- محمد حسن الساري -



( 28 فبراير، 2006) ... يخطأ البعض عندما يتصور أن السعودية كنظام نشأ نشأة دينية خالصة منبثقة من إرادة إصلاحية أصيلة بعيدة عن كل تآمر أو شبهات . و يكشف المؤرخون طبيعة هذه النشأة و دوافعها الحقيقية، حيث عبر أكثر من مؤرخ و عالم سيسيلوجي أن الدافع الحقيقي من وراء ظهور الدعوة السلفية كان دافعا اقتصاديا لا غير ، تلك الدعوة المغمورة التي آزرت ظهور نظام سعودي مركزي شمولي تكون فيه القبيلة السعودية هي الراعي الأول و الأخير لقطيع الشعب نجحت في تحقيق نقلة في تطوير المجتمع القبلي الذي تسوده الحروب والإغارات إلى مجتمع قبلي آخر، لكن تحت يافطة دينية سلفية توسع مفهوم الإغارة و القتل و الذبح و الحروب إلى مفهوم أشمل يستهدف القبائل الأخرى بذريعة الكفر والشرك .



فبدل أن تتطاحن تلك القبائل النجدية فيما بينها لتستنزف قواها ، عليها أن تقلب الإغارة و الغزو إلى جهاد ، و العلائق القائمة بينها و التي من سماتها الضغائن و الأحقاد و الثارات الضاربة جذورها بعيدا في التاريخ إلى أخوة و محبة دون أن تتعدى الأسرى السلفية ، و أموال الآخرين و دمائهم و أعراضهم مباحة بذريعة الكفر و الشرك أو الردة، و التشتت في الصحاري القفار للبحث عن الكلاء و الماء إلى هِجر مستقرة تقوم على رابط الأخوة، و باختصار تحويل تلك القبائل المتنازعة المتخاصمة إلى قبيلة واحدة كبيرة اسمها : السعودية ، يكون فيها الشيخ هو الملك، و لكن في حدود العقلية السلفية و التكفير والنهب و الإغارة و المحسوبية و كل قيم البداوة حيث اكتسبت مفهوما أكثر نجاحا دون أن تتغير، تلك هي قصة نشأة القبيلة السعودية!



و من هنا نشات ظاهرة الأخوان عام 1912م التي كانت أشبه بمليشيا دموية و إرهابية و كانت أول إرهاب سلفي يتلذذ بالدماء و القتل و الرعب و العنف و الإقصاء و امتلاك الحقيقة و الدين، الإخوان الذين تشكلت منهم تلك الهِجر التي كانت النواة الأولى في تكوين الجناح العسكري للحركة السلفية كانوا أول ضحية للدهاء و الغدر السعودي حيث سرعان ما قضى عليهم عبد العزيز آل سعود أول شيخ للقبيلة الجديدة و قضى على زعمائهم : فيصل الدويش و سلطان بن بجاد و ضيدان بن حثيلين ! و ذلك في عام 1920م بعد إن استخدمهم في إرهاب الآمنين و العزل و المسلمين في العراق والأردن و الحجاز و بعد أن وطد بهم حكمه القبلي الجديد ، فكان أول المتضررين هم أنفسهم هؤلاء ( الأخوان ) الذين شوهوا الدين الإسلامي الحنيف بقساوتهم و روعنتهم و عنفهم و إرهابهم !!



و بعد الإنتهاء من القضاء على الأخوان ( البناة الأوائل للقبيلة السعودية الوليدة ) قال عبد العزيز آل سعود شيخ القبيلة و الذي أتقن تطبيق مبادئ ماكيافيل معبرا عن إبتهاجه : من اليوم سنحيا حياة جديدة!!!!



و ما إن تخلص بن سعود من حركة الإخوان بقمعها و تصفيتها حتى ظهرت له حركة جديدة تنغص عليه راحته بالغنائم الكثيرة في مرتعه الكبير )لجزيرة العربية ) ، ففي العام 1928م ظهرت حركة المشايخ و علماء الدين السلفيين الذين عبروا عن احتجاجهم على بعض المظاهر التي أحدثها بن سعود في القبيلة السعودية منها ذات التسمية الملكية التي أطلقها بن سعود على قبيلته الكبيرة و على نفسه و إنشاء المدارس الحديثة و استيراد السلع و المخترعات الأوروبية و غيرها . غير أن ما يميز هذه الحركة عن سابقتها خلوها من العنف و الرعب المباشر للناس.



و ما أشبه اليوم بالبارحة حيث ذات المشهد يعود من جديد ، فالمتأمل في قبيلة آل سعود يجد أن السلفيين منقسمين إلى تيارين رئيسيين : التيار السلفي التكفيري الذي بات يعرف بالتيار السلفي الجهادي( القتالي ) و التيار السلفي الكلاسيكي المتكون من علماء السلطة و المحسوبين على النظام، غير أنه في السنوات الأخيرة و بالتحديد في العام 1991م انبثق تيار جديد تمرد على النظام و أعلن نفسه كخط معارض للنظام و القبيلة إثر استقدام العاهل السعودي السابق فهد بن عبد العزيز ( شيخ القبيلة السابق ) قوات التحالف بزعامة الولايات المتحدة الأميركية الحليف الأساسي والتاريخي للسعودية لأراضي الجزيرة العربية لتحرير الكويت من جيوش صدام ( الحليف السابق ) متجاهلا بذلك موقفا شرعيا معروفا في الفقه السلفي ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) فمنذ ذلك الحين بدأ تيار جديد بالظهور، و يوصف بأنه الأكثر تسامحا و تنورا من التيارين الآخرين المذكورين، و من رموزه: المسعري و سعد الفقيه و سلمان العودة و سفر الحوالي وغيرهم.



القبيلة السعودية منذ أن تشكلت لم تذخر جهدا إلا بذلته في نشر الفتن و تصدير الإرهاب و الفساد و تقويض كل الحركات الأصيلة في الأمة، و لم يكن موقفها من الدولة العثمانية ( السنية ) إلا أبسط دليل على دور الخنجر المسموم الذي تمثله لصالح كل ما هو أجنبي و مشبوه ، ففي العام 1914م أرسلت الدولة العثمانية مندوبا خاصا لابن سعود يخبره عن الحرب المقبلة على المسلمين و لزوم وقوف بن سعود معها باعتبارها دولة مسلمة أو لزوم الحياد على أقل تقدير، فأجابه بن سعود بعد تقديم سيل من التبريرات بان يكون على الحياد ( و هذا طبعا كان من الدهاء و ليس موقفا سياسيا ) و ما إن انتهى الاجتماع حتى سارع بن سعود و كتب بتقريره عن ما جرى في الاجتماع بين المبعوث العثماني و بينه للسر كوكس المستشار السياسي في الجيش البريطاني ، معبرا فيه عن التزامه في الوقوف بجانب الإنكليز... لذلك و لغيره يعرف بن سعود أنه كان من أقرب الحلفاء للإنجليز ضد العثمانيين و الأتراك .. و في الستينات من القرن الماضي ساهمت القبيلة السعودية بالمال و السلاح في إضعاف وإنهاك الجيش المصري في اليمن مما أدى لهزيمة عام 1967م، و في عقد الثمانينات زجت بالإخوان الجدد ( السلفيين المقاتلين (لأفغانستان لزعمهم تحريرها من الروس غير أن ذلك لم يكن سوى خدمة جديدة لأمريكا و الغرب، حتى أن الرئيس الأميركي وصف هؤلاء السفاحين الذين ارتكبوا مجازر إبادة طائفية ضد الشيعة و المسلمين الأفغان بأنهم : مقاتلون في سبيل الحرية ! و في بداية الثمانينات أيضا ساهمت بالمال العام بكل سخاء في تهييج صدام لحرب إيران، تلك الحرب المدمرة التي خاضها صدام ضد إيران و أنهك بها الشعبين المسلمين الجارين، و راح ضحيتها الملايين بدل أن توظف تلك الأموال لصالح قضايا المسلمين كالقضية الفلسطينية و غيرها ، هذا فضلا عن الفتن التي أثارتها إقليميا في الخليج ..



نشطت القبيلة السعودية أيضا في نشر الفكر التكفيري المتسم بالكراهية و الإقصاء و التحجر والعنف و الإرهاب الفكري و الدموي في أصقاع العالم عبر المؤسسات السلفية ذات الطابع الخيري و عبر بناء المساجد و المدارس الدينية و الجمعيات الخيرية و غيرها، و طبع و توزيع الكتب المضلة ، و منح الأرصدة و غسل الأموال ، حتى أن أحد أفراد القبيلة السعودية الأمير سلطان أحد المتهمين الأساسين في الضلوع بدعم جماعات إرهابية و كان على وشك المحاكمة لو لا صفقة الأسلحة الأخيرة بين "إقطاعية" وزارة الدفاع السعودية و بريطانيا !!!



و لا تقف جهود آل سعود عند هذا الحد ، بل الأمر المدهش هو التلون الفاضح لهذه القبيلة ، فمن جهة تنشط في دعم الجماعات التكفيرية و حتى القتالية و من جهة أخرى تسعى في نشر الدعارة و ثقافة الانحلال الأخلاقي عبر القنوات المشبوهة التي تبث سمومها في كل الوطن العربي، كروتانا و مجموعة قنوات art و الأوربت و غيرها، فكل هذه القنوات المشبوهة مملوكة لأعضاء و أمراء في قبيلة آل سعود ، و كثير من أعضائها متهم بدعم رموز الفساد على امتداد الوطن العربي....



لقد نجح آل سعود في تثبيت معادلة حكم و سيطرة ظالمة و رهيبة ، فلقد تمكنوا من تحويل أغلب أراضي الجزيرة العربية لإقطاعية كبيرة لهم و تحويل مراكز ثرواتها ( كالمنطقة الشرقية ) لمرتع يسرحون فيه و يمرحون ، فكانت لهم الغنيمة و التمتع و اللهو و بكلمة واحدة: الدنيا كلها ، و كان لحليفهم الآخر )السلفيين ) الحرب و القتال و تمثيل الفكر الديني المتطرف و الزهد و الورع و التقوى و بكلمة واحدة: الآخرة كلها !!



فتلك حقا قسمة ضيزى
http://www.arabianews.org/article.cfm?qid=896&sid=5