صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 26
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي مقدمة كتاب الحق المبين في معرفة المعصومين(ع).. الطبعة الثانية

    الإتجاهات المعاصرة في فهم النبي وآله صلى الله عليه وآله

    تنحصر المذاهب والإتجاهات الإسلامية المعاصرة في فهم النبي وآله صلى الله عليه وآله في خمسة: المذهب السني ، والزيدي ، والإسماعيلي ، والشيعي الإمامي ، وأخيراً الإتجاه الشيعي التركيبي .
    ولابد لنا أن نستبعد الغلاة الذين يؤلهون أحداً من أهل البيت النبوي عليهم السلام بأي نوع من التأليه ، ونستبعد النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت النبوي عليهم السلام ، لأنهما اتجاهان خارجان عن الإسلام لايصح عدهما من المذاهب أو الإتجاهات الإسلامية في فهم النبي وآله المعصومين صلى الله عليه وآله .

    1 ـ الإتجاه السني في فهم النبي وآله صلى الله عليه وآله

    يرى أتباع المذاهب السنية أن النبي صلى الله عليه وآله معصوم في تبليغ الرسالة فقط ، دون بقية سلوكه العام ، وسلوكه الشخصي !
    هذا من ناحية نظرية ، أما ناحية عملية فإن مصادرهم تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله ارتكب أخطاء عديدة وبعضها في تبليغ الرسالة ! وأن بعضها كان يصححه له جبرئيل عليه السلام ، وبعضها كان يصححه له عمر بن الخطاب ، فيؤيده الوحي!
    وكذلك لايرون عصمة أهل بيت النبي وعترته ، علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، ويقولون إن لهم فضائل كما لهم أخطاء ، ولايعترفون بأنهم معينون من الله تعالى أوصياء للنبي صلى الله عليه وآله وأئمة للأمة ، ولذا يؤولون الآيات والأحاديث التي تدل على عصمتهم وإمامتهم عليهم السلام ، ويجعلون درجة علي عليه السلام رابع الصحابة لأنه كان الخليفة الرابع ، وأكثرهم يفضل عليه أبا بكر وعمر وعثمان ، وقد يفضلون عائشة على فاطمة الزهراء عليها السلام ، كما يفضلون بعض التابعين العاديين على أئمة أهل البيت عليهم السلام أمثال الإمام زين العابدين ، والإمام محمد الباقر ، والإمام جعفر الصادق عليهم السلام !
    ويترتب على هذا الفهم أمور عديدة ، تظهر في المعالم التالية:

    الأول: أن النبي صلى الله عليه وآله توفي عندهم بدون وصية كتبية ولاشفهية! وأن الصحابة هم الأصل بعد النبي صلى الله عليه وآله والأفضل من جميع الأمة عبر أجيالها ، وعنهم يتلقون دينهم ، ولايهتمون بالرأي المخالف لهم ، بل يعتبرونه انحرافاً عن الإسلام حتى لو كان صادراً من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله !
    بل تراهم يقرنون الصحابة بالنبي في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله ، وقد يحذفون منها الصلاة على آل النبي ، مع أنهم رووا في أصح صحاحهم أن النبي صلى الله عليه وآله علمهم الصلاة عليه وأمرهم أن يقرنوا به آله عليهم السلام فقط !

    الثاني: عندما يقولون (الصحابة) فلا يقصدون المئة ألف شخص وأكثر ، الذين رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسموهم صحابة ، ولايقصدون أهل بيته علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام الذين هم أهل بيت وصحابة !
    بل هم عملياً يقصدون أربعة رجال من الصحابة هم: أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، ومن وافقهم ، ومعهم امرأتان هما: عائشة وحفصة ، ومن وافقهما .
    أما باقي الصحابة فهم مقبولون عندهم بشرط أن يوافقوا هؤلاء الستة ، ولا عبرة بقول جميع الصحابة إن خالفوا الستة ، أو خالفوا عمر وحده !


    الثالث: لايقول السنيون نظرياً بعصمة هؤلاء الصحابة الستة ، لكنهم عملياً يرون عصمتهم كمجموع ، بل يرون عصمة عمر وأبي بكر خاصة ، فهم لا يقبلون أن يوجه اليهما أي نقد ! ويحاولون تصحيح أفعالهما وأقوالهما حتى في مقابل النبي صلى الله عليه وآله ! ويحكمون بضلال من ينتقدهما ، أو بكفره !

    الرابع: أن تاريخ الإسلام في رأيهم صحيح على عمومه ، ونظام الخلافة الذي أسسه أهل السقيفة نظام شرعي، وما ارتكبوه من إقصاء أهل البيت عليهم السلام وما اقترفوه في حقهم وحق من عارضهم، من بطش وتقتيل وتشريد وحروب كلها طبيعية ومغفورة ، والحق فيها مع الصحابة ككل ، فإن لم يمكن جعل الحق مع الكل ، فالحق مع أبي بكر وعمر ، والضلال في من يقابلهم !

    كما أن الدعوة الى إقامة نظام إسلامي في عصرنا ، تعني عندهم الدعوة الى تطبيق فقه المذاهب الأربعة ، وإعادة أمجاد نظام حكم الخلافة الإسلامية عبر العصور ، وخاصة خلافة أبي بكر وعمر .

    2- الإتجاه الزيدي في فهم النبي وآله صلى الله عليه وآله

    وهم يعتقدون أن الإمامة في ذرية علي وفاطمة عليهما السلام ، وأن الإمام بعد الحسين هو الإمام زين العابدين عليهم السلام ، وبعده زيد بن علي بن الحسين ، وبعده من اجتمعت فيه شروط الإمامة التي توجب البيعة والطاعة وهي ثلاثة: أن يكون من ذرية علي وفاطمة عليهما السلام ، وأن يكون عالماً ، وأن يقوم بالسيف .
    ولكنهم يعتقدون بعصمة أهل الكساء عليهم السلام ، دون بقية أئمتهم .

    3- الإتجاه الإسماعيلي في فهم النبي وآله صلى الله عليه وآله

    يرى المذهب الإسماعيلي أن الإمامة في ذريةعلي وفاطمة عليهما السلام ، ويشتركون معنا في إمامة الأئمة من العترة الطاهرة الى الإمام الصادق عليه السلام ، ثم يقولون بإمامة ولده إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام ، ثم بإمامة العشرات من أئمتهم ، ومنهم كل الخلفاء الفاطميين . وبعضهم يعتقد بعصمتهم جميعاً .

    4- الإتجاه الشيعي في فهم النبي وآله صلى الله عليه وآله

    نعتقد نحن الشيعة بإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام وعصمتهم ، وأنهم أئمة معيَّنون من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله مفروضةٌ طاعتهم ، بل هم أفضل الخلق بعد نبينا صلى الله عليه وآله ، ولهم مقاماتٌ عظيمة خصهم الله تعالى بها في نشأتهم في هذه الدنيا وقبلها ، ولهم مع جدهم صلى الله عليه وآله مقام الشفاعة العظمى في الآخرة. وقد يعبر علماؤنا عن النبي وآله صلى الله عليه وآله بأنهم وسائط العطاء والرحمة والفيض الإلهي .
    ويترتب على هذا الفهم أمور ، تظهر في المعالم التالية:

    الأول:أن العصمة التي نعتقد بها للنبي صلى الله عليه وآله عصمةٌ كاملة عن جميع المعاصي الكبائر والصغائر ، قبل البعثة وبعدها ، في تبليغ الرسالة وغيره . وكذلك عصمة الأئمة من عترته عليهم السلام ، مع أنهم أئمة وليسوا أنبياء .

    الثاني: أن أهل البيت المعصومين عليهم السلام هم مصدر التلقي الوحيد للكتاب والسنة بعد النبي صلى الله عليه وآله ، والميزان الوحيد لصلاح الصحابة والأمة أو الحكم بانحرافهم عن الإسلام، فالأئمة من العترة النبوية هم الأفضل وهم الأصل، ولا عبرة بقول من خالفهم من الصحابة وغيرهم ، وذلك لثبوت عصمتهم ، وأمر النبي صلى الله عليه وآله باتباعهم والتلقي منهم وحدهم .

    والآيات والأحاديث التي تدل على ذلك كثيرة رواها الجميع، كقوله صلى الله عليه وآله :
    إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدودٌ من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروني بِمَ تخلفوني فيهما . (مسند أحمد:3 /17).
    وقال السرخسي: قال عليه السلام : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، إن تمسكتم بهما لم تضلوا بعدي. وقال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . (أصول الفقه:1/314)

    الثالث: أن مذهب أهل البيت عليهم السلام هو الإسلام كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو استمرار خط النبوة بالأئمة الذين أمر النبي صلى الله عليه وآله الأمة باتباعهم بعده .
    ويصح وصف التشيع بأنه مذهب ، لكن بمعنى أشمل من المذاهب الفقهية والكلامية التي أنشئت في القرن الأول والثاني ، في العصرالأموي والعباسي .

    الرابع: أن قضية أهل البيت النبوي عليهم السلام هي لبُّ الإسلام ، وظلامتهم هي ظلامة الإسلام ، وفضائلهم فضائل الإسلام ، وأن الأولوية في العمل الإسلامي لتعريف المسلمين والعالم بهم ، ورد الشبهات عنهم وعن شيعتهم ، والدفاع عن حقهم ودفع ظلامتهم ، وتطبيق الإسلام الذي تلقيناه منهم .

    الخامس: أن مسار تاريخ الإسلام على عمومه غير صحيح ، ما عدا ما أمضاه الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام وأقروه من الفتوحات التي خطط لفتحها النبي صلى الله عليه وآله وأدار فتوحها علي عليه السلام وقاد تلامذته أهم مراحلها .
    ونظام الحكم الذي أسسته قبائل قريش في السقيفة غير شرعي ، ما عدا خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، وخلافة الإمام الحسن عليهما السلام التي عاشت ستة أشهر .
    والذي صنعته قبائل قريش وارتكبته مع النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله هو أسوأ أنواع الإنقلابات التي قامت بها أمة في حياة نبيها وبعده ، ضده وضد أوصيائه!
    وقد فتحوا بذلك أبواب الظلم والصراع في الأمة ، وحرفوا مسيرة الإسلام عن خطها الصحيح ، حتى يظهر المهدي عليه السلام فيعيد الحق الى نصابه !
    ومن هنا كانت البراءة من ظالمي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله من أصول مذهبنا الى جنب ولايتهم ومودتهم وطاعتهم عليهم السلام .

    5- الإتجاه الشيعي التركيبي أو الإلتقاطي في فهم النبي وآله صلى الله عليه وآله .
    وهو الإتجاه المتأثر بأفكار السنيين وأحياناً بأفكار الغربيين ، وقد توسعنا فيه ، لأنه يتصل بموضوعنا مباشرة .
    وأصحاب هذا الإتجاه ليسوا فرقة متميزة عن الشيعة ، بل هم أفرادٌ في أوساطهم ، ويظهر اتجاههم من أقوالهم وبعض كتاباتهم .
    وأبرز معالم هذا الإتجاه الأمور التالية:

    الأول ، أن أصحابه ينكرون عدداً من فضائل الأئمة ومقاماتهم عليهم السلام ، مثل أن الله خلق نورهم قبل خلق العالم ، وأنهم وسائط عطاء الله تعالى وفيضه ، وأن لهم ولاية تكوينية على العالم.. الخ. ويحرصون على تقديم شخصياتهم عليهم السلام بعيدةً عن عناصر الغيب التي فيها ، كأنهم مجرد أئمة مذهبٍ من المذاهب! بينما هم عليهم السلام أئمةٌ ربانيون معينون من الله تعالى ، وعلمهم منه سبحانه ، فهم ورثة الكتاب والعلم الإلهي ، وعندهم مواريث الأنبياء عليهم السلام ، وهم ملهمون من الله تعالى ، فلا يقاس بهم أحد ، ولا تقاس شخصياتهم بغيرهم ، ولا مذهبهم ببقية مذاهب الدول التي اضطهدتهم وأقامت مقابلهم علماء أسسوا لها هذه المذاهب ، وجمعوا أصولها وفروعها خليطاً من مصادر الإسلام ، ومقولات أهل الكتاب ، وظنون مؤسسيها !

    الثاني: يدعو أصحاب هذا الإتجاه الشيعة الى تركيز اهتمامهم على الولاية دون البراءة ، وأن يكتفوا بذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام دون ذكر مظالمهم ودون البراءة من أعدائهم وظالميهم ، حتى لايثيروا بذلك حساسية أتباع المذاهب السنية ، وغيرتهم على أئمتهم وحكامهم الذين ظلموا أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله !
    وقد يفرط بعضهم في التنازل عن ظلامة أهل البيت عليهم السلام فيعتبر أنها مسألة تاريخية لايصح أن نهتم بها كثيراً ، لأن الإهتمام بالقضايا العامة أولى منها !

    الثالث: يشارك أصحاب هذا الإتجاه السنيين في نظرتهم الى تاريخ الإسلام بشكل عام ، ويرون أن الدعوة الى إقامة النظام الإسلامي في عصرنا تعني الدعوة الى إعادة ما يسمى أمجاد الحضارة الإسلامية ، وأمجاد نظام حكم الخلافة الإسلامية في صدر الإسلام ، وتطبيق ما يختاره الحاكم من فقه المذاهب الأربعة أو الخمسة .

    كما أن نظرتهم الى نظام الخلافة الذي أسسته بطون قريش في السقيفة ، وما نتج عنه من صراع الخلفاء على الحكم ، أقرب الى نظرة السنيين . وإذا ذكرت أمامهم الجرائم التي ارتكبها الخلفاء مع أهل البيت عليهم السلام ، فقد يقرون بهولها ، لكنهم يريدون الإغماض عنها وترك مناقشتها !

    والأمر الأسوأ في آرائهم أنهم يريدون من الشيعة أن يقدموا أهل البيت عليهم السلام الى الأمة ويربُّوا أبناءهم على أنهم شخصيات قيادية ضمن المسار العام للأمة وكأن الأئمة عليهم السلام ارتضوا هذا المسار وعملوا في تقويته ! مع أنهم أدانوا كل المسار ، وحكموا بأنه انحراف عن الإسلام ، وتعاملوا معه من باب الضرورة ، لحفظ كيان الأمة ، وما يمكن حفظه من الإسلام ، وتثبيت خطه الصحيح !

    الرابع: يتبنى بعض أصحاب هذا الإتجاه مفهوماً خاطئاً للوحدة الإسلامية ، فيتصورون أنها تعني الوحدة الفكرية بين المسلمين على القواسم المشتركة بين المذاهب في العقيدة والفقه ، وأنه يجب إهمال ماعدا المشتركات !
    مع أن الوحدة بهذا المعنى هدف خيالي لايمكن تحقيقه إلا بالتنازل عن مجموعة من عقائد المذاهب وأحكامها !
    والوحدة الإسلامية الصحيحة هي وحدة المسلمين السياسية في مواجهة أعدائهم ، ووحدتهم بتعاونهم لتحقيق النهوض بشعوبهم ، وهذا لايتنافي مع المحافظة على حرية المذهب ، وحرية البحث العلمي المذهبي مع حفظ الأدب الاسلامي ، ولا مع العمل لبيان ظلامة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله .

    لهذه الأسباب وغيرها ، صحت تسميتهم بأصحاب الإتجاه التركيبي ، وأحياناً تصح تسميتهم بأصحاب الإتجاه الإلتقاطي .

    *************

    معايشتي لتأثير الموجة الشيوعية على العراق في ولادة الفهم الإلتقاطي


    أحمد الله تعالى حيث وفقني في نشأتي لأن أعيش في أجواء المرحوم آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره ، حيث كان يقضي شهور الصيف في قريتنا ياطر ، من جنوب لبنان ، وكان يفيض على القرية والمنطقة من روحانيته الصافية ، وعمق ولائه لأهل البيت الطاهرين عليهم السلام .
    وكان من فضله عليَّ رحمه الله أن شجعني على طلب العلم في سن مبكرة ، وهيأ لي أستاذي آية الله الشيخ ابراهيم سليمان حفظه الله ، الذي كان يعيش أجواء السيد شرف الدين قدس سره في الولاء ، فدرست عنده نحو ثلاث سنوات .
    ثم عشت في الحوزة العلمية في النجف الأشرف في أجواء هذا الفهم والولاء لأهل البيت الطاهرين عليهم السلام ، وكنت مهتماً الى جانب دراستي ، بقراءة سيرتهم عليهم السلام والتعرف عليهم أكثر ، فكنت أقضي ساعات طويلة في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في أوائل تأسيسها في قراءة السيرة من كتاب البحار وغيره ، وكنت أشاهد العلامة الأميني قدس سره مشغولاً في تأليف موسوعة الغدير ، أو أراه في حرم أمير المؤمنين عليه السلام مستغرقاً في الصلاة أو في الزيارة .

    في تلك الفترة عايشتُ في النجف الصراع الذي احتدم بين الحوزة الدينية وموجة الشيوعيين(1377-1381هجرية 1958ـ1962ميلادية) ، وشاهدت معاناة الشعب العراقي منهم ، وتحملتُ بعض ما تحمله المتدينون وطلبة الحوزة خاصة من تحديات وإذلال وخطر ، الى أن استطاع المرجع السيد الحكيم قدس سره أن يصدر فتواه في الشيوعية ، ويحدث ضدهم موجةً شعبيةً قويةً .
    رأيتُ كيف هبت الحوزة والمسلمون في كل محافظات العراق في موجة إسلامية ضد الشيوعيين وأفكارهم وتصرفاتهم ، ثم رأيت كيف بدأت الحوزة تفكر في انتهاج طرق جديدة في التوعية الإسلامية ، لمواجهة الأخطار الشرسة على الدين والمتدينين .
    فقد تصدت الحوزة للموجة الشيوعية بكل فئاتها ، التقليديون والمثقفون أو الواعون كما كنا نسميهم ، لكن الذين واصلوا العمل الحركي مثقفون يكثر فيهم الإتجاه التركيبي في فهم الأئمة عليهم السلام ، وقد أثروا على بعض الحوزويين ، وكنت أتأثر بهم في بعض المفاهيم ، وأناقشهم في بعضها .

    وقد تبنينا باعتبارنا اتجاهاً واعياً في الحوزة رؤية لشخصياتهم وسيرتهم عليهم السلام ، وقبلتها يومذاك على تأمل في بعضها ، لكنها لم تُقنع أعماقي ، فكنت في داخلي أبحث عن رؤية أكثر إقناعاً .

    كانت رحلتي في البحث عن الفهم الصحيح للنبي والمعصومين عليهم السلام من أصعب الرحلات الفكرية ! لأني قطعت مسافتها وأنا في وسط يتبنى الإتجاه التركيبي ويعمل به !
    وقد أنعم الله تعالى عليَّ بحب القراءة ، فقرأت الكافي بمجلداته الثمانية ، والبحار بمجلداته المئة ، وكتب الصدوق كلها، وعشرات الدورات في التفسير والحديث والتاريخ والكلام ، من مصادر الشيعة والسنة ، مضافاً الى الكتب الجديدة ، التي قرأت أكثرها ، أو تصفحته !

    كنت يوماً أقرأ في روضة الكافي حديثاً عن الإمام محمد الباقر عليه السلام يفسر قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شئ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ.(سورة الأنبياء:30) يقول فيه الإمام الباقر عليه السلام :
    إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض كانت السماوات رتقاً لاتمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لاتنبت شيئاً ، فلما أن تاب الله عز وجل على آدم أمر السماء فتقطرت بالغمام، ثم أمرها فأرخت عزاليها ، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهَّقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها ، وهذا فتقها .

    قرأت ذلك فقلت في نفسي: ما أغبانا! ركضنا وراء ثقافة الإخوان المسلمين وابتعدنا عن ثقافة أهل البيت الطاهرين عليهم السلام الذين عندهم علم الكتاب !
    لقد مضى علينا سنين ونحن نأخذ بقول سيد قطب وأمثاله، ونفسر الآية في تدريسنا ومحاضراتنا بأن السماء والأرض كانتا قطعة واحدة ، ففصَّلَهما الله تعالى الى أرض ونجوم وكواكب... الخ .

    تأملْ في الآية لتراها تنطق بصحة تفسير الإمام الباقر عليه السلام لأن المخاطب فيها الكفار لينظروا فصول السنة ، وموضوع الآية نظام التبخير والإمطار ، ولا علاقة له بفصل الأرض عن السماء ، فانظر الى قوله: فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ..!

    وقد جاء كلام الإمام الباقر عليه السلام هذا ضمن هذه الرواية التي نوردها لفوائدها :

    في الكافي:8/120، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفر(الإمام الباقر عليه السلام ) في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك وكان معه نافع مولى عبدالله بن عمر بن الخطاب (من علماء النصارى وكان ناصبياً يميل الخوارج) ، فنظر نافع إلى أبي جعفر في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس ، فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداكَّ عليه الناس؟!
    فقال: هذا نبيُّ أهل الكوفة ، هذا محمد بن علي !
    فقال: إشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لايجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي ! قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله !
    فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لايجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي! قال: فرفع أبوجعفر عليه السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.
    فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمدمن سنة؟ قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟ قال: أخبرني بالقولين جميعاً . قال: أما في قولي فخمس مائة سنة ، وأما في قولك فست مائة سنة .
    قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. (سورة الزخرف:45) مَن الذي سأل محمدٌ وكان بينه وبين عيسى خمس مائة سنة؟
    قال: فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية:سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيل عليه السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه:حي على خير العمل، ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم، فلما انصرف قال لهم: على مَ تشهدون ، وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا !
    فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر ، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُون؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لاتمطر شيئاً ، وكانت الأرض رتقاً لاتنبت شيئاً ، فلما أن تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام أمر السماء فتفطرت بالغمام ، ثم أمرها فأرخت عزاليها ، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار ، وأثمرت الثمار ، وتفهقت بالأنهار ، فكان ذلك رتقها وهذا فتقها .
    قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل:يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَالأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِد ِالْقَهَّار.(سورة ابراهيم:48) أي أرض تبدل يومئذ ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب!فقال نافع:إنهم عن الأكل لمشغولون؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟ فقال نافع: بل إذ هم في النار. قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم !
    قال: صدقت يا ابن رسول الله ولقد بقيت مسألة واحدة ، قال: وما هي؟ قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟
    قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ؟! سبحان من لم يزل ولا يزال ، فرداً صمداً ، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً .

    ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه ، قال: وما هو ؟ قال: ما تقول في أصحاب النهروان؟ فإن قلت: إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت ، وإن قلت: إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت؟!
    قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقاً !
    فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك! هذا والله أعلم الناس حقاً حقاً وهو ابن رسول الله حقاً ، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً). انتهى.

    وقد ذكر سيد قطب تفسير الآية بفتق الأرض عن السماء في عدة مواضع من تفسيره: قال في أحدها (ص2376): (وقد يشير القرآن أحياناً إلى حقائق كونية كهذه الحقيقة التي يقررها هنا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ، ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في القرآن ، وإن كنا لانعرف منه كيف كان فتق السماوات والأرض أو فتق السماوات عن الأرض، ونتقبل النظريات الفلكية التي لاتخالف هذه الحقيقة). انتهى .

    وقد أخذه سيد قطب من مفسري الدولة الأموية . (نسبه الطبري:17/25، الى الحسن وقتادة ومجاهد ، ونسبه الرازي الى كعب الأحبار ، كما في البحار:54/14).

    إن تفسير هذه الآية ما هو إلا نموذج بسيط ليس فيه معاناة تذكر ، لكن المعاناة كانت عندما تصطدم النصوص التي نقرؤها بتصورنا الذي غرسناه في أذهاننا عن الأئمة عليهم السلام ! فكم فكرت في مشروع فهمهم عليهم السلام الذي تبنيناه في الحركة الإسلامية ، فلم أستطع تطبيقه على نصوص سيرتهم عليهم السلام ، ولاعلى أصول فعل الله تعالى العليم بعلمه المطلق ، الحكيم بحكمته المطلقة .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي تتمة الموضوع ..

    مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع

    نوجز فيما يلي أهم عوامل الفهم التركيبي أو الإلتقاطي للتشيع ونتائجه ، في تسع مسائل ، وإن كانت كل واحدة منها تستحق كتاباً لتفصيلها.

    المسألة الأولى

    النظرة الخاطئة الى التاريخ الإسلامي

    في مطلع هذا القرن كان تحدي الغربيين للإسلام والمسلمين كبيراً ، فقد أخذهم الغرور بثورتهم الصناعية وتقدمهم المادي ، ونشطوا لغزوا العالم ، وأخذوا يروجون لنظرية تفوق الإنسان الأوروبي ، بينما كان العالم الإسلامي غارقاً في الركود والتخلف ، تحت حكم الخلافة العثمانية ، والقاجارية...
    وبعد استفحال موجة الغزو الغربية ، جاءت موجة المد الشيوعي واليساري في أوائل هذا القرن أيضاً ، وكان تحديهم أكثر صراحة ووقاحة !

    وكان الرد الطبيعي من علماء المسلمين ومثقفيهم أن قالوا لهم: مهلاً أيها الغربيون والشرقيون ، لاتفخروا علينا فنحن أيضاً أبناء دين وحضارة وأمجاد !
    لقد استطاع نبينا صلى الله عليه وآله وديننا العظيم أن يؤسس مداً حضارياً ، وينشئ دولة عالمية ، في مدة قياسية ، في حين كنتم أنتم غارقين في الركود والتخلف !
    نحن هزمنا كسرى وقيصر وفتحنا بلادهما ، وأقمنا دولاً حديثة وحضارة عالمية ، أسسنا فيها العلوم ، وعلمنا الشعوب ، ومن جملتهم أنتم !
    إنكم مدينون لنا في ثورتكم الصناعية وحضارتكم ، لأنا نحن الذين أسسنا العلوم الطبيعية فاستثمرتموها وطورتموها ، فنحن المؤسسون والأساتذة ، وأنتم التلامذة النابغون !
    أما العلوم الإنسانية فكنا وما زلنا معلمين فيها لكم ولغيركم ، لأن ما يوجد في الإسلام من مبادئ وقيم وشريعة سماوية عادلة فوق ما عندكم ، وما زالت مجتمعاتكم بجاجة اليه !
    كان هذا المنطق هو السائد عند المسلمين ، وفيه قدر من الصواب ، وفيه ردة فعل وتفاخر بـ(القومية الإسلامية) .

    وعندما نجح الغربيون في إسقاط الخلافة العثمانية سنة 1925م. بمساعدة الحركة الوهابية وحركة القومية العربية ، وسيطروا على البلاد التي كانت تحكمها ، وأقاموا فيها دولاً قومية عربية وغير عربية.. طفحت ثقافتهم التي تنتقد الدين والتاريخ الإسلامي ، وتأثر بها أبناء المسلمين ، فتعززت عند المتدينين مكانة ثقافة القومية الإسلامية .

    وكان أمثال السيد جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده ، والشاعر محمد إقبال لاهوري ، يمثلون فكر إنهاض الأمة ، في مقابل موجة الغزو الغربي وثقافته ، وعلى وَقْع صيحاتهم وأفكارهم تأسست الحركات والأحزاب الإسلامية في أندونيسيا ، ثم في مصر ثم في بقية البلاد ، وتبنت ثقافة التفاخر بأمجاد الإسلام وتاريخه وخلافته .

    كان من السهل عليك أن تلاحظ أيام الموجة الشيوعية في العراق وبعدها كتب الإفتخار بأمجاد الإسلام تملأ أسواق الكتب في النجف ، وتختار ما تريده من كتب جمال الدين الأفغاني ، وحسن البنا ، والمودودي ، ثم سيد قطب ، ومحمد قطب ، وظفر الدين خان..الى آخر قائمة المؤلفين الذين يجيبون على فكر الغربيين واليساريين ، ويتفاخرون بأمجاد الإسلام وتاريخه .
    كانت تلك الكتب مادة المتدينين لمناقشة الشيوعيين في العراق ، ومادة الخطيب في مساجد مصر ولبنان والهند ، ومادة مقدم البرنامج الديني في إذاعات الدول العربية التي تسمح بذلك .
    كانت أنشودتنا الفكرية هي النظرة السنِّية الىأمجاد تاريخ الاسلام في فتوحاته وحضارته وشمول دولته لكل آسيا وإفريقيا ، ووصولها الى فرنسا .

    هذه النظرة التي تكاد تعتبر أن كل ما حدث في تاريخنا كان صحيحاً بل معجزة ، وتقول إن الأمة ابتعدت عن ذلك الإسلام الصحيح فتسلط عليها أعداؤها وقوضوا كيانها السياسي المتمثل بالخلافة العثمانية ، وأن علينا إعادة دولة الخلافة مجدداً ، مع تحسينات تجعلها تتسع لجميع مذاهبه .

    لكن هذا الفكر إن صح جواباً على هجمة الثقافة الغربية والشيوعية ، فلا يصح أن يؤثر علينا نحن أتباع أهل البيت عليهم السلام فنعطي الشرعية لمسار هذا التاريخ وأنظمته ، وننتقص من مقام أهل البيت الطاهرين عليهم السلام بصفتهم أصحاب المشروع البديل لكل التاريخ الإسلامي ، وإن لم يطبق مشروعهم بعدُ .

    فلا بد لنا أن نركز أولاً على قضيتهم عليهم السلام بصفتها البرنامج الرباني الذي تركته الأمة ، فتخبطت في ضياعها وصراعاتها وعانت منها ، أكثر مما نَعِمَتْ بما بقي فيها من زَخْم نبوي وهداية ، سلمت من شر برنامجها الأرضي !

    لذلك وجب علينا أن نتعامل بدقة مع مفردات الفتوحات والإنجازات المدنية والحضارية التي حققتها الأمة قبل أن تضعف وتنهار ، فننظر الى كل مفردة على حدة ، ونقيِّمها بميزان الإسلام من وجهة نظر أهل البيت عليهم السلام .

    مثلاً الدخول التاريخي للنعمان بن مقرن رحمه الله على كسرى يزدجرد ، وكان اختاره علي عليه السلام وأشار على عمر أن يرسله اليه ، فدخل عليه باعتزاز ودعاه الى الإسلام أو الجزية !
    هذا أمرٌ يعتز به المسلم ، فإنَّ من أمجاد الإسلام أنه جعل واحداً من شيوخ قبيلة مزينة الصحراوية كالنعمان ، يخاطب رئيس ثاني أمبراطورية في العالم بهذا الخطاب القوي الواثق ! ( تاريخ اليعقوبي:2/143).

    وقصةُ الحمامة التي عششت على خيمة للجيش الإسلامي الذي فتح مصر ، وعندما أرادوا أن يرحلوا أخذتهم الشفقة على فراخها أو بيضها فتركوا لها الخيمة أو الفسطاط ، فسميت المنطقة بفسطاط مصر !
    هذه القصة أيضاً من أمجاد الإسلام لأنها رمزٌ تحول إنساني أحدثه الإسلام في نفوس العرب الذين كان بعضهم يدفنون بناتهم وهن أحياء!(معجم البلدان:4/263)

    وحقيقةُ أن المسلمين كانوا أرحم الفاتحين ، حتى أن كثيراً من أهل البلاد المفتوحة طلبوا منهم فتح بلادهم ، وإنقاذهم من استعمار الروم والفرس !
    هذه أيضاً من أمجاد الإسلام التي تخفف من الأخطاء ، والقتل ، والنهب ، التي ارتكبها المسلمون في عمليات الفتح .

    وعلى صعيد الحضارة ، والمدنية ، والقوة السياسية للدولة الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى وفي العهد العثماني ، تكثر قائمة الإنجازات الإيجابية...

    لكن ذلك لايجيز لنا أن نغمض عيوننا عن السلبيات الكبرى في تاريخ الإسلام ، التي جرَّت الأمة الى أسوأ نتائج الضعف والإنهيار !
    ولو لم يكن منها إلا مواجهة الأمة لنبيها صلى الله عليه وآله في حياته ، ورفضها التعهد له بتنفيذ كتابه الذي يؤمِّنُها من الضلال والإنحراف والإنهيار ، لكفى !

    ولو لم يكن منها إلا رفض الأمة منظومة الترتيب الإلهي للحكم بعد نبيها وإقصاؤها آل نبيها صلى الله عليه وآله عن الحكم ، وجعلها الخلافة لقبائل قريش ، لمن غلب منهم بالسيف ، لكفى !

    ولو لم يكن منها إلا الحكم الديكتاتوري ومصادرة حريات الأمة ، وتشريع بيعة الحاكم بالتهديد بالسيف ، من يوم السقيفة الى يومنا هذا ، لكفى !

    أليس عجيباً أن نقول إن الإسلام أعطى الإنسان قيمته الإنسانية ، وضمن له حرياته المشروعة ، ثم نرى أنه بمجرد أن أغمض النبي صلى الله عليه وآله عينيه صادروا حريات المسلمين في سقيفة قريش ، وسَنُّوا سُنَّة البيعة بالإجبار والتهديد بالقتل وحرق البيوت ! فلم نجد بعد ذلك اليوم في تاريخ الأمة حاكماً لم يجبر المسلمين على بيعته ، غير الإمامين علي والحسن عليهما السلام !

    إن علينا عندما ننظر الى أمجاد الإسلام العظيمة ، أن ننظر الى ما يقابلها من جرائم عظيمة ، أدت الى تبخير كل ذلك الكيان ، وجعله حكايةً في خبر كان!

    وعندما نتحدث عن أزهى عصور الإسلام وقوة دولته في عصر هارون الرشيد ، علينا أن نعرف أيَّ سفاح كان هذا الخليفة ، الذي رأى كرامات الإمام الكاظم عليه السلام ومعجزاته وشاهد آيات الله على يديه ، فازداد قلبه قسوة ولم يقنع بسجنه الطويل ، حتى قتله !

    أن نعرف أن هذا (الخليفة الرشيد) ظل يتلذذ بسفك الدماء وتقطيع الناس الى أشلاء الى آخر دقيقة من حياته كما يرويه محبوه وليس مبغضوه !
    قال الطبري في تاريخه:6/525: (عن ابن جامع المروزي عن أبيه قال: كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخ رافع ، قال فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع، وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه ، قال فسمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، ونظر إلى أخ رافع فقال: أما والله يا ابن اللخناء إني لأرجو أن لا يفوتني خامل ، يريد رافعاً، كما لم تفتني ! فقال له: يا أميرالمؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي فافعل ما يحب الله ، أكن لك سلماً ، ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ! فغضب وقال: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال: لاتشحذ مداك ، أتركها على حالها! وفَصِّلْ هذا الفاسق وعجل لايحضرنَّ أجلي وعضوان من أعضائه في جسمه ! ففصله حتى جعله أشلاءً ! فقال: عُدَّ أعضاءه ، فعُدَّت له أعضاؤه فإذا هي أربعة عشر عضواً ! فرفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كما مكنتني من ثأرك وعدوك فبلغت فيه رضاك ، فمكني من أخيه! ثم أغمي عليه وتفرق من حضره! ) . انتهى.

    ولم يكن الخلفاء العثمانيين أفضل من هذا الخليفة القصاب ، بل أسوأ !
    إن الذين حكموا الأمة من مخالفي أهل البيت عليهم السلام مَثَلُهُمْ كقراصنة بحرٍ سَطَوْا على سفينة نبيٍّ ، فاعتقلوا ربانها ومعاونيه ، وأبحروا بالسفينة وأهلها وحاربوا لصوصاً آخرين في طريقهم ، وحققوا عليهم انتصارات .
    وفي المقابل اضطهدوا أهل السفينة وساموهم سوء العذاب ، واتخذوا بعضهم أعواناً ، ولم يوصلوا السفينة الى الساحل ، بل اختلفوا فيما بينهم وتقاتلوا ، فرسَوْا بها في جزيرة ، فاستلمها لصوص أجانب غنيمةً باردة !

    وخلاصة الأمر: ما دمنا نؤمن بإمامة أهل البيت النبوي عليهم السلام وظلامتهم العظيمة ونقيِّمُ تاريخ الإسلام بميزان الإسلام ، فلا بد أن ننظر معاً الى الوجهين المضئ والمظلم ، فهذا الوجه المظلم هو الذي قوض الكيان الشكلي للإسلام ومكَّن الظلام الغربي من السيطرة !

    العلاقة بين المعصوم عليه السلام وغاصبي سلطته:

    من أبرز مصاديق الخلل في فهم تاريخ الإسلام ، الخطأ الذي يقع فيه بعض هؤلاء في فهم العلاقة بين الأئمة المعصومين عليهم السلام وغاصبي سلطتهم .
    فمن الواضح أن الجدلية بين نبي صادق عليه السلام ومُدَّعٍ للنبوة ، أو بين إمامٍ مختارٍ من ربه عليه السلام وبين غاصبٍ لسلطته ، لايمكن أن تكون إلا جدلية النفي التام ! فالقيادة المعصومة والغاصبة ضدان يستحيل أن يجتمعا . ومهما بدا لنا من إمضاء المعصوم عليه السلام لوضعٍ من الأوضاع ، فلا بد أن يكون رحمةً بالأمة من أجل تقليل الضياع ، وتأخير الإنهيار ، وحفظ ما يمكن من المهدور ، وتصريف ما يجب تصريفه من الأمور .
    ومحالٌ أن يكون إعطاءَ روحٍ لميت ، أو منحَ شرعيةٍ لغاصب !

    وبهذا نعرف أن كل محاولات التقليل من هذه الجدلية لاتنسجم مع أسِّ أساس المذهب الذي هو بيعة الغدير ، وبقية نصوص النبي صلى الله عليه وآله القاطعة على إمامة علي عليه السلام والعترة الطاهرة وعصمتهم عليهم السلام ، ولا مع موقف أمير المؤمنين والصديقة الزهراء وجميع الأئمة عليهم السلام الذي يؤكد على أن كل ترتيب يزعمه أحد في قبال المعصوم فهو ردٌّ على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ومَعْلَمٌ من معالم الضلال البشري في مقابل الهدى الإلهي ، وخطُّ انحرافٍ في مقابل الصراط المستقيم .
    إن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام مهما أمرونا أن نسكت علىنظام حكم من غصبهم سلطانهم الرباني ، أو أن نتعاون معه في المشتركات ، فلم يجيزوا لنا أن نعطي نظامه حرفاً من الشرعية ، إلا ما جاز في خوف وتقية .

    نسبة الفتوحات الإسلامية الى الولاة لا إلى الأمة:

    يُهَوِّل علينا خصوم أهل البيت عليهم السلام بأن أبا بكر وعمر وعثمان هم الذين قادوا الفتوحات الإسلامية ، وأن علياً عليه السلام انشغل عنها بالحروب الداخلية ، حرب الجمل عائشة وطلحة والزبير ، وحرب صفين مع معاوية ، والنهروان مع الخوارج ، فقد أوقف حركة الفتوحات ، أو أنها كانت تمت قبل عهده .
    وهم يريدون بذلك إثبات فضيلة لخلفاء قريش ، توجب غض النظر عما ارتكبوه من غصب الخلافة ، وإقصاء أهل البيت عليهم السلام !
    وقد أثر هذا التهويل على بعضهم لعدم اطلاعهم على دور أمير المؤمنين عليه السلام ودور الأمة في الفتوحات . ونكتفي هنا بذكر ملاحظات كلية حول ذلك :

    1 ـ لقد هيأ النبي صلى الله عليه وآله المسلمين للفتوحات وأخبرهم من أول بعثته بأن الله تعالى وعده أن تفتح أمته بلاد كسرى وقيصر وتملك كنوزهما ، وكان ذلك معروفاً للجميع وكأنه من عقائد الإسلام وأحكامه .
    ففي مجمع الزوائد:9/103: (عن عفيف الكندي قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت مكة فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبايع منه بعض التجارة وكان امرأ تاجراً قال: فو الله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه إذ نظر إلى السماء فلما رآها مالت قام يصلي ، ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج ذلك الرجل منه فقامت خلفه تصلي ، ثم خرج غلام حين ناهز الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي . قال فقلت للعباس يا عباس: ما هذا ؟ قال: هذا محمد بن أخي بن عبد الله بن عبد المطلب . قال قلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة ابنة خويلد . قال: فقلت من هذا الفتى؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه . قال قلت: فما هذا الذي يصنع ؟ قال: يصلي وهو يزعم أنه نبي ، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى ، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر !!
    قال فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول وأسلم بعد فحسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانياً مع على بن أبي طالب !! رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والطبراني بأسانيد ، ورجال أحمد ثقات.).انتهى.

    وفي الكافي:8/216: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (لما حفر رسول الله صلى الله عليه وآله الخندق مروا بكدية (وصلوا الى صخرة صلبة) ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وآله المعول من يد أمير المؤمنين عليه السلام فضرب بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لقد فتح عليَّ في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر ، فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلى) !
    ونسب ابن هشام في سيرته:2/365 و:3/706 ، هذا القول الى مُعتَّب بن قشير الأنصاري . والمهم إثبات أن الوعد الإلهي بالفتوحات كان معروفاً للجميع ، وأن الأمة كانت متحفزة لذلك ، ومعتقدة أن فتح بلاد فارس والروم وعدٌ من الله الذي لايخلف الميعاده ، وأن أي حاكم يتولى السلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله كان محكوماً لهذه العقيدة ، مجبوراً على أن يوجه الأمة وجهتها النبوية .

    2- أن خلافة أبي بكر كانت نحو سنتين ، ولم يكن فيها إلا مقدمات الفتوحات , أما في خلافة عمر فكان علي عليه السلام هو المدبر الحقيقي للفتوحات ، وكان تلاميذه الفرسان عمدة قادتها الميدانيين ، مثل عمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن عمرو ، وحجر بن عدي ، ومالك الأشتر ، وهاشم المرقال ، وعبادة بن الصامت ، وخالد بن سعيد بن العاص وإخوته أبان وعمرو ، وبريدة الأسلمي ، وبلال بن رباح ، وعبدالله بن خليفة البجلي، وعدي بن حاتم الطائي، وبديل بن ورقاء الخزاعي والنعمان بن مقرن.. وغيرهم من الفرسان الذين كانوا من شيعة علي عليه السلام ، والذين قامت على أكتافهم حروب الفتوحات .

    ويكفي أن نعرف أن المسلمين هزموا في أول معركة لهم مع الفرس قرب الكوفة ، وهي التي تسمى (يوم القادسية ، ويوم الجسر ، وقيس الناطف) حتى طمع الفرس في غزو المدينة ، وأعدوا جيشاً ذا عدد ، فخاف عمر واستشار الصحابة ، فثبته أمير المؤمنين عليه السلام وطمأنه بالنصر ، وأشار عليه أن يقيم في المدينة ويرسل مدداً للمسلمين ، واختار لمددهم عدداً من القادة الفرسان .
    ومن المعروف عن عمر أنه كان خوافاً ولم يكن يوماً فارس حرب ، وقد شهد بأن أبا بكر وصفه بالجبن والخور ! ففي كنز العمال: 6/527: ( عن عمر قال: لما قبض رسول الله ارتد من ارتد من العرب وقالوا: نصلي ولانزكي فأتيت أبا بكر فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش ، فقال: رجوت نصرك وجئتنى بخذلانك ! جبار في الجاهلية خوار في الإسلام ! ماذا عسيت أن أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى؟! هيهات هيهات مضى النبي وانقطع الوحي!! والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً ، قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم مني ، وأدب الناس على أمور هانت عليَّ كثير من مؤنتهم حين وليتهم ).

    وبعد أن نصر الله المسلمين وفتحوا أكثر العراق والبصرة والأهواز ، أوقف عمر الفتوحات ! قال الطبري:3/176: (قال عمر حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز ، وددت أن بيننا وبين فارس جبلاً من نار لايصلون إلينا منه ولانصل إليهم ! كما قال لأهل الكوفة: وددت أن بينهم وبين الجبل جبلاً من نار لايصلون إلينا منه ولا نصل إليهم ! ) .
    وفي الطبري:3/246: (عن أبي الجنوب اليشكري عن علي بن أبي طالب قال: لما قدم على عمر فتح خراسان قال لوددت أن بيننا وبينها بحراً من نار ، فقال علي وما يشتد عليك من فتحها ، فإن ذلك لموضع سرور !) .

    والأمر في فتح الشام كفتح العراق ، وهما أساس كل الفتوحات الإسلامية ، فيكفي أن نعرف دور الأبطال من تلاميذ علي عليه السلام مثل حذيفة ، وحجر بن عدي ، وخالد بن سعيد بن العاص الذي كان أبو بكر كتب له مرسوم قيادة فتوحات الشام ، فخالف عمر وأصرَّ عمر على عزله لأنه من شيعة علي ، لكنه ذهب قائدأ ميدانياً ، وهاشم المرقال الذي كان قائد الرجالة ، ومالك الأشتر ، الذي غير الميزان لمصلحة المسلمين في معركة اليرموك وهي أهم معارك المسلمين مع الروم عندما برز الى قائد الروم وبطلهم (ماهان) فقتله !
    قال ابن الأعثم في كتابه الفتوح ص230:
    ( ثم سار ماهان من أرض حمص في مائة ألف فارس ، حتى نزل اليرموك وهو نهر من أنهار بلد الأردن ، فلما استقر به الموضع إذا قناطر قد أقبل في مائة ألف فارس حتى نزل به مع ماهان ، قال: وإذا بطريق من بطارقة الروم يقال له جرجيس قد أقبل من عند ملك الروم مدداً لماهان في مائة ألف فارس ، قال : فصار ماهان في أربعمائة ألف فارس ) .
    وقال في ص268: (وبرز ماهان فخرج إليه رجل من دوس فقتله ماهان ، وخرج إليه ثان فقتله ! وجال ماهان وقوي قلبه ودعا بالبراز فسارع المسلمون إليه وكل يقول: اللهم اجعل قتله على يدي ، فكان أول من برز إليه مالك النخعي ثم جاوله في ميدان الحرب ، فقال له ماهان: أنت صاحب خالد بن الوليد؟ قال: لا ، أنا مالك النخعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فحمل على مالك وضربه بعموده على بيضته فغاصت البيضة في جبهته فشترت عينه ، فمن ذلك اليوم سمي (الأشتر) وكان من فرسان العرب المذكورة ، فصبر نفسه وحمل على ماهان والدم يسيل من جبهته ! وأخذته أصوات المسلمين فقوى عزمه . قال مالك: فاستعنت عليه بالله عز وجل وصليت على محمد صلى الله عليه وآله وضربته ضربة عظيمة فقطع سيفي فيه قطعاً غير موهن ، فلما حس بحرارة الضربة ولى منهزماً ، فصاح خالد بالمسلمين: يا أهل الصبر والبأس إحملوا على القوم ما داموا في دهشتهم...الخ.). انتهى.

    ولامجال لتفصيل دور علي عليه السلام وتلاميذه في الفتوح ، وهو يحتاج الى دراسة جادة تكشف الواقع ، وتنفي عنه تزييف رواة السلطة القرشية .

    قال عليه السلام شاكياً قريشاً:
    ( اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم أضمروا لرسولك صلى الله عليه وآله ضروباً من الشر والغدر فعجزوا عنها ، وحِلْتَ بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليَّ . اللهم احفظ حسناً وحسيناً ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حياً ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد .
    وقال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه ؟ أمرها ؟
    قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلتُ ! إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته !
    ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلماً إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ، وبازلها بكراً !
    ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت: لولا إنه حق لما كان كذا ، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف !!
    وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذاك لم يكن يقرب ما قربت ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة !!
    اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة ، ولا علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام بحدودك والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضي على منهاج نبيك صلى الله عليه وآله ، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك).(شرح النهج:20/298).

    3- حتى لو سلمنا أن لسلطة الخلافة القرشية وخلفائها دوراً في الفتوحات،
    فإن ذلك لايغير من الأمر شيئاً ، ولا يعطي شرعية لحكم خالف النص النبوي والأمر الإلهي وقام على أساس العصبة القبلية وأن قبائل استكثرت على بني هاشم النبوة والخلافة ، فقررت أن تأخذ منهم الخلافة وتجعلها في قبائلها !! وقد صرح بمعنى ذلك عمر بن الخطاب! ولا مجال للتفصيل .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    965

    افتراضي

    الاخ الشيخ العاملي

    لدي سؤال حول الطبعة الثانية
    هل هي نفس الطبعة الأولى المنشورة أم هناك اختلاف بينهما ؟
    لأنه من الضروري والمهم جداً ان كانت هناك آراء أخرى ناقدة أو واقعة تحت النقد , لمراجعتها .
    فربما نجد تخلي عن نقد مضى أو اضافة جديد
    إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ الخزاعي ،

    هذا رابط للطبعة الثانية ، وهي مزيدة ومنقحة .


    http://www.shiaindex.net/alhag/

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    الدولة
    العراق المحتل
    المشاركات
    801

    افتراضي


    بسم الله الرحمن الرحيم
    بالرغم من أن الأخ الخزاعي قد أفاض و أجاد - كعادته - في الرد على هذه المقدمة و الدعاوى التسقيطية و أطاح بها بالضربة القاضية ، لكني أحببت أن أشير اشارة سريعة إلى أحد المقاطع التي تعكس أسلوب صاحب المقدمة في الإستدلال العجيب - إن صح تسميته استدلالاً. و يكفيني من مقدمته هذا المقطع :


    الرسالة الأصلية كتبت بواسطة العاملي
    كنت يوماً أقرأ في روضة الكافي حديثاً عن الإمام محمد الباقر عليه السلام يفسر قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شئ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ.(سورة الأنبياء:30) يقول فيه الإمام الباقر عليه السلام :
    إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض كانت السماوات رتقاً لاتمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لاتنبت شيئاً ، فلما أن تاب الله عز وجل على آدم أمر السماء فتقطرت بالغمام، ثم أمرها فأرخت عزاليها ، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهَّقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها ، وهذا فتقها .

    قرأت ذلك فقلت في نفسي: ما أغبانا! ركضنا وراء ثقافة الإخوان المسلمين وابتعدنا عن ثقافة أهل البيت الطاهرين عليهم السلام الذين عندهم علم الكتاب !
    لقد مضى علينا سنين ونحن نأخذ بقول سيد قطب وأمثاله، ونفسر الآية في تدريسنا ومحاضراتنا بأن السماء والأرض كانتا قطعة واحدة ، ففصَّلَهما الله تعالى الى أرض ونجوم وكواكب... الخ .

    تأملْ في الآية لتراها تنطق بصحة تفسير الإمام الباقر عليه السلام لأن المخاطب فيها الكفار لينظروا فصول السنة ، وموضوع الآية نظام التبخير والإمطار ، ولا علاقة له بفصل الأرض عن السماء ، فانظر الى قوله: فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ..!

    وقد جاء كلام الإمام الباقر عليه السلام هذا ضمن هذه الرواية التي نوردها لفوائدها :

    في الكافي:8/120، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفر(الإمام الباقر عليه السلام ) في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك وكان معه نافع مولى عبدالله بن عمر بن الخطاب (من علماء النصارى وكان ناصبياً يميل الخوارج) ، فنظر نافع إلى أبي جعفر في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس ، فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداكَّ عليه الناس؟!
    فقال: هذا نبيُّ أهل الكوفة ، هذا محمد بن علي !
    فقال: إشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لايجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي ! قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله !
    فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لايجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي! قال: فرفع أبوجعفر عليه السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.
    فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمدمن سنة؟ قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟ قال: أخبرني بالقولين جميعاً . قال: أما في قولي فخمس مائة سنة ، وأما في قولك فست مائة سنة .
    قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. (سورة الزخرف:45) مَن الذي سأل محمدٌ وكان بينه وبين عيسى خمس مائة سنة؟
    قال: فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية:سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيل عليه السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه:حي على خير العمل، ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم، فلما انصرف قال لهم: على مَ تشهدون ، وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا !
    فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر ، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُون؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لاتمطر شيئاً ، وكانت الأرض رتقاً لاتنبت شيئاً ، فلما أن تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام أمر السماء فتفطرت بالغمام ، ثم أمرها فأرخت عزاليها ، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار ، وأثمرت الثمار ، وتفهقت بالأنهار ، فكان ذلك رتقها وهذا فتقها .
    قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل:يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَالأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِد ِالْقَهَّار.(سورة ابراهيم:48) أي أرض تبدل يومئذ ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب!فقال نافع:إنهم عن الأكل لمشغولون؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟ فقال نافع: بل إذ هم في النار. قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم !
    قال: صدقت يا ابن رسول الله ولقد بقيت مسألة واحدة ، قال: وما هي؟ قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟
    قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ؟! سبحان من لم يزل ولا يزال ، فرداً صمداً ، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً .

    ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه ، قال: وما هو ؟ قال: ما تقول في أصحاب النهروان؟ فإن قلت: إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت ، وإن قلت: إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت؟!
    قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقاً !
    فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك! هذا والله أعلم الناس حقاً حقاً وهو ابن رسول الله حقاً ، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً). انتهى.

    وقد ذكر سيد قطب تفسير الآية بفتق الأرض عن السماء في عدة مواضع من تفسيره: قال في أحدها (ص2376): (وقد يشير القرآن أحياناً إلى حقائق كونية كهذه الحقيقة التي يقررها هنا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ، ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في القرآن ، وإن كنا لانعرف منه كيف كان فتق السماوات والأرض أو فتق السماوات عن الأرض، ونتقبل النظريات الفلكية التي لاتخالف هذه الحقيقة). انتهى .

    وقد أخذه سيد قطب من مفسري الدولة الأموية . (نسبه الطبري:17/25، الى الحسن وقتادة ومجاهد ، ونسبه الرازي الى كعب الأحبار ، كما في البحار:54/14).

    فهو هنا يجد "رواية" في الكافي تعرض تفسيراً لآية من كتاب الله يختلف عن تفاسير أخرى ، فيرجح التفسير الذي جاءت به الرواية ( مع ضعفه و هشاشة الرواية ) و يهاجم أصحاب التفاسير الأخرى و يختار منهم شخصية جهادية عملاقة - سيد قطب ! - ليوصم تفسيره بأنه أخذه من الأمويين ( و كأن الأمويين كانوا أهل تفسير ! ) و فاته أن الرواية التي أعجبته من الكافي يقول بها أيضاً عكرمة الكذاب و بها أخذ القرطبي في تفسيره و بها قال أبو جعفر الطبري !
    ثم بعد ذلك يصف نفسه و كل من أخذ بتفسير سيد قطب بأنه غبي يركض وراء ثقافة الإخوان المسلمين! و فاته أن عميد المفسرين الشيعة في العصر الحديث محمد حسين الطبأطبائي يقول في ميزانه بقول سيد قطب ، و هو ما أثبته العلم الحديث الذي لا يلتفت إلى روايات الكافي و لا إلى مقدمة الكوراني!

    لننظر في الآية و الرواية..

    أولاً: إختلف أهل التأويل - كما ذكر الطبري - في معنى وصف الله السموات والأرض بالرتق، وكيف كان الرتق وبأي معنى فتق؟

    فقال بعضهم: عنى بذلك أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففصل الله بينهما بالهواء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة.

    وقال آخرون: بل معنى ذلك أن السموات كانت مرتتقة طبقة ففتقها الله فجعلها سبع سموات (( ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات )) وكذلك الأرض كانت كذلك مرتتقة ففتقها فجعلها سبع أرضين. وهو مروي عن مجاهد وأبي صالح والسدّي.

    وقال آخرون: بل عُني بذلك أن السموات كانتا رتقاً لا تمطر، والأرض كذلك رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات، وهو مروي عن عكرمة وعطية وابن زيد ، و به قال القرطبي ورجحه أبو جعفر الطبري و حجته في ذلك دلالة قوله: "وجعلنا من الماء كل شيء حي".

    ثانياًً: تفسير آية سورة الأنبياء بأن المقصود بالرتق هو أن السماوات كانت رتقاً لاتمطر شيئاً، و أن الأرض كانت رتقاً لاتنبت شيئاً بالإعتماد على تلك الرواية لا يصح لسببين رئيسيين :
    1- إن الرواية تقول أن "السماوات" كانت رتقاً لا تمطر ففتقهما ، و فيها أن هذه ليست لغة القرآن و كفى به شهيداً على لغة العرب! فالمطر لا ينزل من "السماوات" .. بل ينزل من "السماء" ..! و هذه لغة القرآن ، و القرآن دقيق في هذه الألفاظ و لا يخلط بعضها ببعض ، فالسماء هي التي تمطر ، و لا يصح أن يقال "أمطرت السماوات" ! :
    (( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء )) ابراهيم 32
    (( أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء )) النمل 60

    و القرآن ذكر انزال المطر و تكون السحاب في أكثر من ثلاثين موضعاً و كلها جاءت مع لفظة "السماء" و لم يأت بلفظة "السموات" أبداً ، و هذه بعض الأمثلة:
    (( أو كصيب من السماء )) ((وأنزل من السماء ماءً )) (( و أرسلنا السماء عليهم مدراراً )) (( و ينزل عليكم من السماء ماءً )) (( كماء أنزلناه من السماء (( و يوم تشقق السماء بالغمام )) (( من نزل من السماء ماءً )) (( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر )).

    2- الرواية تقول أن المطر نزل و الأرض أنبتت بعدما هبط آدم إلى الأرض ! و هذا محال قرآنياً .. و علمياً :
    قرآنياً لأن السماوات و الأرض سبقتا آدم في الخلق (( إني جاعل في الأرض خليفة )) ، و الله تعالى خلق الأرض و قدر فيها أقواتها في أربعة أيام ، فيها الماء و الشجر و هو مادة هذه الأقوات! و أوحى في كل سماء أمرها و ناموسها الطبيعي ، كل هذا تم في عملية الخلق التي سبقت آدم!

    ((قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين(9)وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين(10)ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين(11)فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم(12) )) من سورة فصلت.

    و محال علمياً لأن تلبد السماء بالغيوم و إنزالها للمطر هو نتيجة طبيعية لوجود الماء في الأرض التي علمنا من القرآن أن الله قدر فيها أقواتها في أربعة أيام ! فحيث يوجد الماء توجد الحياة، فالأرض كانت مهيأة لآدم حتى قبل أن يخلق !

    3- الآية أشارت إلى إعجاز علمي يتحدث عن أصل الكون (( السماوات و الأرض كانتا رتقاً ففتقناهما )) و أن الماء أصل الحياة (( و جعلنا من الماء كل شيء حي )). و وجه الإعجاز في الآية القرآنية هو تقريرها بأن نشأة الكون بدأت إثر الانفجار العظيم الذي بات شبه مسلم به بعد تتابع البحوث و الإكتشافات التي تبين أن هذا الكون تكون بعد أن كان كتلة واحدة متصلة قبل حوالي 15 مليار سنة ، وهذا ما أوضحته وأكدته دراسات الفلكيين وصور الأقمار الاصطناعية في نهاية القرن العشرين مما لا مجال لذكرها هنا.

    ثالثاً : يبدو أن البعض يطرب لعبارات تأتي بها هذه الروايات من مثل عبارة نافع مولى عبدالله بن عمر بن الخطاب (من علماء النصارى وكان ناصبياً يميل الخوارج ) هذه التي جاءت في الرواية أعلاه (( لآتينه فلأسألنه عن مسائل لايجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي )) ثم يطرح أسئلة باهتة لا تحتاج لإجابتها أي صنف من هذه الأصناف الثلاثة ! و مثل هذه العبارات لا يلتفت البعض إلى سخافتها! فمن أين علم نافع هذا أن أسئلته العظيمة هذه لا يعرفها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي ؟! و كيف علمها هو ؟! طيب النبي .. و سلمنا به ، و الوصي .. و عرفنا المغزى منه ، فما دخل ابن النبي بالموضوع ؟! هل عنده و كالة عن أبيه؟!
    ما هذه الرويات و أمثالها إلا استخفاف بالعقول ، و أستبعد إن عالماً جليلاً من أئمة المسلمين مثل الإمام الباقر تعرض عليه العبارة و لا يردها على صاحبها!

    رابعاً: اتهم صاحب هذه المقدمة الشهيدَ السعيد سيد قطب بأن ثقافته ثقافة الأغبياء و بأنه يأخذ تفسيره من "مفسري الدولة الأموية"! هكذا دون أن يكلف نفسه عناء البحث و التحليل و الترجيح العلمي ، فقط لمجرد أنه - و أثناء "تمرغله" في روضة الكافي - وجد رواية تأول آية ما بغير التأويل الذي اعتمده عملاق الإسلام سيد قطب .. فكان هذا مطعناً كافياً في سيد قطب و في الأخوان المسلمين عموماً! و هذا يعكس جهله الفاضح في سيد قطب و رأيه في الأمويين بل و رأيه في عثمان بن عفان التي جلبت له تهم الإنحراف و الضلال و الزندقة من قبل أنصار بني أمية!

    أكتفي بهذا القدر في بيان اسلوب "الإستدلال" عند صاحب المقدمة و طريقة تعريضه بسيد قطب و غيره ممن أخلصوا لله و عاشوا للإسلام و ليس عليه ! و إنه لمن هوان الدنيا على الله أن يجادل فيهم الكوراني و يصف ثقافتهم بأنها ثقافة الأغبياء ..! و لعمري مالغباء إلا ماجاءت به المقدمة!

    حسبي قوله تعالى :
    (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )) (الأحزاب 58)
    أليس الله بكاف عبده ؟

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    1,609

    افتراضي

    سؤال لصاحب المقدمة

    1 اين كنت كل الفترة الماضية 23 سنة بعد استشهاد الصدر ولم تكتب نقدك ولماذا لم تنقده في حياته ومؤلفاته صدرت وهي حي ؟

    2 حسب قياساتك من عندك افضل عند الله او من هو اقرب للمعصومين الوحيد الخراساني ام محمد باقر الصدر ؟

    3 هل تؤمن بإن الصدر التقاطي يلتقط الفكر من هذا ومن ذاك وبالتالي فليس لديه فكر اصلا لانه التقطه من اصول اخرى ؟

    4 انت ذكرت عباس النخي في مقدمتك وهو الذي ترجم المحاضرات قبلك فتوقف , السؤال لماذا لم يكملها النخي واكملتها أنت ؟ هل النخي ورقته محروقة مثلا ؟

    5 ماهي خلفيات اختلافك الشخصي مع السيد الشهيد في حياته , هل كانت اسباب فكرية وانت من ذلك الوقت تخالفه في هذه الآراء ؟

    واسئلة اخرى
    صيهود لن يوقع ....

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي بسم الله الرحمن الرحيم

    الإخوة المحترمون ،


    هذه المقدمة فيها أفكار ، وليس فيها أسماء ،

    وأنا حاضر لأن أناقش الأفكار إذا كانت بدون أسماء ،

    أما إن كانت مع أسماء فأفضل إهمالها ،

    وشكرا .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي تتمة المضوع..

    المسألة الثانية

    الفهم الخاطئ للوحدة الإسلامية

    وحدة الأمة فريضة شرعية على جميع المسلمين ، ومطلب لجميعهم ، لكنها مع ذلك حلمٌ بعيد المنال !
    والسبب هو السياسة التي فرقت وما زالت تفرق الأمة !
    وأهم مشاريع الوحدة ثلاثة:

    1- الوحدة بالإجبار على مذهب الخليفة وطاعته:

    وهي تعني سيطرة خليفة أو حاكم على الأمة وفرض مذهبه وأفكاره عليها بالقوة ، ومصادرة حريات المعارضين الثقافية والمذهبية والسياسية .
    وهي التي طبقها أبو بكر وعمر وعثمان بعد النبي صلى الله عليه وآله وكذلك بنو أمية وبنو العباس ، ثم طبقتها الدول المنشقة عنهم كدولة الأدارسة في المغرب ، ودولة الأمويين في الأندلس ، ثم الدول الوارثة لهم كدولة المماليك في مصر ، وأخيراً دولة الخلافة العثمانية .
    وهي الوحدة التي يتبناها أصحاب مشروع الخلافة الإسلامية في عصرنا ، كحزب الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي ، وكل الحركات التي تدعو الى إعادة أمجاد الإسلام والخلافة .
    ونحن بصفتنا أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام وفقهه ، لانستطيع أن نعتبر دول الخلافة دولاً شرعية ، ولا إسلامية بالمعنى الحقوقي ، لأن الحكم فيها قام على الغلبة والقهر ، وليس على دستور ونظام حكم محدد الأجهزة والآليات ! ولأنها صادرت الحريات الشرعية لفئات واسعة من الأمة ، إن لم يكن لجميعها ، وهما أمران يحتاجان الى بحث مستقل .
    ونستثني دولة أمير المؤمنين علي عليه السلام لأنه الحاكم الوحيد الذي قام حكمه على البيعة بالإختيار ، ولم يجبر أحداً على بيعته أو القتال معه ، وأعاد الى المسلمين حريتهم في التعبير والعمل معه أو ضده !
    إن نقطتي الضعف هاتين(الحكم بالغلبة، ومصادرة الحريات) هما السبب في انهيار الدول التي قامت في تاريخنا الإسلامي ، رغم أنها كانت تملك أفضل الظروف ، وأقوى عوامل الثبات والإستمرار !
    فقد كانت النتيحة الطبيعية للنظام القرشي الذي ولدته السقيفة وقمعت لأجله الأنصار وأهل البيت عليهم السلام ، أن يتسلط بنو أمية ، وأن يسببوا في الأمة ردة فعل فيتسلط بنو العباس ، ثم تتسلط عسكرتاريا المماليك والأتراك ، ثم تدفن الخلافة العثمانية بيد الغربيين في استانبول ، وبمساعدة حركات (التحرر) العربية ، والحركة الوهابية السلفية !

    2- الوحدة التلفيقية بين المذاهب:

    يتصور البعض أن بالإمكان توحيد المسلمين مذهبياً بالإتفاق على المشتركات في العقائد والفقه ، وحل المسائل الخلافية بحلول وسط .
    ويكثر هذا التصور في المثقفين على الطريقة الغربية ، الذين لايعني لهم الدين شيئاً كثيراً ، فضلاً عن فروقات مذاهبه ! كما يوجد في مناطق تعايش السنة والشيعة ، فيقول بعضهم: أنا مسلم وكفى ، نريد إسلاماً بلا مذاهب !
    والإشكال عليه أنه مشروع نظري غير قابل للحياة ، فليس له ضابطة تعيِّن المشتركات ، ولا مَن سيختارون المذهب الملفق من المذاهب ؟!
    ولو فرضنا أنه تحقق في صيغة من الصيغ ، وصار المذهب (المنتخب) قوانين حكومية ، فسيكون سبباًً لخلافات جديدة بين الناس !
    قد يقال: نعم ، ولهذا يستدل العلمانيون على ضرورة القوانين العلمانية ، بأن المسلمين مختلفون على المذهب الذي يجب تطبيقه ، فالأفضل أن تكون القوانين مدنية حتى لا نقع في مشكلة الصراع المذهبي .
    والجواب: أن الحل الإسلامي للقوانين لاينحصر بفرض مذهب بالغلبة والقهر ، أو مذهب تلفيقي ! بل يكون بإعطاء الحرية المذهبية للمسلمين .
    وثانياً ، أن النظام العلماني نفسه ليس إلا شكلاً غربياً لنظام القهر والغلبة ! فهو لايحل مشكلة الدستور والقوانين ، بل يلجأ الى الحكم العسكري لخوفه من الإنتخابات الحرة !
    وثالثاً ، أن النظام العلماني ليس حلاً لمشكلة المذهبية ، بل هو إحداث قول ثالث ومذهب إضافي تعارضه أكثرية المسلمين من مختلف المذاهب !

    3- الوحدة السياسية مع حفظ الحريات الإقليمية والمذهبية:

    وهو الأكثر ملاءمة للإسلام وروح العصر ، لأنه لايقوم على القهر والغلبة ، بل يعطي الحرية المذهبية للمسلمين ، ويركز على وحدتهم في حفظ مصالحهم العليا كشؤون الدفاع ، والتنمية ، والحفاظ على الثقافة الإسلامية .
    وهذه الوحدة التي دعا اليها أهل البيت عليهم السلام بعد أن خسرت الأمة وحدتها الطبيعية بوفاة النبي صلى الله عليه وآله ودخلت تحت وحدة الإجبار على مذهب الخليفة!

    مقولة إخفاء المذهب من أجل الحفاظ على الوحدة !

    كنا في الستينات نفكر أنَّنا كأصحاب مشروع نهضوي بالأمة ، لابد أن نحرص على وحدتها ، ونغض النظر عن مذهبنا، ونخاطبها إسلامياً لامذهبياً !
    وبما أن أئمتنا عليهم السلام أئمة لكل الأمة ، فعلينا أن نقدمهم بصفتهم قادة عملوا لإغناء المسار الإسلامي وتصحيحه . لكنه تصور خاطئ للأسباب التالية:

    1- أن مخاطبة الأمة بالإسلام بدون مذهب أو بإخفائه ، قد يصح من شخص يحتاج الى إخفاء مذهبه مثل السيد جمال الدين الأفغاني ، لأن إظهار مذهبه يضر بهدفه الذي نذر له حياته ، وهو المحافظة على الأمة من الغزو الغربي ، والعمل لتقوية قيادتها المتمثلة بالخلافة العثمانية .
    أما الحركة التي تنطلق من علماء في الحوزة العلمية في النجف ، وتعمل في وسط شيعي ، وأحياناً نادرة في وسط سني ، فلا يمكنها أن تواصل مخاطبتها للأمة بدون مذهب إلا مدة قصيرة ! لأن مذهبها معروف من سلوك أفرادها ، وسوف ينظر أتباع المذاهب الأخرى بريبة الى أسلوبهم في إخفاء مذهبهم ، ويطلبون منهم تحديد موقفهم من المذاهب .
    وهذا ما حدث بالفعل، فقد تم تصنيف الحركات الإسلامية المرتبطة بعلماء الشيعة الى حركات مذهبية ، سواء من الحكومات أو الجمهور السني ، وصار ذلك لازمةً لها لاتنفك عنها ، ولم ينفعها ابتعادها عن إعلان مذهبها ، ولا تحاشيها الخطاب المذهبي في ثقافتها !

    2- أن من أقوى عوامل نجاح الوحدة بين المسلمين ، صدق الداعية الى الوحدة في طرحه وممارسته ، فداعية الوحدة سيكون أقدر على تحقيق هدفه إذا أظهر مذهبه الذي يعتقد به، فقال أنا شيعي أتبع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، أو أنا سني أتبع المذهب الشافعي ، ومع ذلك أدعو وأعمل لوحدة المسلمين وتآخيهم ، للنهوض بواقعهم الى واقع أفضل .
    فهذا الصدق في الشخصية ، شخصاً أو حركة ، أدْعَى الى ثقة الموافق والمخالف ، بينما إخفاء المذهب أو تعويمه ، يعني وجود ظلال مبهمة تؤثر سلبياً على الثقة ، وقد يخطر في بال الذين يدعوهم الى الوحدة والتعاون ، أن هذا لو كان مخلصاً لمذهبه لأظهره ، وحيث لم يظهره ولم يكن صادقاً مع مذهبه ، فكيف يكون صادقاً في دعوته لوحدة المسلمين؟!


    3- إن القول بأن أئمتنا عليهم السلام أئمةٌ لكل المسلمين ، وأنهم حملوا همَّ الإسلام والأمة كلها ، مَنْ وافقهم ومن خالفهم ، وعملوا لمصلحة الجميع ، وأنا يجب أن نقدمهم الى جميع الأمة والى العالم بأحسن أسلوب..
    هذا كله صحيحٌ ، لكنه لايجيز لنا بحال أن ننسب الى هؤلاء المعصومين الطاهرين المطهرين عليهم السلام أنهم أقروا مسار الأمة المنحرف ، أو نحمِّلهم شيئاً من أوزار أنظمتها وجرائم طغاتها في صراعهم على السلطة وأنهار الدماء التي أجروها من ملايين المسلمين المخالفين لهم !

    وكيف يجوز لنا أن نحمِّل المعصومين الأطهار عليهم السلام الذين دفعوا حياتهم ثمناً لمعارضة حكام الجور، شيئاً من أوزار الإنحرافات الخطيرة عن الإسلام ، التي سببت أسوأ الكوارث في الأمة ، حتى أدت الى انهيار كيانها بالكامل وتسليط الغربيين على شؤونها ومقدراتها ؟!

    البحث العلمي المذهبي لاينافي الوحدة الإسلامية:

    كان المهم عند أساتذتنا بعد الموجة الشيوعية: العمل للإسلام كما يفهمونه فقد اعتبروا ذلك فريضةً متفقاً عليها ، وأصدروا حكمهم على الذين لايرونها فريضةً بأنهم موالون للسلطة ، أو خائفون لايملكون الشجاعة !
    ومع أنهم لم يبحثوا المسألة بحثاً فقهياً في موقف الأئمة عليهم السلام ورواياتهم الشريفة في الخروج على الحاكم ، وفتاوى الفقهاء !
    مع ذلك كانت الأولوية المطلقة عندهم لعمل التوعية على هذا الخط فقط .

    ولهذا السبب ، كانت نظرتهم الى البحث العلمي المذهبي سلبية ، لأنه في تصورهم إشغالٌ للأمة ببعضها ، ناتجٌ عن عدم الوعي، أو عن تحريك أعداء الإسلام ، وأنَّ واجبنا الإبتعاد عنها ، ونُصح أصحابها ، وأحياناً مقاومتها !
    هكذا وبكل بساطة ، شطب هؤلاء المحترمون على كل فعاليات البحوث العلمية لبيان التشيع ، ورد الحملات الظالمة عليه ! وكأن مقاومة أعداء الأمة والعمل لإقامة حياتها على أساس الاسلام ، يستلزم سكوتنا عن الطعن في مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ويتنافى مع الدفاع عنه وبيان جواهره للأمة والعالم !
    وبذلك وجَّهونا ولو عن غير قصد ، الى مقاومة دفاعات علماء الشيعة وكتَّابهم عن التشيع ، بحجة أنها أعمال مذهبية ، تضر بمسيرة الأمة نحو وحدتها ومقاومة أعدائها !
    كانت خسارتنا كبيرة طوال انشغالنا عن الدفاع عن مذهب أهل البيت الطاهرين عليهم السلام ، ولم تقتصر على خسارتنا لثقافتنا المذهبية اللازمة ، بل تحولنا عن غير قصد الى عامل يعضد تلك الحملات الضارية ، التي يشنها النواصب والأجانب على مذهب أهل البيت عليهم السلام وأتباعه ، بمن فيهم نحن !!

    نضحي بوحدة الطائفة ولا نربح وحدة الأمة !

    من مفارقات أصحاب هذا الإتجاه أنهم مشغوفون بالوحدة الإسلامية ، يلهجون بها دائماً ويعملون لها ، ويرقبون أي عمل قد يثير أحداً من أبناء المذاهب فيقفون ضده .
    حسناً جزاكم الله خيراً ، فأنتم كمن يعمل للحفاظ على وحدة أهل حيِّه الذي يسكن فيه ، لكن هل يصح له أن يخرب وحدة بيته ؟!
    ما بالكم لاتراعون جمهور الشيعة وعلماءهم ومراجعهم الذين يخالفونكم بمقدار ما تراعون فلان السلفي ، أو فلان الحنفي؟ أليس الدار قبل الجار ؟!

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي تتمة الموضوع..

    المسألة الثالثة

    تعويم الإجتهاد، وتعويم المرجعية

    كان الإجتهاد عند السنيين محصوراً بالمذاهب الأربعة ، وإذا فتح بابه فإنما يفتح لكبير علماء الأزهر ، ويتقيد الشعب المصري برأيه وأكثر العالم السني .
    أما بعد ضرب مكانة الأزهر ، فقد تعوَّم مركز الفتوى ، ودخل فيه من هبَّ ودب ، ممن يرغب أن يكون مفتياً له أتباع !
    أرادت السلطة المصرية والغربيون ، أن يستبدلوا مركزية الأزهر الدينية الخطيرة برمز ديني تعينه السلطة ! ولم يحسبوا حساب المخزون الديني في الأمة ، وأن جذور الأزهر ستنبت في كل بلد أزهر جديداً ، ومفتين جدداً !
    لقد ضربوا مركز الفتوى الطبيعي ومكانة العلماء الطبيعية عند المسلمين ، لكنهم زرعوا بذور عشرات المراكز ، فأنبتت مئات القيادات الدينية ، وأكثرهم جهلاء ، يفتون في كل أمور الدين ، بلا تخصص في علومه ، ولا قواعد في فهم نصوصه ، ولا ضوابط للإجتهاد !
    إن ماحدث في مصر تعويمٌ فوضويٌّ لمرجعية الدين أغرق الموازين وطفح بسببه جيل من (المجتهدين) كل بضاعة الواحد ظنونه واستحساناته، وقدرته على إقناع بعض الناس بأن يقلدوه ويعملوا بفتاواه ، وربما بأوامره العسكرية !

    لقد ملأ التعويم المصري للإجتهاد أسواق الأمة وأذهانها بظنون المفتين الجدد وتخيلاتهم ، وصار معنى طلب العلم طلب الظن، وطلب الإحتمال !
    ومصر هي مصر ! التي كانت وما زالت مؤثرة على كل العالم الإسلامي ، حتى على خصومها الوهابيين، وعلينا نحن الشيعة رغم خصوصيتنا المذهبية!

    فمن طريف ما نلاحظه أن علماء المذهب الوهابي الذين هم مقلدون تقليداً حنبلياً لابن تيمية ، والشيخ محمد عبد الوهاب ، قلدوا المصريين في تعويم الإجتهاد في الدين فأباحوه حتى لعوامهم ! فهذه هيئة علمائهم تعطي إجازة اجتهاد لمعلمة عادية ، تسألهم:
    سؤال: أنا مدرسة دين متخرجة من الكلية المتوسطة قسم دراسات إسلامية ، وقد اطلعت على مجموعة من الكتب الفقهية ، فما هو الحكم حين أسأل من قبل الطالبات فأجاوبهن على حسب معرفتي، أي عن طريق القياس والإجتهاد دون التدخل في أحكام الحرام والحلال ؟
    جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد: عليك مراجعة الكتب والإجتهاد ، ثم الإجابة بما غلب على ظنك أنه الصواب ولاحرج عليك في ذلك ! أما إذا شككت في الجواب ولم يتبين لك الصواب فقولي لاأدري ، وعديهن بالبحث ثم أجيبيهن بعد المراجعة ، أو سؤال أهل العلم للاهتداء إلى الصواب حسب الأدلة الشرعية . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
    (التوقيع: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء . عضو: عبدالله بن قعود ، عضو: عبدالله بن غديان. نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي ، الرئيس: عبد العزيز بن عبدالله بن باز - كتاب فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في المملكة العربية السعودية، مجلد:5/ 48 ـ 49 ، فتوى رقم 4798) .

    أما السؤال الثالث من الفتوى رقم 4400 ، فهو من طالب مبتدئ يسألهم: هل أن من لم يحفظ ستة آلاف حديث فلايحل له أن يقول لأحد هذا حلال وهذا حرام ، فليتوضأ وليصل صلاته فقط .
    أجابته هيئة علماء الوهابية: كل من تعلم مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية بدليلها ووثق من نفسه فيها ، فعليه إبلاغها وبيانها عند الحاجة ، ولو لم يكن حافظاً للعدد المذكور في السؤال . ( نفس المصدر ونفس التواقيع ) .
    وبهذه الفتاوى تضع يدك على السبب في انشقاقات الوهابيين وكثرة فرقهم حتى زادت على الثلاثين ، وعلى سر تكفيرهم لبعضهم ! وماذا ينتظر الذين يفتحون باب الإجتهاد للحفاة ، ويقولون بحجية الظنون والإستحسانات !

    ~ ~

    كما نلاحظ أنا نحن الشيعة لم نسلم من داء تعويم الإجتهاد المصري ! فقد سرى فينا ، ونشأت ناشئة من متعلمينا ومن صغار طلبة علوم الدين يكتبون في عقائد الإسلام وشريعته ، ويفتون فيها كما يفتي كبار الفقهاء !!

    أذكر أنني قرأت يوماً قبل نحو ثلاثن سنة ، الرواية التالية في علل الشرائع للصدوق قدس سره :1/241 ، قال: (حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم على بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له: أريد أسألك عن شئ ، فقال له: سل عما بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام أهو ولي الله ؟ قال: نعم ، قال أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم . قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟! فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عني ما أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لايخاطب الناس بشهادة العيان ولايشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث اليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم ، فلو بعث اليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشئ نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج له من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون . ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .
    ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك ، فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين، ولو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختبار، ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هوخالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحـد بما أتت بـه الأنبياء والرسل ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة .
    قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ماذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن ابراهيم، لأن يلقى بي من شاهق أو أَخِرَّ من السماء فتخطفني الطير ، أو تهوي بى الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه ) . انتهى .


    قرأت هذه الرواية الشريفة وتأملت فيها ، لأنها تعني أن غالبيتنا المطلقة نحن الكتاب الإسلاميين والدعاة المحترمين ، عندما نحلل عقائد الإسلام وأحكامه ونصدر فيها أحكامنا ، نفعل بأنفسنا أكثر من إلقائها من شاهق !!
    نقول يريد الإسلام هذا الأمر ، ولا يريد ذاك ، ويقصد كذا ولا يقصد كذا ، بغير علم إلا اتباع الظن والإستحسان ، وتقليد الكتَّاب المصريين !!

    رواية الصدوق صحيحة ، ومنطقها قوي ، ووقعها على المثقفين أثقل من الجبال ! والسبب أنهم تعودوا أن يكتبوا في مسائل الدين بآرائهم ، فهم أبناء الإجتهاد المصري ومدرسته الإخوانية، وأبناء عصر الإنسان الغربي الذي أعطى لنفسه الحق في تحليل الدين ، بل في اختراع دين ودعوة الناس إليه !

    لا أريد بذلك إلغاء دور العقل في فهم الدين وتحليله ، لكني أريد (عقلنة) دور العقل، والوقوف به عند مدركاته القطعية فهي فقط الحجة الشرعية !
    أريد أن من أتباع الإجتهاد المصري أن يريحوا الإسلام والمسلمين من ظنونهم واستحساناتهم ، ويعترفوا بأن الإسلام العزيز عليهم ، قد احترم نفسه بقدر مبدأ أرضي عادي ، حيث لايعطي لكل أحد الحق في فهم نصوصه وتقديمها الى الناس باسمه ؟!
    فما بالهم هوَّنوا الإسلام وجعلوا تفسيره مشاعاً لكل أحد ، بلا ضوابط ، ولا شروط ، لا في التفسير ، ولا في المفسِّر ؟!!
    إن من الفروق الأساسية بيننا وبين المذاهب السنية أن الاجتهاد الفقهي عندنا يبحث عن العلم و(الحجة القطعية) من الكتاب أو السنة أو العقل ، إما على الحكم الشرعي مباشرة ، أوعلى ما يجب عمله عند الشك في الحكم ، فالفقيه دائماً طالب علم وحجة قطعية ، وليس طالب ظن واحتمال !
    بينما يقوم منهج الإستنباط السني في مرحلته الأولى على طلب العلم بالحكم ، فإن لم يحصل للمجتهد انتقل فوراً الى اجتهاد الرأي ، وهو يعني اتباع الظن مهما كانت درجته نازلة ! بل يعني الإكتفاء بالقياس والإستحسان والمصالح المرسلة ، وهي أقل من الظن، لأنها لاتفيد غالباً أكثر من الإحتمال!

    ويترتب على هذا الفرق أمور عديدة ، تؤكد ضرورة التخصص وصعوبة شروطه ، وبالتالي مركزية الإجتهاد والأعلمية في المرجعية والتقليد .

    ومن هنا ، يتضح لنا ما فعله تعويم الإجتهاد في الأمة ، وما ارتكبه مروجوه من تقديم ظنونهم واحتمالاتهم الى قرائهم وأتباعهم على أنها دين الله تعالى ، ومفاهيمه وأحكامه ! ويتضح لنا تأثير ذلك على فهم النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، وأصول العقيدة ، وتفاصيلها .

    في اعتقادي أنه لابد لنا أن نضع حداً لأتباع الإجتهاد المصري في أوساطنا الشيعية ، وأن نساعد المذاهب السنية على معالجة (بازار)الظنون والإحتمالات وندعو فقهاءهم الى وضع ضوابط للإجتهاد ، ووضع حد لأولئك المزدحمين في سوقه ، والمتجهين الى الدخول فيه بلا بضاعة !!

    العلاقة بين تعويم الإجتهاد وتعويم المرجعية والقيادة:

    من الذي له الحق بأن يفتي؟ ومن له الحق بأن يقود ويأمر وينهى؟
    تقول الثقافة الغربية إن الحق لمن غلب ، مهما كانت وسائله في الغلبة ! وتميل الى ذلك مذاهب إخواننا السنيين فتعتبر أن من تسلط من الأمة فقد صار حاكماً شرعياً ، بقطع النظر عن سلوكه ووسائله في الغلبة !
    لكن الأسوأ من مقولة الحكم لمن غلب ، مقولة: الفتوى لمن غلب ، التي يتبناها اليوم كل المجتهدين بلا بضاعة ، والتجار بلا رأسمال ، والأطباء بلا وسائل ، وهم كثيرون في ساحة العمل الإسلامي ، وكل واحد منهم يقدم المبررات الشرعية على أن له الحق في التصدى للفتوى وقيادة الأمة ، وأمر المسلمين ونهيهم ، ودعوتهم الى الإسلام ، وأن على الأمة أن تسمع له وتطيع !!
    ومعنى ذلك أن نضيف الى تعويم القيادة والحكم تعويم الفتوى! وأن نعرف أننا في نظرية الفتيا والقيادة الدينية التي نعمل بها في مجتمعاتنا ، لافرق بيننا وبين الثقافة الغربية ، في قانون المغالبة والغلبة ، الغربي الجاهلي الإسلامي !!
    ومعنى ذلك أن مجتمعاتنا سوف لاتعرف الهدوء ، مادامت أبواب الفتوى والقيادة مفتوحة على مصاريعها ! فرغبة الفتوى والقيادة مغروزة في الناس ، والمجتمع لايتسع لتحقيق رغباتهم الجميع ، فالنتيجة غابة الفتاوى والقيادات !

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي تتمة الموضوع..

    المسألة الرابعة

    تكبير مشكلة الغلو وتصغير مشكلة التقصير

    يتصور البعض أن المشكلة الوحيدة في قضية أهل البيت عليهم السلام هي الغلو ، مع أن الغلو محصورٌ في حفنة من الناس غَلَوْا في بعض أهل البيت عليهم السلام وألَّهُوهُمْ وجعلوهم شركاء لله تعالى، والعياذ بالله ! وقد حسم المسلمون موقفهم منهم وأجمعوا على كفر كل من ألَّهَ مخلوقاً ، أو أشركه مع الله تعالى.

    لقد غفل هؤلاء أو تغافلوا عن أن المشكلة في قضية أهل البيت عليهم السلام ليست الغلو ، بل هي تقصير المسلمين في أداء فرائض الله تعالى في حقهم ، من وجوب ولايتهم ومحبتهم ، ومعرفتهم ، والتلقي منهم ، والإهتداء بنورهم..

    المشكلة في أن أكثر المسلمين أعرضوا عن عمد أو عادة ، عن أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله وابتعدوا عن ولايتهم ، وحتى عن فهمهم ، وابتلوا بمرض حب مخالفيهم وظالميهم وأعدائهم !

    والأسوأ من التقصير أن بعض المقصرين تبرعوا بمحاربة المسلم الذي يؤدي فريضة ربه في حق أهل بيت نبيه صلوات الله عليه وعليهم ! فتراهم يصفون محبيهم وشيعتهم بالضلال والغلو ، وقد يحكمون عليهم بالكفر !
    لقد توارثوا هذا الموقف الظالم تجله الشيعي الأصيل، من أسلافهم أتباع الخلافة القرشية ، كما وصفهم الكميت بن زيد الأسدي رحمه الله ، فقال:

    وطائفـةٌ قـد كفَّرَتْنِي بحُبَِكُـمْ وطائفـةٌ قالـوا مسـئٌ ومذنـبُ
    فما ساءني تكفيرُ هاتيكَ منهمُ ولا عيبُ هاتيكَ التي هي أعْيَبُ
    يعيبونني من خِبِّهم وضلالهمْ على حبكم ، بل يسخرونَ وأعجب
    وقالـوا ترابيٌّ هواهُ ورأيـهُ بذلـك أدعـى فيهـمُ وألَقَّـبُ
    فلا زلتُ منهم حيث يتهمونَنِي ولا زلتُ في أشياعكمْ أتقلب
    وأحمل أحقادَ الأقارب فيكم وينصب لي في الأبعدين فأنصب
    بخاتمكم غصباً تجوز أمورهم فلم أرَ غصباً مثله حين يغصب
    فقل للذي في ظل عمياءَ جونةٍ ترى الجور عدلاً أين لاأينَ تذهب
    بـأي كتاب أم بأيـة سنـة ترى حبهـم عاراً عليَّ وتحسب
    فما ليَ إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ وما ليَ إلا مذهبَ الحق مذهب


    يتهمنا هؤلاء المعترضون بأن اعتقادنا بمقامات أهل البيت عليهم السلام وكلامنا فيهم يشبه كلام الغلاة ، لأنه يخرج بهم عن حدود البشرية التي أكد عليها الله تعالى بقوله: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ . (سورة فصلت:6) .

    لكن الأولى بهم أن يتهموا فهمهم ، ويحكموا على أنفسهم بالسذاجة ، حيث أخذوا الجزء الأدنى من وصف الآية للنبي صلى الله عليه وآله : بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، وتركوا جزءَها الأعلى: يُوحَى إِلَيَّ !
    نعم إنه صلى الله عليه وآله بشر مثلنا تجري عليه القوانين التي تجري علينا إلا ماشاء الله ، لكن هذه جَنْبَةٌ من شخصيته فقط ، أما الجَنْبَةُ الأخرى فهي أن له قدرةً على تلقي الوحي من رب العالمين سبحانه ! وهل هي حقيقة بسيطة أن يكون إنسانٌ مثلنا فيه القدرة على تلقي العلم من خالق السماوات والأرضين ؟!
    كأنهم لم يؤمنوا بأن شخصية المعصوم عليه السلام ذات جنبتين، بإحداهما ينفتح على الغيب ويتلقى ، وبالثانية يتعامل مع البشر فيهديهم ! وأنَّى لأحدنا ولكل أهل الأرض أن تكون في شخصيته نافذة على خالق الكون يتلقى منه؟!

    وقد يتصور البعض أن هذا الوصف يختص بشخصية النبي صلى الله عليه وآله فلايصح توسيعه الى الأئمة عليهم السلام ، لكن فاتهم أن اختصاص وحي النبوة بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله لاينفي أن يكون للأئمة المعصومين من عترته عليهم السلام جنبة انفتاح على الغيب والتلقي من الله تعالى ، بما يشاء من وسائل غير وحي النبوة .
    فاتهم أنهم أوصياء النبي هم الأئمة الربانيون الذين بَشَّرَ بهم ، وأمر الأمة بمودتهم وطاعتهم ، وجعلهم عِدْلَ القرآن في وجوب التمسك بهم !

    لقد حاول الحكام القرشيون أن ينكروا هذه الجنبة في شخصيات الأئمة عليهم السلام لكنهم عجزوا بسبب قوة نصوصها وقوة واقعها ! فقد واجهتهم معجزات الأئمة عليهم السلام وأفحمتهم !
    وما زالت النصوص والمعجزات تواجه أتباعهم حتى يظهر الله خاتمهم الموعود عليه السلام فيظهر به الحق ، ويظهر دينه على الدين كله !

    ********

    المسألة الخامسة

    التنقيص من مقام المعصوم عليه السلام

    توجد مسألتان أساسيتان في معرفة المعصومين عليهم السلام هما: مقام المعصوم عليه السلام والعلاقة الجدلية بين الأئمة عليهم السلام وبين خلافة أبي بكر وعمر خاصة .
    وينبغي لنا أن نعترف أنا عندما انطلقنا في العمل الإسلامي على أثر الموجة الشيوعية ، أهملنا فهم هاتين المسألتين ، أو قررنا أن نتجاوزهما لتصورنا عدم الحاجة اليهما في عملنا ، أو لمراعاة مخاطبنا الذي هو كل الأمة الإسلامية!

    كنا نتصور أن بحث مقام المعصومين عليهم السلام وعلاقتهم بالخلافة القرشية ، سوف لايؤثر على فهمنا الذي توصلنا اليه لحياتهم وأدوارهم عليهم السلام !
    وفاتنا أن فهم مقام المعصوم يعني فهم برنامج عمله الرباني ، وأن فهم موقفه من نظام حكم أبي بكر وعمر ، يعني تطبيقه لبرنامج عمله الرباني ! وكلاهما يؤثران على فهم شخصية المعصوم عليه السلام وعمله ، أبلغ التأثير !

    المعصوم عليه السلام إنسان اختاره الله تعالى صاحب العلم المطلق والحكمة المطلقة وعصمه من الخطأ والهوى ، وجعله إماماً لعباده ، وحجةً على خلقه !
    فماذا تعني للمسلم الشيعي هذه الصفات الثلاث المتفق عليها في مذهبنا ؟!

    إنها تعني أن حلم جميع المفكرين والعقلاء ، والمعذبين في الأرض ، قد تحقق ! وقد انحلت مشاكلهم الفكرية والعملية ، وأن علينا جميعاً أن نترك فذلكاتنا ونعطل فلسفاتنا ونطيعه ، ونطيف حول بيته الذي أذن الله أن يرفع ، ونؤدي فروض الإحترام لمقامه الشامخ ، ونتفكر فيه لعلنا نفهمه !
    تعني أن علينا أن نفتح عقولنا وقلوبنا لقول المعصوم عليه السلام وفعله وسلوكه ، حتى الفتات منها ، إن كان عنده فتات.. ففتاته خير من كل خبزنا !

    أجل ، ما دام ثبت لنا بالنص القطعي وبدليل العقل القطعي ، أن الله تعالى قد اختار ، فقد انتهى الأمر ، وانحسمت القضايا ، وبدأ ما يجب علينا !
    وأول ما علينا أن نرضى بالذي اختاره رب العالمين وجعله علينا إماماً ، ونحبه ، ثم نفهمه ، ونصغي اليه ونطيعه مهما كلفنا ذلك ، ثم لانلتفت الى من خالفه كائناً من كان شخصه ، وكائناً ما كان موقعه ، فكل شخص مقابله وكل مقام بعد الذي اختاره الله رب العالمين ، هوى وهواء وهباء !

    المعصوم ، ليس قضيةً صغيرة ، بل هو أكبر قضية عملية للأمة بعد نبيها !
    إمامٌ مفتوحةٌ له نوافذ الغيب ، مهديٌّ من ربه ، يملك الخريطة للبشرية ، وليس كمن أضاعوا قضية خلقهم ، وخريطة طريقهم ، أو ضاعوا فيها !
    الإمام عالمٌ يملك العلم القطعي ، وليس كعلماء الأرض ومفكريها ، الذين جمعوا بضاعتهم من الظنون والإحتمالات ، وقليل قليل منها اليقين !

    كثيراً ما كنت أفكر كيف لم نهتم بفهم شخصية المعصوم عليه السلام ؟!
    وكيف يمكن أن نبني فكرنا بقطع النظر عن مقامه، ونحن نعتقد أن مشروع المعصومين من عترة النبي صلى الله عليه وآله ، مازال موجوداً فعلاً ولم ينته بعدُ ، فلم يتركه الله تعالى بسبب ترك الأمة له ! فما زال سبحانه يقول: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، وما زال قراره تعالى أن يملأ الأرض بخاتمهم قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ، وما زال هذا الإمام موعوداً من ربه الحكيم وجده المصطفى ، حياً يرزق ، مدَّ الله في عمره ، فهو يعمل في برنامجه مع الخضر وجنود الله في الغيب ، حتى يأذن الله له ربه بالظهور ، فيكمل مشروع الإسلام ، ويظهره على الدين كله ، ويعيد مسيرته الى نصابها..

    ما دام الأمر كذلك ، فرؤيتنا للتاريخ تختلف كثيراً ، وللمستقبل أيضاً !
    ومشروعنا في هداية الناس ودعوتهم الى الإسلام لابد أن يكون منسجماً مع المشروع الإلهي للإسلام في المعصومين من العترة عليهم السلام وأن يكون مشروعاً ممهداً لخاتمهم الموعود صلوات الله عليه . ومن أول شروط الإنسجام أن ينص أي مشروع عمل توعوي على مقام المعصوم عليه السلام في ثقافته .

    ما دمنا نعتقد أنه قد وجد هذا المعصوم عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وأن النبي دلَّ الأمة عليه ، وأعلنه لها ولياً وإماماً ، وأخذ منها البيعة والمواثيق على اتِّباعه ، فالمسألة تختلف كثيراً !

    لو أردنا أن نضرب للأمة مثلاً مصغراً ، لقلنا إن مثلها كجماعة في صحراء قاحلة ، فيهم شخص واحد يملك الخريطة لنجاتهم ويجيد قراءتها ، فائتمروا عليه وعزلوه ورفضوا خريطته ، واتخذوا بدله أئمة ضلال تاهوا بهم يميناً وشمالاً ، تيهاً بعد تيه ، وضلالاً في ضلال ، حتى شتتوهم في كل واد ، ومزقوهم شرَّ ممزق !
    ونكتفي أمام هذا الكتاب بهذه الكلمات في بيان مقام الإمام المعصوم عليه السلام .

    ***

    تبقى مسألة من أسوأ أنواع التنقيص من مقام لمعصوم عليه السلام ، وهي مصادرة مقامات المعصومين عليهم السلام وإعطاؤها لغير المعصومين !
    وظواهرها في أصحاب التشيع الإلتقاطي كثيرة ، وقد توجد في غيرهم من الشيعة الأصيلين مع الأسف ، حيث يدَّعون عملياً عصمة غيرالمعصوم ويغالون فيه ، وينسجون له الفضائل ، ويمنعون من انتقاد أفكاره وأعماله !

    ويظهر أن كل الذين يُنقصون من مقام أهل البيت عليهم السلام يبتلون بالغلو في غيرهم ! فكأنه جزاء من الله تعالى لمن يقصر في تعظيم حجته المعصوم عليه السلام ، أن يبتليه بتعظيم غيره !
    ويمكن أن نفسر ذلك حسياً بأن الإئتمام وتعظيم القدوة نزعةٌ في شخصية الإنسان قد تصل الى الغريزة ، فإن لم تصرف في موضعها الصحيح صرفت في غيره ، كما نرى في غريزة الحب والبغض .

    ومن ظواهرها ، اختراع العصمة الجائزة لغير المعصومين عليهم السلام ، في مقابل العصمة الواجبة ! ووصفهم بها بعض كبار أنصار المعصومين عليه السلام ، وبعض يحبونهم ! مع أنه لاتوجد رواية ولا دليل عقلي عليها !

    ومن ظواهرها ، ادعاء العناية الخاصة للإمام صاحب الزمان عليه السلام بأشخاص يحبونهم ، شبيهاً بالنيابة الخاصة عنه ، أو عن غيره من المعصومين عليهم السلام ، وقد يدعون له الكرامات والولاية التكوينية ، بل السفارة !

    ومن ظواهرها ، إعطاء عدد من الصفات الخاصة بالمعصومين عليهم السلام لغيرهم كصفة الخلافة في الأرض ، ووعد الله للمستضعفين بها ، وإعطاء الألقاب الخاصة بالمعصومين عليهم السلام لغيرهم...
    الى آخر القائمة في مشكلة مصادرة مفاهيم الإسلام ومفاهيهم المذهب !

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    1,216

    افتراضي

    سماحة الشيخ العاملي

    عندي بعض الاسئلة بخصوص مقدمة كتاب الحق المبين و التي اثارت جدلا كبيرا كما هو معروف و أرجو من الأخوة المشاركة في الموضوع بما لا يسئ للشيخ الكوراني

    1)شيخنا ما هو سبب كتابة المقدمة في هذا الوقت بالذات و لماذا اعتبرها البعض مسيئة للسيد الشهيد ؟

    2) ما هي أهم الاختلافات بين مقدمة الطبعة الأولى و الثانية و هل تغيرت قناعتكم في الأمور التي اختلفت في الطبعتين ؟

    3)ما هو رأي الشيخ الوحيد في ما جاء في المقدمة (على اعتبار انها جاءت على أحد كتبه) ؟

    4) ما هي علاقة المقدمة بكتاب الشيخ الوحيد و هل تعرض الشيخ الوحيد لما يسمى بالاتجاه الالتقاطي ؟

    5) اذا لم يكن في مقدمة سماحتكم أي اساءة للسيد الشهيد لماذا اتخذ السيد الحائري موقفا قويا تجاهها حتى اعتبرها فاجعة ؟

    مع جزيل الشكر
    السلام عليك يا ابا عبدالله

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي تتمة الموضوع..

    الأخ بهبهاني ،

    سؤالك:
    1)شيخنا ما هو سبب كتابة المقدمة في هذا الوقت بالذات و لماذا اعتبرها البعض مسيئة للسيد الشهيد ؟

    جوابه :
    أني كتبت المقدمة من1 أكثر من سنة ، وليس لتوقيتها أي هدف علم الله ، ولا أنا في الساحة السياسية العراقية ، ولا في واردها ،
    لكني شيعي شاهد .. وعلي أن أطرح الفكر الشيعي الصحيح ، وأنقد المنحرف .

    سؤالك :
    2) ما هي أهم الاختلافات بين مقدمة الطبعة الأولى و الثانية و هل تغيرت قناعتكم في الأمور التي اختلفت في الطبعتين ؟

    جوابه :
    لم يتغير شئ من قناعتي ، بل ترسخت ،
    والفرق أني وسعت بعض الموضوعات فصارت المقدمة ضعفين تفريباً ،
    وحذفت الأسماء لأن غوغاء العوام ، وأتباعهم الحركيين الأماجد تحولوا الى صغار في الفكر والروح ، لاتتسع صدورهم لنقد الأفكار ،
    ولو كان الشهيد الصدر قدس سره حيا لشكرني على النقد ، وقد كنت أنتقد في حياته ، وكان مرات يرتاح جداً ومرات يسكت .

    سؤالك:
    3)ما هو رأي الشيخ الوحيد في ما جاء في المقدمة (على اعتبار انها جاءت على أحد كتبه) ؟
    جوابه :
    كل من قرأ المقدمة من العلماء ذوي الوزن العلمي والمراجع أيدها ، ورأى فيها أنها حق كلها ، وحتى تلاميذ السيد صرح بعضهم بأنها حق ولكن...
    وسترى أن الكتاب والمقدمة وكل كتبي سيطبع منها طبعات عديدة في العراق .

    4) ما هي علاقة المقدمة بكتاب الشيخ الوحيد و هل تعرض الشيخ الوحيد لما يسمى بالاتجاه الالتقاطي ؟

    الجواب :
    أن الشيخ الوحيد يقدم الإتجاه الاصيل ، ويتكلم عليه أحمد الكاتب بأنه مغال ، ويتبعه في الكلام عليه من تعرف !

    سؤالك :
    5) اذا لم يكن في مقدمة سماحتكم أي اساءة للسيد الشهيد لماذا اتخذ السيد الحائري موقفا قويا تجاهها حتى اعتبرها فاجعة ؟

    الجواب :
    السيد الحائري رفض أولا ً التدخل ، لأن كل المراجع سيكونون ضده ،
    وبعد أيام غيروا رأيه ، فكتب سطوره الاستنكارية ، ثم توسط بيني وبينه بعضهم فكتبت أني لم أصف أستاذنا بأنه التقاطي ، بل هو متأثر بمن عمل معه من الحزبيين ... الخ.
    فألغى تعطيل درسه المتواضع الذي سموه الحــــــــــــوزة !!

    ولو تعرف ماذا يقول السيد محمد الصدر فيقول عنه كما في كتاب السفير الخامس عن السيد كاظم الشيرازي الذي يرفعونه اليوم كما ترفع أنت صاحبك ..!!!

    أما مقتدى فيهدده بأنك إن لم تأت الى العراق ، فقد نستغني عنك !

    يقول له هذا مع أنه يسميه ولي أمر المسلمين ، ليستمد ولايته من ولايته !

    وانظر كيف بدأت انشفاقاتهم الأميبية !

    وقد سمعت أن اليعقوبي أعلن أنه هو ولي أمر المسلمين !


    http://www.azzaman.com/

    -----------------------------


    المسألة السادسة

    نظرتهم الخاطئة الى زيارة الأئمة عليهم السلام ومراسم عاشوراء

    من المجمع عليه في مذهب أهل البيت عليهم السلام فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وبقية المعصومين من عترته الطاهرة عليهم السلام ، خاصة الإمام الحسين والإمام الرضا عليهما السلام .
    وقد وردت في ذلك روايات صحيحة بلغت حد التواتر وعمل بها الشيعة من عصر الأئمة عليهم السلام الى يومنا هذا ، وأفتى بها فقهاؤنا القدماء والمتأخرون .
    وقد أكدت الروايات والفتاوى ما لزائرهم من فضل وثواب في الدنيا والآخرة ، وأطلقت ذلك ولم تقيده بقيد أو شرط .
    الى أن جاء تأثير فكر الإخوان المسلمين والإخوان الوهابيين ، فقام بعض المتأثرين به بوضع شروط لثواب الزيارة ، ثم لمحتواها ! فقالوا إن ثواب الزيارة بمقدار ما فيها من عمل سياسي لمعارضة النظام ، وتوعية الأمة على إقامة الحكم الإسلامي ! وادعوا أن الروايات التي تصف ذلك الثواب العظيم ناظرة الى ذلك الهدف مختصة بظرفه ، أما في مثل ظرفنا فثواب ذهابك الى كربلاء بقدر الأجرة التي تعطيها للسيارة ، وقدر السلام العادي على الإمام الحسين عليه السلام ، والركعات التي تصليها هناك ! .

    كنا شباباً متحمسين لزيارة كربلاء مشياً على الأقدام في المواسم ، أو بالسيارة في ليالي الجمع ، فكان بعض أستاتذنا يناقشنا بهذا الكلام ، وكان بعضنا يناقشه ، أو يسكت احتراماً له ، دون أن يقتنع !

    وطالت الأيام ، حتى اكتشفنا أن الفهم السياسي للدين فهمٌ ناقص يُخرجه عن كونه ديناً إلهياً كامل الأبعاد ! وأن صاحب هذا الفهم مشغوفٌ بعامل واحد ، مصابٌ بالتسطيح الذهني ، وعدم فهم بقية الجوانب !

    ومن هذا النوع ، مسألة مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام وأن تطلب منه أن يشفع لك الى الله تعالى في المغفرة أو قضاء حوائجك .
    وقد كنت بحكم تربيتي وتأثري ببعض أساتذتي ، أخاطب أمير المؤمنين عليه السلام عندما أزوره وأطلب منه الشفاعة أوقضاء حاجتي ، وكان بعضهم لايعجبه ذلك ويتبرم منه !
    ناقشته أكثر من مرة ، فلم يكن عنده حجة إلا أن مخاطبة المعصوم عليه السلام قد يفهم منها إشراكه مع الله تعالى !
    كنت أقول له وهل أنا أطلب منه عليه السلام من جيبه حتى أكون أشركته مع الله ؟! إنما أطلب منه مما أعطاه الله تعالى ، وأطلب منه لأن الله أمرني أن أتخذه واسطة وأتوسل به اليه في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:35)
    وأي وسيلة الى الله أعظم من محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله ؟!

    لم يكن يقبل كلامي ، وغاية ما وصلنا اليه ذات يوم أن قال: إذا كان قولك هذا لايؤثر في ذهنك ذرة من الشرك فقله ، أما أنا فلا أقوله !!

    والأمر في مراسم عزاء الإمام الحسين عليه السلام أكثر وضوحاً ، لأنها عمل شعبي وثيق الصلة بالعمل السياسي , ولذا كثرت أطروحاتهم لها !
    يريدون من الحسين عليه السلام أن يكون ثائراً على طريقتهم ، ولعلاقة الشيعة به أن يغلب فيها الطابع السياسي على الطابع العقائدي والعاطفي !
    ويشنون حملة على مراسم العزاء القديمة من أجل هدمها وإعادة تشكيلها حسب فهمهم للإمام الحسين عليه السلام ، وهدفهم من مراسم عاشورائه !

    وهنا يصطدمون بالجمهور الشيعي فيما يعارضون من مراسم ويهاجمونه ، أو فيما يقبلونه ويريدون التدخل فيه وصرفه الى غرضهم !

    ولاحلَّ لخلاف الشيعة معهم في هذا الموضوع كما في غيره !
    لأنهم من جهة لايقبلون التعددية في الرأي والعمل ، فمن لم يكن معهم فهو ذدهم ، وكأنه خارج عن الدين !
    ومن جهة ، يريدون فرض مرجعيتهم في مسائل الإختلاف ، من السياسيين أو من صغار العلماء ، بينما يريد الشيعة تحكيم مراجع الدين الذين يقلدونهم لأنهم المرجعية الشرعية في مسائل الإختلاف !

    *******

    المسألة السابعة

    مرض الآحادية ، والجرأة على مقام المراجع والعلماء

    مرض الآحادية:
    ندرس في الحوزة في أول دروسنا في قطر الندى وألفية ابن مالك: قال الكوفيون وقال البصريون ، فنعرف أنهم يختلفون في الرأي ، لكنهم لايتعادون ولا يتقاتلون ! ثم نقرأ في المنطق ، والمعاني والبيان ، وأصول الفقه ، والفقه ، والتفسير ، وفي كل علم ندرسه أو نقرأ فيه ، أنه توجد آراء مختلفة في المسائل ، فلا يتعادى أهلها ، ولا يكره بعضهم بعضاً ، ولا هم يحزنون !

    نتعلم بذلك أنه يوجد في المسائل العلمية موافق ومخالف ورأي ثالث ، وأن أصحابها يتعايشون لأنهم يؤمنون بالتعددية ، فيدافع كل منهم عن رأيه ، وينتقد رأي من خالفه ، لكنه يحترمه ويتعايش معه .

    ونقرأ عن حقوق المؤمن على المؤمن ، في الإخاء ، والمودة ، والمواساة ، وحفظه في الغيب ، وتحريم غيبته.. ونرى نماذج عالية من سلوك المؤمنين مع بعضهم ، من عصور أئمتنا عليهم السلام الى يومنا .

    ونولد في بيوت تحترم العلماء ، وتقدس المراجع ، ثم نقرأ عن مكانتهم ومقامهم وسيرتهم ، فنحبهم أكثر ونقلدهم ونتعلم منهم . ثم نتعرف على اختلاف آرائهم ، فنعذرهم لأن اجتهادهم مشروع ، ولأن الله تعالى يحاسب المرجع والعامي على قناعته هو بينه وبين ربه ، وليس على قناعتي أنا !

    وفي التاريخ والعقائد ، ننتقد الآحاديين الذين اضطهدوا أصحاب الرأي الآخر ، وسلبوا منهم حقهم الشرعي في التعبير عن رأيهم ، ومنعوهم من قول ما يعتقدون ، وانتقاد ما يخالفون ، وأجبروهم على بيعتهم بالسيف !
    ونقول إن أئمتنا عليهم السلام وشيعتهم ضحية فرض الرأي ومصادرة الحرية ! وإن أمير المؤمنين علياً عليه السلام هو الحاكم الوحيد بعد النبي صلى الله عليه وآله الذي احترم الإنسان المسلم ورد اليه حريته ، فلم يجبر أحداً على بيعته ، ولم يجبر أحداً من الذين بايعوه أن يقاتل معه الناكثين والقاسطين والمارقين !
    نقول ذلك ونقبله ، فإذا جاء دور العمل دخلنا في امتحان التطبيق الصعب !

    الفردية المفرطة عند الإلتقاطيين وجرأتهم على المراجع:

    إن مرض الآحادية وظلم أصحاب الرأي المخالف واضطهادهم، مرضٌ عامٌّ لايسلم منه إلا المعصومون عليهم السلام والقليل من الأولياء الذين قهروا شرَّ أنفسهم فاتسعت صدورهم لخصومهم، وبحثوا لهم عن المعاذير ، واتقوا الله فيهم حق تقاته ، فلم يقدموا على عمل ضدهم ، إلا مجبرين بحكم الشرع والتكليف!

    لكن نلاحظ أن مرض الآحادية في الإلتقاطيين أكثر من غيرهم ! وأنهم من أشد الناس على من خالفهم ! فكم وصموا مراجع النجف وعلماءها الذين خالفونهم الرأي ، بصفات يندى لها جبين المتدينين ، وأقلها الجمود والقعود عن الواجب ! لكنهم غير حاضرين لأن يسمعوا وجهة نظرهم ، والسبب الشرعي عندهم في مخالفتهم لمشروعهم السياسي ، وطريقتهم في العمل !
    والذي يقرر أن لايسمع رأي من خالفه ويفهمه، كيف ننتظر منه أن يحترمه ويحفظ حقه ، ويتعايش بالحسنى معه ؟!

    والذي يُسْكره الغرور فيفقد توازنه عندما يرى حوله عدداً من الأنصار المسلحين ، ويريد من المراجع أن يطيعوه.. ماذا تنتظر منه إذا حكم ؟!

    والوجه في الأمر واضح ، فإن الذي ينقص من مقام المعصوم عليهم السلام ويظلمه ، أحرى بأن ينقص من مقام غيره ويظلمه !

    العلاقة بين الجرأة على العلماء والجرأة على سفك الدماء:
    قال علي عليه السلام : (إذا كان في رجل خلة رائعة فانتظروا أخواتها). ( نهج البلاغة: 4/103) .
    ومعناه أنه إن كان فيه صفة سيئة فانتظروا أخواتها أيضاً ، لأن صفات الإنسان الرائعة والعائبة ، مجموعات أو عوائل مترابطة .
    ومن عائلة الجرأة على حرمة المراجع والعلماء ، الجرأة على حرمات بقية الناس ! ومن عائلة الإعتداء على حرمات الناس المعنوية ، إمكانية الإعتداء على حرمات وجودهم ، وارتكاب سفك دمائهم .

    إن من أصعب امتحانات الله تعالى للإنسان أن يمتحنه بخصم يخالفه الرأي ويعمل ضده ، ومع ذلك يوجب عليه أن يحفظ دمه وعرضه وغيبته ، إلا في موضوع ظلامته فيجيز له أن يجهر بها: (لايُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (النساء:148)
    هنا يمكننا أن نفهم حقيقة الشخص بأن ندرس تعامله مع خصمه ، خاصة في المسائل السياسية ، فنعرف أنه متدين ، أو فاسق ، أو مجرم !
    أما صاحب الدين فيقف عند حدود الله تعالى ولايتعداها ، وقليل ما هم !
    وأما الفاسق فيطلق العنان للسانه وعمله لكن الى مادون القتل وسفك الدم !
    وأما المجرم فلا يقف في خصومته عند حد ، بل هو مستعد لأن يسفك دم خصمه ، ودم من يتصل به !!
    وإذا وصل أمر الإنسان الى القتل بغير حق ، فقد خرج من الدين ومن الإنسانية ، وصار وحشاً مفترساً ، لكنه مع الأسف بصورة (إنسان متدين) !!

    ***********
    المسألة الثامنة

    النزعة المادية والضيق بالغيبيات

    بعض هؤلاء يحمل في قلبه عقدة من الغيبيات ، فتراه يرد معجزات الأئمة صلوات الله عليهم وكراماتهم، أو يميل الى ردها حتى لو كانت بسند صحيح!
    بل يرد أكثر معجزات النبي صلى الله عليه وآله التي رواها الشيعة والسنة بأسانيد صحيحة !!

    وتصل حساسيته الى رواة الكرامات فتراه يضغف الرواة الأجلاء الذين أجمعت الطائفة على توثيقهم مثل جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله ، والعلماء الأجلاء الذين أجمعت الطائفة على وثاقتهم وعدالتهم ، مثل السيد ابن طاووس قدس سره ، لمجرد أنهما يعتقدان بالمعجزات والكرامات ويرويانها !
    تراه يشبه أصحاب النزعة الغربية العلمانية ، الذين يكبرون الماديات ، ويفسرون بها الأمور الغيبية ، ويردون منها ما لا يقبل التفسير المادي !

    عندما أسمع أحدهم وهو يتحامل على الغيبيات ويردد كلمة الغيبيات بإهمال واستخفاف ، لا أملك إلا التعجب لهذا (العالم أو الطالب أو المسلم المتدين) ، المعتقد بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وبالكتاب والسنة ، وهو مع ذلك يتكلم بهذا الكلام !
    وهل الإسلام إلا الغيب ؟! أليس وجود الله تعالى الذي نعبده غيباً ؟ أليست الآخرة التي نوقن بها غيباً ؟ أليس الغيب في القرآن أضعاف الشهادة ؟
    أليس الغيب يحيط بنا من كل جانب ؟!

    يقول بعضهم ، أنا أؤمن بالغيب ، لكني أناقش في وسائل إثباته ، وفي إشاعة ثقافة الغيبيات في عوام الناس .
    وهو كلام يغريك لأول سماعه ،كأن صاحبه عالم متثبت محتاط ! لكنك عندما تتعرف على أفكاره ومبانيه وسلوكه ، تجد أنه لايؤمن بالمفردة الغيبية حتى لو صح دليلها على مبناه ، ويتمحل لتفسيرها تفسيراً مادياً !
    إنه نزَّاعٌ الى الماديات ، معرضٌ عن الغيبيات ، وكأنه يكرهها !
    ولو سألتهم عن مقولتهم عن ثقافة الغيبيات: ماذا يضركم أن يعتقد الناس بالغيبيات؟ وأن يتلو الخطباء على أسماع المسلمين من منابر الجمعة ومنابر العزاء الحسيني آياتها ورواياتها ، ويشرحوا لهم مفاهيمها ، ويقصوا عليهم قصصها ؟!
    لقال قائلهم إن انشغال الأمة بالغيبيات يبعدها عن واقعها ، ويقلل من استجابتها للدعوة الى العمل الإسلامي ، وأداء واجبها لإقامة الدولة الإسلامية ،
    وهذا يعني تخلف الأمة في الوعي والعمل السياسي الواجب !
    هنا ينكشف سر حساسيتهم من الغيبيات !
    فالواقع الذي يجب على الأمة وعيه هو الواقع الحسي السياسي فقط ، والغيب ليس من الواقع ، ولا يصح الإنشغال به إلا بقدر ملح الزاد فقط !

    من أين جاء هذا التعريف للواقع ، إلا من الفهم الغربي ، الذي يتفق تماماً مع الفهم السلفي في الحساسية من المعجزات والكرامات والغيبيات ؟!!
    لقد انكشف السر ! فالمطلوب سَوْق الأمة في مساق معين ، وإيمانها بالغيبيات والمعجزات والكرامات يعيق ذلك !
    لهذا تجب التخلية ثم التحلية! التخلية من زيادة الإيمان بالغيبيات ، والتحلية بوعي الواقع الإسلامي والعمل السياسي له !

    ولماذا لايكون الواقع الإسلامي شاملاً لوعي الخارج الحسي ، ووعي الغيب في مختلف شؤون العقيدة والحياة ، وفي طليعته وعي مقامات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ومعجزاتهم وكراماتهم ، ومعايشتها ؟!
    وأين وصف أصحاب الأمام المهدي عليه السلام الذين أعدهم الله تعالى لأكبر تغيير ، وإقامة أعظم دولة على وجه الأرض بأنهم رهبان الليل ليوث النهار ؟!:
    قال المفيد قدس سره في الإختصاص ص208: (عن طارق بن شهاب قال: سمعت حذيفة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا كان عند خروج القائم ينادي مناد من السماء: أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة ، فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، فيبايعونه بين الركن والمقام .
    قال عمران بن الحصين: يا رسول الله صف لنا هذا الرجل ، قال: هو رجل من ولد الحسين كأنه من رجال شنوءة ، عليه عباءتان قطوانيتان ، اسمه اسمي ، فعند ذلك تفرخ الطيور في أوكارها والحيتان في بحارها ، وتمد الأنهار ، وتفيض العيون وتنبت الأرض ضعف أكلها ، ثم يسير مقدمته جبرئيل وساقيه إسرافيل فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ) .

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    الدولة
    العراق المحتل
    المشاركات
    801

    افتراضي

    الرسالة الأصلية كتبت بواسطة العاملي

    أن الشيخ الوحيد يقدم الإتجاه الاصيل ، ويتكلم عليه أحمد الكاتب بأنه مغال ، ويتبعه في الكلام عليه من تعرف !
    .
    .
    .
    وقد كنت بحكم تربيتي وتأثري ببعض أساتذتي ، أخاطب أمير المؤمنين عليه السلام عندما أزوره وأطلب منه الشفاعة أوقضاء حاجتي ، وكان بعضهم لايعجبه ذلك ويتبرم منه !
    ناقشته أكثر من مرة ، فلم يكن عنده حجة إلا أن مخاطبة المعصوم عليه السلام قد يفهم منها إشراكه مع الله تعالى !
    كنت أقول له وهل أنا أطلب منه عليه السلام من جيبه حتى أكون أشركته مع الله ؟! إنما أطلب منه مما أعطاه الله تعالى ، وأطلب منه لأن الله أمرني أن أتخذه واسطة وأتوسل به اليه في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:35)
    وأي وسيلة الى الله أعظم من محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله ؟!

    الشيخ الخراساني يقدم الفكر الأصيل ؟!!
    و الله لقد كان أحمد الكاتب مترفقاً بالشيخ "الوحيد" عندما اقتصر على وصفه بالمغالي .. و هو الذي فاق أبا سفيان جهلاً بالله !

    و الله يا عاملي أشد الناس فرحاً بمقدمتك هذه هم السلفيون ! فسيجدون فيها وجبة دسمة من الإعترافات بأن الشيعة مشركون و في أحسن أحوالهم مغالون!
    يا شيخ أنت تقول أنك تريد أن تطرح الفكر الشيعي و تنقد الفكر المنحرف .. لكني أراك تفعل العكس تماماً ، مقدمتك هذه طامة على الشيعة و ستزيد من أذاهم .. و لم أجد لك حجة واحدة فيما تدعي .. هل الفكر الشيعي يهمل القرآن تماماً و يقوم على سيل من الروايات الكثير منها يعارض كتاب الله ؟!

    أنت تتكلم في التوحيد و في صفات الله و تخترع له أفعالاً من عندك بغير علمٍ و لا هدىً و لا كتابٍ منير.. و لم تأت بآية واحدة من كتابه تدعم ما تزعم ! بل على العكس .. القرآن يخالف مزاعمك و يحاربها صراحةً و ينقل لنا أنها من مزاعم المشركين حول آلهتم التي تقربهم إلى الله زلفى ؟

    اعطني دليلاً واحداً من كتاب الله يأمرك فيه أن تدعوا و تتوسل بغيره !

    (( إنَّ الَّذيْنَ تَدْعوُنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ عِبَادٌ أمْثَالُكُمْ .. فَادْعوُهُم فَلْيَسْتَجِيْبُوا لَكُم إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ !)) الأعراف 149


    لا يسعفك القرآن و أنت تتحدث في الذات الإلهية و في صفاته و أفعاله .. و ليس هذا فقط .. بل القرآن يدل على نقيض دعواك كلها .. و قد رأيتُ فيما مضى كيف أنك تستخدم اسلوب الإسقاط و تاتي بالفرضيات من عندك و تنسبها لله أو لرسوله و للأئمة لتغم على القاريء .. و أحياناً تدلس في النقل حتى عن علماء الشيعة أنفسهم و مفسريهم و تزعم عنهم ما لم يقولوا!

    انظر هذه عبارتك في هذه الآية التي تزعم أنها تأمرك بالتوسل بالأئمة و أن تتخذهم وسيلة في قضاء حاجاتك:
    (( وأطلب منه لأن الله أمرني أن أتخذه واسطة وأتوسل به اليه في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:35)
    وأي وسيلة الى الله أعظم من محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله )) انتهى.

    تعال هنا يا شيخ .. هذا الكلام من عندك ، كالعادة! أنت تزعم أنك تتبع الأئمة و تسير على نهجهم .. لكنك تخالفهم في اعتقدهم في الوسيلة و الدعاء !

    يقول أمير المؤمنين (ع) يصف لنا آداب التوسل والدعاء :
    (( ان أفضل ما توسل به المتوسلون الى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فأنه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان فإنه جُنة من العقاب ، وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ومنساة في الأجل ، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الـهـوان ))

    ويقول الإمام السجاد الذي سطر أخلص وأصفى تعابير التوسل و الإستغاثة في أدعيته ، يقول في الدعاء الذي رواه عنه أبو حمزة الثمالي :
    ((.. و الحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي ، وأخلوا به حيث شئت لسري .. بغير شفيعٍ ، فيقضي لي حاجتي..
    الحمد لله الذي لا أدعو غيره ، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي ..!!
    والحمد لله الذي لا أرجو غيره ، ولو رجوت غيره لأخلف رجائي ..!! ))

    ويقول أيضاً في مناجاة المطيعين:
    (( ولا وسيلة لنا اليك إلا أنت )) !!
    ويقول أيضاً : (( أنت المدعو للمهمات وأنت المفزع في الملمات )) !!
    ويقول أيضاً: (( لا يشركك أحد في رجائي ولا يتفق أحد معك في دعائي ولا ينظمه وإياك ندائي )) !!

    فأين أنت من هذا و لماذا لا نرى أثر "ولاية" الأئمة على شيء مما تقول يا شيخ؟!

    انتظر .. لم أنتهي .. هاك ما يقوله علماء الشيعة عن الآية التي زعمت أنها تأمرك أن تتوسل بالأئمة:
    في قوله تعالى :
    أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:35)

    فهذه الآية يقول عنها الطبرسي في مجمع البيان :
    (( أي اطلبوا اليه القربة بالطاعات! ))
    وفي جوامع الجامع :
    (( كل ما يتوسل اليه من الطاعات وترك المقبحات ! ))

    وفي تفسير شبر :
    (( أي ما تتوسلون به الى ثوابه من الطاعة! ))

    و للـطبأطبائي في الميزان :
    (( حقيقة الوسيلة الى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة ، وتحري مكارم الشريعة ، وهي القربى. ولا رابط يربط بين العبد وربه الا ذل العبودية، فالوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر الى جنابه تعالى. فهذه هي الوسيلة الرابطة. ))

    ويقول عنها محمد الحسيني الشيرازي في تقريب القرآن :
    (( السبب الذي يقربكم اليه سبحانه من فعل الخيرات والأعمال الصالحة. فهذه كلها تقول أن الوسيلة هي طاعة الله ولا تعني بأية حال اتخاذ الأئمة والأولياء كوسائط و وسائل الى الله. ))

    و لن أنقل لك ما يقوله فضل الله مما جاء متوافقا ًمع كتاب الله و هدي رسوله و منهج الأئمة لأن فضل الله "ضال منحرف"

    فالقرآن يعارضك ، و الأئمة يقولون بعكس ما تقول ، و المفسرون يرون غير ما ترى .. فمن هو صاحب الفكر المنحرف يا ترى ؟!

    هذا غيض من فيض يا شيخ .. و لولا ضيق الوقت لاسترسلنا في باقي كلامك.
    أليس الله بكاف عبده ؟

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    اتمنى من الأخ ابي الحارث ان يستمر في تفنيد الفكر التخريفي والأتجاه الكهنوتي الكنسي الدخيل على التشيع.
    لاحظ اخي ابي الحارث اسلوب الغاء العقل واللعب بالكلمات واساءة استغلال اللغة. اسلوب خراساني وكوراني يذكرني بنقاش مع احد الدعاة المسيحيين المتشددين في احد المدن السويدية. حيث استمر في محاولة اقناعي ان الله تعالى واحد لكنه ثلاثة. وقد استخدم كافة الأساليب اللغوية والتعابير المبهمة ووصولا الى مطالبتي باستخدام القلب للأطلاع على الثالوث المقدس بدل العقل. وكيف ان البيضة تحوي الصفار والبياض والقشر فهي 3 ولكنها واحد. واخر حيلة كانت ان احضر احد القسس ممن عملوا في التبشير ويتكلم العربية وكان يناشدني ان اسمح له ان يضع يده على رأسي مع صياح مهلوس بكلمة هلالويا.

    الا تلاحظون بعض التشابه هنا.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    May 2003
    المشاركات
    367

    افتراضي تتمة الموضوع وختامه ..

    الأخ أبا الحارث ، أو أحمد الكاتب ، أو عبد الرسول لاري.. لافرق..


    وضعت لك بحثاً عن التوسل في هذا الرابط ،

    http://www.iraqcenter.net/vb/showthr...&threadid=2120

    وأنت تعرف أن شرطي عليك في المناقشة ثلاثة أمور :

    1- أن لاتخرج عن الموضوع ،
    2- وأن لاتخلط موضوعاً بموضوع ،
    3- وأن لاتهرب من النقاش .
    ولم ينفغع معك حتى الشرط والحكم .. وهذه مواضيعك في هجر
    موجودة ..
    ---------------------


    المسألة التاسعة ( من المقدمة والأخيرة..)


    من ظواهر الإتجاه الإلتقاطي و صفات أصحابه

    من الظواهر البارزة في أصجاب هذا الإتجاه ، ضعف اطلاعهم على مصادر التشيع ، خاصة في الكلام والحديث والتفسير ، مع أن بعضهم كثير القراءة لأنواع الكتب ، لكنه معرضٌ عن دراسة مصادرنا وقراءتها ، ومشغوفٌ بأجواء ثقافية مشبعة بالمفاهيم الغربية والسنية !

    وبعضهم مشكلته شخصية ، فهو من صغره لم تتركز عقيدته ولم يستوعبها من أسرته ومحيطه ، وعاش التزلزل في عقيدته بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام !
    وعندما كَبُر لم يبْنِ عقيدته ، ولم يتفهم الإسلام والمذهب من مصادره وعلمائه ، بل اختار تركيبية متنافرة ، أو التقاطية متضادة !
    ومن الواضح أن درجة استيعاب أي دين أو مذهب ، تتبع المستوى العلمي للشخص ، ومستوى تدينه ومعايشته الفكرية والروحية لعقائده وقادته .

    وبعضهم كأنَّ عمله أن يرصد فضائل أهل البيت الطاهرين عليهم السلام المجمع عليها عند الطائفة ، حتى ما رواه السنيون بأحاديث صحيحة ، فينشر التشكيك فيها !
    تراه لا تكاد تسلم منه آية في حقهم عليهم السلام حتى مثل آية المودة في القربى ، وآية التطهير ، وآية البلاغ ، وآية المباهلة ، إلا وضعَّف مقامهم الرباني فيها ، أو أدخل معهم غيرهم ، أو شكك في دلالتها ، أو في الروايات المفسرة لها !
    ثم تراه يرصد الأحاديث النبوية في حقهم عليهم السلام حتى حديث الغدير ، وحديث الثقلين، وحديث الكساء، فيشكك في دلالتها ، أو في سندها، أو يخدش فيها!
    لذلك رأى مراجع الدين أن من واجبهم حراسة عقائد المذهب الحق ، والوقوف في وجه أمثال هذه الأفكار التحريفية لعقائده ومفاهيمه .

    وبعضهم يحرص على تقديم التشيع الإلتقاطي الى العالم ! خاصة بعد الثورة الإيرانية حيث كثر الطلب في العالم لمعرفة الشيعة ، وعقائدهم ، فكثرت الكتابات والخطابات عن عقائد الشيعة وفقههم وتاريخهم وشخصياتهم ، واختلط ما هو أصيل من مذهب التشيع فيما هو غريب عنه ملصق به !
    وكان من أسبابه أن بعض الجهلاء أو أصحاب الإتجاه الإلتقاطي نشطوا في الكلام عن مذهب التشيع والكتابة عنه بآرائهم ، دون الإستناد الى مصادر الشيعة ونصوصهم ، وآراء كبار علمائهم .

    وقد وصل الأمر ببعضهم أن سمى المعصومين عليهم السلام مجتهدين ، وسمى من ظلمهم مجتهدين! ونسب الى الأئمة عليهم السلام العمل بالظن في أمور الدين ، مع أن عصمتهم عليهم السلام من البدائه وضروريات مذهب التشيع ، وأن الذين تبنوا العمل بالظن هم أعداؤهم ، فقاومه الأئمة عليهم السلام بشدة !!

    وبعضهم مفتونٌ بالعصرنة ، مبهورٌ بالأفكار الغربية ، يهشُّ ويبشُّ لكتبها ومؤلفيها . أو مغالٍ في الفلسفة اليونانية والغربية ، كأنه يرى الفلاسفة أنبياء أو أصحاب مقام قريب من مقامهم !
    وهو في المقابل لايكبر مصادر الثقافة الإسلامية ، ولايقدِّر علماء المسلمين قدرهم .
    وكثير منهم ، من سطحيون في الفكر والعمل ..

    الى آخر صفاتهم ولحن قولهم ، الذي يعرفهم به المؤمنون الأصيلون .

    استناد خصوم الشيعة الى آراء أصحاب هذا الإتجاه:

    من نتائج هذا الإتجاه السيئة على الشيعة ، أن بعض خصوم مذهب أهل البيت عليهم السلام ، خاصة السلفييين ، يأخذون آراء أصحاب الإتجاه الإلتقاطي على أنها تمثل التشيع ، ويهاجمونه بها ، ويثيرون بها الشبهات !
    مع أنهم يعرفون أن الملاك في آراء المذهب ليس فهم عوامه ، ولا فهم الشاذ من أتباعه، بل ما دَوَّنه مراجع المذهب المعترف بعلمهم ومرجعيتهم ، وما هو ثابت من سيرة أتباعه جيلاً فجيلاً وصولاً الى جيل الرواة والفقهاء من تلاميذ الأئمة عليهم السلام .

    لقد قسم خصومنا الشيعة بسبب هؤلاء الى معتدلين ومتطرفين ، ومدحوا هؤلاء المعتدلين ، لأنهم حاربوا بعض عقائد التشيع ومفاهيمه !

    قيل لأحدهم إن صحيفة سلفية كتبت بسبب كلامك: أحد أئمة الشيعة يعترف بزيف مذهبهم ! فقال: لماذا بسببي؟ أنا لم أقل لهم أن يكتبوا !

    وبعضهم يقيم علاقات ودية مع خصوم مذهب التشيع ، ويناغيهم في نقد الشيعة و(غلوهم)في أهل البيت عليهم السلام ! وعندما يسأل عن ذلك ينكر ! أو يعترف بأن له علاقات ودية معهم ، ويقول إنه لايوافقهم على طعنهم في التشيع !


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني