الحكومة التوافقية أخطر من تزوير الانتخابات
د. عبد الله التائب
يجري الحديث هذه الايام عن تشكيل الحكومة على اساس التوافق بين الاطراف السياسية لا على اساس الاستحقاق الانتخابي، باعتبار ان هذه هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الوحدة الوطنية وتجنب ازمة سياسية قد تقود الى حمامات دم كما هدد البعض بعد ان اكتشف ان نتائج الانتخابات لم تأت مطابقة لتوقعاته أو محققة لطموحاته.
وبقطع النظر عن خطورة هذا المسلك من الناحية السياسية لانطوائه على رهن كامل العملية السياسية بيد الطرف الذي يهدد بالقوة ويعيد تأهيل المنهج الدكتاتوري باطار وطني، فان هذا الخيار يؤسس لمبدأ لا يلبث ان ينقلب ضد الاطراف التي تدعو له اليوم بسبب عدم حصولهاعلى كامل طموحاتها من صندوق الاقتراع.
ان اعتماد مبدأ التوافق واهمال الاستحقاق الديمقراطي قد يخدم اليوم جهات معينة تستفيد في الظرف الراهن من عمق سياسي في بعض الدول العربية أو دعم مالي ولوجستي - علني او غير علني – من السلفية التكفيرية، الا أن التاسيس لهذا النهج سيعطي اطرافا أخرى المبرر لسلوك نفس المنهج اذا تغير الظرف السياسي الدولي أو الاقليمي لصالح هذا الطرف أو ذاك، وعندها لن يشفع للاطراف الاخرى الاعتراض والتمسك بالاستحقاق الانتخابي للاطراف المشاركة، فالذي يعترض يكفيه أن يستند الى قوة سياسية اجنبية تدعمه ويهدد بحمامات دم اذا لم تتم الاستجابة لمطالبه،وقد يسخـّن الجو ببعض العمليات "الجهادية"! ويضع الآخرين أمام الرضوخ لمطالب الاقلية البرلمانية.
يثير منهج التوافق في تشكيل الحكومة مسألة قانونية في غاية الاهمية وهي : أن مشروعية الحكومة انما تأتي من كونها ممثلة لارادة الشعب الذي انتخب أعضاء البرلمان لممثلين له ، فبهذا الانتخاب يصبح النائب وكيلا عن الناخبين الذين منحوه اصواتهم لكي يعبر عن ارادتهمن وليس لمنحه منصبا يمكنه من تحقيق رغباته الشخصية أو تطبيق برامحه الخاصة. وبالتالي فان المواقف التي يتخذها والقرارات التي يساهم في اصدارها او تاييدها تكشف عن رغبة الناخبين باعتباره وكيلهم المفوض.
ان أخذ الاطراف السياسية بمبدأ التوافق والاعراض عن الاستحقاق الانتخابي يعتبر - من الناحية القانونية- خيانة عظمى يهمل من خلالها السياسيون المنتخبون اردة الناخبين الذين لم يخوّلوهم الغاء الاستحقاق الانتخابي، وهو يعني تزويرا لارادة الشعب الذي رضي بصناديق الانتخاب وسيلة تم التوافق عليها كبديل للدكتاتورية .
ان التشكيل التوافقي هو تزوير بنيوي لارادة كامل الشعب العراقي ، تزويرله قرون بارزة وذنب طويل، تدعو اليه أطراف تدعي تزوير ارادة بعض الناخبين في بعض الصناديق في بعض المدن .