[align=center]الإنهيار النفساني لدى يحيى الفخراني ![/align]
أرض السواد : علاء الزيدي
[align=center][/align]
كنت ، دائما ً ، من المعجبين بأداء الممثل المصري يحيى الفخراني ، حتى أنني أشدت به في مقالين سابقين ، هما : التاريخ الأسود يخرج لسانه لعباس الأبيض http://alhalem.net/New12/altarikhalaswaad.htm
و : رمضان ربيع المسلسلات
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaE...05/10/96564.htm
إن تلميحا ً أو تصريحا ً ، وسبب هذا الإعجاب أن هذا الممثل المعروف قادر على تقمص الشخصيات المتنوعة ببراعة ، تدفع المشاهد إلى تحويل الموجة معه بيسر ، بين شخصية وأخرى ، دون أن تنقطع سلسلة تخيلاته . ولعل منبع قدرة الفنان الفخراني هذه يكمن في حبه للتمثيل ؛ هذا الحب الذي حدا به إلى هجران تخصصه الأصلي ومهنته الأساسية وهي الطب ، والارتماء الباكي أو المستغرق في الضحك أحيانا ً ، في احضان مهنة التمثيل .
ولست أدري ، من الذي أعطاني المعلومة التي تقول بأن الدكتور يحيى الفخراني كان على وشك أن يكمل دراسته العالية أو التخصصية في مجال الطبابة النفسية ، وإذا كانت هذه المعلومة صحيحة ، فإن أول زبائن الطبييب النفساني يحيى الفخراني ، سيكون المنهار نفسيا يحيى الفخراني نفسه !
ففي مسلسله الأخير " المرسى والبحار " الذي كتبه محمد جلال عبد القوي وأخرجه أحمد صقر ، وشاركته البطولة فيه الفنانة الملتزمة محسنة توفيق والفنانان القديران جميل راتب و سعيد طرابيك ( ممثل الادعاء العام في مسرحية شاهد مشافش حاجة ) والنجمتان أنوشكا وسلوى خطاب وعدد آخر من الممثلين الشباب والمغاربة والفرنسيين والقبارصة وغيرهم .
بهذا المسلسل المخزي ، إنهارت أسطورة يحيى الفخراني ، إلى حد أنه يتعين عليه أن لا يرينا وجهه المكتنز في رمضان القادم ، إذا كان يريد لأذهاننا الاحتفاظ بذكريات جميلة عنه ، تماما ً مثلما فعل الفنان نور الشريف ، الذي " انتحر " فنيا ً في عمليه السيئين : عائلة الحاج متولي والعطار والسبع بنات ، وإن كان في صدد المشاركة في فيلم عمارة يعقوبيان
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Elaph...5/11/103069.htm
الذي أعد على أساس رواية شهيرة تحمل ذات الإسم للروائي المصري علاء الأسواني ؛ هذا الفيلم الذي شارك في لعب أدوار البطولة المتعددة فيه معظم نجوم الشاشة العربية المصريون ، ويقال أنه سيعرض العام القادم .
تتلخص قصة مسلسل المرسى والبحار في استعراض موجز لسيرة البحار العربي كريم ، حفيد الشريف العربي كريم الذي كان حاكما ً للإسكندرية أثناء الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابارت ، والذي استشهد وصلب بسبب مقاومته للإحتلال الفرنسي . ويصور لنا السيناريو كيف قاوم العربي كريم ايضا الإحتلال الإنگلیزي وفقد عينه اليمنى خلال المقاومة ، وطرد من الخدمة في الموانىء بسبب عاهته ، لكن الرئيس جمال عبد الناصر أعاده إلى الخدمة رغم كونه أعور ( شبهه أحد الكتاب بالقبطان پاپاي في فيلم الكرتون الشهير ! ) ويستمر المسلسل في عملية السلق على عجل هذه ، فيصور لنا كيف وقع فارس إبن العربي كريم في غرام ماجدولين إبنة القبطان الفرنسي جميل راتب ، الذي يعمل أبو فارس عنده ، وكيف رفض القبطان هذه العلاقة جملة وتفصيلا ً ، ثم جاء تأميم عبد الناصر لقناة السويس عام 1956 ليزيد الطين بلة ، فقد غادر القبطان الفرنسي إلى بلاده ، وهربت ابنته مع فارس ، واعادها العربي كريم ، وسافر فارس وراءها إلى فرنسا ثم لحقه أبوه ، وعادا أثناء العدوان الثلاثي على مصر ، ثم ساح فارس في البلدان وقدم لنا مختلف العروض الفنية الراقصة مع الفرق المغربية والأسبانية والفرنسية والقبرصية ، بعد أن تحول من الشاب الإسكندراني العشريني القصير والرشيق ، إلى الرجل المترهل أو " الدبة الحميسة " مثلي يحيى الفخراني ،الذي حاول إقناعنا بقفزاته التي لم تفلح في إخفاء عرجه الناتج عن السمنة المفرطة ، بأنه في الثلاثين من عمره ، ففشل فشلا ً ذريعا ً و " فشـَّـلنا " معه !
في أثناء هذه الاستعراضات الفنية المتنوعة في مختلف الدول ، والتي قضمت ساعات طوالا ً من عمر المسلسل ومن وقتنا الرمضاني الثمين ، مات العربي كريم وتزوجت سميحة إبنة خال فارس التي أحبته ولم يشعر نحوها بأي شعور ، تزوجت وتطلقت مرتين وجاءت لتعيش مع عمتها ، وارتبط فارس في ترحاله بالعديد من العلاقات والزيجات غير المكتملة ، ثم عاد إلى الأسكندرية بحقيبة ملأى بالماس فأصبح مليارديرا ً بين ليلة وضحاها ، ثم راح يتحسر على " ابنه " الذي لم يشك بأنه لابد وان يكون قد أنجبه وانقطعت أخباره عنه حينما سجن في أسبانيا اثني عشرعاما ً . وبالفعل ، تأتي ماريا زوجته اليونانية الأخيرة ومعها " ابنه " جون الذي لايحب جذوره ، بل يعتز بالبلد الذي احتضنه ورباه وهو بريطانيا ، ثم يعتذر عن البقاء في مصر لانه يريد الالتحاق بمحل خدمته كضابط في الجيش البريطاني ينوي التوجه ضمن قوات التحالف لتحرير العراق من براثن نظام صدام البائد .
في سياق المسلسل ، نلاحظ ما لايمكن إحصاؤه من السقطات والثغرات . فلغة المسلسل متوترة ومتطرفة وكأننا نعيش في خمسينات أو ستينات القرن المنصرم . ومشاهد القتال والمقاومة بدائية وغير مقنعة وكأننا نرنو إلى أطفال يلعبون وليس إلى ممثلين محترفين يصورون مسلسلهم في أكبر مدينة إنتاج إعلامي في الشرق الأوسط كما يزعم الإعلام المصري ، رغم أنني أعرف " مدنا ً " فنية إنتاجية أخرى لا تقل عن المصرية تقدما ً ، إن لم نقل أنها تتفوق عليها في التطور والإمكانيات ، كالسورية ، وكالمدينة السينمائية الإيرانية " شهرك سينمائي " . هذا ، بالإضافة إلى الحشو الكثير الذي عانى منه المسلسل ، كحوارات الفخراني مع الممثلة المغربية التي يبدو أنهم يريدون تسويقها إلينا ، لنشاهدها في أعمال فنية مصرية قادمة ، ليشار إليها بفلانة المغربية على وزن وردة الجزائرية ولطيفة التونسية !
القشة التي قصمت ظهر البعير في هذا المسلسل المخجل ، هي " العيدية " التي قدمها الفخراني للعراقيين بمناسبة عيد الفطر السعيد ، حينما أنهى دوره " التاريخي " بدموع غزيرة ذرفها لا على آلام الشعب العراقي سواءً على يد المجرم صدام ، في المقابر الجماعية والأنفالات وحلبجة والسجون الرهيبة وقصف المدن بصواريخ أرض ارض ، أو على يد قوات الاحتلال أو التحالف التي دمرت مئات المباني على رؤوس ساكنيها قبل أن تفلح في اقتلاع صدام واجتثاث نظامه الجهنمي ، ولكن على سقوط صدام بالذات !
أجل . فقد اختتم عبد القوي وصقر والفخراني مسلسلهم بذرف الدموع على سقوط تماثيل صدام في مختلف المدن العراقية ، في مشهد سيلقي بالفخراني إلى مزبلة النسيان ، كما فعلت الذاكرة العراقية والكويتية بالممثل اللگلگي أحمد صبحي ، الذي زار صدام قبيل انهيار نظامه في بغداد وتملق له وعبر عن اشتياق الشعب المصري كما زعم لرؤية الطاغية المنهار في القاهرة ، فكانت النتيجة أن قاطع شرفاء العراقيين والكويتيين كل أعمال هذا الممثل الذي كان مبدعا .
لقد انتحر يحيى الفخراني فنيا وتاريخيا وإنسانيا ، فرحم الله من قرأ على روحه الفاتحة وطلب له المغفرة ، إذ كان رجلا طيبا ً ، لكن عاقبته ساءت في آخر لحظة !