رهانات الاكراد ، بين الحليف والدولة



كتابات - حيدر حمزة



لم تكمل دولة مهاباد الكردية سنتها الاولى حتى أنهارت, لم يكن العالم في سنة 1946 عام اعلان هذه الدولة هو أحد أعوام القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين, حينما كانت ولادة الدول لاتعني أكثر من أقامة مبنى للحكم وفوج من العسكر واصدار عملة. قد يعقب البعض بأن الروس تخلوا عن تلك الدولة وليتهم عرفوا بأنها كان مجرد ورقة ضغط أستعملها الروس وحينما أنتهوا منها تركوها لقدرها الذي لم يكن سعيدا.



أنهار العثمانيون العدو الاكبر للاكراد ودخلت القوات البريطانية الى العراق مطلع القرن العشرين وفي حقائب عسكرها خريطة واحدة للعراق كدولة تمدت من البصرة وتنتهي بسامراء هي ذاتها أرض الشيعة. ولم يدرك الاكراد تلك الفرصة في أعلان الدولة وتركوا غيرهم يقرر لهم.



عند قيام الجمهورية الاولى في العراق سنحت للاكراد فرصة أخرى في أعلان الدولة أو المطالبة بأقليم فيدرالي وكان وقتها رفض هذه الجمهورية الوليدة قاسم مشترك لكثير من القوى الاقليمية أو الدولية على حد سواء, وذهبت هذه الفرصة أيضا دونما أستثمار.

أدرك الاكراد أخطائهم المتتالية ودخلوا في صراع عنيف مع حكومة البعث لأجل نيل الحكم الذاتي وليس الاستقلال وانتهت الحكاية كما هو معروف بأن تخلى عنهم الحليف ألاول شاه أيران, لا أدري كيف أطمئن الاكراد لحليف أقاموا على أرضه دولة مهاباد في يوما ما.



لم تكن سنة 1991 مجرد هزيمة لقوات صدام العسكرية انما أنهيار دولة بالكامل, أكتفى الاكراد وقتها بالمحافظات الثلاث بأن بسطوا سيطرتهم عليها وأرتدوا حلتهم الكردية وتوجهوا الى قصور الطاغية للتفاوض ولا نعلم ان كان ذلك خيارا كرديا خالصا, تبادل مسعود البرزاني وجلال الطالباني قبلات الود مع صدام وتوجهت قوات صدام هذه المرة بالكامل الى سحق الجنوب.

لو لم يتوقف الاكراد عن القتال وقتها ولو من باب أشغال قطاعات صدام لأنتصرت الانتفاضة ولتخلت الولايات المتحدة عن صدام ولكان أيضا أعلان الدولة الكردية تحصيل حاصل, ولن تلام أي قوة دخلت الحرب وقتها ضد صدام على تجزئة العراق ولكان التغيير داخليا بالكامل.



لم يمتلك الاكراد حليفا بالمعنى الحقيقي ولا هم أبقوا على حليف أو صديق أو متعاطف على الاقل, ولم تكن هويات أعدائهم واضحة ومازالت قياداتهم أقل نضجا من قضية بحجم الوطن القومي الذي يسعون أليه, كيف نفسر الاقتتال الذي أشعلوه فيما بينهم وهم في الطريق الى الدولة, فبدلا من تكون كردستان العراق واحدة أصبحت أثنتين كردستان جلال وكردستان مسعود.



هل يرى الاكراد الواقع السياسي من خلال نافذة طموح الوطن القومي الكردي أم من خلال نافذة اللاعبين الكبار وأكاد أجزم بأن الاكراد يرون من كلا النافذتين ولكن بعد ان تغلقا وبمعنى آخر فهم يرقصون بعد أنتهاء الحفل.

لعل هذا هو قدر الاكراد أو القدر الذي وضعوا أنفسهم فيه فليس بأستطاعة الاكراد اقامة الوطن القومي ولن يتخلوا عنه وهنا يكمن التخبط في اختيارالحليف الذي يضمن لهم الدولة أو الاقليم المستقل.



سعى الاكراد بعد سقوط النظام الى أمساك المفاصل الخارجية للدولة وأقاموا أيضا دولة داخل الدولة, راهن الاكراد على الاوربيين في تأمين الموقف الدولي المؤيد لو تم أعلان الدولة وسعى هوشيار زيباري من خلال وزارة الخارجية العراقية رسميا والكردية فحوى ومضمون الى أدخال عامل المصالح الاقتصادية في العلاقات مع الغرب الاوربي من باب أن سياسة اليوم تقوم على المصالح, وهذا أيضا مفهوم غير كامل فهو ينقصه حجم المصالح أولا وثانيا تاريخ المنطقة وثالثا هوية الحليف أو الشريك. الحليف لدى الاكراد كما يبدو هو من يصرخ بكردستان دولة ويولي دون مقابل.



الغرب الاوربي غير كافي هذا اذا أدركنا بأن بريطانيا, اللاعب الاوربي الاكبر, حليف أو صديق غير محتمل للاكراد بالاضافة الا أن اوربا تسعى لضم تركيا اليها وتعمق مصالحها مع أيران وبالتالي فأن مصالحهم مع كردستان المحتملة ليس سوى أرسال خيم للاجيئين أن حدث زلزال لا قدر الله. أما الولايات المتحدة فليس في أجندتها كردستان أنما زعماء محليين تمرر من خلالهم ووفق شروط الديمقراطية رسائلها وتهديداتها الى المحيط العراقي فقط فهي لن تضحي بتركيا كحليف قوي استمر تحالفهم لاكثر من ثمانين سنة.



الجنوب الشيعي العراقي الوحيد من تقبل كردستان كأقليم فيدرالي بل ولم يكن ليعارض لو طلب الاكراد الانفصال, لم يفهم الاكراد هذا الحليف المجاني ولم يستثمروه بل أحطوا من قدره, ويعلم الاكراد بأن الفيدرالية أو الاستقلال هي صفقة عراقية داخلية لو قدر لها أن تتم فسوف يكون للشيعة القول الفصل ولن يتم معارضتها من أي جهة أقليمية أخرى مادامت سوف تتم وفق شروط الديمقراطية.

الجنوب الشيعي هو الاقوى على الساحة العراقية وأن لم يدخل النزاع العراقي – العراقي بعد بأدوات من دخلوا اليه, وهو الضمان الوحيد للاكراد وسط محيط خبروه لعشرات الاعوام وهو بابهم الوحيد على الدول العربية وأيران كما هو منفذهم البحري الوحيد, اليس من الغريب اذن ان يفرض الاكراد على الشيعة تصورات غيرهم واملاءات وقتية هي مضرة بالنهاية لطموح الاكراد انفسهم.



السجال الاخير في تشكيل الحكومة دخله الاكراد حاملين عصى الاخرين وهم لاناقة لهم فيه ولاجمل وان كان الظاهر فيها كركوك فأن الباطن فيها الرغبة الامريكية.



سيخسر الاكراد الجنوب الشيعي هذا الحليف المجاني ونحن نرى بأن التعاطف لقضية الاكراد بدأ ينحسر في الجنوب أن لم يكن قد انتهى بالفعل بعد تجربتي الانتخابات وعرقلة الاكراد لقيام حكومة شيعية قوية تتطالب بالفيدرالية, لم يدرك الاكراد مطالب الشيعة بالامن فهم لا يعانوا منه بل باتوا يمارسون سياسة لي الاذرع لصالح غيرهم وعلى حساب أمن وأستقرار الشيعة.

أدرك الشيعة ربما متأخرا – ولهذا ثمنه الباهض على كل الاطراف - بأن الاكراد ليسوا شركاء في الوطن ولا حلفاء. وفي المقابل فأن انكفاء الشيعة ولو الى حين لن يضرها الى الابد بل تستطيع ان تعود الى موقعها متى شاءت انما سيترك الاكراد بلا حليف داخلي هم بأمس الحاجة اليه في مجابهة السنة حليفهم الجديد في معركة كركوك.



haider1900@hotmail.com