 |
-
تصريحات أمريكية خطيرة ... والحرب الأهلية في العراق
تصريحات أمريكية خطيرة ... والحرب الأهلية في العراق
السياسي
خلال العشرين يوما الماضية هناك تصريحان خطيران صدرا من الولايات الأمريكية بشأن الوضع في العراق.
الأول: يهدد بالسماح بالفوضى في العراق من قبل الرئيس الأمريكي ، فاردفه وزير الدفاع بقوله (سوف تقف القوات الأمريكية على الحياد في حال نشوب حرب أهلية) واردفه مسئولان عراقيان بالقول بان الحرب الأهلية باتت وشيكة وهما الرئيس جلال الطالباني ورئيس الوزراء السابق الدكتور أياد علاوي.
وبعد عدة أيام من التصريح السابق أعلن السيد عبد العزيز الحكيم طلبه من إيران التفاهم مع القيادة الأمريكية ومد الجسور من تحسين الوضع في العراق، فقبل الطرفان الإيراني والأمريكي الدعوة فورا، وجرت ترتيبات.
والتصريح الثاني: صدر أول أمس الاثنين 20 آذار سنة 2006 حيث صرح الرئيس الأمريكي أنه (لا يسمح بقيام حرب أهلية في العراق)، فاردفه دك تشيني بقوله (لا يوجد احتمال لحرب أهلية) ، واردفه وزير الدفاع بقوله (احتمال حرب أهلية غير وارد) ، ثم صرح بعد ساعة الرئيس جلال طالباني (بأنه لا احتمال لحرب أهلية).
فما معنى هذا ؟
هنا نأتي للتحليل ودراسة أفكار متداولة ووقائع معروفة:
حين نقلت وكالات الأنباء قول الرئيس الأمريكي : (على العراق الاختيار بين الفوضى والتوحّد) كان يعني تحولا ظاهرا في السياسة الامريكية، وهو تحول خطير .
وهذا التصريح اخطر تصريح من أعلى مسئول أمريكي لحد الآن منذ سقوط حكم الطاغية صدام
ويمكن توضيح معاني التصريح سياسيا بالنقاط التالية:
- أن الولايات المتحدة الأمريكية غير راضية عن الفوضى في العراق، وهي منزعجة من عدم القدرة على الاتفاق الوطني في العراق. وهي منزعجة من تلاعب القوى العراقية في الساحة وكذبها وأعمالها الإجرامية. وبالتالي تأخير الخطة الأمريكية في تغيير العالم ديمقراطيا.
- تهديد القوى التي تريد إحداث فوضى وحرب أهلية بمنحها ما تريد مع بقاء المفتاح بيد الأمريكان، وسيكون الفشل المؤكد والمخزي لكل من يقبل بهذا الرهان لأن الولايات المتحدة قادرة على توجيه الحرب والقتال الداخلي بما يشل جميع الأطراف وبالتالي ، فسيقبّلون أحذيتها لقبول كل ما تريد أمريكا مما لم تفكر به سابقا.
- طريقة حل بديل للسيطرة على الوضع الداخلي والعالمي ، فإما أن تنجح الديمقراطية لتكون المثل المحتذى وإما أن يعاقب العراق بقبول خياره الشخصي وهو القتل والدماء والفوضى التي سيطر عليها المجرمون والقتلة لفترة ثم يبادون جميعا بطريقة درامية معروفة.
- لا يبدو التصريح واضحا في تهديده لأي من الجهات ، ولكن قد يبدو ظاهرا انه موجّه للسنة لأنهم ينادون بضرورة الحرب الأهلية حتى يحققوا ما يريدون، إلا إن النظر السياسي يقتضي شموله لبعض الجهات الشيعية التي تطالب بحرب أهلية خصوصا الخط الإيراني وقد أعلن فعلا عن تكوين معسكرات في إيران وفتح باب التطوع للانتحاريين للدخول في العراق وغير ذلك ، وهذا يعني أن القوات الأمريكية قد قررت أن تعكس الاستراتيجية الإيرانية عليها حيث أرادت إيران أن تغرق الأمريكان في الوحل العراقي فتريد أمريكا عكسه فستدخل إيران في الوحل العراقي ولا تخرجه منها إلا بما يشبه خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، وهذا مبني على القرارت السرية بوجود خطة انسحاب أمريكي ظاهري من العراق مع وضوح رغبة إيرانية في ضرب أمريكا في العراق. فإذا كانت الخطة بهذا الشكل وهي قلب الخطة الإيرانية على إيران فيعني بأن الأمريكان سيقفون بدعم الطرفين ظاهرا ولكن في الحقيقة فسيقوم الأمريكان بدعم السنة والقوة المناهضة لإيران بقوة كبيرة بداية بما يدمر القوة الإيرانية ويدمر الشيعة بشكل وحشي لا مثيل له في التأريخ. ومن ثم سيعالجون القوة السنية المتشكلة بطريقة دارماتيكية مدمرة تجعلهم مطيعين بشكل لا مثيل له. وكل هذا نتيجة حماقات الطائفيين الذين لا يكنّون للإنسان إلا الكره، و إلا رغبة التسلط على البشر.
وأما التصريح أول أمس بعدم السماح بحرب أهلية فهو يعني:
- أن الحكومة الأمريكية حصلت على ضمانات من أطراف تعمل ضدها بالخفاء ، بعدم العمل نتيجة التهديد الجدي.
- الضمانات يبدو أنها قدمت من جهتين. الأولى: هي الجهة المتحالفة مع إيران حيث فهم الرسالة السيد عبد العزيز الحكيم الرسالة وعرف مسؤوليته المباشرة في دماء المسلمين ولهذا فكان اقتراحه الظاهري هو تحذير ودفع لإيران على تحمل المسؤولية في الدماء. والجهة الثانية التي قبلت الطلب الأمريكي وقدمت الضمان: هي الطرف السني الداعي إلى الحرب الأهلية، وذلك انه فهم الرسالة بالسماح بتموين قوة اقليمية للتدخل في قتلهم وإنهاء أي نشاط لهم مما يعني انعكاس أهدافهم السياسية، ولهذا خافوا جدا من أي اتفاق أمريكي إيراني وتفاهم مستقبلي بحيث أصبحوا يرون الموت شاخصا إمام أعينهم، فلهذا بادروا بحركات سريعة جدا كالبرق الخاطف بالتوسل بواشنطن بإنهاء الاتفاق مع إيران على إن يوقفوا جرائمهم، ولهذا فقد لوحظ التخفيف من الجرائم إلى اقل من العشر خلال الثلاثة أيام الماضية.
- التصرف يدل أن المفاتيح التي بيد الأمريكان قوية ومنتصرة بشكل يغطي على جميع أخطائهم وأهمها عدم وجود خطة لما بعد الانتصار على صدام. حيث كانت الخطة بسيطة جدا تتمثل (بإقامة ديمقراطية حقيقية في العراق وبعدها إقامة حلف صداقة مع هذه الديمقراطية والانسحاب من البلد مع إبقاء قوة تضمن هذه الديمقراطية من الانقلابات العسكرية). فتبين أنها خطة ساذجة وغير صحيحة في التصورات لأنها تلغي عنصر المشكلة وكيفية المعالجة مما أدى إلى التفاقم الكبير لها. ولهذا أدركت الأطراف جميعها مدى الخطورة عليهم حين صرحوا هذا التصريح الجدي.
- سنركز على الحسابات الإيرانية للقبول باقتراح السيد عبد العزيز الذي يحتمل أن يكون هو حركة من الإيرانيين أنفسهم (هذا الاحتمال الراجح لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها) . وتبدأ القضية بالشكل التالي: وهو أن الإيرانيين لازالوا يتعاملون بفوقية في السياسة حيث أنهم متشبثون بموقف ايديولوجي سابق ويخشون الخسارة الشعبية فيما إذا أداروا اللعبة بطريقة جديدة لأن الشعوب الإسلامية لن تقبل منهم التغيير. فلهذا لم يقبلوا من الأمريكان أي تقرب مهما حصلوا على منافع فقاموا بتهديد إسرائيل سرا عبر القنوات الدبلوماسية في عهد خاتمي فلهذا طلبت إسرائيل معالجة ملف التسلح الإيراني، وكان الأمر في البداية عبارة عن شكوك أوربية وأمريكية ولكن يبدو أنهم اقتنعوا بأن إيران تسعى فعلا لترسانة أسلحة قادرة على تحقيق انقلاب في المعادلة في الشرق الأوسط وهذا غير مسموح. فبدأت الحروب الدبلوماسية السرية. وبعد التأزم الكبير والانتصار الإيراني الكاسح في العراق ظهرت علامات من الإيرانيين تدل على استراتيجيتهم ، وهي استراتيجية تحريك الشارع الإسلامي والشيعي على الأخص لحرب شعبية ضد الأمريكان في المنطقة وعزعة كل الخطط والقرارات بما يحقق انتصارا كبيرا على الأمريكان وحلفائهم في المنطقة، ويبدو أن الأمريكان فهموا الخطة وأدركوا أن أنها ستكون ذات نتيجة مدمرة لهم ولهذا قدموا خطة بديلة وتركوا فكرة إسقاط النظام بحرب مباشرة مع إيران. لأنها ستنقلب عليهم برد مدمر. فكانت الخطة البديلة هي السماح بتوريط إيران خارج حدودها في حرب عبثية ستدمرها فان مثل هذه الحرب دمرت الاتحاد السوفيتي فلا يمكن أن تصمد إيران لها. وتكون هذه اللعبة خطيرة جدا على إيران .... أدركت إيران فحوى اللعبة فقبلت بتغيير الخطة الآن، ويبدو أنها استبعدت الساحة العراقية من الحرب مع أمريكا لخطورة التوجه الأمريكي ولسهولة الخيار الأمريكي ، ولهذا فقد دخلت إيران في خيار تبديل وجوه الحرب بل تخفيف نفس الحرب.
- الحسابات البعثية الطائفية : ترتكز على عنصر دفع القوى للتصارع والتساقط واخذ المبادرة منهم على الساحة بقوة السلاح والاستعداد للجريمة وترويع الناس مما يسهل السيطرة على المجتمعات. كان في قرارهم دفع الأمريكان مع إيران بحرب عبر استحداث حرب أهلية مفروضة من قبلهم على الجميع. فستكون المواجهة حتمية بين القوتين ولكن أمريكيا ستدرك أنها ستتورط بالحرب الشعبية فستقوم بمناصرة العدو لإيران. وبهذا سيفوزون. غير انه بعد أن قبل الأمريكان الاتفاق مع إيران على تسوية الوضع في العراق تبين للطائفيين البعثيين أن خطتهم ستنقلب عليهم وستبوء بفشل ذريع. ويبقى أمل البعثيين متوقفا على مدى الخلاف بين إيران وأمريكا وهذا مخرجهم الوحيد وإلا فإنهم قد وضعوا على باب مزبلة التأريخ بلا شك ولا يوجد أي طريق للإنقاذ. فلهذا اصبحوا يتوسلون بالامريكان الان ويطالبنوهم بعدم الاتفاق مع ايران وتارة يصرحون تصريحات عنترية مثل ان هذا الاتفاق تدخل في شؤون العراق الداخلية، بينما كان سعيهم هو إحداث معركة أهلية لإدخال إيران قهرا حتى تقف بمواجهة الأمريكان في العراق، فهذا ليس تدخلا في شؤون العراق وأهله الآمنين. وتارة يقولون أن هذا ظلم وتهميش وهو نوع من البكاء والتوسل. ولكن ما يقال في المجالس سرا يختلف عن هذا الكلام كليا الآن، فهناك توسل وإعطاء ضمانات للأمريكان بشرط عدم الاتفاق مع إيران والسماح بإقصاء الشيعة من الحكم باعتبارهم أتباع لإيران. ولم يقبل الأمريكان منهم أي عرض بل عكسوا العروض بأن قالوا إذا أردتم الحياة فاعقلوا وتخلوا عن فكرة السيطرة على الناس بالقوة والإرهاب. واندمجوا في مجتمعكم بطريقة سلمية وإلا فستقتلون جميعا بطريقة مرتبة وقانونية. وهناك مفاوضات صعبة جدا . غير إن الخلل الموجود عند الشيعة هو ما يعرقل الجهود لتحسين الوضع في العراق. واكبر خلل يواجهونه هو تيار الجعفري ومجموعته ، والخلل الثاني هو انصياع بعض القوى الشيعية للأجندة الإيرانية.
نصيحتي للعراقيين سنة وشيعة أن لا يكونوا وقود حطب للحرب بين أمريكا وإيران وخياراتهما ، وأن لا يكونوا أسهل خيارات الطرفين.
وكل ما يقوله القادة العراقيون سنة وشيعة كما صرح عدنان الدليمي وموفق الربيعي بأن العراق اثبت قدرته على رفض التفتت والحرب الأهلية فهذا كذب وقلة حياء أو انه جهل بالسياسة بشكل يدعو للرثاء.
أقول: لقد دق ناقوس الخطر حقيقة وهذه التحذيرات الأمريكية جادة جدا ، فإذا لم يستمع العراقيين نصيحتي فانا أدعو جميع العاطلين عن العمل تعلم كيفية معاملة الجنائز وصنع التوابيت وحفر القبور فهذا عمل مربح في المستقبل القريب في العراق بشكل مدهش بحيث سيكون من اعمال المافيات المليونية.
أتوقع كما هو العادة فقدْ البوصلة السياسية لدى العراقيين، فلا يدرون: من القاتل؟ ومن المقتول؟ إلى نهاية الحرب، كما جربناه الآن، ففي كل ما يجري في العراق لا يوجد تحديد لهوية القاتل ولا العدو الحقيقي، بحيث توجد سياسة متبعة من الجميع على تغيير مسار الهدف وتغيير الأدلة على الجناة وتحديد أعداء لم يقوموا بما يتهمون به.
وخير مثال هو تفجير مقام الإمامين رضي الله عنهما في سامراء.
لقد كتبت مقالا في أواخر سنة 2004 عن حسابات التهديد بحرب أهلية ، وكان فيه بعض التصورات قد تختلف عن التصورات اليوم ولكن النتيجة واحدة من تدمير الطرفين. والفكرة واحدة تقريبا وهي قراءة سياسية للحدث. لم يتم نشر هذا المقال في حينه لأسباب خاصة.
المقال:
عنوان المقال : لنفكر في موضوع التهديد بحرب أهلية في العراق
أولا- حسابات التهديد بحرب أهلية في العراق
للأسف الذي يلوّح بالحرب الأهلية ويهدد بها ويُخبر عنها. هم من يسمون أنفسهم (أهل السنة) في العراق.غير مبالين بحرمة دم المسلمين وما يلزم من ذلك من دماء محرمة. وكل من له صلة بواقع العراق يعرف أنهم ثلة من البعثيين يحاولون التعبئة لهذا الموضوع انتقاما لكره الشعب العراقي لهم ، ولخذلانهم من قبل هذا الشعب الذي ذاق منهم الولايات. فكانت خسارتهم المذلة وهزيمتهم النكراء وسقوطهم من عروشهم إلى سكن الحفر والمقابر والبيوت السرية.
ولعل أول ما تردد من مقولة الحرب الأهلية في العراق من معلقين سياسيين. في بداية سقوط نظام صدام، على شكل تخوّف من انفراط الأمن وحدوث (حرب أهلية) من دون توضيح للدوافع والجهات. وكأن كلامهم يعبّر عن مجرد تخوّف على الأمة من الفراغ الأمني والسياسي بزوال الطغاة ( وهذا تبرير معروف لقبول بقاء الطاغية مع كل سيئاته بدل الفوضى والضرر وذهاب المصالح).
ثم طالعتنا الرسالة المزعومة لأبي مصعب الزرقاوي المبعوثة للشيوخ من رجال القاعدة . تذكر محاولة زج الشيعة بحرب أهلية للقضاء عليهم تقربا إلى الله.
وبعد فترة شهور (تحديدا في الربع الأول من سنة 2004) أخذت صيحات من سياسيين عرب وأجانب تتخوف من الحرب الأهلية في العراق وقد أعلن زعيما مصر والأردن (حاملي لواء التسنن في العراق) تخوفهما بشكل علني من حرب أهلية. وتبعهم مسئولون في الأمم المتحدة على رأسهم الأخضر الإبراهيمي (السني) .
وصعدت الوتيرة من أقوالٍ مجردة إلى أفعالٍ كثيرة تدخل في نطاق مقدمات الحرب الأهلية وهو قيام من ينسبون (لأهل السنة) في العراق بقتل الشيعة على أساس الهوية، فقد تم تصفية الكثير من الناشطين الشيعة بحجة المشاركة في الدولة الكافرة. بينما لم يتم شيئا من ذلك مع زملائهم الجالسين معهم على نفس الطاولة في دست الحكم والوظيفة الحكومية أو الاجتماعية. مع فارق بسيط وهو كثرة مظاهر الحماية لرجال الدولة الشيعة (لتخوفهم من جديّة تهديد حياتهم). و عدم وجود أي مظهر للحماية لقادة السنة المتواجدين في نظام الحكم ما عدى ما تفرضه القوات الأمريكية على بعض الوزارات التي يتواجد فيها هؤلاء بحكم استهداف الوزارة.
أصبح الآن التفاخر في المجالس السياسية في أبي ظبي وعمان ودمشق من القادة البعثيين وغيرهم من أهل (السنة) بارتفاع عدد المقتولين اغتيالا من ناشطي الشيعة السياسيين أو المؤهلين للإدارات الصغرى يوميا من خمسة إلى عشرين وإجمالي عدد المقتولين من الشيعة العاديين في الشوارع بلغ أكثر من 130 ألف خلال سنة ونصف. بمعدل يزيد عن 200 قتيل في اليوم. وقد سمعناهم يضحكون ويسخرون بنسبة كل أعمال القتل إلى القوات الغازية. مفتخرين بالبراعة السياسية في التضليل الإعلامي والمكر السياسي.
وقد تطوّر أخيرا الخطاب والفعل ، بالقيام علنا بقطع الطرق بين المحافظات الشيعية وبين العاصمة.... والقتل البشع والتمثيلي على الهوية علنا في الشوارع الرئيسية ( يُسأل المسافر إن كان شيعيا يقتل علنا. وإن لم يكن كذلك يخلى سبيله عند إنشاء حاجر مؤقت لقوة صغيرة في اللطيفية والمحمودية وأبي غريب وسامراء وبعض طرق بعقوبة وغيرها) . كما ازدادت وتيرة التهديد العلني بالحرب الأهلية.
وقبيل وبعد اجتياح الفلوجة أصبح التهديد بالحرب الأهلية علنا على القنوات الفضائية ، وقد نسبت رسالة تهديد بالحرب الأهلية مبعوثة إلى المرجع الشيعي السيستاني على لسان أربعين عالما سنيا في العراق (صادرة من نفس الفكر الذي يهدد علنا على قناة الجزيرة). تزامن مع صدور فتوى من أكثر من خمس وعشرين عالما سلفيا من السعودية تحدد تكاليف المسلم في العراق بالإغضاء الكلي عما يفعله هؤلاء والتركيز على حمل السلاح بحجة المقاومة ووجوب مساعدة المقاومين الذين يقتلون مئات الشيعة يوميا. بإغضاء متعمد عن دعوى المقاومين لقتل (المتعاونين) من الشيعة. ونسيان أن كلامهم يصب في التأجيج وعدم المصلحة مع أنهم مجرد دعاة لا مرجعية. وهم يبشرون بخراب العراق المتعمد كما وصفهم العالم السلفي السعودي عبد المحسن العبيكان.
السؤال المهم (لماذا إصرار من يحسبون على سنة العراق ) على افتعال الحرب الأهلية؟
وما هي حساباتهم؟
سأشرح حسابات ومبررات هذه الدعوة ، وسأناقش ذلك بعد ذكره مختصرا.
ثانيا- مقدمات ضرورية لبيان الدافع.
لقد ربط أهل السنة في العراق أنفسهم بنظام حزب البعث كلياً، حتى لا يكاد يوجد معارض للحزب حقيقة من أهل السنة خصوصا من المتدينين والسياسيين، واعتبرت فترة حكم البعث هي فترة الحكم السني المطلق الذي لم ير فيه السنة أية منغصات بسبب قوة وسطوة المؤسسة المغلفة بالبعث والمحكومة طائفيا في الحقيقة. ولهذا نرى أن المتدين السني هناك أول ما يعي التدين يرى أن هذه الدولة تمثل العمود الفقري لفكره بحكم بث قناعات طائفية تغفر لما سواها.
بعد سقوط هذا النظام بدا واضحا سقوط الامتياز السني المطلق (وليس سقوط المشاركة السنية في الحكم فهي مضمونة).
ولعل الأمريكان لم يدركوا ما فعلوه بأهل السنة في العراق (وللمثال فبعد سقوط النظام كانت نسبة البطالة في الفلوجة 90% وفي تكريت 96% وفي الموصل 35% وهذا لم ينبه الأمريكان لخطورة الهوة من قرار إقصاء البعث ومؤسساته نهائيا عن الحياة السياسية في العراق فقرارهم هذا يعني إقصاء 90% تقريبا من أبناء هذه الطائفة من المشاركة في الحكم .)
ولم ينفع قرار الاستثناء الذي استثنى الأعم الأغلب تقريبا وتم دعوة الجميع للعودة للدولة باسم الاستثناء العجيب. فلا ينفع هذا لأنه قد تم الانتهاء من تشكيل منظومات مقاتلة مدعومة ماليا بحجج طائفية بما لم يحلم به البعثيون من أبناء السنة في الفلوجة وغيرها حتى في أيام صدام. حيث وصل عائد المقاتل الآن بما يزيد عن خمسة آلاف دولار شهريا (غير السرقات والاختطاف) بينما لم يكن عائد المقاتل السني في زمن صدام بأكثر من 200 دولار شهريا بأحسن الأحوال . و المقاتل الشيعي في الجيش العراقي لا يحصل على أكثر من ثلاثة دولارات في الشهر.
وهذا إنجاز كبير حصل لهؤلاء العاطلين عن العمل المثخنين بجراح الإهانة والمذلة لإقصائهم عن الحكم وممارسة القتل والتعذيب داخل جدران السجون. وهذا واقع ، رغم كونه واقعا مؤسفا.
لهذا الواقع الجوهري كانت الخيارات قليلة أمام قادة هذه المجاميع.
وأهم الخيارات هو التجمع على أساس (ديني طائفي) يقوم على مفهوم الاحتكام (للقوة) بدل (المنطق والحجة) . وبهذا يتحقق غطاء مهم من جهة، ويمكن حسب هذا المنطق أن يجعل الخطاب الطائفي مؤثرا الآن، فينحاز من لا انحياز له من أهل السنة في العراق إلى نفس المسار بدافع داخلي نابع من خطورة التصورات الدينية الطائفية من دون معرفة حقيقية للهدف وللصورة الحقيقية للمستقبل.
فتحوّل بعض سنة العراق الصوفيين (القادرية والرفاعية) إلى سلفيين للأعماق. بشكل متعمد ولدافع سياسي محض، مستغلين صنيعتهم الغريبة مجموعة الزرقاوي التي توصف بالسلفية (مع أن البيانات الصادرة عنه لا تعبّر عن الثقافة والمفردات السلفية وإنما عن ثقافة ومفردات البعثيين السنة في وزارة الأوقاف العراقية السابقة) وهذا رأيي كسياسي محترف أعرف أبناء جلدتي ومنطقهم.
وخيار الاحتكام (للقوة والسيف) على أساس (طائفي) يتطلب افتعال معركة ذات حجم معقول لإظهار القوة والغلبة حتى يمكن التفاوض مع الأمريكان لإقناعهم بأهمية هذه الشريحة من المجتمع العراقي التي تملك قرار الاستقرار وعدمه في البلد.
وهذه المعركة غير متاحة في الظروف المعقدة في العراق إلا بصورة حرب أهلية طائفية.
هذه هي المقدمة لبيان مبررات هذه الحملة، وهي بعيدة كل البعد عن الفهم الديني فضلا عن الفهم السلفي وغيره (كما يعتقد الصغار الذين لا يدرون ما القضية؟).
بل هي تطويع الفهم الديني لأغراض سياسية للحفاظ على منجزات هائلة. من الانفراد بالسلطة. مع كل الموبقات الشرعية من زنا وخمور وفجور واستهانة بدماء المسلمين وأبناء الوطن بما لا يستهين به كافر مجرم وسرقة أموال الناس والدولة والاعتداء على أعراضهم. وغير ذلك مما تقشعر له الأبدان. وكل ذلك باسم المذهب مع كل الأسف.
ثالثا- حسابات وأسس الدعوة إلى حرب أهلية طائفية عند البعثيين من سنة العراق قائمة على الأسس الآتية:
1- توفر القوة اللازمة للنجاح والغلبة
2- عدم توفر القوة في الطرف الشيعي
3- توريط الشيعة بخيارات ضيقة سياسيا بحيث يكون نصيبهم الوصم بالخيانة إذا حاولوا التفوق بمساعدات أجنبية. أو الفشل إذا تفادوا تهمة الخيانة بالتعامل مع القوة الأجنبية.
4- استدراج الأمريكان للانقلاب إلى الصف السني بنسبة احتمال تزيد عن 90% بسبب التدخل الإيراني المتوقع، فحسب ما يدعون أنه تم الاتفاق معهم لتوريطهم حيث تم إقناع الإيرانيين بأن هذا هو الحل الأمثل لهزيمة الأمريكان من خلال فرط عقد الأمن في العراق وجعل الأمر ككابوس على قلوب الأمريكان، وقد بلع القادة الإيرانيون الطعم كما يدعي قادة التحرك العراقي البعثي المتلبس باللباس السني.
5- امتلاك وسائل الإعلام والقدرة على إخفاء أي دعم أجنبي للسنة، والتشهير بالدعم الأجنبي للشيعة المزعوم ، ولو كذبا وتزويرا ولمعلومات مبنية على التحليل من قبيل (بما إن الشيعة في العراق يشتركون مع الشيعة في إيران وسورية في التشيع فهم مدعومون منهم بلا شك، وبما أنهم لا يشاطرون أهل السنة المعركة في صف واحد في الفترة السابقة فهم إذن مع الأمريكان وهم عملاء الأمريكان. وكل مظاهر الخلاف مع الأمريكان كذب وتقية).
هذا أهم ما يضعون خطوطه العريضة في التفكير الاستراتيجي لهم.
وكشرح مبسط لمبرراتهم ولامتلاكهم لهذه القوة و القدرة على الإمساك بالخيط المحرك والحاسم . وهذه هي المعلومات التي يتداولونها في المجالس الخاصة:
1- أبناء السنة من القوات المسلحة سالمون وهم بقوة وقدرة كبيرة على حمل السلاح مع أفضل تدريب سابق وقد توفرت أخيرا أساليب القيادة والتنظيم السري لأعداد هائلة من الأفراد السابقين في الدولة.
2- توفر كميات هائلة من السلاح المخزون بأماكن سرية في المناطق السنية فقط مما يعني القدرة على الصمود والفاعلية في الحرب. مع توفر طرق إمداد ثبت فاعليتها خلال فترة تمتد لأكثر من سنة عبر حدود دولية مع العراق.
3- قتل وإعدام كل من كان له قدرة على حمل السلام من شباب الشيعة وقتل كل مفكري الشيعة ومتميزيهم. فالشيعة في نقص شديد للعنصر البشري الكفء. ( قتلى الإعدامات وانتهاك حقوق الإنسان ستة ملايين وثمانمائة ألف وقتلى الحرب الإيرانية العراقية مليون تقريبا فيكون العد اقل من ثمانية ملايين نسمة فيهم ما لا يقل عن 450 ألف كردي هذا حسب التقرير الرسمي لحكومة صدام والذي يعترف به القادة الحاليين للعمليات العسكرية من البعثيين في العراق سراً ، وهو يقل عن تقدير لجان حقوق الإنسان المدعومة شيعيا القائلة بأن إجمالي عدد القتلى هو تسعة ملايين ونصف المليون شخص. فيهم نصف مليون كردي. ولا نستطيع معرفة حقيقة أحد الرقمين بدون تحقيقات رسمية معلنة بطرق علمية لفقد الحيادية ولكن نقتصر على الرقم المعترف به) وهذا الخلل محسوب جيدا من قبل مفتعلي الحرب الأهلية ومروجيها.
4- عدم توفر قيادة عسكرية عند الشيعة بل عدم وجود قدرة على صد الهجوم النفسي والإعلامي قبل الهجوم العسكري الحقيقي.
5- الشيعة اختاروا استشارة مرجعيتهم وهذا عمل يسهّل المطلب لأن المرجعية الشيعية ترى أن دماء أهل السنة محقونة ولا يجوز التفريط بها، فهناك خلل فكري ومنهجي بين منْ يبيح قتل الآخر وبين من يحجم عن قتل الآخر حتى لو قتله. وهنا المعادلة لصالح الطائفيين من البعثيين اعتمادا على إجماع أهل السنة الموجودين على الساحة الإعلامية الذين يمثلون الخط السياسي الديني. بجواز قتل الشيعي لأنه مبتدع. وإجماع علماء الشيعة على حرمة الدم المسلم مهما بلغت به الشبهة. ولهذا فإن قرار القتل عند السني سريع وسهل وبدون مقدمات فكرية بينما قرار القتل عند الشيعي صعب ومتخلخل.
6- العمق السني في العالمين العربي والإسلامي أكبر بكثير من العمق الشيعي وأكثر تنوعا. فإذا كان الشيعة يملكون دولة واحدة شيعية صريحة هي إيران فإن المحيط العربي والإسلامي سني ويمكنه التعاطف سواء بقصد أو بدون قصد وذلك بحكم الانحياز الطائفي الطبيعي حين نشوء معارك .
7- عدم قدرة الشيعة على الاستنجاد بالأمريكان لحساسية الموقف. بل ثبت أنهم يقفون ضد الأمريكان كما حدث في أحداث النجف رغم أن الأحداث ابتدأها الأسبان وليس الأمريكان في مدينة النجف، ولم يقبل زعماء الشيعة نجدة الأمريكان للأسبان والحكومة العراقية وانتهى الأمر بفك الطوق عمن تبقى من مقاتلين بقوة شعبية قادها الزعيم الشيعي السيستاني. وهذا يدل على انحسار القدرة الفكرية السياسية عند زعماء الشيعة وأنهم يتصرفون بطريقة رد الفعل المتحفظ البطيء الحركة. مما يعني اضطرار الحكومة الأمريكية للوقوف على مسافة بعيدة عن المعركة بحجة أن الأمر تصفية حسابات داخلية. حيث أنهم ليسو مدعويين من احد الأطراف. وليس من مصلحتهم أن ينجدوا من لا يريد نجدتهم.
فمجمل هذه المعطيات تعني وجود تفوّق في القوة كبير عند الجانب البعثي حين يقود التسنن العراقي على أسس طائفية لمعركة أهلية. وهذا ما يضمن الفوز بالنتيجة أو حصول نتيجة (لا غالب ولا مغلوب) المعروفة في الحروب الأهلية وهذا يفي لتحقيق تفاهم مع القوات الأمريكية في المستقبل.
ولهذا يُستبعد الآن خطاب الفكر القومي والطليعي والاشتراكي من الخطاب البعثي السني وتبديل ما طرحته نفس المجموعة سابقا على الساحة السياسية. ويُلجأ إلى الخطاب الطائفي الديني في الوقت الحاضر لأنه الحل الأكثر قبولا وإقناعا لتدمير الذات.
رابعا- نقاش وبيان الخلل في هذا المنهج. وبيان مواطن الخطأ في الحسابات:
1- أغفلت هذه المعلومات حقيقة مهمة جدا وهي أن هذا الحصر والحصار للشيعة قد يبلور خيارات عندهم تتغلب على التشنج الأيديولوجي، باعتبار أن الأمر يدور مدار (الوجود) وليس مدار (الأفكار). وبهذا تتغير أغلب الحسابات المطروحة. ولهذا فستتغير كل معلومات التسلح والتدريب والقيادة حين تتولد قناعة بخيارات غير أيديولوجية.
2- صحيح أن علماء الشيعة يحقنون دماء المسلمين السنة وغيرهم. ولكن نسي هؤلاء بأن علماء المسلمين (سنة وشيعة) يهدرون دم المحارب والمفسد في الأرض، وحين تكون هذه القناعة عند الزعماء الدينيين فستكون النهضة عند شبان الشيعة تفوق أي تصور لكونهم عقائديين لا يبالون بالمفاسد والمصالح. فمن يدعو الآن لحرب أهلية يفقد ميزة غطاء قتال المحتلين وشرعيته لجرائم القتل على أساس الهوية. ولن تنجح حجة التعاون مع المحتل لعدم التعاون الفعلي (حيث ثبت عدم قبول أي من مراجع الشيعة للقاء بالأمريكان وغيرهم، مباشرة أو بالواسطة ما عدا مسئولي الأمم المتحدة، بينما ثبت لقاء كل أطراف التحرك البعثي السني الديني في العراق وحوارهم مع الأمريكان والإسرائيليين في العراق وعمان والقاهرة وبيروت وغيرها . والتجاذب معهم بمفاوضات سياسية مباشرة وبالواسطة، حتى الشيخ حارث الضاري الذي نصّبوه مرجعا روحيا بلا مقدمات، فقد قيل باجتماعه بالأمريكان مرات عديدة في العراق وخارجه هذا فضلا عن اللقاء بالمسئولين الغربيين مثل الإيطاليين والفرنسين بحجة البحث عن المخطوفين وكأن الإيطاليين والفرنسيين ليسوا من الكفار أو من الدول الاستعمارية!! كما توجد وساطات عربية إماراتية أردنية مصرية كطريق مباشر أو غير مباشر)
3- غفلت هذه المعلومات عن طبيعة القرار الأمريكي بعيدا عن القرار الشيعي، فمن التسطيح القول بأن الأمريكيين سيقفون على مسافة متساوية من الصراع، وذلك لأننا لا نستطيع التكهن بقرار الأمريكيين داخليا وخارجيا. وهنا قد تحدث كارثة كبيرة حين يفهم الأمريكان هذه اللعبة، ويطلبون من الشيعة التنحي وترك الأمر للدولة ولقواتهم بعد أن تبدأ الفضائح والفضائع من قبل دعاة الحرب الأهلية ودمويتهم ضد أبناء جلتدهم المسالمين، لتهيئة الرأي العام لقبول استقلال الأمريكان بالمواجهة. ليس من أجل الشيعة بل من أجل فرض الاستقرار في العراق كما بشروا به أمم كثيرة لإعلان تفوقهم وقدرتهم على السيطرة العالمية. و لا يستبعد في العالم السياسي أن يقوم الأمريكيون بتصفية قادة الشيعة الذين يطالبون بالتصدي الذاتي لهذا الخطر عليهم واخذ زمام المبادرة. وهذا أمر لم أجده محسوبا عند هؤلاء مما يدل على أن إستراتيجيتهم مبنية على عنجهية سابقة هي بذاتها سبب خسارة العراق. هذه الخسارة المذلة في المعركة أمام الأمريكيين.
4- غفلت هذه المعلومات عن حقيقة مهمة وهي ذكاء وقدرة الشيعة الإيرانيين على المناورة وأخذ القرار المناسب في وقته بالنسبة لهم وهو سر بقائهم فترات طولية في الحكم. فهناك احتمالات عكسية أهم من احتمال توريط الإيرانيين لخسارة شيعة العراق. وليس اقلها أهمية إعادة حساباتهم حين تتكشف الجريمة على الشيعة دون الأمريكيين وينكشف أنهم قد خدعوا وأن هذا كله (غزل سياسي عنيف) من البعثيين مع الأمريكان لإثبات القوة ومن ثم ملك زمام الأمور والتخريب في إيران نيابة عن الأمريكيين. فسيكون الخيار أمامهم مفتوحا إما بالاتفاق السري مع الأمريكيين على صيغة ما أو استبدال تدخلهم المباشر بطريقة أخرى أكثر فاعلية.
5- أهملت هذه المعلومات حقيقة مهمة وهي أن الشيعة رغم كل هذه الأرقام المخيفة من القتل لا زالوا يشكلون 71% من الشعب العراقي والأكراد لا يقلون عن 15% فهؤلاء يراهنون بما يقل عن إرادة عشرة بالمائة من الشعب العراقي. وهم ليسو مطبقين على هذا القرار فهناك معارضة داخلية لهذا القرار داخل الكيان السني البعثي نفسه فضلا عن السني العادي غير المتشنج والمسالم رغم الترويج وافتعال المبررات والتبشير بالنصر والنتيجة الحاسمة التي يبلغون بها كل سني في الجامع والبيت والسوق والمدرسة، وخلق قناعة بأنهم عائدون بطرقهم السرية، وبقوة أفضل من السابق بطريقة مبهمة ولكنها بهيجة ومؤكدة كما يعلنون.
6- أهملت هذه المعلومات حقيقة أن أغلب المحاربين الفعليين في الجيش العراقي هم من الشيعة. وسبب عدم فاعليتهم لحد الآن يرجع إلى عدم تشكيل قيادة عسكرية عندهم وعدم وجود دافع وعدم وجود غطاء شرعي. وهذا يتغيّر بصورة فجائية حين حدوث حروب إجبارية على مجموعة بشرية. وقد ثبت أن الشيعة ليسو اقل فهما من غيرهم للعبة العالمية .
7- هناك تجربة تاريخية لم يتعظ بها المغامرون بزج أهل السنة في العراق في أكبر خطر سيواجههم منذ ألف سنة، وهو تجربة الحرب اللبنانية وخلاصتها جر الشيعة النائمين الضعفاء في لبنان بكل معنى الكلمة إلى معركة غير متكافئة وليس لهم فيها ناقة أو جمل. وعند النتيجة سيطر الشيعة (30% من سكان لبنان) على لبنان بشكل واضح فبعد أن كان نصيبهم في الدولة لا يتجاوز 3% أصبحوا يملكون حتى القرار المسيحي بالإضافة إلى السني والدرزي وهم من يرسم سياسة الدولة الآن بشكل وآخر، وليس ببعيد عنا انصياع الدولة لقبول مليشيا حزب الله كجيش حزبي وحيد مقابل الدولة اللبنانية، في حين لم يبق أحد غيرهم ممن يحمل السلاح علنا.
وأصبح نصيبهم في الدولة بحدود 30% في الجيش 35% وأكثر وبيدهم الأمن العام وأهم من ذلك بيدهم القرار الاستراتيجي اللبناني. وشيعة لبنان يتفاوضون مع الغربيين بعيدا عن الدولة (كتفاوض حزب الله على تبادل الأسرى وغير ذلك عبر وسطاء ألمان وصينيين) وهذا له دلالته . مع سياسة ناعمة لا نجد من يشكو منها علنا رغم كل المعارك بين المتصارعين اللبنانيين
ونرى فضائح كبرى لـ (الحريري) السني ولـ (المر) المسيحي ولـ (قليلات) الدرزي، ولم نسمع بفضائح شيعية لا مالية ولا سياسية ولا أخلاقية.
وهذا أمر يمكن أن يتكرر بشكل أفضل بالنسبة للشيعة في العراق، لأنهم لا يعانون من مشكلة المواجهة مع الغرب في العراق، كما اختار اللبنانيون. فتجربة الحرب الأهلية اللبنانية لا يمكن لعاقل أن يقلل من شأنها خصوصا وأن الأطراف المعادية للتشيع في لبنان كانت أكثر وأكبر من الحجم البعثي السني في العراق. وان شيعة لبنان لم يكن لهم عداء مع الجميع لآخر لحظة، كما افتعله البعثيون مع شيعة العراق، ولكنهم بنفس الوقت دخلوا معارك مع جميع الأطراف اللبنانية المتصارعة و في كل المعارك تقريبا ، بسبب جرهم والتأثير عليهم بحكم كونهم كتلة بشرية كبيرة بلا هدف سياسي واضح، ومن دون طموح سلطوي ومن دون تاريخ سابق منظور للقتل والإرهاب عليهم إلى درجة الإبادة الجماعية كما حدث للعراقيين. وهذا الوضع يختلف تماما في شيعة العراق وهو ما تم إغفاله في أوراق الحسابات التي يبشرون بها.
8- هناك في سنة العراق من لا يقبل بهذا الطرح ويسعى لإفشاله بكل قوة. لأن حسابات العقلاء منهم تدل على نتيجة عكسية، فبدل السعي إلى ضمان الوجود والحقوق السنية ستسبب هذه الخطوة الخرقاء بفقدان الوجود قبل القوة السنية في العراق، والقرار قد لا يكون قرارا شيعيا محضا، وإنما هو قرار عالمي نتيجة حسابات معقدة، أغلب أسبابها ملاحظة الصلة بين الإرهاب وبين الفكر التكفيري الطائفي السني الذي عمل به الحكم في العراق طيلة عقود، وسيكون أهل السنة في العراق ضحية هذه اللعبة العالمية التأديبية لمحور جاكرتا الرباط بسبب تبني الحل الدموي المرفوض عالميا. ولا يصح أن تدمر فئة نتيجة حسابات خرقاء لبعض المتطرفين الذين يخلطون الأوراق ويزيدون من عدد الأعداء ونوعياتهم بما لا يمكن لوجود بشري أن يصمد أمام عدد ونوع متفوق بشكل لا قياس له.
إن مجمل حسابات المراهنين على الحرب الأهلية في العراق قد تكون لصالح من راهنوا على إبادتهم بدل أن تكون لصالح صاحب الحساب نفسه.
ولكن من سيكون المسئول عن دماء المسلمين ؟
ولماذا يجبر الناس على استحالة التعايش، واستفحال العداء بين الأخوة بسبب طمع ثلة قليلة من الناس بالاستفراد بالسلطة وعدم قبولهم لواقع الحال من وجوب المشاركة للجميع؟.
وهذه تستدعي وقفة مخلصة للجميع سنة وشيعة ليعيدوا حساباتهم.
كما أن على كل مسلم سنيا كان أو شيعيا إن يفكر جيدا في مآل هذه الدعوات ونتائجها المدمرة مع عدم النفع في النتيجة وعدم كسب أكثر من الآلام والدمار وفقدان الأحبة لأسباب تافهة، بل حتى المقبول منها وهو التخوف من فقدان السلطة كليا يمكن التفاهم عليه. ويمكن أخذ الحقوق بطريقة قانونية مادام الطريق مفتوحا أمامهم بإرادة شيعية وعالمية، بعكس ما فعلناه لشيعة العراق من إغلاق أي طريق للتفاهم ومنعهم من الوصول لأي سلطة إلا بعد التبرؤ من تشيعه وليعطى سلطة ضعيفة وغير سيادية بل غير أساسية. بعكس ما عليه الحال من الدعوة للمشاركة والتصريح بالرغبة لعدم الاستفراد بالسلطة وعدم الرغبة بإقصاء الآخرين حتى البعثيين منهم ما داموا لم يلوثوا أيديهم بدماء الشعب العراقي.
ِِ
السياسي
بقية الموضوع :
http://forum.hajr.org/showthread.php?t=402797343
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |