لزينب بطلة كر بلاء نقف إجلالا


زهير كاظم عبود



لم تزل العقيلة زينب بنت علي بن أبي طالب ( ع ) تشكل رمزاً جهادياً وقدرة وشجاعة في مواجهة الظروف الحالكة واللحظات الحرجة ، والإصرار على الوقوف بشجاعة نادرة في التاريخ بحضرة الطاغية وفي عقر سلطته وداره ، ومع أن الدراسات والكتب التي كتبت بحق البطلة زينب بنت علي ( ع ) لم تذكر لنا تفاصيل حياتها الأولية وهي التي شكلت لعائلة الأمام علي بن أبي طالب ( ع ) العمود الفقري بعد رحيل الزهراء وبقاء زينب المدبرة والمسؤولة عن شؤون والدها وأخوتها ورعاية العائلة وشؤون البيت ، مثلما لم تتطرق الى ظروف حياتها وزواجها من أبن عمها وحقيقة مكان وفاتها .
وكانت العقيلة زينب من المدافعين عن الحق في معركة كر بلاء بإصرار دفعها للرحيل مع الثائر الشهيد ومعها فلذات أكبادها ، وكانت تتلقى الفجائع وتساقط الشهداء بروح معنوية قل لها مثيل في التاريخ ، وبعد أن أنتهت المعركة وسبيت العائلة وأقتيدت النسوة والأمام علي بن الحسين ( ع ) وكان عليلاً مريضاً وتتقدم السبايا السيدة زينب ووصل الركب الى الشام و الى مكان جلوس الحاكم الطاغية يزيد بن معاوية وجيء برأس الحسين ( ع ) ووضع في طست وتمعن به يزيد ليقول أبياته الشهيرة وهو يضرب ثنايا الأمام بعصا كانت بيده :
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولاوحي نزل
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا وأستهلوا فرحاً ولقالوا يا يزيد لاتشـــــــــــــل
فجزيناهم ببدر مثلا وأقمنا ميل بدر فأعتــــــــدل
لست من خندف أن لم أنتقم من بني أحمد ماكان فعـــل
وكان مجلس الطاغية يضم كل أعيان العاصمة الأموية وكبار رجالات الدولة ، فتقدمت زينب بنت علي الصفوف وخطت خطوات متقدمة لتقف وسط هذا الحشد المسؤول من الرجال تخاطب الطاغية رغم فجيعتها وحزنها وتعب السفر فتقول :
الحمد لله رب العالمين والصلاة على جدي سيد المرسلين صدق الله سبحانه وتعالى يقول ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ) صدق الله العظيم .
أما بعد أظننت يا يزيد أنك حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء فأصبحنا لك في إسار الذل نساق إليك سوقاً في قطار ، وآنت علينا ذو اقتدار ، ان بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا ، وأن ذلك لعظيم خطرك وجلالة قدرك فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك ، تضرب أصدريك فرحاً وتنقض مذرويك مرحاً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة وحين صفا لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا فمهلا مهلا ، ومهلا لا تطش جهلا ، أنسيت قول الله تعالى :
( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم أنما نملي لهم ليزدادوا أثما ولهم عذاب مهين ) .
أمن العدل يا أبن الطلقاء تخديرك حرائرك وأمائك وسوقك بنات رسول الله ( ص ) سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن يحدوا بهن الأعداء من بلد الى بلد ويستشرفهن أهل المنافل ويبرزن لأهل المناهل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والغائب والشهيد والشريف والوضيع والدني والرفيع ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولامن حماتهن حميم عصيانا منك على الله وجحوداً لرسول الله ودفعاً لما جاء به من عند الله ، ولا غرو منك ولاعجب من فعالك ، وأنى يرتجى الخير ممن لفظ فوه أكباد الشهداء وأنبت لحمه بدماء السعداء ونصب الحرب لسيد الأنبياء وجمع الأحزاب وشهر الحراب ، وهز السيوف بوجه رسول الله ( ص ) ، أشد العرب جحوداً وأنكرهم له رسولاً ، وأظهرهم له عدواناً وأعتاهم على الرب كفراً وطغياناً .
والمتأمل في دقائق الموقف حين يكون الأسير أمراه مذبوحة في أعماقها منكوبة في روحها وتقف في حضرة الجلاد الطاغية وتخاطبه بهذه الخطبة التي تعريه وتظهره على حقيقته ، لكنها العقيلة زينب بطلة كر بلاء بحق ، فقد كانت الفارسة الشجاعة التي لم تحمل السلاح وكانت الصامدة الصابرة الممتلئة يقينا ً بصدق الدعوة والجهاد في سبيل الحق والحيلولة دون تبوء الحاكم الباغي والطاغي تقاليد السلطة مهما كان الثمن الذي يدفعه الرافض للظلم والطغيان والكفر .
في حياة العقيلة زينب معان كثيرة لم يستوفى حقها ولم تولها الدراسات الاهتمام الكافي فقد كانت مرجعاً وتكمن في أعماقها ثروة معرفية لاتقل عن معرفة الحسين بن علي وليس غريباً فهي التلميذة الوفية والأمينة في مدرسة الأمام علي بن أبي طالب ( ع ) ، وبهذه المناسبة حين نستعيد الجزء الصغير الذي كتبته الأقلام الخيرة من أمثال السيد عبد الحسين شرف الدين والدكتورة بنت الشاطئ وحتى ما أوردة جرجي زيدان فأنها تشكل لنا بعضاً من ملامح البطلة التي رسمت أسمها ومبادئها مع بقاء الدهر .

))):-