 |
-
مؤتمر القدس العالمي في لندن
الاخوة الاكارم رؤساء تحرير وسائل الاعلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيما يلي نرسل لكم بعض الابحاث التي القيت في مؤتمر القدس العالمي ليوم1-2/3/2003 راجين نشرها تعميما للفائدة وخدمة للقضية الفلسطينية العادلة في هذا المنعطف الحاسم من حياة امتنا بعد ذكر المصدر رجاء ، واعلامنا بعد النشر ان امكن، ولكم جزيل الشكر.
دائرة الاعلام
القدس
في القانون الدولي
دراسـة مقـدمة للمؤتمر الدولي حـول
"القـدس مدينـة الأديان التوحيـدية"
الذي ينظمه معهـد الدراسـات الإسلاميـة /لندن
1-2مارس 2003م
إعـــــداد
د. صالح بكر الطيار
رئيس مركز الدراسات العربي – الأوروبي – باريس
محام ومستشار قانوني
من غريب المصادفة أنني عندما كنت لا أزال فتى يافعاً في المدرسة الابتدائية في المدينة كنت أقوم مع زملائي التلاميذ بتوجيه من الدولة بجمع التبرعات لدعم صمود المقدسيين.
واليوم أجدني أمامكم محاضراً عن قضية القدس أيضاً الأمر الذي يعني أن عدة عقود من الاحتلال لم تستطع أن تلغي ارتباطنا بهذه المدينة المقدسة وبمسجدها الشريف حيث تعتبر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والذي يقول عنها في محكم آياته: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} صدق الله العظيم.
كما يروى في صحيح البخاري عن القدس الحديث النبوي الشريف إذ يقول الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي".
وما ندوتكم اليوم التي تشكرون على تنظيمها إلا دليلاً ساطعاً على استمرارية تمسكنا بقضية القدس وبمكانة هذه المدينة الروحية والتاريخية البيضاء.
عنوان محاضرتي اليوم سيكون حول "اذلقدس في القانون الدولي"
ونظراً لضيق الوقت الممنوح لكل محاضرة فإنَّ دراستي ستكون أشبه بمحاولة لإلقاء الأضواء على قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر مفاصلاً أساسية في قضية القدس تاريخاً وحاضراً، كما سأركز على الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية بشأن قضية القدس سواء منفردة أو في إطار مجلس الأمن وذلك باعتبارها القوَّة الرئيسية الفاعلة في قضية الشرق الأوسط ثم سأتطرق إلى الموقف الروسي والأوروبي.
بداية لابدَّ من التنويه بأن إسرائيل سواء كانت حكومتها يمينية أم يسارية فإنها تتفاعل مع قضية القدس انطلاقاً من عدة اعتبارات أهمها:
1- الاعتبار الأمني ويتمثل باستمرار الحفاظ على أمن المستوطنين من أي ترتيب مستقبلي لوضع المدينة من جهة، ووجود ترتيبات أمنية على حدود نهر الأردن والخط الأخضر من جهة أخرى.
2- الاعتبار الديني- القومي وتشكل المستوطنات فيه بعداً محورياً. فهو أحد الأعمدة الثلاثة للأيديولوجية الصهيونية (الاستيطان، الدفاع، الهجرة) على أرض إسرائيل التوراتية.
3- الاعتبار الجيوسياسي إذ ترغب إسرائيل في ضمان استمرار استحواذها على نصيب الأسد من المياه الجوفية المستخرجة من الضفة بأكملها والبالغة نحو 600 مليون م – 3 سنوياً، حتى تستفيد المستوطنات في القدس ومناطق الحكم الذاتي.
وتنفيذاً لهذه السياسة الاستعمارية تكفي الإشارة إلى قرارين تعمل إسرائيل بموجبهما وهما:
القرار الأول: مواصلة الاستيطان رغم قرارات التنديد ورغم أن اتفاقات أوسلو تنص على عدم إجراء أي تغيير في وضعية القدس الشريف قبل حلول المرحلة الأخيرة من المفاوضات.
القرار الثاني: إعطاء صلاحيات واسعة لبلدية القدس والسماح بتمثيل القدس الكبرى.
وبالعودة إلى واقع القدس حري بنا التذكير بأن هذه المدينة مرت منذ بداية القرن الحالي بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: خلال فترة الانتداب وكان الالتزام الدولي تجاه مدينة القدس ينص حسب ما ورد في دراسة أعدها سمو ولي عهد الأردن الأمير الحسن بن طلال تحت عنوان "القدس: دراسة قانونية" على التالي:
"تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تأمين عدم التنازل عن أي أرض فلسطينية (وكانت تضم مدينة القدس) أو تأخيرها أو بأي وجه آخر وضعها تحت سيطرة أي حكومة دولة أجنبية".
بعد ذلك تحولت القضية إلى عصبة الأمم المتحدة التي اعترفت بقيام دولتين في فلسطين واحدة يهودية وأخرى عربية. ونص الجزء الثالث من قرار الأمم المتحدة على الوضع الخاص لمدينة القدس وجاء فيه "تعامل مدينة القدس بوصفها كياناً منفصلاً يخضع لنظام دولي خاص وتديره الأمم المتحدة، ويكلف مجلس الوصاية بمباشرة مسؤوليات السلطة الإدارية بالنيابة عن الأمم المتحدة ".
وقد ردَّ بن غوريون على ذلك بقوله: "إن المسألة الأساسية الآن بالنسبة إلى وجودنا ومستقبلنا هي قوتنا العسكرية. فعليها يتوقف مصير القدس كله، بالنسبة إلى مسألة إن كانت القدس داخل الدولة أم لم تكن".
المهم أن القدس بقيت مقسمة من العام 1948 إلى العام 1967 ولم يعترف المجتمع الدولي على حد قول الأمير الحسن بن طلال "بوصاية إسرائيل على القدس الغربية ولا بوصاية الأردن على القدس الشرقية". وكانت الدولتان تحتل كل منهما منطقة تخصها من القدس احتلالاً عسكرياً وتمارس فيها إشرافاً فعلياً قوياً.
أما المرحلة الثانية فهي تخص إقدام إسرائيل على احتلال القدس بأكملها بعد ظهر 7 حزيران /يونيو 1967 م حيث وقف موشي دايان عند حائط المبكى وقال "لقد أعدنا توحيد المدينة الممزقة، عاصمة إسرائيل لقد عدنا إلى هذا الهيكل الأقدس ولن نبارحه أبداً مرة أخرى".
والمرحلة الثالثة تشمل الظروف التي تمر بها القدس حالياً حيث تهدف الممارسات الإسرائيلية إلى تحقيق ما يلي:
ضم المدينة القديمة.
التوحيد البلدي للمدينة تحت راية بلدية القدس.
هدم العقارات والمباني الخاصة التي تعود بملكيتها إلى فلسطينيين.
تدمير أملاك الأوقاف أو تجريدها من طابعها الديني.
إقامة المستوطنات الإسرائيلية في المدينة القديمة وحولها.
أما المغفور له فيصل الحسيني رحمه الله، الذي كان مسؤولاً عن ملف القدس فقد حدد الممارسات الإسرائيلية في القدس في محاضرة ألقاها في باريس في ديسمبر/كانون الأول عام 1997 حول "القدس: تاريخ… وهوية" بدعوة من مركز الدراسات العربي- الأوروبي بأنها تدخل ضمن ثلاث حلقات هي:
الحلقة الأولى العزل: أي عزل القدس عن المحيط الفلسطيني.
الحلقة الثانية الطرد: الطرد الجسدي والطرد الاقتصادي والطرد من الهوية. أي طرد المقدسيين من القدس جسدياً واقتصادياً ومن الهوية لمجرد إقامتهم في أماكن غير القدس.
الحلقة الثالثة الإحلال: أي إحلال المستوطنين بدلاً من الفلسطينيين وهذه السياسة لم تتغير حتى الآن.
إزاء ما تقدم يحق لنا أن نتساءل عن موقف الولايات المتحدة الأميركية ليست باعتبارها الراعية لمسيرة السلام اليوم بل لأنها كانت منذ زمن بعيد من أكثر الدول اهتماماً بتطورات الأوضاع في فلسطين بشكل خاص وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
وبرأي الكثيرين لم يكن من الممكن أن تبدي إسرائيل هذا التعنت والتصلب بشأن هوية القدس ومصيرها المستقبلي لولا التهاون الذي تلقاه من بعض القوى العربية والإسلامية، ولولا التأييد الذي تتلقاه من عدة دول غربية وتحديداً من الولايات المتحدة الأميركية التي نصبت نفسها درعاً واقياً لكل الأطماع الإسرائيلية وصوتاً معبِّراً عن توجهاتها وتطلعاتها.
وتكفي على سبيل المثال الإشارة إلى موقفين صوراً عن الإدارة الأميركية بشأن القدس للدلالة على مدى تورط واشنطن في معاداة حقوق العرب والمسلمين:
المرة الأولى: باستخدام الولايات المتحدة للفيتو ضد مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن لمطالبة إسرائيل بإلغاء مصادرة 53 هكتاراً من أراضي القدس الشرقية المحتلة لإنشاء حي يهودي يضم 2500 وحدة سكنية كمرحلة أولى من خطة تهدف إلى مصادرة 500 هكتار إضافية. وقد جاء تبرير السفيرة "مادلين أولبريت" مندوبة الولايات المتحدة لتحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط هو إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المعنية بشأن وضع مدينة القدس، وإنَّ مجلس الأمن ليس هو المكان المناسب لذلك. وقد تم احتواء هذا الموقف والتغلب على الأزمة بصدور قرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بتعليق" القرار الخاص بمصادرة الأراضي في القدس.
أما المرة الثانية: فهي موافقة الكونغرس الأميركي بمجلسيه (الشيوخ والنواب) بأغلبية كبيرة على مشروع القرار الذي يقضي بنقل السفارة الاميركية من تل أبيب إلى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل مع حلول نهاية شهر آيار (مايو) من عام 1999 بعد أن تتم إجراءات البناء وتجهيز المبنى الجديد، مع إرسال المشروع إلى الرئيس "بيل كلنتون" بعد تعديل صيغته على نحو يعطي للرئيس الحق في تأجيل نقل السفارة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد إذا ما وجد في النقل ما يسبب ضرراً للمصالح الأميركية في المنطقة.
ولقد أثار هذا القرار المفاجئ الدهشة والاستغراب وطرح التساؤل حول الأسباب الحقيقية التي دفعت إليه، ومدى مشروعيته من الناحية القانونية. ومشروع القرار المنوه عنه أعلاه قد صدق رسمياً من قبل الكونغرس الأميركي الذي اعترف أيضاً بالقدس كعاصمة نهائية لإسرائيل دون أن يحرك الرئيس الحالي جورج دبليو بوش أي ساكن.
وإذا كان مجلس الأمن- وفقاً للتبرير الأميركي في الحالة الأولى- لم يكن هو المكان المناسب لمناقشة وضع مدينة القدس، على الرغم من تعارض ذلك مع كافة أحكام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، فمن حقنا أن نتساءل – في ضوء موقف الولايات المتحدة في الحالة الثانية- هل الكونغرس الأميركي هو المكان المناسب لتحديد وضع مدينة القدس؟ وما هو موقف القانون الدولي من القرار الأميركي الأخير؟ وسواء كان هذا الهجوم أو ذاك هو الأشرس، فإنَّ كليهما يصيب عملية السلام في مقتل، وينسف جهوداً كثيرة تم بذلها لإقرار الأمن والاستقرار والتعاون في المنطقة، ويضع بذور الصراع المستمر، بل من الممكن أن يؤدي إلى نشوب الحرب.
القدس في القانون الدولي
ولعل من المناسب أن نتناول هنا الوضع الخاص بمدينة القدس، لنتبين عدم شرعية تغيير وضعها القانوني، ثم نعرض قرارات مجلس الأمن التي تدين ضم القدس الشرقية ولا تعترف بها عاصمة إسرائيل.
أولاً: الوضع الخاص لمدينة القدس:
بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 بالموافقة على مشروع تقسيم فلسطين، والقرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 1948 الذي يقضي بتدويل منطقة القدس، تم وضع نظام للإدارة الدولية لمدينة القدس نظراً لاحتوائها على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود.
ويشمل النظام الدولي بلدية القدس، أي مدينة القدس بأكملها بما فيها من أحياء قديمة وحديثة والقرى المحيطة بها والتي تشكل معها وحدة واحدة، تم تحديد مشتملاتها في خريطة ألحقت بقرار التقسيم، إلا أن النظام الدولي للقدس لم ير النور نتيجة لمعارضة كل من البلاد العربية وإسرائيل لتدويل القدس، فبقي التدويل حبراً على ورق. وخلال الخمسينات كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت مدينة القدس الجديدة بإحيائها العربية، وسيطرت القوات الأردنية على مدينة القدس الشرقية بما فيها الأماكن المقدسة كلها. وفي 7/حزيران/يونيو 1967 احتلت إسرائيل مدينة القدس بأكملها عقب عدوانها الذي بدأ في 5 يونيو/حزيران من نفس العام. وفي أغسطس/آب عام 1980 أقدمت إسرائيل على ضم القدس المحتلة واعتبرتها عاصمتها الموحدة. وكان هذا العمل من جانب إسرائيل تحدياً للمجتمع الدولي بأسره، وانتهاكاً لمبادئ القانون الدولي التي أخذت جميع دول العالم على عاتقها احترامها والالتزام بها، ومن ضمنها إسرائيل نفسها، وكان الهدف من لجوء إسرائيل إلى هذه الإجراءات تثبيت أقدامها تدريجياً في الأراضي العربية المحتلة متبعة في ذلك سياسة إقامة المستوطنات الإسرائيلية لتكون في المستقبل بمثابة أمر واقع تفرضه إسرائيل على الدول العربية، كما فعلت في عام 1948. ولم تكن أمام دول العالم إلا أن ترفض نقل سفاراتها إلى ما اعتبرته إسرائيل عاصمتها الأبدية، وإن كان بعضها قد أبقى بعثات قنصلية هناك.
ثانياً: عدم شرعية تغيير الوضع القانوني في القدس:
عكست مواقف دول العالم من احتلال القدس الشرقية في عام 1967 الوضع الخاص للمدينة. وفي هذا الصدد، أعلنت الولايات المتحدة في 14 يوليو/تموز 1967 على لسان ممثلها في الجمعية العامة "آرثر جولد برج" إنها تعتبر القدس واحدة من أقدس مدن العالم، والولايات المتحدة ترى أن القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 هي منطقة محتلة تخضع لقانون الاحتلال الحربي، ولا يجوز لإسرائيل أن تدخل عليها أية تغييرات، ولذلك فإن التغييرات التي أدخلتها إسرائيل على المدينة تعتبر باطلة ولا تمثل حكماً مسبقاً على الوضع النهائي والدائم للمدينة.
وفي 14 تموز (يوليو) 1967 أصدرت الجمعية العامة قراراً استنكرت فيه فشل إسرائيل في تنفيذ قرارها رقم 2253، الذي كانت قد أكدت فيه عدم شرعية الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع المدينة، وكررت دعوتها إسرائيل إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذت والامتناع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس.
وفي الأول من يوليو/تموز 1969 أكدت الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن – مرة أخرى0- على لسان السفير "شالز يوست" مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة " إن القدس التي وقعت تحت سيطرة إسرائيل في حرب 1967 مثلها مثل مناطق أخرى احتلتها إسرائيل – تعتبر منطقة محتلة تخضع لنصوص القانون الدولي الذي ينظم حقوق والتزامات دول الاحتلال التي تقضي بأن دولة الاحتلال لا يحق لها أن تحدث تغييرات في القوانين أو الإدارة ". وفي إطار الخطابات المتبادلة الملحقة بوثائق كامب ديفيد حول القدس، ورد برسالة الرئيس جيمي كارتر إلى الرئيس أنور السادات، بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 1978 "إن موقف الولايات المتحدة بشأن القدس يظل هو نفس الموقف الذي أعلنه السفير جولد برج أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 يوليو/تموز عام 1967 وهو ما أكده من بعده السفير يوست أمام مجلس الأمن في أول يوليو/تموز 1991". وكذلك جاء في رسالة التطمينات الأميركية إلى الفلسطينيين بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 1991، إن الولايات المتحدة تفهم الأهمية التي يعلقها الفلسطينيون على مسألة القدس الشرقية، ولهذا نريد أن نطمئنكم إلى أن لا شيء مما سيقوم به الفلسطينيون لاختيار أعضاء وفدهم في هذه المرحلة من العملية – سيؤثر على مطالبتهم بالقدس الشرقية أو يشكل حكماً مسبقاً أو سابقة لما سينتج عن المفاوضات. ويبقى الموقف الثابت للولايات المتحدة متمثلاً في أنه يجب أن تعود مدينة القدس مقسمة مرة أخرى وأن وضعها النهائي يجب أن يتم تحديده بالمفاوضات. ولهذا لا نعترف بضم إسرائيل للقدس الشرقية أو توسيع حدودها البلدية، ونشجع كل الأطراف على تجنب الإجراءات من جانب واحد، والتي قد تزيد من حدة التوتر المحلي أو تصعِّب من المفاوضات أو تستبق تقرير نتائجها النهائية… وبالإضافة لذلك فإن موقف الولايات المتحدة يتمثل أيضاً في أنه بإمكان فلسطيني القدس الشرقية المشاركة بالتصويت في انتخابات سلطة حكم ذاتي انتقالية…. وتساند الولايات المتحدة حق الفلسطينيين في طرح أية مسألة بما في ذلك مسألة القدس الشرقية، على مائدة المفاوضات". وفي وضوح شديد أكد إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي الموقع في واشنطن في 13 أيلول/سبتمبر 1993 في المادة 5/3 الخاصة "الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم" أنه من المفهوم إن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس واللاجئون، والمستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، والمسائل الأخرى ذات الاهتمام المشترك". كما نصت الفقرة الرابعة من نفس المادة على اتفاق الطرفين على أن "لا تجحف أو تخل اتفاقيات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم".
ثالثاً: قرارات مجلس الأمن تدين ضم القدس الشرقية ولا تعترف بها عاصمة لإسرائيل؟
يمثل قرار إسرائيل باتخاذ القدس عاصمة ابدية تحدياً صارخاً للشرعية الدولية ويتعارض مع أحكام القانون الدولي وجميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار رقم 250 لعام 1968، والقرار رقم 253 لعام 1968 الذي اعتبر جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل – بما في ذلك من مصادرة الأراضي والأملاك – التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس، إجراءات باطلة ولا يمكنها تغيير الوضع فيها والقرار 267 لعام 1969 الذي أكد فيه المجلس – بأوضح العبارات الممكنة – إن جميع الأعمال الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس، لاغية تماماً، ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع، والقرار 465 لعام 1980 الذي دعا إلى إزالة المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الأراضي المحتلة ومن بينها القدس الشرقية، والقرار 478 لعام 1980 الذي دعا جميع الدول إلى عدم نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى مدينة القدس، ومع اعتبار جميع التدابير والإجراءات التشريعية والاستيطانية الرامية إلى تغيير الوضع القانوني للمدينة لاغية ومخالفة للقانون الدولي، والقرارات 672 لعام 1990، 673 لعام 1990، 904 لعام 1994 التي أدانت إسرائيل لارتكابها أعمال عنف ضد الفلسطينيين في المذبحة التي شهدتها ساحة المسجد الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول عام 1990، ووصفت القدس فيها بأنها أرض محتلة.
وكل هذه القرارات وافق عليها المجتمع الدولي، وهي تؤكد بوضوح أن القدس الشرقية أرض عربية محتلة ولا يجوز تغيير الأوضاع الديموغرافية أو السياسية فيها، وأن أي تغيير يعتبر باطلاً ولا يعتمد به. فالأمم المتحدة إذ تقرر عدم شرعية التغييرات الإقليمية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على الدول العربية وتقرر عدم شرعية الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل نتيجة احتلالها لأقاليم هذه الدول، فإنها تؤكد بطلان التصرفات التي تصدر بالمخالفة لقواعد القانون الدولي، وتدعم مبدأ الشرعية Legality”" القائم على فكرة سيادة "Effevtoveness”القائم على أن الأمر الواقع يصحح التصرفات الباطلة. ولما كانت هذه القواعد تتعلق بالمصلحة العليا والأساسية للمجتمع الدولي، فإن المخاطبين بها لا يملكون إلاَّ الانصياع لأحكامها، ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها بالإرادة المنفردة لأي دولة من الدول، لأنها قواعد مضمونة بجزاء حاسم يتمثل في بطلان كل تصرف يحدث انتهاكاً بطلاناً مطلقاً.
إن الحق لا يبنى على خطأ. حين يكون هذا الخطأ متعلقاً بمحاولة التغير الإقليمي بين الدول، فإننا نصبح أمام حالة من حالات انتهاك القواعد القانونية في النظام الدولي العام، وهو ما ينبغي أن تتكاتف جميع الجهود لوقفه، والتحذير من مخاطره.
موقف روسيا
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحولات أوروبا الشرقية وتراجع الوزن الدولي لدول عدم الانحياز نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في التخلص من بعض القرارات الدولية التي تدين الدولة الصهيونية ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية. وصمتت روسيا إزاء هذا الأمر الخطير مثلما صمتت إزاء ورقة إعلان المبادئ الأميركية التي صدرت في 3 حزيران/يونيو عام 1993 واعتبرت لأول مرة أن الأراضي المتنازع عليها تشمل الأراضي التي احتلت عام 1967، وهو تراجع خطير عن جوهر القرار 242 لعام 1967.
واكتفى الروس بالاحتجاج الهادئ على سياسة الاستيطان الإسرائيلية بعد مؤتمر مدريد للسلام, وكذا على إغفال مسألة القدس من اتفاق المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي المبرم في أيلول/سبتمبر عام 1993، وإرجاء موضوع القدس في اتفاقيات أوسلو إلى حين الانتهاء من قضايا الخلاف الإسرائيلي- الفلسطيني الأخرى التي كان من المفترض التفاوض حولها بعد انتهاء الفترة الانتقالية في منتصف عام 1999، وربما بعد ذلك التاريخ.
وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1995 أيد الروس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن بطلان كل قرارات إسرائيل بشأن القدس منذ صدور قرار الكنسيت في تموز/يوليو عام 1980 بالسيطرة الكاملة على القدس، وأكد الروس رفض توحيد القدس تحت سيادة القانون الإسرائيلي ومشروعات توسيع القدس حيث تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية.
وطرأت لاحقاً تغييرات واضحة في الموقف الروسي من فلسطين والقدس، وجاءت بداياتها عام 1998 حين أكد غيناوي زيو غانوف زعيم الحزب الشيوعي الروسي أن حزبه ليس على خلاف مع اليهود كيهود، ولكن مع الصهاينة الذين يتآمرون لإخضاع العالم لهم، وأكد أن هناك صلة دم بين الصهاينة والفاشية، كما أن الصهيونية تتخفى تحت قناع القومية اليهودية وتحاول ابتلاع فلسطين كلها.
وفي الوقت ذاته شكا بنشاس غولد شميث كبير حاخامات اليهود في موسكو من أن النواب الروس فشلوا في إدانة العنصرية ضد يهود روسيا الذين يزيدون قليلاً عن نصف مليون فرد، وجاهر الجنرال ماكشوف بإدانة محاولات اليهود التسلط على سوق المال والإعلام والتجارة الخارجية في روسيا الاتحادية.
وتميل الحكومة الروسية حالياً إلى ما يطلق عليه الحل الجغرافي والقانوني لمسألة القدس، وهو الموقف الدولي الأقرب إلى المطالب الفلسطينية ويتضمن النقاط الرئيسية التالية:
1- التحول من مبدأ تدويل القدس إلى مبدأ تجزئة السيادة على القدس طبقاً لأوضاع 4 حزيران/يونيو عام 1967.
2- تكون القدس الشرقية شاملة البلدة القديمة عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، ورفض المقترح الإسرائيلي بأن تكون قرية أبوديس عاصمة للسلطة الفلسطينية.
3- إمكان قبول مجلس بلدي موحد للقدس دون المساس بالحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين من أبناء القدس.
الموقف الأوروبي:
بالنظر إلى الإسهام الأوروبي المتزايد في عملية السلام قامت دول المجموعة الأوروبية بتعين منسق لها يقوم بجولات في الشرق الأوسط على غرار المنسق الأميركي وقد جسد هذا الاهتمام الأوروبي نفسه في إظهار العديد من المقترحات تجاه مسألة القدس على النحو التالي:
1- تدويل مدينة القدس مع سيطرة إدارية وشرطية للجانب الإسرائيل على القدس الغربية، وسيطرة إدارية وشرطية للجانب الفلسطيني على القدس الشرقية.
2- اقتسام المدينة المقدسة بين العرب الفلسطينيين وإسرائيل وبحيث تصبح القدس الشرقية عاصمة للدول الفلسطينية، والقدس الغربية عاصمة لإسرائيل.
3- اعتبار القدس مدينة ذات وضع خاص على غرار الفاتيكان داخل نطاق الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، ولها نظام دولي خاص بها وقوات شرطة رمزية.
يمكن القول أن دول المجموعة الأوروبية تقوم حالياً بمراجعة شاملة لتنظيم الأوضاع في العالم العربي، ولا تقتصر هذه المراجعة على الترتيبات الأمنية ولكنها رؤية شاملة لأوضاع سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية تعتقد دول الجماعة أنه يتحتم إعادة النظر فيها باعتبار أن استمرارها يعني احتمال اندلاع مصادر أخرى لعدم الاستقرار في المنطقة.
وفي هذا الصدد اهتمت دول الجماعة بصفة خاصة بطرح رؤيتها لتسوية النزاعات في المنطقة وعلى رأسها الصراع العربي – الإسرائيلي.
ومن هنا جاء الموقف المبدئي لدول المجموعة الأوروبية على الاحترام الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وأهمها 242، 338 الخاصين بالانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة، وعلى وجه العموم تؤيد دول المجموعة الأوروبية وعلى رأسها فرنسا مبدأ إعلان الدولة الفلسطينية عندما يقرر الفلسطينيون ذلك.
أما القدس كعاصمة للدولة فهي ما تثير مجموعة من التساؤلات للقادة الأوروبيين وتتسم بشيء من الغموض لم تحدد نهاية له بعد وأهمها ما يلي:
1- إذا كان الموقف الأوروبي مؤيداً لقرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي فإن الدول الأوروبية مطالبة بتأييد تطبيق مصطلح الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس على الأراضي التي احتلتها إسرائيل، ومن هنا تخضع القدس لأية إجراءات تخص الأراضي المحتلة.
2- يتعارض هذا التوجه مع الاتجاه الأوربي لتأجيل قضية القدس واعتبارها من قضايا الوضع النهائي في المفاوضات بين العرب وإسرائيل خصوصاً مع الرغبة الدولية عموماً والأوروبية خصوصاً لتدويل القدس لمكانتها الدينية المتميزة.
3- تجد الدول الأوروبية مخرجاً لفضها من هذا التناقض طبقاً لقرار مجلس الأمن بالتقسيم 181 لسنة 1947 بين دولتين فلسطينية (عربية) ويهودية (إسرائيل) مع وضع دولي وكيان خاص مستقل للقدس.
ولكن يرى كثير من المراقبين إن مصالح أوروبا مع الدول العربية من ناحية وتوازناتها في علاقاتها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من ناحية أخرى سوف يحددان كثيراً إلى أي مدى يمكن الاعتماد على الدور الأوروبي في عملية السلام عموماً ومسألة القدس الشائكة خصوصاً في دعم الحقوق العربية.
موقف جامعة الدول العربية من القدس
كانت فلسطين تمثل في مجلس الجامعة بوفد لا يزيد أعضاؤه عن ثلاثة، يشترك في جميع أعمال المجلس وفقاً لما ورد في الملحق الخاص بفلسطين في ميثاق جامعة الدول العربية، ويكون للوفد حق التصويت في قضية فلسطين، وفي الأمور التي يستطيع أن يلزم فلسطين بتنفيذها.
بعد صدور قرار التقسيم توالت الأحداث الدموية في فلسطين، وشكلت لجنة عسكرية في جامعة الدول العربية، تولت متابعة القضية الفلسطينية من جوانبها العسكرية.
كان التنسيق بين الدول العربية يجري من خلال اجتماعات تلك اللجنة، وقررت اللجنة العسكرية في 6\10\1947 تشكيل قوات الانقاذ(1)، وعين فوزي القاوقجي قائداً لتلك القوات في 21\7\1947، وبهذا القرار دخلت جامعة الدول العربية معركة فلسطين.
ولقد كان لجامعة الدول العربية دور هام في كافة الاتصالات التي جرت بشأن القدس منذ العام 1948 حتى اليوم، أي منذ كانت قضية القدس يتم تداولها في أروقة الأمم المتحدة على يد الوسيط الكونت فولك برنادوت، مروراً بكافة القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن، وصولاً الى كافة اجتماعات مجلس الجامعة ومن ثم مؤتمرات القمة العربية، وسنركز هنا على هذه النقطة الأخيرة لنبني الى أي حد استأثرت قضية القدس بمؤتمرات القمم العربية منوهين بالقرارات التي تم تبنيها، وبالمبادرات العربية التي تم اطلاقها وعلى وجه الخصوص مبادرة ما عرف بمشروع الأمير فهد ومن ثم حالياً مبادرة ما عرف بمشروع الأمير عبد الله.
القدس في قرارات مؤتمرات القمة:
ظهرت قضية القدس لأول مرة في قرارات القمة العربي السادس في الجزائر (تشرين الثاني\ نوفمبر عام 1973) في قراره أسماء المؤتمر "من اهداف المرحلة الحالية للنضال العربي المشترك" جاء فيه حول القدس الفقرة التالية "تحرير مدينة القدس العربية، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بسيادة العرب الكاملة على المدينة المقدسة". وأكد مؤتمر القمة السابع الذي انعقد في الرباط (تشرين الأول\اكتوبر 1974) على حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
وأكد مؤتمر القمة العربي التاسع المنعقد في بغداد (تشرين الثاني \ نوفمبر 1978) والعاشر في تونس (تشرين الثاني\نوفمبر 1979) على القرارات السابقة.
وشدد البيان الختامي لمؤتمر القمة العربي العاشر على "ان تحرير القدس العربية واجب والتزام قومي، وقرر قطع جميع العلاقات مع أية دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو تنقل سفارتها إليها".
أما مؤتمر القمة الحادي عشر المنعقد في عمان (تشرين الثاني \ نوفمبر 1980) فقد قرار تكثيف الاتصالات مع الفعاليات الدولية من اجل اعادة السيادة العربية الكاملة على القدس.
وتبنت القمة التي انعقدت في فاس عام 1982 بالمغرب مشروع الامير فهد الذي كان قد اعلنه في أب\اغسطس عام 1980 والذي نص على ما يلي:
أولاً: انسحاب إسرائيل من جميع الاراضي العربية التي احتلت في العام 1967 بما فيها القدس العربية.
ثانياً: إزالة المستعمرات التي اقامتها اسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967.
ثالثاً: ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الاديان في الاماكن المقدسة.
رابعاً: تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرغب في العودة.
خامساً: تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت اشراف الامم المتحدة لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر.
سادساً: قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
سابعاً: تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام.
ثامناً: تقوم الامم المتحدة وبعض الدول الاعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
وفي مؤتمر القمة غير العادي المنعقد في الدار البيضاء (اغسطس\أب 1985) دعا الى انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من جميع الاراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف.
أما مؤتمر القمة العربي غير العادي المنعقد في بغداد (مايو\أيار 1990) فقد قرر اعتبار القدس عاصمة دولة فلسطين، وتأكيد مكانتها التاريخية والوطنية والروحية عربياً وإسلامياً ومسيحياً.
ومؤتمر القمة العربي غير العادي المنعقد بالقاهرة (حزيران\ يونيو 1996) فقد أكد في بيانه الختافي على تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
ومؤتمر القمة الذي انعقد في بيروت في مارس\أذار 2002 فقد تبنى مشروع الامير عبد الله للسلام واطلق عليه تسمية المشروع العربي للسلام وينص على التالي:
-الانسحاب الكامل من الاراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى الرابع من حزيران\يونيو 1967، ومن الاراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194.
- قبول قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران/يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون القدس الشرقية عاصمتها، وعندئذٍ تقوم الدول العربية بما يلي:
- اعتبار النزاع العربي ـ الإسرائيلي منتهياً والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.
- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطينيين الذي يتنافى والوضع الخاص في الدول العربية المضيفة.
- يدلوا المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبنية أعلاه حماية لفرص السلام وحقنا للدماء بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنب إلى جنب ويوفر فلا جيال المقبلة مستقبلاً أمناً يسوده الرخاء والاستقرار.
ختاماً يهمنا التنويه هنا إن لا حل للقضية الفلسطينية ولا لأزمة الشرق الأوسط برمتها ما لم تكن القدس الشرقية وما تضمه من مقدسات إسلامية ومسيحية عاصمة فلسطين لأن لا السلطة الفلسطينية ولا أي جهة أخرى تمتلك قدرة وإرادة التخلي عن القدس الشريف وعن مسجد الأقصى.
ويبدو أن رئيس حزب العمل الجديد قد استوعب هذه المعادلة ولهذا صرح مؤخراً بأن القدس الشرقية ليست يهودية وأن التخلي عنها يخدم السلام. وتمنياتنا أن تكون هذه التوجهات صادقة وأن لا تكون مجرد تصريحات الهدف من ورائها توظيفها في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المقبلة.
=X:
-
بحث
مقدم الى المؤتمر العالمي تحت شعار "القدس مدينة الاديان التوحيدية"
بعنوان
"الجرائم ذات الصفة الدولية في مدينة القدس ومسئولية المجتمع الدولي"
البروفيسور. نوري جعفر لطّيف
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل:
العلماء الاعلام السيدات والسادة الخبراء والاكاديميون الكرام
من دواعي سروري وتشريفي ان اتوجه بالحديث الى مؤتمركم العلمي الموقر الذي ينعقد تحت شعار "القدس مدينة الاديان التوحيدية" والذي يساهم فيه نحبة من المختصين والباحثين والسياسيين من مختلف الطوائف والاديان , واود هنا اهنئ المنظمين والقائمين على هذا المؤتمر لاختيارهم هذا الموضوع لبث روح المحبة والتسامح والسلام وثقافة حوار الحضارات والاديان, واخص بالذكر سماحة الشيخ محسن الاراكي مؤسس المركز الاسلامي في انكلترا الذي عودنا على اللقاءات والحوارات وعقد الندوات والمؤتمرات العالمية – لمناقشة ومعالجة – اهم قضايا العصر وابراز صورة الاسلام الناصعة ودور المسلمين في دول المهجر من خلال الاحترام والاخلاص في العمل والتعاون والتفاهم مع ابناء مجتمعاتهم الجديدة التي احتضنتهم واحترمت عقيدتهم واداء شعائرهم.
واعرب لكم جميعا عن فائق تقديري واعتزازي واصدق تمنياتي بالنجاح لمؤتمركم وساكون بلا شك احد المستفيدين منه.
وبعد ان اطلعت على برنامج ومحاور المؤتمر لم يساورني ادنى شك في ان نتائج مداولاتكم ستكون مثمرة باذن الله تعالى ليس حاليا فحسب بل ومستقبلا ايضا لنشر مفاهيم السلام والتسامح والحوار واحترام حقوق وحريات الانسان وحمايتها من اي عابث.
ان تكريس المؤتمر لاشكالية واحدة هي القدس الشريف بكل تشعب وترابطها يعكس اهمية هذه المدينة التاريخية المقدسة لدى الاديان السماوية التوحيدية الثلاثة. فهذه المدينة التي باركها الله تعالى في كتابه الكريم تمثل النموذج الافضل والمكان الانسب لحوار الاديان والحضارات رغم كل التعقيدات الراهنة وان تكون اكثر الاماكن امنا وتنتشر فيها المحبة والتسامح والتكافل والعبادة, لكنها تحولت للاسف الى اكثر مناطق العالم التي ترتكب على ثراها اخطر الجرائم ذات السمة الدولية.
وسنتناول في بحثنا المحاور التالية:
1- مفهوم الجريمة الدولية
2- الجرائم التي ارتكبت وترتكب في القدس ومنها:
أ-جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية (انتهاك القانون الدولي الانساني)
ب-الاحتلال
ج- الاستيطان
د- مصادرة الاراضي
3- فرق المواثيق الدولية (القانون الدولي لحقوق الانسان)
أ- الاعلان العالمي لحقوق الانسان
ب-العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
ج- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
4- مسئولية المجتمع الدولي تجاه الجرائم التي ترتكب في مدينة القدس
الجريمة الدولية وفقا للقانون الدولي المعاصر هي "سلوك الدولة المخالف والمنتهك
للالتزامات الدولية الضرورية لحماية المصالح الاساسية للمجتمع الدولي"
وقد اشارت لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الامم المتحدة الى الجرائم التي تدخل في نطاق الجرائم الدولية وهي:
اولا – الخرق والانتهاك المباشر لالتزام دولي يتعلق بحفظ السلم والامن الدولي كالعدوان.
ثانيا- الانتهاك الشديد لالتزام مرتبط بحماية حق تقرير المصير كالسيطرة والاستمرار في فرض الحكم الاستعماري والاحتلال غير المشروع بالقوة.
ثالثا- الخرق الحاد لالتزامات دولية متعلقة بالحفاظ وبحماية الجنس البشري كابادة الجنس البشري
رابعا- خرق القانون الدولي لحقوق الانسان
ونظراً لسعة وكثرة الجرائم التي ترتكب في بيت المقدس اذ شملت جميع انواع الجرائم دون تحديد ابتداء من جرائم الحرب والجرائم ضج الانسانية وجريمة التمييز والفصل العنصري وجريمة التعصب والتمييز الديني وجريمة التمييز في مجال التعليم والثقافة وجريمة الاستيطان القسري والتهجير وهدم الدور واقتلاع الضرع والزرع وجرائم كثيرة اخرى في ميدان التشغيل وعدم المساواة في الاجور وانتهاك حقوق الطفل والمراة ..الخ فلايتسنى تناول كل هذه الانواع وغيرها من الجرائم بالبحث والمناقشة القانونية وانما ستتطرق الى اهم الاتفاقيات الدولية التي انتهكت في هذا المجال, وكما بينت في البنود الثلاثة اعلاه التي حددت الجرائم الدولية وبنظرة سريعة نجد ان كل تلك الاشكال من الجريمة ارتكبت في القدس وشكلت خرقا فظا وانتهاكا حاداً للالتزامات الدولية في مجال حفظ السلم والامن الدولي وحق تقرير المصير وابادة الجنس البشري. ومحاولات القضاء على ثقافة وتراث شعب بكامله.
لقد عانى العالم من اهوال الحروب وخاصة الحربين العالميتين الاولى والثانية ومما خلفته من ضحايا بشرية عدة بالملايين ودمار شامل للعمران والاقتصاد, ولذلك بادر المجتمع الدولي لاقامة منظمة "عصبة الالم" في اعقاب الحرب العالمية الاولى التي كانت تهدف الى منع نشوب الحروب, ولكنها فشلت لاسباب معروفة, ونشبت الحرب العالمية الثانية التي كانت اقسى وامر وجاوز ضحاياها الخمسون مليون انسان الى جانب تدمير ماعمره الانسان. وكان اليهود من بين المتضررين بشدة. فكان من المؤمل ان تكون مأساتهم تلك دافعا لتعامل انساني وخير تجاه الاخرين. ولكن لشديد الاسف ان قادتهم الرسميين قبل وبعد قيام دولتهم وهي تقع في قلب العالم العربي والاسلامي جاءت افعالهم وتصرفاتهم اسوء من الجرائم التي ارتكبت تجاهم في الحرب العالمية الثانية مع العلم انهم يستلمون حتى الوقت الحاضر تعويضات ضخمة عما لحقهم من اضرار مادية ونفسية وجرائم ارتكبت بحقهم.
وكماذكرنا اعلاه ان كل اشكال الافعال والتصرفات التي تنتهك الالتزامات الدولية وبشكل حاد قام بها حكام اسرائيل في فلسطين عامة والقدس خاصة مما ادى بالجمعية العامة للامم المتحدة الى تكييف تلك الاعمال بانها تمثل جرائم حرب.
ولوعدنا قليلا الى الوراء واطلعنا على نظام نورمبرغ وطوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب والتقنين الذي اعدته لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الامم المتحدة عام 1951 حول الجرائم ضد الانسانية , وماتبع ذلك من قرارات واتفاقيات دولية تتناول الافعال المسببة للمسؤولية, كل تلك تكشف عن قيام حكام وقادة اسرائيل بارتكاب مختلف الاعمال التي تمثل جرائم ضد السلام والانسانية مما يثير مسؤوليتهم وتستوجب محاكمتهم وتمديد العقوبة المناسبة.
وقبل التطرق الى ابشع الجرائم التي ارتكبت وترتكب في مدينة القدس لابد من التطرق اولا الى معرفة:
الوضع القانوني لمدينة القدس
احتلت بريطانيا القدس عام 1918 وبدل ان يفي الحلفاء بوعودهم بتطبيق حق تقرير المصير عن طريق استطلاع رأي السكان ورغباتهم, نفذوا اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916, فخضعت فلسطين لنظام الانتداب بدل اعلانها دولة مستقلة.
وبعد الحرب العالمية الثانية صدر قرار التقسيم رقم 181 الى دولتين عربية واخرى يهودية بناء على لجنة تقصي الحقائق عام 1947.
والذي يهمنا هنا ما ورد في تقرير تقصي الحقائق بصدد القدس اذ دعت الى تدويل مدينة القدس, وقد اقرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرار التقسيم . ومن ابرز ماورد في قرار التقسيم هو ان تضع كل من الدولتين دستوراً ديمقراطياً يتضمن المبادئ التي نص عليها القرار وهي كفالة المساواة وعدم التمييز في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية للجميع وضرورة التمتع بكافة حقوق الانسان.
اوردت هذه الالتزامات الدولية المفروضة على الجانبين وخاصة اسرائيل التي ابتلعت اغلب اراضي فلسطين منذ عام 1948 بما في ذلك القسم الاكبر من مدينة القدس واحتلتها بالكامل عام 1967, وتحدت كل تلك الالتزامات فاصدرت قانون عام 1980 بضم القدس واعتبارها عاصمة ابدية لاسرائيل وبدأت بتنفيذ خطة لتهديدها وتغيير معالمها الاسلامية والمسيحية.
وفي المقابل استمر المجتمع الدولي على تأكيده قرار تدويل القدس فصدر عن الجمعية العامة قراران رقم 194 في عام 194 والثاني رقم 303 في عام 1949, والقراران رقم 242 و338 عام 1967 الصادران عن مجلس الامن واللذان يعبران بوضوح عن منع اسرائيل من المساس بمدينة القدس والتغيير في جغرافيتها , والقراران يؤكدان ان القدس هي جزء من الاراضي المحتلة. كما جاء القرار (255) في عام 196 الذي اعتبر ان جميع الاجراءات الادارية والتشريعية هي اجراءات باطلة ولايمكن ان تغير من وضع القدس. واعقبه القرار (267) عام 1969 الذي اكد على ضرورة استجابة اسرائيل لما جاء في القرار (252).
كماعبر مجلس الامن في قرار لاحق رقم (271) في سبتمبر عام 1969 عن امله للاضرار التي لحقت بالمسجد الاقصى بسبب الحريق. واستمرت منظمة الامم المتحدة وخاصة مجلس الامن باصدار قرارات متلاحقة تؤكد وضع القدس كمنطقة محتلة ولايجوز المساس بها وبمعالمها فصدر القرار (298) عام 1971 واعقبه القرارات
(465) و (476) التي تقضي بان الاجراءات الاسرائيلية التشريعية والادارية والاستيطانية الرامية الى تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس باطلة ولاغية. وصدر القرار (478) عام 1980 على عدم جواز نقل البعثات الدبلوماسية للدول الى مدينة القدس. وهذه القرارات كلها تؤكد بطلان القانون الاسرائيلي القاضي بضم القدس واعتبارها عاصمة ابدية لها. وكان اخيرا قرار مجلس الامن رقم (1073) في 28 سبتمبر 1996 الذي اعرب فيه عن قلق بالغ ازاء التدهور الخطير الذي آلت اليه الاوضاع في القدس الشريف نتيجة لفتح اسرائيل نفقا تحت ارض المسجد الاقصى.
بعد هذا العرض الموجز للمركز القانوني للقدس يمكننا القول بوضوح ان ماقامت به اسرائيل وماتقوم به باعتبارها دولة احتلال كما جاء في القرارات اعلاه تشكل جرائم ذات صفة دولية معاقب عليها وهي تلك التصرفات تكون قد خالفت
1- اتفاقية لاهاي عام 1907 التي اوجبت احترام التراث الثقافي والاماكن المقدسة .
وهذا ما اكدته ايضا اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 وقد جاء في المادة (53) من اتفاقية جنيف 11 تحظر الاعمال التالية وذلك دون الاخلال باحكام اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الاعيان الثقافية في حالة النزاع المسلح المعقود في 14/مايو 1954 واحكام المواثيق الاخرى الدولية المتعلقة بموضوع:
أ) ارتكاب اي من الاعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية او اماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي او الروحي للشعوب.
واكدت اتفاقية جنيف الاخرى لعام 1945 حماية المقدسات الدينية وقت السلم والحرب.
واكدت منظمة اليونسكو حرمة المقدسات الدينية وعدم التعرض لها وعلى رأسها دور العبادة.
اما اتفاقية فيينا لعام 193 فتحدثت عن الالتزمات المفروضة على الدول التي تخلف دول اخرى في الممتلكات ومحفوظاتها وديونها والحماية القانونية للمقدسات الدينية. ومعروف مدى انتهاك حرمات الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في القدس ومحاولة الاستيلاء على بعضها وتغيير المعالم الاخرى وغيرها من قبل حكام اسرائيل.
مما اضطر مجلس الامن عام 196 اصدار القرار رقم (533) ادان فيه تغيير معالم القدس واعلن ان اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الاراضي المحتلة بما في ذلك مدينة القدس.
من كل ماتقدم يتضح مدى ارتكاب اسرائيل لجرائم الحرب في القدس وانتهاكها الفض لكل الالتزامات الدولية الواردة في الاتفاقيات او في قرارات منظمة الامم المتحدة لكونها دولة احتلال لاغير.
ومن الجرائم الاخرى ذات الصفة الدولية التي ارتكبت في القدس هي الاستيلاء على الاراضي بعدة طرق ملتوية منها مصادرة الاراضي لاغراض عسكرية او للمقاصد العامة او اعلانها اراضي حكومية او لاغراض الدفاع .. الخ يضاف الى ذلك هدم الدور واحتلال الممتلكات عنوة.
2- جرائم خرق القانون الدولي لحقوق الانسان في القدس
ابتداء ماهي حقوق الانسان؟ يمكن تعريف حقوق الانسان بانها الحقوق المتأصلة في الطبيعة البشرية والتي لايتسنى العيش بدونها كبشر.
وان حقوق الانسان وحرياته الاساسية تكفل بصورة كاملة امكانات تنمية واستثمار مابتمتع به من صفات البشر, وماوهبه الله تعالى من ذكاء ومواهب وضمير من اجل تلبية حاجاته الروحية والمادية. والحقوق تستند الى تطلع الانسان باستمرار الى حياة افضل تتميز باحترام وحماية كرامة المتأصلة في كل انسان.
ان انكار تللك الحقوق او التعدي عليها ليست مجرد مأساة فردية او شخصية بل ان الانكار يؤدي الى خلق ظروف يشيع فيها الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والتطرف, علاوة على مايغرسه من بذور العنف والصراع داخل المجتمعات وبين الدول. واصدق تعبير عن ذلك وردت في الاعلان العالمي لحقوق بان احترام حقوق الانسان والكرامة الانسانية "يشكل اساس الحرية والعدالة والسلام في العالم".
فاين اسرائيل من هذه الحقوق التي تداس بالاقدام من قبل حكامها وجيشها يوميا, علما ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر في 15/ ديسمبر عام 1948, كان بلا شك في جزء منه لمعالجة المعاناة التي تعرض لها اليهود انفسهم.
وهذا الاعلان لم يبق مجرد اعلان بل هو اتفاقية دولية ملزمة لايجوز المساس بها بتاتا والتي اصبحت المرجعية الاساسية مع ميثاق منظمة الامم المتحدة لجميع المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان مما شكلت قانونا واسعا يمكن تسمية بـ "القانون الدولي لحقوق الانسان". ففي عام 1968 وافق مؤتمر الامم المتحدة الدولي لحقوق الانسان على ان الاعلان العالمي "يشكل التزاما بالنسبة لاعضاء المجتمع الدولي", ولذلك فهو يشكل الجزء الاول من القانون الدولي لحقوق الانسان وبناء عليه صدر العهدان الدوليان الاول الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والثاني بخصوص الحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وكلها اعتمدت عام 1966 ودخلت كلها حيز التنفيذ عام 1976 وصدقت على الاول (91) حتى عام 1987 و (87) دولة على الثاني. ومما يلفت الانتباه ان اسرائيل لم تنضم الى هذه الاتفاقيات ولكل طالما ان هذه العهود دخلت حيز التنفيذ فهي ملزمة لجميع اعضاء المجتمع الدولي وكان حريا باسرائيل ان تكون الدولة الاولى او من بين اولى الدول التي توقع وتصادق على مثل هذه الاتفاقيات ولكن يبدو ان سوء النية وسبق الاصرار على خرق الحقوق والحريات في الاراضي المحتلة من ثوابت سياسة حكام اسرائيل.
وانا هنا لست في باب عرض مضمون الاعلان العالمي لحقوق الانسان او العهدين الدوليين لانها وثائق دولية منشورة ومتيسرة للجميع ويمكن طلبها باية لغة من ممثليات منظمة الامم المتحدة في مختلف الدول.
فالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفلسطينيين في الاراضي المحتلة وفي القدس منتهكة بابشع الصور, اما الحقوق السياسية والمدنية فلا يمكن الحديث عنها حتى بالنسبة للمواطنين العرب الاسرائيليين في القدس اذ لاتزال طرية في الاذهان (اغتيال _13) مواطناً فلسطينياً اسرائيلياً لدى قيامهم بمظاهرة احتجاج في القدس على القمع الاسرائيلي.
ان مايرتكب من جرائم في القدس يرقى الى مستوى الجرائم ضد الانسانية بما في ذلك جريمة الابادة الجماعية. وكان المجتمع الدولي قد اقر عام 1948 اتفاقية "منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها Gemocide " فقد اقرتها الجمعية العامة لمنظمة الامم المتحدة في دورتها الثالثة, ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 12 كانون الثاني يناير عام 1951. واشارت الاتفاقية في مادتها الاولى الى ان "الابادة الجماعية, سواء ارتكبت في وقت السلم او اثناء الحرب هي جريمة بمقتضى القانون الدولي, وتتعهد الاطراف المتعاقدة بمنعها والمعاقبة عليها".
واوضحت الاتفاقية الافعال التي تعتبر من اعمال الابادة الجماعية فنصت في المادة الثانية منها ان "الابادة الجماعية تعني ايا من الافعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي او الجزئي لجماعة قومية او اثنية او عنصرية او دينية بصفتها هذه:
أ – قتل اعضاء الجماعة
ب- الحاق اذى جسدي او روحي خطير باعضاء من الجماعة
ج- اخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشة يراد بها تدميرها المادي كليا او جزئيا
د- فرض تدابير تستهدف الحؤول دون انجاب الاطفال داخل الجماعة
ه – نقل اطفال من الجماعة عنوة الى جماعة اخرى
ويعاقب على الافعال التالية كما وردت في المادة الثالثة من الاتفاقية وهي:
أ- الابادة الجماعية
ب- التأمر على ارتكاب الابادة الجماعية
ج- التحريف المباشر والعلني على ارتكاب الابادة الجماعية
د- محاولة ارتكاب الابادة الجماعية
هـ الاشتراك في الابادة الجماعية
ويعاقب مرتكبو الابادة الجماعية سواء كانوا حكاما دستوريين او موظفين عامين او افراد عاديين.
ولتأكيد عدم سقوط مثل هذه الجرائم بمرور الزمن اعتمدت منظمة الامم المتحدة اتفاقية عدم سريان التقادم على جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية في دورتها الثالثة والعشرين عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ في 11/ تشرين الثاني/ نوفمبر.
وجاء في مادتها الاولى "لايرى اي تقادم على الجرائم التالية بصرف النظر عن وقت ارتكابها:
أ) جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الاساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8/ آب اغسطس عام 1945
ب) الجرائم المرتكبة ضد الانسان سواء في زمن الحرب او في زمن السلم
واشارت المادة الثالثة الى تعهد الاطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ كل التدابير الداخلية التشريعية او غيرها لكي يصبح بالامكان القيام وفقا للقانون الدولي بتسليم الاشخاص المشار اليهم في المادة الثانية من الاتفاقية.
من جانبي لا اود ان اعرض عليكم الجرائم التي ارتكبت وترتكب في القدس الشريف سواء منها جرائم الحرب او جرائم ضد الانسانية وانتم تشاهدون يوميا من على القنوات الفضائية مايجري وما ترتكب من فضائح, مما تنطبق عليه الاتفاقيات جرائم الابادة الجماعية وعدم سقوط تلك الجرائم بالتقادم. ولذلك يجب وقفها فوراً ومحاسبة المسئولين عن ذلك.
3- دور ومسئولية المجتمع الدولي عما يجري في القدس
طالما ان القانون الدولي وقف موقفا صريحا من تحديد انواع الجرائم والافعال الاسرائيلية في مدينة القدس, لذلك فاثارت مسئولية اسرائيل الدولية اضحت ضرورية ولابد من اتخاذ الاجراءات والتدابير القانونية لوقف تلك التصرفات ووضع الجزاءات لانتهاك اسرائيل لالتزاماتها الدولية وبما يفرض القانون الدولي من واجبات عليها. لان اسرائيل مدينة الى المجتمع الدولي اكثر من اية دولة اخرى لانه هو الذي اوجدها فاذا كانت الدول المؤسسة لمنظمة الامم المتحدة (51) دولة هي التي اوجدت المنظمة الدولية فان هذه المنظمة هي التي فرضت قيام اسرائيل من خلال قرار التقسيم وعلى اسرائيل ان تنصاع للارادة الدولية ولقرارات منظمة الامم المتحدة.
ان ما اتخذته اسرائيل على الارض من تشريعات وما تتخذه من تصرفات تجاه البشر في القدس كله يقع تحت طائلة القانون ويثير مسئولية الدولة كشخص معنوي كما يثير مسئولية الاشخاص من قمة هرم المسئولية في اسرائيل الى من ينفذ تلك الاعمال, لان شروط قيام المسئولية متحققة بشكل بين لا لبس فيه وهي:
اولا: ان يكون التصرف او الفعل مخالف لاحكام القانون الدولي
ثانيا: يرتب التصرف او الفعل لشخص قانوني دولي
ثالثا: اي ينسب الفعل الى سلطة من سلطات الدولة
اما بالنسبة للشرط الاول فمخالفة وانتهاك اسرائيل لاحكام القانون الدولي المعاصر جاوزت كل حصر في جميع الميادين فطالت البشر والشجر والحجر وفي جميع المجالات والميادين كما ذكرنا سابقا, ابتداء من الاحكام الخاصة بحقوق الانسان وحماية الاراضي المحتلة وواجبات سلطات الاحتلال تجاه المناطق المحتلة واحتلال اسرائيل مثبت رسميا بقرارات دولية مستمرة منذ 1948 وتتكرر على امتداد السنوات سيما تجاه القدس حيث الغت النظام القانوني للمدينة وتجاوزت ذلك الى اصدار تشريع لضم المدينة المحتلة الى دولتها واعتبارها عاصمة لها.
اما بصدد الشرط الثاني فمن المعروف ان اشخاص القانون الدولي كان في البداية يقتصر على الدول واسرائيل كدولة اذا تتحمل المسئولية كاملة ومباشرة على خرق احكام الاتفاقيات والقانون الدولي عامة, ولكن الامر لم يتوقف على الدول واتسعت دائرة اشخاص القانون الدولي وبحكم القانون فاصبحت المنظمات الدولية من اشخاصة وبسبب جرائم الحروب والدمار الشامل تجاه الافراد العاديين والشعوب ظهر القانون الدولي لحقوق الانسان فاحتل الانسان موقعا بين اشخاص القانون الدولي والمساس بحقوقه وحرياته يثير مسئولية الدول والاشخاص ولاحاجة لتكرار ماذكرناه سابقا انه ليس خرقا وانتهاكا لحقوق الانسان في القدس بل الدوس بفظاظة وتجاهل تلك الحقوق من جانب اسرائيل. ولذلك كما نعلم وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية شكلت محاكم لمحاكمة مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الانسان.
وكان اليهود من بين الذين تعرضوا لمثل تلك الجرائم. وحاليا شكلت محاكم خاصة تمارس عملها لمحاكمة مجرمي الحرب وانتهاك حقوق الانسان في يوغسلافيا سابقا وخاصة الجرائم التي ارتكبت في البوسنة والهرسك وكوسوفو ورواند او بوروندي.
كما اسس المجتمع الدولي محكمة جنائية جديدة دائمة بموجب اتفاقية روما التي ستتولى لمحاكمة الاشخاص الذين يتهمون بارتكاب مثل تلك الجرائم.
واخيرا اما بشأن الشرط الثالث فان القانون الدولي لايكتفي بحصول المخالفة او الحاق الضرر بل يشترط ان ترتكب تلك الافعال من احدى سلطات الدولة التشريعية او التنفيذية او القضائية, كما تسأل الدولة حتى عن تصرفات مواطنيها العاديين اذا قصرت الدولة في اتخاذ التدابير الكفيلة بمنع حدوث الفعل الضار المخالف للقانون من قبلهم.
وهنا لااريد ان اسوق ما ارتكبت من افعال وتصرفات سواء من قبل السلطات الثلاث في اسرائيل التشريعية والتنفيذية والقضائية او ما قام به ويقوم به مواطنوها العاديون والمستوطنون من اعمال تجاه السكان وحتى استخدام الاسلحة النارية ضدهم.
واذا طبقنا الشروط الثلاثة اعلاه على اسرائيل نجد كما قلت ان السلطات الثلاث والمواطنين الاسرائيليين ارتكبوا تلك الافعال مما يثير المسئولية الدولية. فالسلطة التشريعية سنت قوانين ابرزها بشأن القدس "القانون الاساسي" بضمها وتغيير معالم المدينة والاستيلاء على الممتلكات والسلطة التنفيذية تقوم بشكل يومي باعمال الاعتقال والتعذيب والحجز والطرد والسجن والسلطة القضائية تصدر قرارات لصالح مرتكبي الجرائم من عسكريين ومتطرفين اما المستوطنون فحدث ولاحرج باحتلال الدور والاعتداء المباشر على سكان القدس واقتحام الممتلكات والاعتداء على الحرمات والاماكن المقدسة ومنع المواطنين من ممارسة شؤونهم الحياتية العادية واداء شعائرهم الدينية.
وقبل الانتهاء من بحثي لابد من توضيح مدى المسئولية التاريخية والاخلاقية والانسانية للمجتمع الدولي تجاه تلك الافعال والتصرفات والانتهاكات الفظة لكل الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية ولقرارات المنظمات الدولية. وكان حري باسرائيل ان تكون الاولى وفي مقدمة الدول التي تلتزم بدقة وتحترم بشكل تام المواثيق والقرارات الدولية لان هي الدولة الاولى التي انشأها المجتمع الدولي بقرار خاص ولولاه لما استطاعت حتى الوقت الحاضر ان تتعكز على الشرعية الدولية في وجودها.
ومن هنا يتعين على المجتمع الدولي ان يستفيق ويعالج هذا الامر طالما قرر وبشكل صريح ان هناك احتلالاً ليس للقدس وحدها بل ولباقي الاراضي الفلسطينية والاحتلال المباشر بالقوة هو بحد ذاته جريمة دولية يجب ازالتها وتصفية آثارها.
هذا من ناحية ومن جانب آخر لاتمر سنة إلا وتتخذ الجمعية الوجه لمنظمة الامم المتحدة قرارا يدين ممارسات اسرائيل سواء في القدس او الاراضي المحتلة الى جانب القرارات العديدة التي تصدر سنويا من مجلس الامن حول القدس والقضية الفلسطينية.
واذا لم ينهض المجتمع الدولي ويضع اكبر عملية لتصفية الاحتلال واتخاذ عقوبات قابلة للتنفيذ في بدايتها الاقتصادية والتدابير الاخرى وفي مقدمتها وقف الصلاة والعلاقات السياسية والدبلوماسية .. الخ وإلا في حالة السكوت وعدم اتخاذ اي اجراء فان المجتمع الدولي يعتبر شريكا فيما يرتكب من اعمال في القدس في الاراضي الفلسطينية المحتلة سيما وانه هو الذي وضع الاساس القانوني لقيام هذه الدولة.
وفي الختام نستطيع القول ان مدينة القدس مدينة السلام اصبحت مدينة حرب رغم قدسيتها لدى الاديان التوحيدية الثلاثة وترتكب فيها مختلف اشكال الجريمة ذات الطابع الدولي.
وهذه المدينة التاريخية المقدسة التي مرت بها حضارات العالم المختلفة من يونانية ورومانية ويهودية ومسيحية واسلامية, يجب ولابد ان تكون مدينة محبة وسلام وامن للجميع واحترام حرمة الاماكن المقدسة وممارسة الشعائر الدينية, وان تتحول الى مصدر اشعاع للقيم والمثل الاخلاقية والدينية العليا وتحويلها من ساحة صراع دام لاينتهي الى ميدان وئام وبناء وتنافس على تقديم الافضل للانسان.
فعلى اسرائيل ان ترعوي وتعود الى رشدها لان الجريمة والقوة لم ولن تحقق لها العيش بسلام, بل احترام احكام القانون الدولي وخاصة انهاء حالة الاحتلال وتمتع الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير واقامة دولة المستقلة لتكون عامل استقرار وتواصل وحوار بين الحضارات والاديان. ويكفي ماكابدته فلسطين عامة والقدس خاصة من الآم منذ السيد المسيح عليه السلام ومن بحار الدم والدمار وليسد الحق والعدل.
وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز الذي خاطب نبيه داود عليه السلام الذي اقام مملكته في فلسطين الف عام قبل الميلاد وخلفه ابنه سليمان عليه السلام " ياداود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب".
كما ان الاسلام يستند الى ثلاثة اسس هي وحدانية الرحمن الخالق تعالى ووحدانية البشر ووحدانية الدين لوجه الله.
فوحدانيته تعالى جاءت في القران الكريم لا إله إلا الله لم يلد ولم يولد.
ووحدانية الدين ان الدين لله وحده "قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لانفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون" صدق الله العلي العظيم.
اما وحدانية البشر فكما جاء ايضا في كتاب الله العزيز "ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا, ان اكرمكم عند الله اتقاكم", " يا ايها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ..
ان وحدة البشر هي جوهر القانون الدولي العام فعلى جميع الخيرين في العالم والساعين في دروب الخير ان يضموا جهودهم ليعم السلام والوئام بين اتباع مختلف الاديان ولتتوقف كل مآسي الانسان اينما كان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مراجع ومصادر البحث
1- القرآن الكريم
أ سورة البقرة الآية 136
ب – سورة الحجرات آية 13
2- الوثائق الدولية
أ- ميثاق منظمة الامم المتحدة
ب- الاعلان العالمي لحقوق الانسان
ج – العهد الدولي لحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
د – العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
هـ اعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب
و- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري
ز- الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم
ح- اتفاقية التمييز في مجال الاستخدام والمهنة
ط- اتفاقية حقوق المرأة
ي- اتفاقية حقوق الطفل
ك- اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها
م- قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة بشأن القدس
3- الكتب
أ- رجا شحاده "قانون المحتل اسرائيل والضفة الغربية"
ب- د. جعفر عبد السلام " المركز القانوني الدولي لمدينة القدس"
ج- مجموعة باحثين "القدس في ضمير العالم الاسلامي"
ه- د. نوري جعفر الطيف "المنازعات الاقليمية والحدودية في ضوء القانون القانون الدولي المعاصر".
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |