات الامريكية العسكرية في لبنان ولم تمر على الثورة الا شهور قليلة حتى انحازت القوى القومية العراقية وفي مقدمتها حزب البعث العراقي الى ركب التآمر بحجة الوحدة العربية الذي تداعت له هذه القوى بعد الحملة المعادية للثورة بحجة ان الزعيم عبد الكريم قاسم والضباط الاحرار والقوى الديمقراطية تقف بالضد من الوحدة العربية الفورية وكذلك الصراع مع القوى القومية التي كان في مقدمتها عبد السلام عارف والجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر ولقد اظهر التاريخ حقائقاً عن تلك الاساليب التي اتبعت ودفع لها المال والسلاح من اجل الانقضاض على الثورة فكانت باكورتها مؤامرة الشواف المعروفة وغيرها من المؤامرات الاخرى وتجلى كل ذلك في تصريحات واقوال امين سر القيادة القطرية لحزب البعث العراقي الاسبق على صالح السعدي الذي اشار بما معناه انهم قدموا على دبابات امريكية من اجل نجاح الانقلاب الاسود الدموي في 8 شباط 1963 وهو ليس بالمعنى المادي للدبابات بقدر ماهو تأكيد على دعم وتأييد الولايات المتحدة الامريكية لهم ومنذ اللحظات الاولى للانقلاب والانقلابين الغلاة بالحقد والكراهية فقد تم اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم وثلة الضباط الاحرار بدون اي تحقيق قانوني ولا محاكمة قانونية ثم تلتها حمامات الدم الاخرى فطالت قادة الحزب الشيوعي العراقي وكوادره في بيان رقم 13 السيء الصيت من قبل الحاكم العسكري رشيد مصلح التكريتي الذي اعدم بيد جماعته البعثيين متهمين اياه بالعمالة للاجنبي بعد انقلاب 17 تموز 1968 ولم يكتف الانقلابيون القتلة فسرعان ما انكشفت انيابهم الحاقدة ضد القوى الديمقراطية والشعب الكردي فشنوا اشرس حملة دموية ضدهما وباتت سياسة الارض المحروقة في كردستان العراق الشبيهة بفيتنام سياسة ثابتة موجهة ضد الشعب برمتهه ولم تمر سوى اسابيع قليلة على حلفهم المشبوه الهجين حتى استعر الصراع فيما بين الانقلابين وتكلل ذلك بانقلاب 18 تشرين من العام نفسه ليكون الجزار الذي خان صديقه ومخلصه من حبل المشنقه عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية بالعافية واصبحت الدعوة .. فقط الدعوة للوحدة العربية حلم اسطوري يراود الحالمين النائمين في مضاجعهم وهم يحلمون باليوم المشهود.. وتأكد بالعمل المنشود انهم كانوا ومازالو يخدعون شعوبهم حول الوحدة البعربية والالتحام العربي وبالضد من دولة اسرائيل التي لهم علاقات وطيدة معها في السابق ولحد هذه اللحظة.
    اليوم وبعد مرور 47 عاماً على تلك الثورة و42 عاماً على اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم وثلة الضباط الاحرار ومئات الشهداء من القوى الديمقراطية بدون محاكمات قانونية او حق الدفاع المشروع عن النفس بتوكيل محامين لهم يحضرنا اعتقال الطاغية صدام حسين واركان نظامه البائس الذي جلب الويلات على العراق وشعبه وصولاً الى احتلال العراق نرى كيف يطالبون و يطالب البعض وفي مقدمتهم عائلته وعوائلهم بحقوق الانسان وحق توكيل المحامين لا بل يصرخون للمطالبة بمحاكمتهم خارج العراق بحجة العدالة والقانون وحقوق الانسان بينما كانوا هؤلاء جلادي وجزاري الشعب العراقي لم تثنيهم لا قوانين ولا حقوق انسانية ولا دينية ولا اخلاقية عندما حكموا العراق في اشد فترة سوداء مرت على العراق وملأت الدنيا اخبار المقابر الجماعية والكيمياوي و180 الف كردي ضحية الانفال ومسح مدن كاملة وقتل ةاعدام الآلاف بحجة المعارضة وكانت عوائلهم واقاربهم سراق قوت الشعب والا من اين لرغد صدام حسين واخواتها وامها ساجدة خير طلفاح المعلمة الابتدائية ذات الدخل المحدود وزوجها صدام حسين العاطل عن العمل وبدون شهادة مدرسية هذه الملايين من الدولارات والثروة الطائلة التي اكتنزوها في البنوك والشركات الوهمية وباسماء مختلفة.
    لقد لعبت ثورة 14 تموز في 1958 دوراً كبيراً في مساندة حركات التحرر بعدما انجزت العديد من المهمات الوطنية وفي مقدمتها الخروج من حلف بغداد وتحرير النقد العراقي بالخروج من منطقة الاسترليني وسن قانون 80 الذي سيطرت الدولة على أكثر من 99% من المناطق النفطية وسن قانون الاصلاح الزراعي وقانون الاحوال الشخصية وغيرها من المجزات الكبيرة، وعلى الرغم من انتكاسة الثورة والاخطاء التي ارتكبت من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم وبخاصة تسامحه مع قتلة شعبنا وعدم سن دستور دائم ونقل البلاد من الحكم العسكري الى الحكم المدني والحرب ضد الاكراد في كردستان وغيرها من القضايا فأن هذا الرجل الوطني المخلص سيبقى قائداً وطنياً يعتز به الشعب العراقي واجياله القادمة، وستبقى بجوهرها تغييراً ثوريا اراد ان يغيير الكثير ويسير بالبلاد نحو التقدم والازدهاروستبقى محفورة في ذاكرة الاجيال وذاكرة التاريخ.


    http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphW...05/7/75641.htm
    [align=center][/align]

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    المشاركات
    187

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الصابر
    العراقيون يخلدون ديكتاتورييهم !
    [align=center]أعلى دين أملوكها الناس ***** أشما تعبد تقلدها[/align]

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي

    الزعيم الاوحد لم يمت صاحب نظرية الشهاده بدون حدود سيظل خالد على مر العصور

    واجبنا ان نستذكره في كل ساعه ويوم ومناسبه اليمه كانت او مفرحه

    هذا ابو الفقراء والمساكين , هذا اسد الرحمه وملاك العطف

    ان الاوان لرد اعتباره واعتبار رفاق الدرب والضحايا وكل من عشقهم

    فعشقهم يتجاوز ظلمة الليل الدامس وحرقة الشمس

    هلموا جميعا لنعلن على الملأ اعادة اعتبار لأؤلئك الذين شربو نخب التضحيه والغربه

    انرد اعتبار الجواهري والنواب وقاسم كرد على افعال شعراء ام المهالك و عارف والبكر وصدام
    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني