[align=justify]لمن لم يزر أو يسمع بـ (الحيانية) في البصرة فهي لا تختلف كثيرا عن مدينة الثورة في بغداد ، مدينة شعبية مكتظة بالفقراء ، خليط من بيوت القصب والبلوك ، ازقة تملاها المياه والاوساخ ، قدمت خلال عصر الطاغية المئات من الشهداء ، ويكفيها فخرا ان اول قذيفة اطلقت على صورة الطاغية عند اندلاع الانتفاضة الشعبانية كانت من احد ابنائها ، ولهذا كان لها حصة الاسد من شهداء الانتفاضة ...
اسم الحيانية يعود الى المقبور محافظ البصرة (محمد الحياني) والذي قتل في الطائرة التي اسقطها الله بعبد السلام عارف عام 1964 (على ما اعتقد) ، كنت حينها طفلا صغيرا عندما زار عبد السلام البصرة ـ كانت الكثير من بيوت الناس القريبة من العشار (الساعي ، الرباط ، الطمامة) وغيرها من البيوت مبنية من القصب والبواري ، فجاء المقبور محمد الحياني وامر اصحاب هذه الدور وهي تعد بالمئات بالانتقال منها الى خارج البصرة على طريق الزبير (وهو موقع مدينة الحيانية الحالي) رفض الناس مطلبه واخبروه باستحالة انتقالهم الى (الجول) والصحراء ـ فامر (الشفلات) بتهديم هذه المنازل ، فخرجت له النساء وقالوا له (ما تخاف من الله) فاجاب الملعون :
اذا كان هناك الله روحوا اشتكوا عنده !!
وفي اليوم الثاني وعند رحلته الى بغداد مع المقبور عبد السلام عارف سقطت طائرتهم قرب القرنة في منظقة النشوة وهتف اهالي البصرة (صعد لحم ورجع فحم) ولم يعثر الناس على اثر لجثة الحياني ، والذي سميت هذه المدينة باسمه ...
شارع السيد في الحيانية أو (حي الحسين) كما يحب أهلها ان يطلقوا عليها منذ تأسيسها ... كان على موعد مع جريمة بعثية وهابية مساء امس ، يعد مطعم ابو خالد للاكلات الشعبية في بداية هذه الشارع ، وعند الغروب يجتمع العشرات من الشباب عنده لياكل هذا (لفة فلافل) والثاني (سمبوسة) وهذه المرأة التي لا تملك قوت يومها تشتري عشرين (حبة فلافل) بربع لكي تطعم اطفالها ...
فلافل ابو خالد واكلاته الشعبية الاخرة تختلف كثيرا عن بقية الاكلات بسبب طيب قلب ابو خالد وحب الناس اليه ...
في طريق الى منزل احد الاصدقاء في الحيانية (حوالي الساعة التاسعة مساءا) صادفني صديقي (حسين جاسم) في السيارة (الكية) الذاهبة الى الحيانية ، قال لي على خير اليوم هنا ؟ اخبرته باني (معزوم) عند سيد احمد في شارع موسى الكاظم ، عندما وصلنا الى شارع السيد نزل حسين وطلب مني النزول معه (لناكل لفة فلافل من ابو خالد) فاعتذرت مازحا (اتريد تفوت الباميا عليه) .. بقيت انظر الى حسين نظرات غريبة ، تملكني احساس غريب بان نظراتي له قد تكون هي النظرات الاخيرة ... عندما وصلت الى منزل السيد احمد وقبل ان اطرق الباب ، طرق مسامعي انفجار ضخم ... ركضت انا واحمد الى المكان فوجدنا مطعم ابو خالد في خبر كان ... عشرات القتلى والجرحى ... اطفال ... نساء ... شيوخ ... كذلك رأيت جثة حسين جاسم التي تمزقت بسبب شظايا المجرمين ...
بدأ المجرمون يتحركون على البصرة ، فلم يعجبهم شبه الامان الذي تعيش فيه ، ولشدة اجرامهم اختاروا مدينة (حي الحسين) فجميع اهلها من (الروافض) وهم يستحقوق القتل حسب المفهوم البعثسلفي ... معذرة لا استطيع ان اكمل .....
انا لله وانا اليه راجعون ...[/align]