 |
-
طالب الوائلي: الصراع بين دعاة الإصلاح وخصومه في النجف خلال العهد العثماني الأخير
الصراع بين دعاة الإصلاح وخصومه في النجف خلال العهد العثماني الأخير
طالب محيبس حسن الوائلي
كلية الآداب/ جامعة القادسية- العراق
تعد العلاقة بين المثقفين والسلطتين الاجتماعية والدينية، من الموضوعات المهمة التي تناولها بالدراسة عدد من الباحثين العرب والأجانب، باعتبارهما لا تقلان خطرا عن السلطة السياسية في تأثيرهما المضاد وفعلهما، إن لم تكونا أكثر خطورة، وتبدوان أحياناً قوة رادعة طاغية أكثر من أي سلطة أخرى كلما تعززت فيهما قوائم المحرمات، لا بل تبدو السلطة الرسمية متسامحة إلى حد البراءة، إذا ما قيست مواقفها بمواقف السلطتين الاجتماعية والدينية من المثقفين وحريتهم في التعبير عن أفكارهم وعوالمهم عبر إبداعاتهم الفكرية وكتاباتهم وقراءاتهم، في وقت مازالت المكتبة العراقية تخلو من مثل هذه الدراسات على حد علمنا، إذا ما استثنينا إسهامات الدكتور علي الوردي([1])، فقد ركزت معظم الدراسات التي تناولت التجديد ودور المثقفين في الحياة السياسية في العراق خلال العهد العثماني على الصراع بين المثقف والسلطة السياسية، دون محاولة تلمس أو تحديد أثر السلطة الاجتماعية وطبيعة الحراك السلطوي لكل من رجال الدين([2]) ورجال العشائر وأعيان المدن وتحالفاتهم.
لذا فان هذا البحث يحاول متابعة طبيعة العلاقة بين ثلاثة من علماء الدين المصلحين في العراق أواخر الحكم العثماني، شكلوا ثالوثا إصلاحيا، في مواجهة الثالوث السلطوي المكون من السلطة الاجتماعية (الأعراف والعوام)، والسلطة الدينية، التي يمثلها بعض رجال الدين شكلوا ما يسمى بـ(الضد النوعي) في مواجهة أقرانهم من رجال الدين المصلحين([3])، فضلا عن السلطة السياسية، التي تمثلت مرة بالسلطات العثمانية وأخرى بسلطة الشاه القاجاري في إيران([4])، بسبب خصوصية العراق الذي يرتبط بالدولة العثمانية من حيث التبعية السياسية، فيما ترتبط إيران به من حيث تبعيتها المذهبية والدينية له، إذ تجمع بينهما مرجعية دينية واحدة تعد مدينة النجف العراقية مركزا لقيادتها، كما نحاول أن نتلمس كيف ومتى يتمكن المفكر الأصيل من أن يتحول إلى سلطة؟ وذلك من خلال الموقف من الحركة الدستورية في كل من الدولة العثمانية وإيران وما رافقها من أحداث، هذا الموضوع الذي كان جزءا من تيار إصلاحي شامل كتبت عنه الكثير من الدراسات، لكنها لم تتطرق كثيرا إلى موقف ثالوث الإصلاح النجفي منها([5]).
تُعرّف السلطة، بأنها قوة ذات طابع منظم ترتبط بمنصب أو موقع أو وظيفة رسمية معترف بها في المجتمع تخوّل صاحبها حق إصدار القرارات الملزمة للآخرين، وتمنحه في الوقت نفسه حق توقيع الجزاءات على المخالفين([6]). وعليه فإن ثمة سلطات في أي بناء اجتماعي، وهي إلى جانب سلطة الدولة الرسمية، السلطة الدينية المكونة من علماء الدين وزعماء التجمعات الدينية المعترف بها اجتماعيا، فضلا عن السلطة الاجتماعية، التي تتشكل من الأعراف الاجتماعية ورؤساء العشائر والبيوتات والأعيان المتنفذين، وهذه السلطات ربما تتحالف مع بعضها في مواجهة عدو واحد كما ويمكن أن يتحالف بعضها في مواجهة الآخر.
وعلى أساس هاتين السلطتين وفي ظل حضورهما الفعلي في المجتمع المتخلف يُفرض على المثقف الكتاب الذي ينبغي أن يقرأ، ويحرم عليه ما لا ينبغي قراءته، ويتربع في جمجمة الكاتب ألف رقيب سياسي رسمي، واجتماعي شعبي، وهو يحاول التعبير عن نفسه خلال كتاباته الإبداعية أو الفكرية، كما تقتضي مهمته للبوح بأفكاره وآرائه، أن يتعلم لعبة التورية والمواربة والتقية([7])، وإذا كانت الكتابة تقوم في الأساس على اشتباك الكاتب مع الواقع الذي يحيط به، فإن النص الفكري يأتي في شكله الأخير تسوية لذلك الاشتباك من وجهة نظر الكاتب، ولا يمكن حسم ذلك الأمر على وجه أمثل بالأدوات التعبيرية اللائقة والمناسبة في ظل حضور أي من أشكال الرقابة التي تهدر الإبداع والفكر، فقط، الكتاب المسفّون هم الذين لا تعنيهم تلك المسألة بسبب ذلك القدر الكبير من الخواء الذي تنطوي عليه كتاباتهم المسالمة اجتماعياً وحكومياً... والتي توزع الفضيلة الساذجة، وتبيع السائد اجتماعياً، ولا تشتبك مع مؤسسة الرقابة الحكومية عبر التصادم مع بنية الدولة ومخرجاتها الاجتماعية([8])!!.
وإذا ما بدا للمتابع وجود هذا الأمر البديهي في الساحة الفكرية العراقية، فإنها شهدت ما يخالفه عندما انفرز موقف ديني إصلاحي، فلقد كان لمجتهدي مدينة النجف العراقية، التي تعد المركز الرئيسي للمرجعية الشيعية، مهمة الريادة والقيادة لحركة إصلاح فكري وسياسي نظري وعملي، استجابة لتحديات خطيرة واجهت المجتمع الإسلامي، والفضل هنا يعود لنظام الاجتهاد الذي يستلزم من جميع أتباع المذهب الشيعي ممن لا يستطيعون استنباط الحكم الشرعي من النصوص وسيرة المعصومين أن يعتمدوا في ذلك على العالم الثقة القادر على الاجتهاد وهو المجتهد، فيتصدى للإجابة على أسئلة أتباعه التي تتعلق بالمعاملات أو العبادات أي قضايا الدين والدنيا و أحيانا السياسة. وغالبا ما يُصدِر المجتهد أو أحد تلاميذه مجموعة فتاوى تسمى الرسالة تطابق آراءه الفقهية، فيها إجابة على معظم الأسئلة الخاصة بالعبادات والمعاملات، كما ويصدر بين الحين و الآخر أجوبة تتعلق بمستجدات المسائل كي تكون هذه الاجتهادات استجابة للمستجدات التي تواجه المسلمين، فيما يخول المجتهد نوابه في الأمصار الإسلامية الإجابة على أسئلة أتباعه ومشكلاتهم، وتسلم الحقوق الشرعية منهم وهي الخمس والزكاة وغيرها فيرسَل معظمها إليه حيثما يقيم لينفقها على طلبة العلم و بعض الفقراء وتلبية الحاجات المعيشية لأسرته أو لتطوير حوزته العلمية.
وبالنظر للظروف السياسية التاريخية التي مر بها الشيعة، فانهم يعتقدون أن العالم الديني أولى بالطاعة من الحكام في ظل أي نظام سياسي حتى ولو كان هذا الحاكم شيعيا يدّعي ولاءه لأهل البيت. كما أن نظام المرجعية الدينية أمّن تعدد المرجعيات وتنافسها في كسب اكبر عدد من المقلدين في أنحاء العالم الإسلامي عن طريق مواقف اجتماعية أو سياسية أو علمية متميزة، لأنه يمكن لأتباع مجتهد معين أن يعدلوا إلى تقليد غيره بسبب وفاته أو ثبوت علمية أو تميز غيره([9]) وهذا يعني أن تفاعله مع هموم الناس يظل قويا وأنه مستعد دائما للدفاع عن مصالح أتباعه المشروعة، فضلا عن أنه مؤهل لإصدار بعض الفتاوى الخاصة بتحريم مسألة مدة من الزمن ثم العودة إلى إباحتها تبعا لظرف سياسي أو أمني أو اقتصادي أو اجتماعي([10]). وتبعا لما تقدم فالمجتهد ليس مستشارا دينيا في مسائل الحلال والحرام فقط، بل هو معلم وقائد وموجه، لكن سلطة بعض علماء الدين ورسالتهم القيادية يمكن أن تتأثر بآراء العامة ومصالحهم فتكون توجهاتهم الفكرية والسياسية متأثرة إلى حد بعيد بسلطة العوام.
وعندما شهد العراق أواخر الحكم العثماني، مثله مثل بقية بلدان المنطقة، تحولا خطيرا باندماجه بالسوق العالمية، وازداد إقبال الناس على المدارس العصرية التي أضحت مصدرا لإنتاج الفئة المثقفة العراقية، استطاعت المؤسسة الدينية في العراق أن تُخرج من تحت عباءتها عددا كبيرا من المجددين، أسهموا في معالجة القضايا والمستجدات الملحة التي طرحت على الساحة السياسية والثقافية في العراق خلال تلك السنوات والتصدي لها برؤى عصرية و إصلاحية أصيلة، وإذا كانت أوضاع العراق قد هيأت الأرضية الملائمة لميلاد الفئة المثقفة، فإنها كانت أعجز من أن تخلق ظروف تطورها السريع ونموها، لتترك للعوامل الخارجية أن تؤدي الدور الحاسم في هذا المجال([11]). وكان الاحتكاك بالحضارة الغربية والأجانب الذين دخلوا العراق قد ولّـد الكثير من الأسئلة الملحّة فـي أذهان عراقيي المدن ـ لاسيما الشباب منهم ـ عن كيفية التعامل مع ما أبدعه الغربيون (الكفّار) من مكتشفات ومدارس وعن إمكانية تعلم لغاتهم ونظمهم السياسية والتمثيلية وتقاليدهم الفكرية، مما احتاج إلى إجابات شافية تلبي هذه الحاجات، في وقت لم تكن الخطوات الإصلاحية التي صدرت من السلطة العثمانية كافية، فخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اقتنعت السلطة السياسية العثمانية بضرورة إجراء بعض الإصلاحات السياسية والاجتماعية، إلا أنها ظلت محدودة مقارنة مع حجم الهم الوطني في العراق وغيره، لاسيما في مجالات التمثيل النيابي والسياسي وإصلاح شؤون التعليم والصحة والمرأة وغيرها، لأسباب متعددة كان من أهمها تصدي المؤسسة الدينية العثمانية، ممثلة برأسها أبي الهدى الصيادي([12])، لهذه الإصلاحات، بعد أن تحالف مع السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) الذي عطل الدستور وخنق الحريات مما أدى إلى ظهور تيار سياسي داخل الدولة العثمانية عموما وفي العراق بصورة خاصة يعارض ديكتاتورية عبد الحميد ومشروعه السياسي والفكري، وساعدت الحركة الدستورية في إيران على بروز هذا التيار، بعد أن تجاوزت الحدود الجغرافية نحو العراق، بل وشملت الدولة العثمانية بأسرها. على أن الجغرافيا لا يمكنها أن تفصل بين المسلمين إذا ما كانت تجمع بينهم مرجعية دينية واحدة([13]).
وكانت حركة “المشروطة”([14]) الإيرانية، قد اندلعت عام 1905 بقيادة بعض المراجع الدينيين([15]) والمثقفين الليبراليين([16])، بالتحالف مع تجار البازار([17])، فاعتصم عدد منهم في بلدة السيد عبد العظيم([18])، وطالبوا بتشكيل محاكم عدلية تطبق القوانين الإسلامية وعزل بعض الموظفين، فاضطر الشاه مظفر الدين (1896-1907) إلى الموافقة على المطالب فأمر الميرزا([19]) عبد الحميد عين الدولة صهره ورئيس وزرائه (1904-1909) بتلبيتها، لكن الأخير التف عليها ولجأ إلى القوة لمعالجة الاعتصام، فشن حملة قمع و اعتقالات ضد بعض رجال الدين وشخصيات أخرى وسقط على أثرها العشرات، عندها قرر علماء الدين واتباعهم ترك العاصمة طهران للاحتماء بمدينة قم، وخلال شهر تموز 1906 التجأ أكثر من عشرة آلاف معارض إلى مقر السفارة البريطانية في طهران لإحراج الحكومة أمام الدول الأخرى، وخلال وجودهم في مبنى السفارة طرأ تطور هام على مطالب المعتصمين نحو الحرية والمساواة والدستور([20])، فقدموا مذكرة معنونة إلى الشاه، تضمنت المطالبة بتأسيس مجلس الشورى([21]).
