مؤتمرات الوحدة الاسلامية وغياب النتائج


د .حسين ابو سعود ـ لندن

منذ ثمانية عشر عاما وايران تقيم مؤتمرا سنويا للوحدة الاسلامية تدعو إليه نخبة من المفكرين والعلماء يمثلون مذاهب إسلامية عديدة ، كما نسمع ببعض المؤتمرات المشابهة تعقد في الاردن أو البحرين حيث يجتمع المؤتمرون ويناقشون القضايا الاسلامية ويدعون الى نبذ الفرقة وتعزيز الوحدة عبر توصيات تظل بعد عودتهم الى بلدانهم حبرا على ورق على أمل أن يجتمع هؤلاء في السنة التي تليها في جو من الترف والبذخ والرفاهية ، ولا نسمع بان نصف أو ربع الذين شاركوا في المؤتمر يدعون الى الوحدة الاسلامية على مدار العام في بلدانهم من خلال منابرهم في المساجد أو الجامعات والمعاهد التي ينتمون اليها ، وهكذا تظل هذه المؤتمرات مجرد مظاهر لا طائل منها تنفق عليها الملايين من الدولارات سنويا، على اننا نعلم بانه ليس من الإنصاف تجاوز الجهود العظيمة التي تبذلها الجمهورية الاسلامية الإيرانية وعلى مستوى رسمي وشعبي لتحقيق أسمى وأعلى وأفضل هدف رسالي وهو تحقيق الوحدة الاسلامية عملا بقوله تعالى (وان هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون . الأنبياء\92) ، وعقد مثل هذه المؤتمرات يستهلك الكثير من الجهد والمال والوقت ، كل هذا مقابل قصور وتجاهل تام من قبل الحكومات الاسلامية الأخرى التي لا تكلف نفسها عناء الاشتراك والتأييد والمساهمة ، وكأن الأمر لايعنيها ، وحالة التمزق التي تمر بها الأمة لا تثير حماسها لفعل شئ ( قل كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو أهدى سبيلا . الإسراء \84)
اننا نرى بان التركيز المكثف لوسائل الإعلام الايرانية على سير مؤتمرات الوحدة الاسلامية لا يلقى أي صدى في وسائل الإعلام في الدول الاسلامية وعلى العكس من ذلك نجد بان هناك بعض الفضائيات العربية المدعومة من جهات مختلفة تعرض الكثير من المواد والبرامج والمناظرات التي تؤدي وبشكل سافر الى تمزيق هذه الأمة أكثر وأكثر ، وتصل الجرأة بأحد الدعاة الى الفرقة بان ينسف كل محاولة للتأليف بين القلوب بقوله : بان محمدنا غير محمدهم وقرآننا غير قرآنهم وديننا غير دينهم ولا مجال للتقارب بيننا وبينهم .
وهذا النهج التكفيري المتطرف هو الذي أدى ويؤدي الى قتل المسلمين يوميا في باكستان والعراق وأفغانستان ومصر وتعدى قتل المسلمين من باب أولى الى الآخرين فكانت التفجيرات في بريطانيا والدنمارك وغيرها، مع ان أتباع هذا النهج يعلمون جيدا بان نبينا صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة وديننا دين التسامح والوئام والحب ، وطريقنا هو طريق الخير والعدالة.
ومن حقنا أن نسال لماذا نجد جمهورية إيران الاسلامية سباقة دائما في قضايا الوحدة ولم الشمل ، فهل هي الوحيدة صاحبة المصلحة في تحقيق الوحدة الاسلامية ، ولماذا لا تعلن الدول الاسلامية الأخرى اسبوعا للوحدة بين المسلمين ، مع اننا نرى بان الأسبوع الواحد لا يكفي لتحقيق الوحدة ، وعلى الأمة أن تعلن ( سنة الوحدة ) تبذل خلالها الجهود باخلاص وتفان لتحقيق هذا الهدف الرباني امتثالا لأمره تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) أو كما قال تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين \ الأنفال \ 46).
إن الوحدة الاسلامية في رأيي المتواضع لا ولن تتحقق إلا بإلغاء المذاهب والعودة الى الدين الواحد وقد قال تعالى : ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فان الله سريع الحساب . آل عمران \ 19 ) ، وقوله تعالى ( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ انما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون . الأنعام \159).
ولكن الواقع المعاش يملي علينا أمرا مغايرا وهو ان تحقيق إلغاء المذاهب هو ضرب من المحال ، ولا سيما ان مشيئة الله سبحانه وتعالى اقتضت التعــددية وهــو القائل ) ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملان جهنم من الجنة والناس أجمعين . هود \ 119) ، وعليه فانه يتوجب علينا التشبث بآداب الخلاف التي وردت في القران الكريم والسنة النبوية المشرفة والعمل بموجبها ، وتحقيق الحد الممكن من الوحدة ونترك ما اختلفنا فيه الى الله ليحكم بيننا يوم القيامة وقد قال عز من قائل ( وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه الى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت واليه أنيب . الشورى \10).
والمراد من الوحدة الاسلامية ليس مواجهة العالم بمعسكراته المختلفة والدخول معها في صراعات وحروب تأكل الأخضر واليابس ، وإنما لتقديم الصورة الحقيقية الناصعة للاسلام الى العالم اجمع ، والتعامل مع المجتمعات الأخرى بالوجه الحقيقي للدين القويم في عالم تتصارع فيه الفلسفات والأفكار ، وانشغلنا فيه نحن بالكلاميات والخلافات والتكفير والإسقاط.
ان تحقيق الوحدة الاسلامية مسئولية كبرى لاتقع على عاتق جهة دون أخرى أو على دولة دون أخرى، بل انها مسئولية الجميع حكومات وشعوب وأفراد ، وأؤكد على ضرورة أن يقوم كل من يشارك في مؤتمرات الوحدة الاسلامية في ايران أو غيرها ان يقوم بواجبه لدى عودته الى وطنه ويدعو للوحدة الاسلامية من موقعه حتى يتم نشر هذه الرسالة السامية بين المسلمين لاسيما ان توصيات المؤتمر الحالي والمؤتمرات السابقة تدعوا المشاركين الى تعميق ما تعاهدوا عليه في نفوس الآخرين ونشر أهمية الوحدة بين الجماهير ، وعدم تضييع جهود القائمين على مثل هذه المؤتمرات من خلال تغييب نتائجها .
aabbcde@msn.com