إغواء مفتعل
قصة قصيرة جواد المنتفجي
ألي رو ح شقيقي(عادل)...
الذي استشهد دفاعا عن حرية
العراق في 27-9- 2003

لسنين خلت... لم نزل نحس بذلك (القط) كلما أقبل من زحمة قمامات المدينة،

ومن آن لآخر... كانت تبدو نأمة موائه أشبه بعواء ، كانت ثمة أشياء تستحضره أمامي، فكأنه...

شبح ، بشع ، كلما ترآى لي متشبثا بفروته السوداء، كانت تفضحه عينان أحدهما شوهاء،تهتاج

كقرص الشمس اللاهب،يمسني لظى قشعريرتها، فيغمرني مفتتا أجزاء بدني،ويسري في مسا مات

جلدتي كالوباء، أما عينه الأخرى ،فهي منطفئة،كانت تملأني لمحاتها الثاقبة ... تجتر أنفاسي،

تخيرني بين الفناء و البقاء.كانت مواءاته ... عواء تستوطن خلايا أفكاري تصهر ني حد الإعياء

كان صوته يقحمني في أعنة طوابير طويلة ،تمتد توابيتها لشواهد عالم الموتى، فأفكر كلما أخافني

صوته في لحظات سهادي المسحورة ...بمن سيتأهب برحيله عن حارتنا ،أو ماذا سيحل بنا كلما

صارت ظنون موائه ... عزاء.

************************************

لسنين زهقت فيها الكثير من أرواح أحبابنا...كنت قد اعتدت مراقبته منذ اقتحامه لحيطان بيتنا،

كان يتجول بدأب في دهاليز الدار،بل وأينما يشاء،وفي أخر المطافات، يتسلق شجرة السدر المنتصبة بقامتها والتي تعلو وجوم باحة الدار

الفسيحة، كان يؤنس كلما حشر مخالبه بين فجوات

فروعها،فتحدوه رغبة عارمة، وهو يعبث بمصيدة أغوار أعشاشها، ولما يخفق بأيجاد غايته

في غصونها اليابسة، ينشطر جماح مواء أته المكبوتة ليفزز الهاجعين ممن بسملوا قبل أن

يدركوا رقدتهم القلقة بسورة(الفلق).

************************************

لأعوام سلبت منا أعز أحبابنا... وفي فطور الصباحات التي اعتدنا تناول زادها لأزمان خلت

في ملاذ شجرة السدر تلك، كنا نرتاع بما يتناثر حولنا من نتف ريش أجنحة فرائسه الواهنة،

وتظل تراودني في نهاية الأمر الكوابيس التي حلمت بها البارحة ،إذ ذاك توجست سر حضوره

بهيئته الودودة، ليغويني بكنز دفين لم افهم سر مكامنه، لم تدلني عليها كل شاردة أو واردة، وما

لبث أن فض في مسامعي أشجانه الماكرة...

- حين تكون طيعا ، وتجفف رحم تلك السدرة، احفر دغل أسفلها لتنال مرادك.


*************************************

صرت طيعا...

وفي خلوة ضحى أحد الأيام...زارنا أحد المعمرين ،والذي إلفنا أمنيات رفقته طيلة جيرتنا،

قال بعد أن صدني بكلمات ندت عن لوا عج اسفه حين تجول مستنكرا الغبرة التي اكتنفت اضمحلال السدرة...

- يبدو انك ابتليت بنسيان وصية جدك، وهذا يدل على العصيان، فكن حذرا يا ولدي فآثامها

ستكون عواقب وخيمة.

- وبماذا تأمرني يا جدي؟

- من الأفضل إن تعود لري هذه الشجرة، والتي طالما قطفنا عناقيدها الزاهرة منذ إن غرسها جدك
.
**********************************

عدت طيعا...

وبعد نزوع مساء اليوم ذاته، خمنت بحرقة جثمت تنط بخوار ضلوعي، اشتدت وطيرتها

لما خطف ذلك (القط) بوقع أقدامه فوق سقف غرفتي ، وراح يهتاج باعثا عواء أته المتقطعة

وحسبته نذير شؤم قادم نحونا ،فحملت بلطتي، أزمعت ملاحقته في دياجير الدار بغية إسكاته

فوجدته متماثلا قبالتي... متحفزا لمخافة مصادماتي،ولما احتدمت هول الهمهمات المخنوقة

وثغاء للنسوة قرب باب الدار... دار بذعر حولي دورتين، ثم تسلق متن جذع شجرة السدر،

وانهزم مختفيا هناك.

*******************************

لم أتمالك نفسي، بل رميت بلطتي، واجتزت عتبة الدار مسرعا، ولما وصلت الشارع وجدت

جنازة ملفوفة ببيرق وطني ،وثمة من ينادي ...

- لا تفززوا الشهداء المضطرين من رقدتهم!!!

وفي شفق رابع يوم من المأتم... جففت سواد العيون ، وعدت أسقي أسنة سيقان السدرة التي

بدأت براعمها الوارفة تخضر من جديد.