هنا جاء دور المرجعية الدينية في العراق، عندما طلب علماء الدين في داخل إيران من نظرائهم في النجف([22])، مساندة الحركة الدستورية وإرسال برقيات إلى الشاه تطالبه بتشكيل مجلس الشورى([23])، وهذا ما حصل، إذ أصدر بعض العلماء فتوى موحدة تؤيد مساعيهم وتدعو المسلمين كلهم إلى التصدي لتأييد الدستور، فساعدت هذه على إجبار الشاه مظفر الدين في الخامس من آب 1906 على الاعتراف بالدستور وإعلانه، فشكل أول مجلس شورى في إيران (شوراي مِلّي)([24])، لكن السلطة السياسية تحالفت مع عناصر من رجال الدين في مقدمتهم فضل الله النوري([25])، كي تستفيد من مبدأ قديم في السياسة البريطانية هو مبدأ (الضد النوعي)، أي استخدام رجل الدين ضد رجال الدين الآخرين، فآتى هذا التحالف أكله، فبعد أن فشل النوري في الوقوف ضد الحركة الدستورية الكاسحة التي كان من أنصارها في البداية، حاول الالتفاف عليها وإفراغها من محتواها الديمقراطي، فبذل جهودا مضنية حتى تمكن من الحصول على موافقة البرلمان، بإضافة مادة متممة للدستور تقضي بان يقوم خمسة من فقهاء كل عصر بالإشراف على لوائح المجلس وقراراته، "حتى لا يصادق على تلك التي تخالف الإسلام!"([26])، أي انه تمكن من ضمان نقل ديكتاتورية السلطة السياسية إلى السلطة الدينية، بل واضطر إلى الوقوف ضد الدستور والحرية فيما بعد ووصفهما بأنهما "سراب لا ماء" وانه وجد، "أن الهدف من التظاهر بالحرية هو الانحلال والتجرد من الضوابط الشرعية والقوانين الإلهية وبالتالي إقصاء الإسلام عن جميع الجوانب … والأخذ بالأنظمة الإلحادية"([27]).
فافتتحت جلسات مجلس الشورى في 7 تشرين الأول 1907([28])، و بذا تكون حركة “المشروطة” الإيرانية قد تركت انعكاسات سياسية وفكرية مهمة على بنية العراق. ولعل من أخطر ما واجهه المصلحون الدينيون ـ السياسيون، رفض فكرة الدستور من قبل السلطة الدينية ممثلة ببعض علماء الدين (الضد النوعي)، والسلطة الاجتماعية ممثلة بعدد من رؤساء العشائر والبيوتات والكثير من أتباعهم من العوام و بسطاء الناس من المقلدين، في كل من العراق وإيران و أنحاء أخرى من الدولة العثمانية، على الرغم من شرعية مطالب التيار الدستوري، فوقفت المؤسستان الدينيتان الإيرانية والعثمانية على حد سواء، ضد الحركة، لاسيما بعض أطراف الحوزة العلمية في قم([29]). فمثلا كان الهدف المعلن لـ(جماعة المشورة)([30]) مقاومة الدعوة إلى الدستور، تحت شعار إعادة أحكام الشريعة الإسلامية ومناهضة الاتحاديين.
وساعدت ظروف الدولة العثمانية السياسية المناهضة للتوجهات الديمقراطية والدستورية والمؤيدة لاستبداد عبد الحميد، السلطة الدينية في النجف من أنصار “المستبدة” (الضد النوعي)، بزعامة السيد محمد كاظم اليزدي([31])، على استلام زمام المبادرة في التأثير على الهيئة الاجتماعية، وتسخير سلطتها وسطوتها إذ لم يتردد في إدخال العشائر لدعم موقفه، فطلب حضور العشائر العراقية إلى النجف، فجاءوا مسلحين والتفوا حوله بأهازيجهم وهتافاتهم المنددة بالمشروطة([32])، بغية التأثير على أنصارها، بزعامة الملا محمد كاظم الخراساني "الآخوند"([33])، على الرغم من نيله تأييد المرجع الأعلى حسين الخليلي([34])، وهو ما يعني أن المؤسسة الدينية انشقت على نفسها بين مؤيد للدستور ومعارض له، فمارس كل جناح منهما سلطته على أتباعه من عناصر الهيئة الاجتماعية، من جماهير العراق وإيران، لاسيما في الكاظمية و كربلاء والنجف، والتي انقسمت بدورها إلى شقين بين مؤيد متحمس للمشروطة ورافض أكثر حماسة، تبعاً لانشطار الرأي والموقف من لدن العلماء والمجتهدين، فحصل نزاع فقهي بين الفريقين، تخللته أحيانا صدامات عنيفة.
أي أن تحالفا قام بين السلطتين الدينية والاجتماعية بالاستفادة من مغازلة السلطة السياسية وغطائها ضد المثقفين وعلماء الدين وأتباعهم من ممثلي الرأي الآخر (أنصار المشروطة)، الذين أعلنوا موقفهم المعادي للسلطان وتأييدهم للحركة الدستورية، عندما أرسل الآخوند برقية مطولة إلى عبد الحميد، تضمنت إنذارا وتهديدا ونصيحة معا، بضرورة الاستجابة لمطالب الدستوريين([35])، في وقت أصبحت الكلمات السياسية والاجتماعية مثل: الاستبداد، والحرية، والدستور، والانتخاب، ورأي الأمة، محل أخذ ورد، هذا كله بعث مناخاً مشحوناً بالنزاع امتزجت فيه الأفكار بالمناورات([36])، لاسيما خلال السنوات من 1907 حتى الانقلاب العثماني عام 1908 عندما وصل الاضطهاد ذروته. وبغية حماية عناصرهم وتنسيق المواقف، اضطر أنصار الدستور منذ أوائل عام 1908 إلى تشكيل "هيئة العلماء"، التي ضمت ثلاثة وثلاثين عضوا من كبار المجتهدين من علماء المدينة، ورجال دين شباب أقل مرتبة، وعدد قليل من السادة والوجهاء([37])، هم كل من كان يصلي خلف الآخوند، في وقت كان الآلاف يصلون خلف اليزدي، من بينهم أبناء العشائر والمحلات النجفية الأربع([38])، المنقسمة بين حزبي النجف المعروفين "الزقرت و الشمرت"([39]).
وإذا كان البعض يرى أن معظم العناصر التي التفت حول الخراساني هم من الإيرانيين، فيما التف العرب حول اليزدي([40])، فإن هذا القول بحاجة إلى إعادة نظر، وأنه لا ينبغي الاعتماد على الانتماء القومي لمثل هذه القضايا، إنما القول الأكثر دقة، أن المثقفين والمتنورين من علماء الدين ومثقفي المدن هم الذين وقفوا إلى جانب المشروطة، فيما وقفت العشائر والمحلات النجفية وبعض رجال الدين وغيرهم إلى جانب اليزدي، وهو نتيجة الطبيعة المعقدة للعلاقات الاجتماعية المختلفة بين الأرياف والمدن، فلقد كان الدافع وراء الانضمام إلى الحركة الدستورية الوعي بفوائد الديمقراطية، فيما لابد أن يقف أبناء العشائر والفلاحين إلى مؤيدين لجناح المستبدة، إما بسبب قلة وعيهم الفكري وعدم حصولهم على قدر مهم من التعليم، أو عدم رغبتهم في مخالفة رؤسائهم أو أولياء نعمتهم، وأن قراء المراثي الحسينية الذين كانوا يذهبون إلى الأرياف كل عام، كانوا يتولون نقل وجهات نظر المؤسسة الدينية التقليدية التي تتّبع غالبا المرجع الأعلى، فضلا عن أن رؤساء العشائر هم الذين يتولون استدعاء هؤلاء الخطباء، فيرسلون في طلب العناصر التي تمثل وجهات النظر الموالية غالبا لجناح السيد اليزدي المهادن([41])، والتي لا تعمل على تثوير الريف لصالح مشاريع الإصلاح السياسي الخطيرة، وربما نتفق مع ما يراه أحد المفكرين الإسلاميين، من أن عناصر السلطة الاجتماعية يمكنها مشاركة المؤسسة الدينية في سلطتها والتدخل في قراراتها باستخدام عوامل الضغط المالي من حقوق شرعية وهدايا مالية وغيرها، إذ يرى: أن أصل هذه المشكلة هو النظام المالي الذي يعطي السلطة المالية للعوام على العلماء، فيجعل المنظومة الدينية تسير خلف القافلة بدلا من أن تكون طليعة لها([42]). كما يرى آخر، أن سبب انتماء البعض إلى هذا التيار أو ذاك، التنافس بين الأسر النجفية، فمثلا أضحى تحول محمد حسين آل كاشف الغطاء (ت 1954) وأخيه من جماعة المشروطة نحو تيار اليزدي، سببا في انضمام آل الجواهري وآل بحر العلوم إلى جماعة المشروطة([43]) ،على أن عددا لا يستهان به من أتباع الآخوند (أعضاء هيئة العلماء الثلاثة والثلاثين) هم من العرب([44]).
ويروى أن طلبة العلوم الدينية من أنصار "المشروطة" لم يستطيعوا الخروج من النجف لأداء الزيارة سنة كاملة خوفا من أنصار المستبدة([45])، وهنا يصف هبة الدين الشهرستاني([46])، أحد أنصار “المشروطة”، الخصومة بينهم وبين أنصار “المستبدة” بقوله:
"بلغت منتهى الوحشية، حيث إيذاء العوام لأخوتنا وهيئتنا، وبتسميم أفكار العوام في أننا نريد الحرية التي هي ضد الدين ... وكانوا يجتمعون لتدبير الأعمال ورسم الخطط، بصورة سرية في سراديب النجف خشية العوام و أنصار اليزدي"([47]).
ولما كان من المفروض أن تكون النجف وأتباعها أكثر المتحمسين للمشروطية أو “المشروطة” سواء في الأستانة أو في طهران، لما تحققه من المساواة بين الناس جميعا بعد قرون طويلة من الاضطهاد العثماني أو الشاهنشاهي؛ أضحى المنادون بالدستور أقلية عدتهم العامة زنادقة([48])، عذرهم في ذلك أن الحرية ضد الدين([49])، أو كما ينقل أحد المعاصرين عن أنصار “المستبدة”:
"أن الدستور سيجعل المسلم وغير المسلم إخوانا في الوطن وأنه سيحد من سلطة السلطان عبد الحميد وهذا ما لا يرضاه أحد منهم"([50]).
وبينما عاشت جماعة “المشروطة” في النجف ظروفا قاسية وتعرضت باستمرار لمضايقات خصومها، فان انتصار “المشروطية” في الدولة العثمانية وتحولها إلى سلطة سياسية، مكن من تفتيت السلطة الاجتماعية وتحول عدد من عناصرها من وجهاء وأعيان ورؤساء عشائر، فضلا عن بعض العلماء ممن كان يعارض الدستور، أو ممن كان يقف متفرجا في أحسن الأحوال، إلى مؤيدين للمشروطية، واخذوا يتهافتون على الانتماء إلى جمعيات الاتحاد والترقي([51])، لكن انتماء الهيئة الاجتماعية لجماعة “المشروطية” لم يكن انتماء أصيلا، وأن تحولهم لم يأت بفعل القناعة بالدستور أو بما دعا إليه الإصلاحيون من فوائد الديمقراطية، بل تقربا للسلطة السياسية لكسب المغانم. وهكذا انعكست الصورة وانقلبت العامة ضد أنصار “المستبدة”، فبدأت عناصر الاتحاد والترقي تهدد اليزدي بالنفي، ما لم يعلن تأييده لها، مما دفعه إلى الإعلان عن انصرافه إلى الشؤون الدينية وتركه الشأن السياسي([52])، وبدأت الغالبية العظمى من العلماء و المقلدين من العامة تلتف حول الآخوند الخراساني زعيم التيار الدستوري([53]).
وسط هذا الجو المشحون بالعداء والتنافس، كان على المصلحين العمل وتوجيه الناس نحو السلوك الواعي ونبذ الخرافات، خطوة أولى في طريق نشر الوعي السياسي وتقبل الديمقراطية. ويحدد أحد علماء الاجتماع المعاصرين شروطا ثلاثة ينبغي مراعاتها لإنجاح الإصلاح الاجتماعي، أولها أن ينبعث الإصلاح من الداخل، أي أن يأخذ أبناء الطوائف على عاتقهم النهوض بالإصلاح، لأن الإصلاح القادم من الخارج سيثير الخصومات بين الطوائف ويجعل الطائفة المقصودة تزداد تعصبا لعقائدها، وأن يدعو المصلحون لأفكارهم بالحسنى والابتعاد عن الإرغام، لأن استعمال القوة من شأنه أن يؤصل العقائد الخاطئة ويثبتها، فضلا عن وجوب مراعاة ظروف المجتمعات وتقاليدها وخصوصياتها، باعتبار أن العقائد هي ظواهر اجتماعية اكثر مما هي أفكار مجردة([54]).
ولملاحظة مدى تطابق هذه الشروط مع تحركات مصلحينا، نرى انهم حرصوا أولا على العمل من داخل المؤسسة الدينية التي كان يمكنها فعل الكثير بالنظر لما تملكه من قابلية روحية في التأثير على طلبتها وأتباعها، باستخدام سلاح الفتوى الذي أثبتت التجارب أنه من أكثر الأسلحة مضاء في التأثير على المجتمع والعوام وتحقيق الأهداف المرجوة منها سواء في ما يخص محاربة البدع أو التأثير على الخصوم وتحقيق أهداف سياسية أكثر خارج إطار الواجبات الدينية، إلى جانب استخدام التأثير على البسطاء من العامة من خلال خطباء المنبر الحسيني الذين يفدون على القرى والمدن الأخرى للوعظ والخطابة في مراسم عاشوراء، فينقلون آخر تصورات المؤسسة ومواقف علمائها بأسلوب يختلط فيه الفكر بالعاطفة الدينية، لكن تحقيق الشرط الثالث وهو مراعاة الخصائص الاجتماعية، أمر يصعب تحقيقه بسبب ارتباط العقائد الدينية بالمصالح الدنيوية لدى العامة، وهو يعني بالنتيجة استعداد الكثير من الناس للموت في مواجهة أي تيار يحاول تحجيم هذه المعتقدات أو تحديها.
وكانت السلطة الدينية من دعاة "المشروطة"، ترى أن الحياة الدستورية أمر لابد منه في سبيل تحقيق طموحات الشعب والنهوض بالأمة من تخلفها وضعفها وضمان حقوق الرعية، فقدم الميرزا حسين الخليلي و الآخوند الخراساني وغيرهم دعمهم للدستور والمجلس ورأوا في إلغائه تجاوزا على حقوق الشعب الإيراني، وعدّوا قوانينه مقدسة ومحترمة وأنها فرض على جميع المسلمين، وأن الوقوف ضدها "بمنزلة الإقدام على مقاومة أحكام الدين الحنيف"([55])، وذلك بعد وفاة مظفر الدين شاه ووصول ولده محمد علي شاه (1907-1909) إلى الحكم في إيران، فكان هذا متأثرا بالروس، ويكره الحياة البرلمانية والدستور. وبهدف قطع الطريق على الروس في التأثير على الشاه وكسبه إلى مخططاتهم، بادر الآخوند إلى إرسال بعض النصائح المكتوبة للشاه، أطلق عليها "الوصايا العشر" يدعوه فيها إلى انتهاج سياسة مستقلة و التمسك بمجلس الشورى. ومما لاشك فيه إن هذه الوصايا على درجة كبيرة من الأهمية والعمق، تصلح معهما لتكون منهاج عمل أو برنامجا سياسيا لأي سلطان أو رئيس دولة، كما وتنم عن مقدرة سياسية متقدمة ورؤية فذة، يقال أنها أجبرت الشاه على الاهتمام بها فعلقها في بلاطه([56])، مع أنه كان يسير في الاتجاه المضاد للدستور والحرية.
تضمنت الوصايا دعوة للالتزام بمبادئ الإسلام والمواظبة على الفرائض والعمل على النهوض بالدين، وانتخاب المستشارين المخلصين لاسيما في الشؤون الدينية، والابتعاد عن طلاب الدنيا والأنانيين من المستشارين الفاسدين، وهو شرط أساسي لعدالة الحاكم الذي يبتغي قيادة الدولة والرعية بعدالة ومساواة، فكم من حاكم عادل سقط بسبب المستشارين الفاسدين والبطانة الظالمة، ودعوة للاهتمام بتصنيع البلاد وتربية أبناء الأمة وتشجيعهم على ممارسة الحرف والصناعات كي لا تبقى البلاد بحاجة إلى الدول الأخرى، ولم يتردد الخراساني في أن يجعل (ميكادو اليابان) مثلا يقتدى من الحاكم المسلم الذي ينبغي أن يسعى إلى نشر العلوم والمعرفة بين أبناء الأمة للوصول إلى المستقبل المنشود، كما رفض التدخل الأجنبي في شؤون البلاد لأن في تدخلهم نشر للفتنة، ودعا إلى المساواة بين المواطنين كافة إلى الحد الذي يتساوى فيه "شخص السلطان نفسه واضعف فرد من أفراد الرعية في الحقوق و أحكام القانون"، على أن تكون المحبة والرحمة أساس العلاقة بين السلطان ورعيته، فأوصى الشاه أن يحب الناس ليحبوه، بل دعاه ليكون قدوة صالحــة للشعب، فرأى ضرورة أن يرتدي ما تصنعه أيدي الإيرانيين من لباس، ليقتدي به رجال البلاط ومن ثم يكونوا قدوة للبسطاء من الناس، فيشجعهم على ارتداء ما تصنعه بلادهم ويشجع بذلك الصناعة الوطنية، ودعاه إلى قراءة التاريخ بجد وتفكر كي يكتشف أن قوة الأمم تكمن في عدالة حكامها، وأن الدول تسقط عندما ينغمس أولياء الأمر في الملذات، فيتبعهم رجال الدولة في ذلك، فتتردى البلاد والعباد، وختم الآخوند رسالته بالدعوة إلى الاهتمام بالعلم والعلماء المصلحين العاملين، وأن التقصير بجزء من هذه الكليات يعرض البلاد للمهالك وذهاب الدولة فيحدث الندم بعد فوات الأوان([57]).
وعندما وجدت السلطة الدينية أن كل هذه الوصايا لم تجد نفعا مع الشاه، أثبتت مرة أخرى([58]) قدرتها الهائلة على التأثير في الحياة السياسية وتحريك السلطة الاجتماعية وتسخيرها لصالح برامج التغيير والإصلاح السياسي، فبعد أن أصدر أوامره لضرب البرلمان بالمدفعية و مطاردة رجال المشروطة ونفيهم وتعطيل افتتاح المجلس، واعتبار "افتتاح المجلس وتحقير الدين شيء واحد"([59])، أرسل له الآخوند رسالة شديدة اللهجة وصفه فيها بالضال وأعرب عن خيبة أمله في إجراءاته، ورفض في رسالته فكرة معارضة افتتاح المجلس للدين الحنيف واتهمه بمحاولة رشوة علماء الدين ليقفوا معه ضد الدستور والبرلمان، كما ندد بموقف فضل الله النوري المساند للشاه([60])، ثم اشترك الآخوند مع الميرزا حسين الخليلي والشيخ عبد الله المازندراني([61])، في إصدار فتوى دينية تعد إسقاط الشاه واجبا دينيا، وتدعو المسلمين إلى عدم دفع الضرائب وبذل الجهود لإعادة المشروطة، واعتبار ذلك بمنزلة الجهاد([62]).
"أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام" كونفوشيوس (ع)
-
وبدلا من أن يتخذ الشاه محمد علي خطوات إيجابية لتهدئة الموقف، بادر في أوائل العام 1909 إلى استدعاء القوات الروسية([63])، بغية التصدي لمبادرات محتملة يقوم بها رجال الدين ضده، لكن هذه الخطوة لم تكن محسوبة بدقة وغير محمودة العواقب، لأنها لم تكن في نظر كل مسلم سوى احتلال أجنبي لبلاد الإسلام، بل حتى في نظر الإنجليز والروس أنفسهم، الذين أسرعوا بدورهم لتنبيه الشاه إلى خطورة الموقف من خلال سفرائهم في طهران، حينذاك فقط أرسل الشاه رسالة إلى علماء النجف يؤكد فيها عودة النظام الدستوري إلى البلاد. ولكن، إذا كانت المشكلة الدستورية انتهت بهذه البساطة، فإن الجانب الحساس في الموضوع لم يتم حسمه بعد، والمقصود به قضية الاحتلال الأجنبي للبلاد، فلقد وضعت المؤسسة الدينية هذه المرة في برنامجها إسقاط الشاه وإجبار القوات الأجنبية على الجلاء([64])، فأعلنت الجهاد ضد الروس، وتمكنت من تسخير المؤسسة الاجتماعية لبرنامجها، إذ وجه الآخوند الخراساني دعوة إلى العشائر العراقية، فلبى آلاف المقاتلين من عشائر المنتفق وبني لام والبو محمد وربيعة وتميم وعنزه وشمّر وبني حسن وجماعات أخرى الدعوة([65])، كما تهيأ المجاهدون في النجف وكربلاء و الكاظمية وبغداد وغيرها للذهاب إلى إيران ضمن حركة الجهاد واجتمعوا في الكاظمية، وقبل اكتمال وصول علماء الدين والمجاهدين إلى بغداد، وصلت في أواخر تموز 1909، أنباء عن تطورات إيجابية في الساحة الإيرانية لصالح الحياة البرلمانية والدستور، عندما استغل الشارع الإيراني موقف السلطة الدينية وبادر إلى التحرك وإسقاط حكم محمد علي شاه وتنصيب ابنه أحمد البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة بدله، ومن ثم انسحاب القوات الروسية، لتعود بعدها الحياة الدستورية إلى إيران([66])، وبهذا انفض اجتماع الكاظمية.
وبذلك حققت السلطة الدينية انتصارا عظيما عندما لوحت بورقة الجهاد، فشجعت السلطة الاجتماعية داخل إيران على أن تأخذ المبادرة في التغيير وتمكنت من أن تلحق الهزيمة بالسلطة السياسية العاتية، بل وتمكنت السلطة الدينية بتحالفها مع السلطة الاجتماعية، من إجبار الروس على سحب قواتهم، فشهد النفوذ الروسي في إيران تقلصا كبيرا، إلى أن جاء العام 1911، إذ اندفعت القوات الروسية لاحتلال البلاد، فلما وصلت هذه الأنباء إلى النجف، لاحت فرصة جديدة للسلطة الدينية أن تفرض هيمنتها على ساحة الصراع، في ظل المواهب القيادية والقدرات التعبوية الفذة التي كان الآخوند الخراساني يتمتع بها، فعندما وردت أنباء الاجتياح الروسي لإيران و أفتى علماء النجف بالجهاد([67])، عزم على تهيئة المجاهدين والسير بهم إلى إيران لمقاتلة الروس، كما فكر باستغلال سلطته الدينية لتسخير الطاقات الاجتماعية واندفاع الشارع الإسلامي في تأييد برنامجه السياسي، فحاول أن يحض الناس على امتلاك القدرات القتالية، عن طريق دعوة أتباعه من علماء الدين ومقلديه في تبريز إلى تعلم فنون القتال والتدرب على السلاح، باعتباره واجبا دينيا، كما لم ينس تسخير الجانب الاقتصادي في معركته هذه، فأفتى بحرمة التعامل مع البضائع الروسية، وهذه الإجراءات هي التي تفسر سبب الاهتمام الخاص الذي كانت أبدته السلطات الروسية بشخص الآخوند، لذا أرسل إليه القنصل الروسي في بغداد رسالة يحاول فيها أن يثنيه عن عزمه على السير بالمجاهدين، وكانت هذه السلطات تخشى من أن تكون هذه الحملة حافزا لمواطني الداخل الإيراني على الانتفاض والانضمام لحركة الجهاد، لكن الآخوند أجابه برسالة شديدة اللهجة تضمنت ضرورة الانسحاب من البلاد وإلا فإن حركة الجهاد ستجبرهم على ذلك، فبعث له وكيله في النجف أبو القاسم الشيرواني، طالبا الاجتماع به، لكنه أبدى صلابة وإصرارا على موقفه ورفض مقابلته([68]).
بادر اليزدي هذه المرة إلى مشاركة العلماء والأمة في موقف الجهاد، بعد أن وجد نفسه مضطرا لدعم الدولة العثمانية، بالدعوة للجهاد ضد الاحتلال الإيطالي لولاية طرابلس، بغية التقليل من حجم الهوة بينه وبين الاتحاديين، الذين لم يرضوا منه بأقل من إعلان تأييده للدستور وسياساتهم، أو نفيه إلى إيران([69])، لاسيما وأن هذه الفتوى ليست موجهة ضد الشاه أو لصالح المشروطة هذه المرة وأن من شأنها الدفاع عن الشاه الذي أعلن أنه لن يتخلى عنه([70])، فأصدر في السابع والعشرين من تشرين الثاني 1911، فتوى تدعو المسلمين للجهاد دفاعا عن طرابلس ضد الطليان، وشمالي إيران ضد الروس، و جنوبيها ضد الإنجليز، "حتى تبقى المملكتان العثمانية والإيرانية مصونتين محفوظتين من هجوم الصليبيين"([71]). وبينما كانت جموع المجاهدين تتهيأ للمسير إلى إيران في الثالث عشر من كانون الأول 1911، فجعوا بوفاة الآخوند، في تلك الليلة، الأمر الذي ترك علامات استفهام كثيرة([72])، إذ يؤكد الشهرستاني، الذي كان قريبا منه، انه كان في أتم صحة([73])، فأذهلت وفاته المجاهدين، ولم تنفع بعدئذ كل الجهود التي بذلها خلفاؤه في إنفاذ الجموع المجاهدة إلى إيران، على الرغم من أن الأحداث التالية كانت اكثر شدة وخطورة.
وإذا كانت جهود الآخوند الإصلاحية ومواقفه في المجال السياسي قد مثلت ذراع الثالوث الإصلاحي، فان زميله الميرزا محمد الحسين النائيني([74])، قد مثل الذراع الفكري لهذا الثالوث، وكانت له إسهامات لا تقل أهمية عما قدمه الآخوند، عندما تصدى لتوعية المسلمين بفوائد الديمقراطية وتحسينها في عيون الناس والمدافعين عنها، فأصدر كتابه "تنبيه الأمة وتنزيه الملة"([75])، للرد بدليل إسلامي منطلق من "الكتاب والسنة ومن خطب ومواقف أمير المؤمنين(ع) وبقية الأئمة المعصومين"([76])، على خصوم الدعوة الدستورية الذين عدوا الحرية ضد الدين واستخدموا الدين وسيلة للتشكيك بها، فشن هجومه على من سماهم "المتعممين"، أو "علماء السوء ولصوص الدين ومضلي ضعفاء المسلمين"، وفي مكان آخر بـ"عبيد الظلمة وحاملي شعبة الاستبداد الديني"، متهما إياهم بـ"تجهيل الأمة واستغفالها بمقتضيات دينها وضروريات مذهبها"([77]).
ويدلل الميرزا على اتفاق الديمقراطية وتطابقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية بما كان من نظام الدولة الإسلامية في الصدر الأول المستند إلى الشورى، التي شهد خلالها رقيا ونفوذا وانتشارا هائلا، لذا فان عمل الفقهاء من اجل تحويل السلطنة الظالمة الغاصبة الاستبدادية إلى سلطنة دستورية عادلة، إنما هو مطابق للسيرة النبوية، وان هذا التحول موجب لحفظ بيضة الإسلام وهو أهم الفرائض وأولها، ويفند آراء القائلين بان المبادئ الدستورية هي أفكار غربية، بقوله:
"لقد استفاد المذهب المادي (الغرب) من مبادئ وتعاليم الدين الاسلامي الحنيف... وبعد أن تنبهنا قليلا... صرنا مصداقا للآية الكريمة، (هذه بضاعتنا ردت إلينا)"([78]).
أما في نقده لاستبداد السلطة فإنه يشير بوضوح إلى طبيعة التحالف بين استبداد السلطة السياسية والدينية، بل انه يذهب أبعد من ذلك عندما يرى أن أي سلطة لا يمكنها فرض استبدادها دون مباركة السلطة الأخرى وتأييدها، فهو يقسم الاستبداد إلى شعبتين، استبداد سياسي وآخر ديني، ويعدهما "شعبتين توأمين متآخيتين يتوقف أحدهما على وجود الأخر"([79])، إذ يمثل الأولى الحكام، فيما يمثل الثانية العلماء والمؤيدون لهم، وهو يجعل تفرق كلمة الأمة واستيلاء طواغيت الملة وأقويائهم بقوتهم على الضعفاء، الأساس في كل أنواع القهر والعبودية، بعد أن تكون قد انعدمت في البين إمكانية الدفاع عندهم([80]).
إن أهم شروط الإصلاح التي حققتها دعوته، انطلاقها من الداخل لأن للعمامة والمنصب الديني حتى يومنا سحر خاص وأمر نافذ في توجيه العامة وبعض المثقفين، بسبب افتراض الثقة المطلقة بصاحب الدعوة. مع هذا كله فقد أحدث صدور الكتاب ضجة بين صفوف رجال الدين والمثقفين داخل العراق وخارجه لاسيما في إيران، وكان تضمين النائيني كتابه بعض الشواهد الفكرية والسياسية الإسلامية والأوربية، سلاحا بيد أنصار “المستبدة” للتشكيك بإخلاص كاتبه للعقائد العامة التي تعتقد بها المؤسسة الدينية، فضلا عن جرأة الأسلوب الذي انتهجه النائيني في طرح أفكاره، فمثلا لم يتردد في الاستشهاد بسيرة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب نموذجا للعدالة السياسية، وهو أمر يحمل أكثر من مغزى خطير وعلى أكثر من صعيد إذا ما أخذ الموضوع في ظروفه الزمانية والمكانية، مع أننا نقرأ الأمر على أساس أن الرجل لم يوجه كتابه إلى الشاه أو للإيرانيين فحسب، فالرجل أدرك أنه يعيش في وسط متنوع، مما دفعه للتحدث بلغة تحقق في ربوع الدولة العثمانية ذات الأهداف التي كان من المنتظر أن تحققها في ربوع الدولة القاجارية ورعاياها. فضلا عن انه أشاد بنظرية "الحقوق الطبيعية" و "فلسفة الحق الطبيعي"، التي تبناها مفكرو عصر النهضة الأوربية، بل وعدها تتفق مع مبادئ الدين الإسلامي عندما قال:
"إن الهيئة الدستورية (البرلمان)، هي الصيغة الراهنة التي توصل لها تطور الحضارة الإنسانية وفقا للمبادئ الطبيعية، والقوانين الإسلامية اللتين لا تناقض بينهما"([81]).
كما تضمن الكتاب آراء جريئة تتعلق بحرية الصحافة والرأي، وآراء اكثر جرأة تخص تعليم المرأة([82])، وفي ذلك كله يرى أحد الباحثين([83])، أن النائيني اتكل على منهج مختلف في اعتماد الكثير من الآراء في قضايا إشكالية، ذلك أن الجدل في موضوع السلطة والنظام، قائم أساسا على تكييفه المفترض ضمن مشمولات مسألة الإمامة والنيابة وحدود ولاية الإمام ونائب الإمام، أما النائيني فقرر تكييفها في إطار آخر هو أولية النظام، وكون السلطة من الحقوق المشتركة لأفراد الأمة، متجاوزا ـ وهو يركز على واقع ما بعد الغيبة ـ مسألة التعيين الإلهي للإمام، باعتبارها موضوعات لزمن سابق، فتبحث في إطار منهجها الخاص "مباحث الإمامة في علم الكلام" وأن هذه القضايا، وهي جميعها ـ لا سيما ما يتعلق منها بعصر الغيبة ـ موضوعات إشكال، لم تنل حظها من الجدل العلمي مثل بقية موضوعات الفقه.
ويضيف الباحث، إن النائيني يعتمد طريقا جديدا للاستدلال يبدأ بتقرير أن الواجبات الكفائية، ومنها الوظائف الحسبية، لا تسقط في أي حال، ويخص بالذكر بعض عناصرها المهمة مثل حفظ نظام الأمة وحفظ بيضة الإسلام، وبعد أن يلحظ كونها موكولة ـ كما يرى جميع الفقهاء ـ إلى الفقيه باعتباره نائبا عن الإمام، يقرر أن عدم تمكن الفقيه منها أو عدم قيامه بها، لا يسقط وجوبها عن بقية المسلمين، إذ أن المخاطب بها أعم من الفقيه، فتتحول مسؤوليتها إلى عدول المؤمنين ثم عامتهم، وفي هذه الأثناء يربط النائيني بين عدالة السلطة وحفظ نظام الأمة، فيقرر أن هذا النظام لا يمكن حفظه في ظل السلطة الجائرة، فهي غير أمينة وغير مؤهلة، لهذا فان القيام بالوظائف الحسبية على النحو المطلوب يستلزم وجود سلطة عادلة أمينة، لتقوم بها نيابة عن المجتمع، وهكذا يعيد إنتاج دليله في وجوب القيام بالوظائف الحسبية، على صورة وجوب إقامة السلطة العادلة، حيث لا يتحقق الأول إلا بوجود الثاني وفي ظله([84]).
وهكذا يظهر أن التسلسل الذي اختاره النائيني يبدأ ـ على خلاف بقية الفقهاء ـ من نقطة النهاية، فهو يقرر الموضوع أولا، ويضعه ضمن تكييفه الشرعي، ثم يدلل على التكاليف الشرعية المتعلقة به، أما بقية الفقهاء فقد عالجوا موضوع الولاية انطلاقا من مسألة الإمامة، وحين واجههم إشكال غيبة الإمام، أحالوا وظائفه، بعضها أو كلها، إلى الفقيه الذي ينوب عنه([85]). لذا فقد بلغ الصراع أشده بين النائيني وأعدائه، متخذا أشكالا متعددة، فعندما تحدّاه خصومه أن يحصل كتابه هذا على تزكية المراجع الكبار، بادر إلى الحصول على ذلك، وأعلن اثنان من كبار المقلَدين موافقتهما الشرعية على مضمون الكتاب([86])، بل أن أحد الباحثين ذكر شكلا آخر من الأسلحة التي استخدمها خصومه، تعبر عن محيط الجهل السائد، عندما روى أن أعداء النائيني استخدموا سلطة الغيب ضده، وأشاعوا بين الناس أن صاحب الزمان (الإمام الغائب) جاءهم في المنام وهو يستشيط غضبا من محاولات البعض تدوين الدستور، لكن النائيني لم يجد نفسه مضطرا لتفنيد الفكرة من أساسها، بل أنه استخدم ذات السلطة وردّ بالأسلوب نفسه، فنشر أنه رأى الإمام وهو راض عنه وعن وجود الدستور([87])، فضلا عن قيام بعض أنصار المستبدة بتأليف كتب مضادة لدعوة النائيني، فيورد أقا بزرك الطهراني([88]) كتابا لمحمد حسين بن علي أكبر التبريزي، بعنوان "كشف المراد من المشروطة والاستبداد"، يدافع فيه عن نظام الشاه الاستبدادي ويذم الثوار، صدر بتاريخ الخامس من شعبان 1325، الموافق للسادس عشر من أيلول 1907([89])، على الرغم من أن آخرين ألفوا كتبا تؤيد النائيني والدستور، مثل كتاب إسماعيل بن محمد علي المحلاتي النجفي (ت1925)، الذي شارك كاتبه النائيني في اتجاهاته الدستورية وعضويته لـ "هيئة العلماء"([90])، والمعنون "اللئالي (اللآلئ) المربوطة في وجوب المشروطة"، المطبوع في ميناء بوشهر في 59 صفحة([91]).
و بذا وجد النائيني نفسه مضطرا إلى خوض صراع متعدد الجوانب، ضد السلطة الدينية مرة، والسلطة الاجتماعية مرة أخرى. لأن السلطة السياسية العثمانية كانت خلال هذه السنوات، غائبة عن ساحة هذا الصراع، وانشغلت بصراع آخر داخل المؤسسة السياسية نفسها أثمر عن الإطاحة بعبد الحميد والمجيء بالاتحاديين إلى الحكم، فاتسم هذا الحكم بالتخبط واستعداء الجميع واتباع سياسة التتريك وقمع الحريات، الأمر الذي دفعهم إلى الإحساس ـ منذ بداية الحرب العالمية الأولى 1914 ـ بالضعف والوهن وفقدان القدرة على تسخير السلطة الاجتماعية لصالح مراميهم وأغراضهم، بسبب فقدان ثقة عناصر السلطة الاجتماعية و السلطة الدينية على حد سواء، حينذاك فقط فكروا بتحالفات تحسن من وضعهم، فيمّموا وجوههم شطر السلطة الدينية لأنها الوحيدة القادرة على التأثير في السلطة الاجتماعية، دون أن يستثنوا أحدا، حتى أولئك الذين كانوا بالأمس القريب يهددونهم بالنفي، ونقصد هنا المرجع الأعلى السيد اليزدي، فأرسلوا له مبعوثا([92]) لتحسين علاقتهم به وليفتي بالجهاد([93]) ومواجهة الاحتلال البريطاني للعراق، كما أرسلوا لبقية علماء الدين، فصدرت الفتاوى بالجهاد وتمكنت السلطة السياسية أن تقنع السلطة الدينية لجر أكثر من عشرة آلاف رجل من أتباعها([94]) إلى حرب لم يكن الكثير من عناصرها مقتنعا بها، وكان يمكن ادخار دمائها في مشروع استقلالي مستقبلي، سواء ضد العثمانيين أو الإنجليز، فلقد أشار الشيخ محمد باقر الشبيبي([95]) إلى أن أكثر زعماء العشائر ورؤسائها لم يكونوا راغبين في القتال إلى جانب الأتراك، لكن رجال الدين أقنعوهم بذلك([96]). كما ينقل أحد زعماء العشائر أن بدر الرميض رئيس قبيلة بني مالك، قال لأحد الضباط الأتراك وذلك حين اتهم العشائر العربية بالخيانة بعد عودته من معركة الشعيبة 1915، التي قاتلت فيها العشائر إلى جانب الأتراك.
"أنكم أولى بالحرب والقتال ممن نحارب، ولولا فتوى علمائنا لما وجدتمونا في هذه الساحات"([97]).
وبالفعل فقد كانت قراءة شيخ العشيرة هذا للأوضاع من الدقة، بحيث لم تمر سوى أيام قليلة حتى ردّ الأتراك الجميل لمن قاتل معهم فراحوا يطاردون الفارّين من الخدمة العسكرية في مدينة النجف، فأوسعوا الأهالي ظلماً وتنكيلاً، فضلا عن أنّهم قرروا مصادرة محتويات الخزائن الموجودة في العتبات المقدسة للإنفاق على شؤون الحرب وإجبار الشباب على الخدمة في الجيش، فبدأوا بتفتيش البيوت ليلاً وتعرضوا للنساء بحجة أن الرجال كانوا يختفون بزيهن تهرباً من الجندية، فضاق النجفيون ذرعاً بهذه الأعمال وهبّوا غاضبين ضد الأتراك وقاتلوهم قتالاً عنيفاً حتى تمكنوا من تحرير مدينتهم([98])، الأمر الذي شجع سكان الحلة و كربـلاء على الثورة، لكن النتائج كانت مأساوية، فدفعت كربلاء مئات من القتلى، فيما تم إعدام مائة وستة وعشرين رجلا في الحلة، ونفي عدد كبير من عوائلها دون رحمة إلى استنبول مشيا على الأقدام فمات قسم كبير من الأطفال والنساء وغيرهم([99]).
كما هاجمت قوة تركية بعض القرى في مناطق الفرات الأوسط الأخرى، فقتلت عددا من الفلاحين وسلبت قراهم، وقتل في بعض الغارات عدد من طلبة العلوم الدينية الذين ذهبوا إلى تلك القرى لدعوة الناس للجهاد ضد الإنجليز، وسلبت بعض الأموال التي كانت بحوزتهم والتي كان من المنتظر توزيعها على المجاهدين([100])، وبهذا فقدت السلطة السياسية العثمانية مصداقيتها. ولكن المؤسسة الدينية لم تستخدم سلطتها هذه المرة ضد الدولة العثمانية المترنحة والمشاكسة، والتي كان يمكنها أن تحرز نصرا أكيدا ضدها في العراق لأنها كانت في أضعف حالاتها، ويبدو أن سببين كانا يقفان خلف هذا الموقف أولهما: أن المؤسسة الدينية لم ترَ من المروءة والدين طعن سلطة إسلامية في الظهر مهما كان تصرفها معهم، وثانيهم: أن هذه المرحلة لم تشهد وجود شخصية فذة تحل محل الآخوند الخراساني قادرة على استخدام سلطتها الدينية في المؤسسة الاجتماعية وتوجهها لصالح مشروع سياسي محدد، لكن هذا لا يعني البتة أن رجال الإصلاح ألقوا أسلحتهم أو تراجعوا عن مشاريعهم، وهو وضع يفسر عدم تمكن الدولة العثمانية من تحجيم دورهم الإصلاحي، كما لم تتمكن بريطانيا التي احتلت العراق من إلحاق الهزيمة بالسلطة الدينية أو أن تجعل رجالها ينكفئون في حوزاتهم العلمية حتى بعد أن قمعت ثورة 1920، التي كان للفتوى الدينية دور قيادي في اندلاعها، بل استمر نشاطهم الإصلاحي السياسي.
ولكن وقوف السلطة الدينية و النائيني منها ضد ترشيح الملك فيصل بن الحسين لعرش العراق في ظل الانتداب وضد انتخابات المجلس التأسيسي([101])، جعل السلطة السياسية تأخذ زمام المبادرة وتحقق ما عجزت السلطتان الاجتماعية والدينية المضادة عن تحقيقه ضد النائيني وسلطة رجال الدين العتيدة. ولم تتمكن من فعل الكثير لولا أنها لجأت إلى عدة إجراءات منها تفتيت التحالف بين سلطة رجال الدين والسلطة الاجتماعية بتفريق الناس من حول علماء الدين، ولم تتردد في استخدام ورقة القومية، عندما حاولت الإيحاء بدفاعها عن القضية العربية ضد رجال الدين من الإيرانيين، "الذين لا علاقة لهم بالقضية العربية ولا تهمهم مصالح الشعب"([102])، وإجبار رؤساء العشائر على التمرد ضد السلطة الدينية للنائيني وزملائه، وهم القوة الضاربة التي كانت تراهن عليها المؤسسة الدينية وتخشاها الحكومـة، إذ أعلنوا مشاركتهـم في الانتخابات وعدم إطاعة الفتـاوى بمقاطعتها، حفاظا على مصالحهم([103])، في وقت لم تستطع المدن التي ناصرت العلماء أن تفعل الكثير أمام قمع السلطة السياسية، ولتلحق به الهزيمة النهائية عندما أقدمت حكومة عبد المحسن السعدون على تسفير معارضيها من علماء الدين إلى إيران، بينهم النائيني، وفرضت عليه التعهد بالابتعاد عن العمل السياسي، شرطا لعودته إلى العراق([104])، ومن ثم بدأت تلوح ضده وضد غيره من الإيرانيين بورقة الجنسية([105])، وهنا فقط تمكنت السلطة السياسية من إجباره على أن يقصر نشاطه العلمي على الفتوى والنصح والإرشاد.
بل و يذكر عالم دين لبناني زار النجف عام 1933، أن النائيني اضطر أخيرا إلى جمع نسخ مجلة "العرفان" اللبنانية التي نشرت ترجمة الكتاب العربية عام 1930 من المكتبات والأسواق و حرقها، كي لاتصل إلى القراء في العراق([106])، ويقال أنه خصص ليرة ذهبية لكل نسخة، بل قد قيل أنه خصص خمس ليرات عثمانية([107])، ليس لأنه تراجع عن أفكاره التي دعا إليها ولكن لعدم تمكنه من الاستمرار في دعوته السياسية بسبب ما جلبته "ديمقراطية الاتحاد والترقي" من سياسة التتريك وقمع الحريات، و افتضاح أمر الديمقراطية الغربية، وخيبة الأمل من سياسة بريطانيا في العراق بالنسبة لرجل حالم دافع عن الفكرة، فبادر إلى جمعها وحرقها كي لا يتذكر الناس نصرته لشعارات الديمقراطية، بعد أن ظهر بمظهر المقاوم لها، في وقت يصعب على العامة إدراك أن الخلل الذي حصل لا تتحمله الديمقراطية، ولكن التطبيق المجتزأ والمنحرف لها، وهو يثبت أن النائيني انسحب أخيرا من الميدان، وأخذ يعد نفسه للانفراد بالمرجعية التي يشاركه فيها السيد أبو الحسن الأصفهاني([108])، والتي تستوجب منه أن يوازن بين تيارات الحوزة، وأن يبتعد عن السياسة شرطا لبقائه في النجف، وربما استطاع أن يحصل على المرجعية المطلقة، لولا أن المنية وافته سنة 1936.
و بذا لم يعرف عن النائيني بعد عودته المشروطة للعراق عام 1924 أي دور سياسي أو اجتماعي مهم، على العكس من ظاهرة أخرى بين المثقفين لا تقل عنه أهمية، ونقصد هبة الدين الشهرستاني الذي شارك النائيني معتقداته وأفكاره الإصلاحية وتأييده للديمقراطية والدستور، لكنه ركز جهوده الإصلاحية على الجانب الاجتماعي، ليمثل ذراع الإصلاح الثالثة، وكان أحد أبرز عناصر حركة التجديد في العراق وأبرز الداعين إلى نبذ الخرافات من خلال مقالاته التي نشرها في الصحافة العراقية العربية، فضلا عن مجموعة من الكتب حاول فيها التوفيق بين الإسلام والعلوم الحديثة، والدعوة للانفتاح على الحضارة الإنسانية، ونبذ الانغلاق، فكان شديد التمسك بالدين ويريد من العلوم الحديثة أن تلحق به وتواكبه وتتفق معه، ولهذا تراه يحاول أن يبرهن للقراء أن الدين الإسلامي سبق العلوم الحديثة بنظرياته وأن تلك العلوم لم تأت بما يناقض الإسلام أبدا، أما إذا ظهر بينهما شيء من التناقض فمرد ذلك إلى سوء الفهم وقلة الاطلاع([109]).
ولعل أهم ما أدركه الشهرستاني هو ميل الشباب الغريزي للاطلاع على المدنية الحديثة ومكتشفاتها، وهم يجدون في التجديد إغراء قويا يدفعهم نحوه، وحين رأوا المحافظين يمنعونهم باسم الدين من الاندفاع وراء هذا الإغراء صاروا يشعرون بالنفرة من المحافظين ومن الدين في آن واحد"([110])، وليس من شك في أنه كان يدرك نهاية كل من يتجاسر على تحدي سلطة العرف والتقاليد التي تحولت قسرا إلى عقائد دينية، والتي لا تعدم من يتبناها من المتصيدين في المياه العكرة من الكسالى والمتزمتين وأصحاب الأهداف البعيدة عن أهداف الشرع الحنيف، مع هذا فإنه فضّل أن يدعو وأن يجعل نفسه أول من يعمل، فاجتذبت حلقته العلمية في جامع الطوسي في النجف الأشرف عددا كبيرا من شباب المؤسسة الدينية والباحثين عن التجديد من رجال الدين، وضمّن كتابه الشهير "الهيئة والإسلام" محاولة إثبات أن الإسلام اختلف مع آراء الفلاسفة الذين سبقوه، لكن الشريعة الإسلامية توافق بعض ما جاءت به الحضارة الغربية الحديثة من اكتشافات، لذا فهو يتحمس للاقتباس منها والاستفادة من إفرازاتها بشرط أن يتصدى المحققون لإصلاح الفاسد من هذه الحضارة([111]). وبصرف النظر عن حقيقة هذه الرؤية، فإن الشهرستاني، ينصح من خلال هذا الكتاب بضرورة الانفتاح على الحضارة الغربية للاستفادة منها في بناء المجتمعات الإسلامية والنهوض من التخلف، ويُخَطّئ الذين دعوا إلى نبذ هذه الحضارة وإغلاق الأبواب أمام المخترعات والمدارس والأفكار القادمة من الغرب من أن تدخل البلاد الإسلامية كي تستفيد منها مجتمعاتنا، وأن يقف بالضد من موقف المحافظين المتهافت إزاء التجديد والذي أحدث (موقف المحافظين) آثارا سيئة في أبناء الجيل الجديد، وجعلهم يسلكون مسالك غير رصينة في الحياة([112]).
ولما أراد توسيع حركته الإصلاحية، وإيصال أفكاره إلى الناس حيثما يقيمون، لاسيما ممن لا يتمكن من رؤية العلماء والاحتكاك بهم، في ظروف أوائل القرن العشرين وإمكاناته، فكر في إصدار مجلته "العلم"، التي أسسها في النجف سنة 1910، واستمرت بالصدور سنتين([113])، متخذا منها مدرسة سيارة لنشر دعوته الإصلاحية، إلى جانب اهتمامه بنقل الأخبار العلمية والاكتشافات الحديثة([114]).
وكانت سلطة العوام التي بدأت تفرض رأيها في ساحة الفكر والممارسة بصورة خطيرة، بالمرصاد لتحركات الشهرستاني ونظائره من دعاة التجديد، فكانت إحدى همومه التي عالجها من خلال صفحات هذه المجلة، داعيا العلماء إلى أن يمارسوا واجبهم الحقيقي في النصح والإرشاد الصحيح، فقد وصف حالة العلماء ومعاناتهم بدقة عندما قال:
"وأما في القرون الأخيرة فالسيطرة أضحت للرأي العام على رأي الأعلام (العلماء) ... فصار العالم والفقيه يتحدث من خوفه بين طلابه، غير ما يتلطف به بين العوام وبالعكس، ويختار في كتبه الاستدلالية غير ما يفتي به في الرسائل العلمية ويستعمل في بيان الفتوى فنونا من السياسة والمجاملة خوفا من هياج العوام... لأن جهّال الأمم يميلون من قلة علمهم ونقص استعدادهم وضعف طبعهم إلى الخرافات وبدع الأقوام والمنكرات، فإذا سكت العلماء ولم يزجروهم أو ساعدوهم على مشتهياتهم غلب زوائد الدين على أصوله وبدعه على حقائقه حتى يمسي ذلك الدين شريعة وثنية همجية تهزأ بها الأمم"([115]).
وامتدت إسهامات الشهرستاني إلى أهم الشؤون الحياتية والاجتماعية للناس، فبينما كان يصعب أحيانا على المسلمين القاطنين في مناطق بعيدة نقل موتاهم إلى النجف لدفنهم في مقبرتها، كانوا يودعون الجثمان في أرض قريبة مدة من الزمن حتى تحين فرصة نقل الرفات بطريقة بدائية مؤلمة على الرغم مما تعرضت له خلال هذه المدة من تبدل وتفسخ، حاول الشهرستاني ثني العامة عن ذلك، فأصدر كتابه الشهير "رسالة في تحريم نقل الجنائز المتغيرة" عام 1911([116])، حرّم فيه هذه العملية عادا إياها مخالفة للشريعة الإسلامية، ولما ثار الجدل بينه وبين المتزمتين من رجال الدين والعامة، اضطر إلى تعزيز رأيه بفتاوى كبار الفقهاء الذين أيدوه في رأيه، فبدأت أعداد مهمة من المؤمنين تأخذ برأي الشهرستاني([117])، لكن ذلك لم يكن عاما بل استمرت أفواج الجنائز ترد إلى النجف، بل بدأ يتعرض لمعاكسة العامة والرعاع، الذين لم يتورعوا عن محاولة قتله، والجدير بالذكر هنا، أن هذه العملية كانت مصدرا لاسترزاق العشرات من أسر المدينة وأبنائها، لذا كان من الطبيعي أن يصطدم بهؤلاء وغيرهم ممن يصعب عليهم تصور منع ذويهم من الدفن في النجف، مع كل ذلك أصر الشهرستاني على نهجه الإصلاحي، وعندما رأى تفشي ظاهرة التدخين بين المسلمين، أفتى بكراهة التدخين عام 1924، وأصدر رسالته "أضرار التدخين"([118]). وهكذا أصبح الشهرستاني بسبب من آرائه هدفا لهجمات خصوم الإصلاح من المحافظين المتزمتين الذين عدّوه "زنديقا"، و"متفرنجا"([119])، فاضطر إلى ترك النجف والنزوح إلى كربلاء، في بعض سني حياته، بل أن جهوده بدت مغامرة للبعض، فيقول أحد معاصريه:
"كان أول من غامر وخاطر وضحى بمستقبله الروحاني الذي لو حافظ عليه لكان أحد المراجع الكبار، إن لم يكن المرجع الذي ينفرد بالمرجعية"([120]).
وهكذا كان للسلطة الدينية أثر خطير في أحداث العراق السياسية بفعل ما كانت تمتلكه من قوة تأثير وسطوة على أبناء المجتمع من اتباعها الذين ظلوا يؤدون مهمة التابع مرة لها وأخرى للسياسية حسب قوة كل منهما، بالرغم من أنهم يمتلكون على الدوام القوة الحقيقية والكلمة الفصل، وهو أمر سيظل مرافقا لهم في ظل تدهور وعيهم السياسي والثقافي، فرأيناهم بتبعيتهم للقوة يحاربون مصالحهم الستراتيجية من حيث لا يعلمون أو مع سبق الإصرار بحثا عن مكاسب آنية، لذا أثبتت جهود المصلحين الحاجة إلى أن تمتلك المؤسسة الاجتماعية درجة معقولة من الوعي السياسي لأنه مفتاح أساس لتحويل نتاجها إلى وجهة تخدم المجتمع وقضاياه المصيرية، فالديمقراطية ليست تلك العصا السحرية التي تغير المجتمع وعناصره خدمة لمستقبل البلاد والعباد، فالوعي السياسي والإدراك المتقدم لفوائد الدستور والديمقراطية يمكنها إذا ما توفرت في الشعب أن تفعل الكثير، من هنا فإن السلطة الدينية الأصيلة استطاعت في بعض مراحلها، أن تتحول إلى قوة مؤثرة في السلطة الاجتماعية عندما توفرت لها قيادة بمستوى الآخوند الخراساني، الذي استطاع أن ينتزع من مناوئيه قابلية التأثير على المقلدين والعشائر، فيما خسرت هذه السلطة الكثير من معاركها في دعواتها الإصلاحية أمام تحالفات دينية ـ اجتماعية، أو سياسية ـ اجتماعية، بسبب أصالة انتماء عناصرها إلى الإصلاح ودعواتهم التي كانت تزعج السلطة الاجتماعية على الدوام ولا تجاملها، فبالرغم مما ينطوي عليه كتاب النائيني من نظرية سياسية مبدعة ـ ربما هي أعظم ما أبدعته المؤسسة الدينية في العـراق ـ فإن محيط الجهـل الذي كانت تعيش فيه الأمة، ومواقف السلطة السياسية وقدرتها على خلق تحالفات مهمة مع السلطة الاجتماعية بما تمتلكه من وسائل وآليات وسطوة، مكنتها من تحجيم أثره الإصلاحي، عندما استخدمت ضده ورقة الجنسية، فوتت على المجتمع العراقي فرصة معالجة عدد آخر من المشاكل الكثيرة التي لا زال يعاني منها، بنفس العمق الذي ناقش به المشكلة السياسية([121])،
لذا يمكن القول أن مشروعه الإصلاحي فشل على الرغم من أصالته بالمقارنة مع المشروع الذي تبناه زميله الشهرستاني والذي نال حظا أوفر من النجاح، بل وتمكن صاحبه من الوصول إلى الوزارة ليكون وزيرا للمعارف، مع أن مشروعه الإصلاحي بالأصل بحاجة إلى تمعن وحذر ذلك لأنه انطلق من فرضية غير ناهضة، تتلخص في تطابق إفرازات الحضارة الغربية ونظرياتها مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية، فتنوعت إسهامات الشهرستاني الفكرية بالمقارنة مع النائيني، وعلى الرغم من موقف ثالوث الإصلاح الإيجابي والواعي من الحضارة الغربية وإفرازاتها، لم يعن ذلك لدى الجميع الاندفاع نحو الغرب ومد اليد له طلبا للعون أو تبني أفكاره بصورة مجردة، بل أن الأيام اللاحقة أثبتت أن الإصلاحيين كانوا أكثر شدة في التعامل مع الاحتلال من أعداء الإصلاح. أخيرا يمكن القول باطمئنان أن سلطة العرف والدين، يمكنها أن تفعل الكثير لو تحالفت لصالح المشاريع الإصلاحية، دون أن نتجاهل أن السلطة السياسية بيدها على الدوام وسائل وإمكانات أكثر قوة وفاعلية، وان تحالف السلطة السياسية مع السلطات الأخرى من شأنه أن يغير الكثير وأن يفعل الكثير سلبا أو إيجابا.
"أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام" كونفوشيوس (ع)
-
الهوامش:
([1]) علي الوردي: (1913- 1995) عالم اجتماع وأستاذ جامعي عراقي، تخرج عام 1950 من جامعة تكساس، له العديد من الإسهامات الفكرية في تحليل مشاكل المجتمع العراقي، أهمها فضلا عن كتابيه الذين استخدمناهما في البحث، وعاظ السلاطين وأسطورة الأدب الرفيع ومهزلة العقل البشري وغيرها. مير بصري، أعلام الأدب في العراق الحديث، لندن، 1994، الجزء الثاني، ص550.
([2]) ان استخدام البحث لمصطلح "رجال الدين" هو أكثر دقة في الدلالة على أعضاء المؤسسة الدينية من مصطلح "علماء الدين"، لأن غالبية عناصرها لم تأخذ قسطا من العلم يؤهلها لحمل صفة العلماء.
([3]) هذه الفكرة مستقاة من كتاب: حسن العلوي، العراق دولة المنظمة السرية، بلا معلومات، ص122.
([4]) يستخدم اسم إيران هنا مجازا، لأن هذا لم يصبح اسما رسميا لبلاد فارس إلا منذ الثاني والعشرين من آذار 1935، أيام رضا شاه.
([5]) يراجع على سبيل المثال: عبد الرزاق أحمد النصيري، دور المجددين في الحركة الفكرية و السياسية في العراق 1908-1932، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد ـ كلية الآداب، 1990، ص 108-128. ذلك على الرغم مما تضمنته من مبحث مهم درس أثر ثورة الاتحاديين الفكري والسياسي على مثقفي العراق.
([6]) صلاح فضل، السلطة والمثقفون، "الجسرة الثقافية" (مجلة)، الدوحة، العدد الثامن، ربيع 2001، ص146.
([7]) ينتشر بين أبناء العشائر العراقية، عموما وفي الفرات الأوسط بصورة خاصة، أسلوب في الحديث يسمى الحسكة أو (الحسجة بالجيم الأعجمية)، وهي استخدام مكثف للمجازات اللفظية، بغية التملص بسرعة من ما يمكن فهمه من الكلام في حالة تضمينه شتيمة أو كلمة لا تعجب الأقوياء، إذا ما افتضح أمرها. تشتهر مدينة الديوانية العراقية بهذا النوع من الحديث، حتى أن الاسم القديم لهذه المدينة هو الحسكة، الذي ربما أطلق عليها لهذا السبب بعد أن مرت المدينة بعصور طويلة من الاضطهاد.
([8]) سليمان الأزرعي، تحديات الفكر والثقافة العربية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1998. الكتاب على موقع الاتحاد في شبكة المعلومات (الإنترنت). mailto:aru@net.sy
([9]) يراجع للاطلاع على أسماء بعض مراجع التقليد في العصر الحديث: الملحق (1).
([10]) اعتمدنا في تلخيص هذا الموضوع على الجزء الخاص بالتقليد من كتاب: محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، قم، 1999، الجزء الأول، ص12-60.
([11]) يراجع لمزيد من التفاصيل: النصيري، المصدر السابق، ص1 –107.
([12]) أبو الهدى الصيادي: (1849-1909)، ينتسب إلى العائلة الرفاعية المعروفة، تدرج في المناصب الدينية ولما اتصل بالسلطان عبد الحميد الثاني قلده مشيخة المشايخ، واستمر في الخدمة الدينية في الأستانة زهاء نصف قرن، وكانت له الكلمة النافذة عند السلطان لاسيما فيما يتعلق بتوجيه سياسة المؤسسة الدينية العثمانية. كان هدفا لهجمات وانتقادات رجال الإصلاح. خير الدين الزركلي، الأعلام، الطبعة الخامسة، بيروت، 1980، الجزء السادس، ص324-325.
([13]) عبد الحليم الرهيمي، تاريخ الحركة الإسلامية في العراق الجذور الفكرية والواقع التاريخي 1900-1924، بيروت، 1988، ص143، 148. والكتاب أصلا رسالة ماجستير قدمت إلى الجامعة اللبنانية، بإشراف المفكر المعروف وجيه كوثراني، وكانت له أهمية كبيرة في هذا البحث، بصرف النظر عن انعكاس ذلك على هوامشه.
([14]) مصطلح "المشروطة" يطلق على التيار الدستوري الإيراني، فيما يعني "المشروطية" مثيله العثماني، أما مصطلح “المستبدة”، فهو يطلق على دعاة الحكم المطلق وأنصار الشاه، فيما نظيره العثماني هو "الاستبدادية".
([15]) وهم السيد عبد الله البهبهاني والسيد محمد الطباطبائي.
([16]) من أمثال خطيب الحركة الميرزا نصر الله "ملك المتكلمين"، والسيد جمال الدين الواعظ.
([17]) زايت آفاري، انقلاب مشروطهء إيران ء190-1911(1285-1290)، ترجمهء: رضا رضايى (تهران:نشر بيستون، 1379/ 1999) ص77-78. ويتضح من عنوان الكتاب أن الباحثة تعتبر عام 1906، هو تاريخ انطلاق الحركة الدستورية، تراجع ص79.
([18]) سميت البلدة بذلك نسبة إلى أبي القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، المدفون هناك. وهو من رجال القرن الثالث الهجري، وتسمى اليوم مدينة الري وتتبع طهران. يراجع: أبو القاسم الموسوي الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، الطبعة الخامسة، بيروت،1992، الجزء الحادي عشر، ص50 – 55.
([19]) لفظ الميرزا، يطلق على ابن السيدة العلوية، إذا كان أبوه من عامة الناس.
([20]) تراجع تفاصيل اللجوء الى القنصلية البريطانية في: آفاري، المصدر السابق، ص81-87.
([21]) أروند ابراهيميان، إيران بين ثورتين، ترجمة: مركز البحوث والمعلومات بغداد، 1983، ص116-119.
([22]) وهم فضلا عن المرجع الأعلى الميرزا حسين الخليلي: كاظم الخراساني، وعبد الله المازندراني، وكاظم اليزدي.
([23]) عبد الهادي حائري، تشيع ومشروطيت در إيران ونقش ايرانيان مقيم عراق (تهران: مؤسسة انتشارات امير كبير، 1381/ 2001) ص108.
([24]) آفاري، المصدر السابق، ص
([25]) فضل الله النوري: (1843-1909) من تلاميذ محمد حسن الشيرازي. قتلته الجماهير الغاضبة في أحداث المشروطة أمام داره، له كتاب قاعدة ضمان اليد. قاسم شيرزادة، مقدمة كتاب: فضل الله النوري، قاعدة ضمان اليد، قم، 1983، ص4-9.
([26]) نقلا عن: الرهيمي، المصدر السابق، ص145؛ حسن شبر، تاريخ العراق السياسي المعاصر ـ التحرك الإسلامي 1900-1957، بيروت، 1990، الجزء الثاني، ص74. و الكتاب الأخير يعتمد على مصادر فارسية كثيرة.
([27]) نقلا عن: شيرزادة، المصدر السابق، ص6.
([28]) آفاري، المصدر السابق، ص91.
([29]) فاضل رسول، هكذا تكلم علي شريعتي، الطبعة الثالثة، بيروت، 1978، ص17-18.
([30]) تأسست في العراق سنة 1908، تزعم هذه الجماعة الشيخ محمد سعيد النقشبندي. يراجع: بصري، أعلام الأدب...، ج2، ص 325.
([31]) هو محمد كاظم بن عبد العظيم الطباطبائي اليزدي (1830-1919) أصبح المرجع الأعلى بعد وفاة الميرزا حسين الخليلي 1908، ولد في يزد ودرس على يد الشيرازي، وقف ضد الدستور لكنه أيد العثمانيين في حركة الجهاد 1915 في البصرة التي اشترك فيها ابنه محمد. توفي في النجف. له كتب عديدة أهمها "العروة الوثقى". اليزدي، المصدر السابق، ج1، التمهيد ص5-9؛ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة، ماضي النجف و حاضرها، الطبعة الثانية، النجف، 1958، الجزء الأول، ص139.
([32]) عبد الحسين مجيد الكفائي، مركي در نور... زندكاني آخوند خراساني صاحب كفاية، تهران، 1407هـ ق/ 1997م، ص 174
([33]) (1839-1911)، ولد في طوس، ودرس في طهران وانتقل للنجف للدراسة والاستقرار، وقف بصلابة ضد الديكتاتورية وناصر الحرية والدستور. توفي في النجف فجأة بينما كان يتهيأ للسفر إلى إيران لتزعم حركة الجهاد ضد الروس، له العديد من المؤلفات. محبوبة، المصدر السابق، ج1، ص137؛ مير بصري، أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث، بغداد، 1971، ص17-18.
([34]) الميرزا حسين بن خليل الخليلي: (1821-1908) ولد في النجف وتوفي فيها، أصبح المرجع الأعلى بعد وفاة الميرزا الشيرازي عام 1895. بصري، أعلام الأدب...، ج2، ص313.
([35]) علي الخاقاني، شعراء الغري أو النجفيات، النجف، 1946، الجزء العاشر، ص69. وأهمية هذا الكتاب تكمن في احتوائه على مذكرات هبة الدين الشهرستاني.
([36]) غالب الشابندر، التحولات الفكرية في العراق خلال القرنين الأخيرين. مقال على موقع الإنترنت:
http://www.darislam.com/home/alfekr.
([37]) ومن هؤلاء: الميرزا حسين الخليلي (ت1908)، الشيخ عبد الله المازندراني (ت1912)، الميرزا محمد كاظم الخراساني (ت1911)، الميرزا محمد الحسيني النائيني (ت1936)، السيد هبة الدين الشهرستاني (ت1967)، الحاج علي آقا الشيرازي (ابن الآخوند)، الشيخ محمد باقر الأصفهاني(ت1941)، الشيخ آقا بزرك الطهراني(ت1970)، السيد أبو القاسم الكاشاني(ت1932)، الشيخ إسماعيل المحلاتي(ت1925)، الشيخ جواد الجزائري(ت1959)، السيد محمد بحر العلوم الطباطبائي(ت1913)، الشيخ محمد رضا الشبيبي(ت1965)، الشيخ عبد الكريم الجزائري(ت1962)، الشيخ هادي كاشف الغطاء(ت1942)، الميرزا عبد الرحيم بادكوبي، الشيخ أسد الله المامغاني، الشيخ عبد الله لطفي، الشيخ إسحاق الرشتي، السيد بحر المتين الكاشاني، السيد محمد إمام جمعة، الشيخ موسى النوري، السيد سعيد كمال الدين، السيد أحمد الصافي، السيد مسلم زوين. الخاقاني، المصدر السابق، ج10، ص88.
([38]) وهي محلات: العمارة، و الحويش، والبراق، و المشراق، وكان لكل منها زعيم وهم على التوالي: عطية أبو كلل، ومهدي السيد سلمان، و كاظم صبّي، وهؤلاء الثلاثة من الزقرت، وسعد الحاج راضي الذي كان من الشمرت. محبوبة، المصدر السابق، ج1، ص23؛ علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الرابع، بغداد، 1974، ص188.
([39]) الزقرت: مجموعة من الشباب النجفيين تشكلت منذ أن انتدبهم المرجع الأعلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1812) لحماية المدينة من هجمات الوهابيين، وكانت الجماعة بزعامة عباس الحداد الذي عرف بممارسة الصيد بالصقر، الذي يسمى زقر، ويعني الخفيف، وانتشر صيتهم بعد نجاحهم في ردع الوهابيين، واستمر الشباب النجفي بالانضمام إلى هذه الجماعة، لاسيما أبناء سواد العكايشي (جد أسرة آل سواد)، وأبناء عباس الحداد (أسرة الحداحدة). أما الشمرت فهي طائفة تشكلت بعد ظهور الزقرت بقليل، طلبا لثأر السيد محمود الرحباوي، الذي قتل أثناء حصار جماعة الزقرت لداره فاتهموا بدمه، قام بتشكيلها قريب المغدور، محمد طاهر حاكم النجف، وغلبت على عناصرها كلمة (الشمردل)، التي تعني صغير الإبل السريع العدو، فبدأ الناس يحرفونها مقابل كلمة الزقرت، جرت معارك كثيرة بين الفريقين ولم تفلح إجراءات الوالي داود باشا في تفريقهم. يراجع لتفاصيل أكثر: محبوبة، المصدر السابق، ج1، ص330- 393.
([40]) السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، الطبعة الرابعة، بيروت، 1960، المجلد العاشر، ص43؛ الرهيمي، المصدر السابق، ص146؛ سليم الحسني، دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار، قم، 1994، ص25.
([41]) لكن وصول الميرزا محمد تقي الشيرازي إلى المرجعية العليا عام 1919 جعل خطباء المنبر الحسيني يؤدون دورا هاما في تثوير الريف ضد البريطانيين والدعوة إلى ثورة 1920، ومنهم الشيخ حسون سعيد الوائلي(ت1963) والد الخطيب المعروف الدكتور أحمد الوائلي. ومحمد علي القسام (ت1953). محمد سعيد الطريحي، نبذة حول السيرة الذاتية للشيخ أحمد الوائلي، "مجلة الموسم"، بيروت، العددان الثاني والثالث، المجلد الأول، 1989، ص12.
([42]) مرتضى المطهري، الاجتهاد في الإسلام محاضرات في الدين والاجتماع 2، طهران، بلا تاريخ، ص54.
([43]) الخاقاني، المصدر السابق، ج10، ص87-88.
([44]) تراجع أسماءهم في: الهامش (37) من هذا البحث.
([45]) سليم الحسني، المصدر السابق، ص25.
([46]) محمد علي هبة الدين الحسيني الشهرستاني الحائري: (1884-1967) ولد في سامراء ودرس في كربلاء والنجف، وألم ببعض العلوم الحديثة وكان من أبرز المجاهدين ضد الإنجليز فتعرض للسجن بين عامي 1920 و1921، ثم عين وزيرا للمعارف في الوزارة النقيبية فاستقال ليعين رئيسا للمجلس الشرعي، كما انتخب نائبا عن بغداد في الثلاثينات. يوسف اليان سركيس، معجم المطبوعات العربية والمعربة، قم، 1990، الجزء الثاني، ص1155؛ بصري، أعلام اليقظة...، ص157-158.
([47]) نقلا عن: الخاقاني، المصدر السابق، ج10، ص68، 88.
([48]) ومما يذكر هنا أن اليزدي نفسه ذاق مرارة الإشاعات عندما انتشرت حوله في أعقاب موقفه الغريب من انتفاضة النجف 1918 ضد الإنجليز، ومن جملتها أنه ليس سيدا وليس يزديا، بل هو إنجليزي لبس العمامة السوداء للتنكر. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ملحق الجزء الخامس، بغداد، 19، ص267؛ علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الثالث، بغداد، 1972، ص11.
([49]) لم يقتصر اتهام الإصلاحيين بالكفر والزندقة على هذه المرحلة، فخلال الثلاثينات وُصف السيدان أبا الحسن الأصفهاني ومحسن الأمين وأنصارهما بالحزب الأموي، بعد أن أفتوا بضرورة تنقية المنبر الحسيني من الشوائب وتحريم التطبير ودق الصدور وضرب الظهور بالسلاسل وقرع الطبول وغير ذلك، فيما لقب هؤلاء أنفسهم بالحزب العلوي. الأمين، أعيان الشيعة، ج1، المقدمة.
([50]) توفيق السويدي، مذكراتي، بغداد، 1969، ص16، 19.
([51]) الوردي، لمحات اجتماعية...، ج3، ص163-164.
([52]) عبد الرزاق عبد الدراجي، جعفر أبو التمن ودوره في الحركة الوطنية في العراق، بغداد، 1978، ص40.
([53]) الكفائي، المصدر السابق، ص177؛ الخاقاني، المصدر السابق، ج10، ص67-68؛ حسن الأسدي، ثورة النجف ضد الإنجليز، بغداد، 1974، ص187.
([54]) علي الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، بغداد، 1965، ص256-257.
([55]) الحائري، المصدر السابق، ص 57؛ محمد رضا السماك، الآخوند الخراساني، ترجمة: كمال السيد، قم، 1995، ص54-55.
([56]) سليم الحسني، المصدر السابق، ص24.
([57]) يراجع للاطلاع على نص الرسالة: الكفائي، المصدر السابق، ص176-178؛ سليم الحسني، المصدر السابق، ص21-24.
([58]) من المفيد الإشارة هنا، إلى أن السلطة الدينية سبق لها أن أملت برنامجها الإصلاحي على السلطة السياسية، عندما أصدر الميرزا محمد حسن الشيرازي (ت1895)، فتوى تحرم تعاطي التنباك، ردا على الامتيازات المجحفة التي منحها ناصر الدين شاه إلى شركات بريطانية. علي خضير عباس المشايخي، إيران في عهد ناصر الدين شاه 1848-1896، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب - جامعة بغداد، 1987، ص 300-318.
([59]) حائري، المصدر السابق، ص75؛ الأسدي، المصدر السابق، ص70.
([60]) يراجع نص الرسالة في: الأسدي، المصدر السابق، ص71-72؛ شبر، المصدر السابق، ج2، ص93-95.
([61]) أحد أكبر مراجع التقليد في النجف، له كتاب "منتخب المسائل"، توفي عام 1912.
([62]) ابراهيميان، المصدر السابق، ص125-126؛ شبر، المصدر السابق، ج2، ص90-91.
([63]) كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، الطبعة الخامسة، بيروت، 1968، ص 678-679.
([64]) حائري، المصدر السابق، ص114؛ سليم الحسني، المصدر السابق، ص39-40.
([65]) الكفائي، المصدر السابق، ص 183.
([66]) ابراهيميان، المصدر السابق، ص143؛ بروكلمان، المصدر السابق، ص679.
([67]) وهم فضلا عن الآخوند: الشيخ عبد الله المازندراني (ت1912)، وشيخ الشريعة الأصفهاني (ت1920)، والسيد إسماعيل الصدر (ت1920)، وغيرهم.
([68]) سليم الحسني، المصدر السابق، ص62-64.
([69]) الدراجي، المصدر السابق، ص41.
([70]) شبر، المصدر السابق، ج2، ص116.
([71]) نقلا عن: عبد الله الفياض، الثورة العراقية الكبرى، النجف، ص117-118.
([72]) الخاقاني، المصدر السابق، ج10، ص؛ محمد حرز الدين، معارف الرجال، النجف، 1964، الجزء الثاني، ص19؛ السماك، المصدر السابق، ص78. والأخير يرجح أن عملاء إنجليز أو روس دسّوا له السم.
([73]) نقلا عن: الخاقاني، المصدر السابق، ج10، ص95.
([74]) الميرزا محمد حسين بن عبد الرحيم النائيني النّجفي، من كبار مراجع الشِّيعة. شرع في تحصيله العلمي في "نائين" التي ولد فيها سنة 1855وأكمله في أصفهان و سامراء. وبعد وفاة الشّيخ محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة الأصفهاني سنة 1920، انحصرت مرجعية الشِّيعة العامة به وبالسيد أبي الحسن الأصفهاني، لينفرد بها الأخير بوفاته سنة 1936. من آثاره فضلا عن تخرج آلاف الطلبة على يده: ذخيرة الصالحين، رسالة في اللِّباس المشكوك، رسالة في أحكام الخلل في الصلاة، رسالة في نفي الضرر، حواشي على العروة الوثقى. الأمين، أعيان الشيعة، م6، ص54-55.
([75]) طبع الكتاب في بغداد وطهران مع تقريظ للأخوند الخراساني، بلا تاريخ. و لا بد أنه صدر بين 1908 و 1909، وتوجد نسخة منه في مكتبة أمير المؤمنين في النجف، تحت تسلسل 2 ل (الرقم الخاص 75). كما طبع في طهران عام 1954، كما قام الشاعر صالح الجعفري بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية ونشره على أربع حلقات في مجلة العرفان الصيداوية، تحت عنوان "الاستبدادية والديمقراطية". أعادت مجلة الموسم طباعة هذه الترجمة، كما صدرت في قم مؤخرا ترجمة جديدة وهو النص الذي اعتمدته الدراسة. يقارن: محمد حسين النائيني، الاستبدادية والديمقراطية، مجلة العرفان، صيدا، المجلد 20، الأجزاء 1 و2 و4 و5، حزيران، تموز، تشرين الثاني، كانون الأول، 1930؛ آية الله المحقق النائيني، تنبيه الأمة وتنزيه الملّة، ترجمة: عبد الحسين آل نجف، تعليق: عبد الكريم آل نجف، قم، 1999، ص12-13، 23-24. ويراجع كذلك: الرهيمي، المصدر السابق، ص 155.
([76]) المصدر نفسه، ص93.
([77]) المصدر نفسه، ص122.
([78]) المصدر نفسه، ص123؛ ص149.
([79]) المصدر نفسه، ص114.
([80]) المصدر نفسه، ص204.
([81]) المصدر نفسه، ص209.
([82]) المصدر نفسه، ص209. شهدت مجالس النجف جدلا واسعا حول هذا الموضوع، فينقل علي الخاقاني حوارا دار في مجلس حافل، قال الوجيه يخاطب رجل الدين ويندد به:
"إن من يمنع تأسيس مدرسة البنات غاشم ظالم، كفانا أنكم موهتم علينا أولا بأن مدارس الأولاد بدعة وفجور، فتقدم أولادكم وصاروا محامين واستعبدوا أولادنا فراشين عندهم، أما بناتي فلا أقبل أن يكن خادمات عند بناتكم".
الخاقاني، المصدر السابق، ج10، ص159.
([83]) توفيق السيف، PRIVATEنماذج من القضايا الإشكالية في الفقه السياسي ـ تطبيق على رسالة النائيني (تنبيه الأمة وتنزيه الملة)، الواحة (مجلة)، العدد 10 و 11، على موقع الإنترنت: http//editor@alwaha.com
([84]) المصدر نفسه.
([85]) المصدر نفسه.
([86]) هما عبد الله المازندراني و كاظم الخراساني. فاضل رسول، المصدر السابق، ص 28 - 29.
([87]) المصدر نفسه، ص28. وتراجع قضية الرؤية في: النائيني، المصدر السابق، ص135-136.
([88]) هو محسن بن علي، ولد في طهران سنة 1876 وانتقل إلى العراق 1895، كان أحد تلاميذ الآخوند، ومن أبرز دعاة المشروطة، أجيز بالاجتهاد قبل سن الأربعين، استقر في النجف حتى وفاته عام 1970، عرف بإنتاجه الغزير، فكتاب الذريعة صدر منه 19 جزءا، ونقباء البشر في 11 جزءا. يراجع للاطلاع على سيرته ومؤلفاته: الزركلي، المصدر السابق، ج5، 287-289.
([89]) آقا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الطبعة الثالثة، بيروت، 1983، الجزء الثامن عشر، ص61.
([90]) الهامش (37) من هذا البحث.
([91]) آقا بزرك الطهراني، المصدر السابق، ج18، ص 263.
([92]) وهو حميد الكليدار سادن الروضة الكاظمية. الدراجي، المصدر السابق، ص41.
([93]) سلك اليزدي سبيلا غريبا في فتاواه ودعواته للجهاد، فعندما دعا بعض العلماء الشيخ خزعل حاكم المحمرة (1862-1936) للانخراط في حركة الجهاد في البصرة، أرسل له اليزدي، يدعوه للمحافظة على المحمرة من هجمات الأعداء، دون أن يضم صوته لهم. يراجع للمقارنة بين الرسالتين: سليم الحسني، المصدر السابق، ص 84-85. يراجع كذلك: حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية في العراق 1914-1990، الطبعة الثانية، قم، بلا تاريخ، ص 98-105.
([94]) يرى البعض أن عدد المتطوعين هو أضعاف هذا العدد، راح الآلاف منهم بين شهيد وأسير. يقارن: عبد الرزاق الحسني، العراق في دوري الاحتلال والانتداب، بغداد، 1983، ج1، ص19؛ عبد الشهيد الياسري، البطولة في ثورة العشرين، النجف، 1966، ص75 –77؛ الرهيمي، المصدر السابق، 172.
([95]) محمد باقر الشبيبي: (1889-1960) من أبرز الشخصيات الفكرية والسياسية في العراق، وهو شقيق السياسي المعروف محمد رضا، كان له دور هام في أحداث العراق السياسية في العهدين العثماني والوطني، لاسيما في التصدي للاحتلال والانتداب البريطانيين، أرسله العلماء لدعوة العشائر بالانضمام إلى حركة الجهاد مع العثمانيين.
([96]) الياسري، المصدر السابق، ص72.
([97]) فريق المزهر آل فرعون، الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة 1920، بغداد، 1952، الجزء الأول، ص39-40.
([98]) الوردي، لمحات اجتماعية ...، ج4، ص189.
([99]) المصدر نفسه، ج4، ص309.
([100]) الأسدي، المصدر السابق، ص92. ولم يكن سلوك السلطات القاجارية بأفضل من هذه الصورة، فعلى سبيل المثال، وصلت السيد اليزدي معلومات فحواها، أن حاكم منطقة قوجان قام عام 1905، بانتزاع ثلاثمائة فتاة مسلمة من أهاليهن بدلا عن الضرائب التي عجزوا عن دفعها وباعهن للتركمان، على أن بعض البنات كن من الرضع فانتزعن من أحضان أمهاتهن. نقلا عن: شبر، المصدر السابق، ج2، ص62.
([101]) الياسري، المصدر السابق، ص 351.
([102]) يراجع البيان: محمد مهدي البصير، تاريخ القضية العراقية، بغداد، 1924، الجزء الثاني، ص 503 – 505. وبمناسبة القضية العربية، يذكر خيري العمري، بأن حسين أفنان كان يتولى الترجمة لعبد المحسن السعدون من التركية إلى العربية بسبب عدم تمكنه منها لأنه ذهب إلى استنبول ودخل مدرسة أبناء العشائر منذ طفولته وظل هناك، ولم يأت إلى العراق حتى قيام الحكم الوطني. وكانت جميع مراسلاته الخاصة بالتركية، بما فيها وصيته التي كتبها قبل انتحاره. خيري العمري، شخصيات عراقية، بغداد، 1955، الجزء الأول، ص49.
([103]) البصير، المصدر السابق، ج2، ص501-502. ومن بينهم محسن أبو طبيخ و علوان الياسري وعبد الواحد سكر و شعلان أبو الجون و كاطع العوادي وآخرين.
([104]) لطفي جعفر فرج، عبد المحسن السعدون ودوره في تاريخ العراق المعاصر، بغداد، 1978، ص145.
([105]) المصدر نفسه، ص90.
([106]) يراجع: الهامش (75) من هذا البحث؛ محسن الأمين، رحلات السيد محسن الأمين، بيروت، بلا تاريخ، ص93؛ الوردي، لمحات …، ج3، ص126.
([107]) حرز الدين، المصدر السابق، ج1، ص284.
([108]) أبو الحسن الموسوي الأصفهاني: (1867-1946) من كبار مجتهدي النجف، قاسم زميله النائيني أفكاره وكان له دور في أحداث العراق السياسية، فأبعدته حكومة السعدون إلى إيران لمدة عام، وعاد بعد أن تعهد بمجانبة العمل السياسي ليتقاسم المرجعية الشيعية مع النائيني على أثر وفاة شيخ الشريعة الأصفهاني، لينفرد بها بعد ذلك. بصري، أعلام الأدب...، ج2، ص333-334.
([109]) هبة الدين الشهرستاني، الهيئة والإسلام، النجف، مطبعة الآداب، 1909(1328هـ)، الجزء الأول، ص9؛ الوردي، لمحات اجتماعية...، ج3، ص11.
([110]) الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص 349.
([111]) الشهرستاني، المصدر السابق، ج1، ص 6، 10.
([112]) الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص349
([113]) بصري، أعلام اليقظة...، ص157.
([114]) جعفر الخليلي، هكذا عرفتهم، بيروت، 1958، الجزء الثاني، ص211.
([115]) العلم (مجلة)، النجف، 1329هـ/ 1911م، السنة الثانية/ ص266-267. نقلا عن: الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص232.
([116]) يختلف الوردي مع غيره في تاريخ صدور الرسالة، إذ يقول أنها صدرت عام 1912، فيما يذكر مير بصري أنها صدرت عام 1911. وإذا علمنا أنها طبعت ثلاث مرات خلال سنة 1329 الهجرية بمطبعتي الآداب و الشابندر، وهذه السنة تبدأ في اليوم الثاني من كانون الثاني 1911، وتنتهي في الثاني والعشرين من كانون الأول من العام نفسه، وجدنا أن التاريخ الذي أورده بصري هو الصحيح. يقارن: الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص252؛ بصري، أعلام اليقظة…، ص158؛ اليان سركيس، المصدر السابق، ج2، ص1155.
([117]) والدليل على ذلك هو حجم التساؤلات التي بدأ يتلقاها بعض العلماء، ودفعتهم إلى إصدار رسائل مماثلة أو مضادة، فقد أصدر السيد عبد الحسين بن شرف الدين العاملي الذي قاد حملة مضادة للشهرستاني، رسالة بعنوان (بغية الفائز في جواز نقل الجنائز) نشر أكثرها في مجلة العرفان، كما رصدنا ثلاث رسائل ترد على الشهرستاني وتجيز نقل الموتى. يراجع: آقا بزرك الطهراني، المصدر السابق، ج3، ص136؛ ج5، ص245.
([118]) بصري، أعلام اليقظة...، ص158.
([119]) الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص252.
([120]) الخليلي، المصدر السابق، ج2، ص213.
([121]) لم يكتب لهذه النظرية أن ترى النور، على العكس من نظرية أخرى أبدعتها هذه المؤسسة أيضا، وهي نظرية "ولاية الفقيه"، كما يعد الكتاب أكثر أهمية من كتاب علي عبد الرازق المعروف "الإسلام وأصول الحكم"، الذي أثار ضجة كبيرة عند ما صدر، بسبب من أنه سبق بأكثر من عقد ونصف من الزمان، فضلا عن عمق تحليلات النائيني وأصالتها، إذا ما قورنت به. وهذا يصلح ليكون مادة لدراسة مقارنة بين الرجلين والكتابين. يراجع: علي عبد الرازق، الإسلام و أصول الحكم، القاهرة، 1925.
"أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام" كونفوشيوس (ع)
-
ملحق بأبرز مراجع الشيعة في العهد العثماني الأخير
ت اســم المــرجـــع سنة الوفاة الملاحظات
1.
السيد محمد مهدي بحر العلـوم
1797 (مطلقة).
2.
الشيخ جعفر كاشف الغطاء
1812 (مطلقة).
3.
الشيخ أحمد النراقي
1829
4.
الشيخ حسن كاشف الغطاء
1846
(مطلقة).
5.
الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر
1850 (مطلقة).
6.
الشيخ مرتضى الأنصاري
1864 (مطلقة).
7.
الشيخ حسين الكوه كمري
1874
8.
الشيخ جعفر الشوشتري
1886
9.
الشيخ محمد حسن آل محبوبة
1887
10.
الشيخ أحمد التفريشي
1891
11. المرزا حبيب الله الرشتي 1894
12.
الشيخ جمال الدين السد آبادي
1895
13.
المرزا محمد حسن الشيرازي
1895 (مطلقة).
14.
السيد جعفر القزويني
1898
15.
المرزا محمد حسن الأشتياني
1901
16.
الشيخ حسين النوري
1902
17.
الشيخ رضا الهمداني
1904
18.
االشيخ محمد الشربياني
1904
19.
الشيخ محمد طه نجـف
1905
20.
الشيخ محمد حسن المامقاني
1905
21.
المرزا حسين خليل
1908
(مطلقة).
22.
السيد محمد بحر العلـوم
1908
23.
الشيخ عبد الله المازندراني
1912
24. الملا محمد كاظم الخراساني (الأخوند) 1911
25. السيد محمد سعيد الحبوبي 1915
26.
السيد مصطفى الكاشاني
1918
27.
السيد محمد كاظم اليزدي
1919
(مطلقة).
28.
السيد إسماعيل الصدر
1920
29.
المرزا محمد تقي الشيرازي
1920
(مطلقة).
30.
المرزا شيخ الشريعة الأصفهاني
1920
(مطلقة).
31.
الشيخ مهدي الخالصي
1925
32.
السيد حسن الصدر
1935
33.
المرزا محمد الحسين النائيني
1936
34.
الشيخ أبو عبد الله الزنجاني
1941
35.
الشيخ آقا ضياء الدين العراقي
1942
36.
السيد أبو الحسن الأصفهاني
1946
(مطلقة).
قائمة المصادر
1. آقا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الطبعة الثالثة، بيروت، 1983.
2. أبو القاسم الموسوي الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، الطبعة الخامسة، بيروت،1992.
3. أروند ابراهيميان، إيران بين ثورتين، ترجمة: مركز البحوث والمعلومات، بغداد، 1983).
4. توفيق السويدي، مذكراتي، بغداد، 1969.
5. توفيق السيف، PRIVATEنماذج من القضايا الإشكالية في الفقه السياسي ـ تطبيق على رسالة العلامة النائيني (تنبيه الأمة وتنزيه الملة)، الواحة (مجلة)، العددان10 و11، على موقع الإنترنت: http//editor@alwaha.com
6. جعفر الخليلي، هكذا عرفتهم، بيروت، 1958.
7. جعفر الشيخ باقر آل محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، الطبعة الثانية، النجف، 1958.
8. حسن الأسدي، ثورة النجف ضد الإنجليز، بغداد، 1974.
9. حسن شبر، تاريخ العراق السياسي المعاصر ـ التحرك الإسلامي 1900-1957، الجزء الثاني، بيروت، 1990.
10. حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية في العراق 1914-1990، الطبعة الثانية، قم، 1990.
11. حسن العلوي، العراق دولة المنظمة السرية، بلا معلومات.
12. خير الدين الزركلي، الأعلام، الطبعة الخامسة، بيروت، 1980.
13. خيري العمري، شخصيات عراقية، الجزء الأول، بغداد، 1955.
14. زايت آفاري، انقلاب مشروطهء إيران ء190-1911(1285-1290)، ترجمهء: رضا رضايى، تهران، 1379/ 1999.
15. سليمان الأزرعي (الدكتور)، تحديات الفكر والثقافة العربية، منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق، 1998. الكتاب على موقع الاتحاد في شبكة المعلومات (الإنترنت): mailto:aru@net.sy
16. سليم الحسني، دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار، قم، 1994.
17. صلاح فضل (الدكتور)، السلطة والمثقفون، "الجسرة الثقافية" (مجلة)، الدوحة، العدد الثامن، ربيع 2001.
18. عبد الحسين مجيد الكفائي، مركي در نور... زندكاني آخوند خراساني صاحب كفاية، تهران، 1407 هـ ق /1997م.
19. عبد الحليم الرهيمي، تاريخ الحركة الإسلامية في العراق الجذور الفكرية والواقع التاريخي 1900-1924، بيروت، 1988.
20. عبد الرزاق أحمد النصيري، دور المجددين في الحركة الفكرية والسياسية في العراق 1908-1932، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد ـ كلية الآداب، 1990.
21. عبد الرزاق الحسني، العراق في دوري الاحتلال والانتداب، بغداد، 1983.
22. عبد الرزاق عبد الدراجي، جعفر أبو التمن ودوره في الحركة الوطنية في العراق، بغداد، 1978.
23. عبد الشهيد الياسري، البطولة في ثورة العشرين، النجف، 1966.
24. عبد الله الفياض (الدكتور)، الثورة العراقية الكبرى، بغداد، 1963.
25. عبد الهادي حائري، تشيع ومشروطيت در إيران ونقش ايرانيان مقيم عراق، تهران،1381/ 2001.
26. علي الخاقاني، شعراء الغري أو النجفيات، الجزء العاشر، النجف، 1946.
27. علي خضير عباس المشايخي، إيران في عهد ناصر الدين شاه 1848-1896، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد ـ كلية الآداب، 1987،
28. علي عبد الرازق (الدكتور)، الإسلام و أصول الحكم، القاهرة، 1927.
29. علي الوردي (الدكتور)، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، بغداد، 1965.
30. علي الوردي (الدكتور)، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الثالث، بغداد، 1972، الجزء الرابع، بغداد، 1974.
31. غالب الشابندر، التحولات الفكرية والسياسية في العراق خلال القرنين الأخيرين. مقال على موقع الإنترنت:
www.darislam.com/home/alfekr
32. فاضل رسول، هكذا تكلم علي شريعتي، الطبعة الثالثة، بيروت، 1978.
33. فريق المزهر آل فرعون، الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة 1920، الجزء الأول، بغداد، 1952.
34. قاسم شيرزادة، مقدمة كتاب: فضل الله النوري، قاعدة ضمان اليد، قم، 1983.
35. كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، الطبعة الخامسة، بيروت، 1968،
36. لطفي جعفر فرج، عبد المحسن السعدون ودوره في تاريخ العراق المعاصر، بغداد، 1978.
37. محسن الأمين، أعيان الشيعة، الطبعة الرابعة، بيروت، 1960.
38. محسن الأمين، رحلات السيد محسن الأمين، بيروت، بلا تاريخ.
39. محمد حسين النائيني، الاستبدادية والديمقراطية، مجلة العرفان، صيدا، المجلد 25، الأجزاء 1 و2 و4 و5، حزيران، تموز، تشرين الثاني، كانون الأول، 1930.
40. . محمد حسين النائيني (آية الله المحقق)، تنبيه الأمة وتنزيه الملّة، ترجمة: عبد الحسين آل نجف، تعليق: عبد الكريم آل نجف، قم، 1999
41. محمد حرز الدين، معارف الرجال، النجف، 1964.
42. محمد رضا السماك، الآخوند الخراساني، ترجمة: كمال السيد، قم، 1995.
43. محمد سعيد الطريحي، نبذة حول السيرة الذاتية للشيخ أحمد الوائلي، "مجلة الموسم"، بيروت، العددان الثاني والثالث، المجلد الأول، 1989.
44. محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، قم، 1999.
45. مرتضى المطهري، الاجتهاد في الإسلام ـ محاضرات في الدين والاجتماع2، طهران، بلا تاريخ.
46. محمد مهدي البصير، تاريخ القضية العراقية، الجزء الثاني، بغداد، 1924.
47. مير بصري، أعلام الأدب في العراق الحديث، لندن، دار الحكمة، 1994.
48. مير بصري، أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث، بغداد، 1971.
49. هبة الدين الشهرستاني، الهيئة والإسلام، النجف، مطبعة الآداب، 1909.
50. يوسف اليان سركيس، معجم المطبوعات العربية والمعربة، قم، 1990، الجزء الثاني.
"أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام" كونفوشيوس (ع)
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |