بين علي (ع) والجعفري
سنن تأريخية وثارات أحدية وحنينية

في المنعطفات التاريخية الكبرى وفي المراحل التأسيسية لقيام الدولة والحضارات ونهوض الأمم والشعوب , يأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه , وتأبى سننه إلا أن تصرخ بملء فمها ها أنذا , ويأبى الباطل إلا أن يكشر عن أنيابه وتتحد قواه بكل تناقضاتها واختلافاتها لمواجهة الحق وكسر شوكته.
ولكن وإزاء ذلك كله يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والمشركون والمنافقون. بالأمس وفي المنعطف التاريخي الأخطر والأكبر في حياة الأمة الإسلامية , وبعد أن انتخب الناس قائدهم وإمامهم ( علي ع) وتكاثروا على بيته حتى وطئ الحسنان في أول انتخابات شعبية في تاريخ الإسلام , في تلك الفترة اتحدت كل قوى الشرك والوثنية والنفاق في الجزيرة العربية وتناست كل خلافتها وأسالت الدماء انهارا حتى أجهضت دولة الحق وأقامت محلها دولة الضلال والجاهلية, فمن ذاهب للعمرة وهو ينوي الغدرة ، ومن رافع لقميص حق يريد به باطلاً ، ومن جاهل خدعته المصاحف المرفوعة على الرماح زوراً وبهتانا .
وهكذا كانت الجمل وصفين والنهروان , وكان الناكثين والقاسطين والمارقين .
ومازالت آثارتلك الفترة الكارثية تطل علينا بين الفينة والأخرى بعد (14) قرنا من الزمان .
واليوم وامتنا المظلومة في العراق تعيش منعطفها التاريخي الكبير وتتهيأ لوضع الأسس وبناء ما دمره البعث العلماني الطائفي ولترسم معالم الطريق للأجيال القادمة. وبعد أن خاضت ثلاث انتخابات مصيرية تحدت فيها كل أنواع الإرهاب والتثبيط وبعد أن اختارت قائدها الدكتور الجعفري ,, بدأت مطابخ الفتنة والتآمر تعد طبختها الجديدة لخلط الأوراق والتشويش على الوضع الجديد لما يشكله من خطر على مصالحها الآنية والمستقبلية .
فشخص كالجعفري نزيه الكف عدو للسراق وان كانوا من عليه القوم نصير المظلومين وان كانوا من فقراء القوم موسوعي العلم والمعرفة تشهد له كل صفحات وميادين الصراع مع النظام الطاغوتي المباد ، عراقي حتى النخاع لا يبيع ولا يداهن ، شخص كهذا لابد أن يصطف ضده الكثير من المتضررين وفاقدي الامتيازات والمحرومين من السرقات فضلا عن الحساد والحاقدين ، فهل سيتركونه يؤدي دوره التاريخي لانتشال هذه الأمة من هذه الوهده حاشا وحاشا ، فها هي نذر الشر تطل برأسها من جديد وهاهي حشود المنافقين والعملاء والنواصب توحد صفوفها لإطفاء هذا السراج الذي ينير للأمة ليلها المعتم، نعم وحدوا صفوفهم تجاه (الجعفري) كما وحدوه من قبل تجاه (حسين العصر) أبي جعفر ، أحزاب كردية ، مخابرات خارجية اطلاعات إقليمية ، نواصب تكفيريون ، بعثيون جدد . ( إيه أيها الحق لم تُبق للجعفري خلا ، كما لم تبق لجده (علي ) من قبل خلا ، انه حلف مدنس بين كل هذه المتناقضات. إن خطورة ما يثار اليوم حول الدكتور الجعفري ليس منحصرا بشخصيته كفرد أو كرمز ، إنها مؤامرة خطيرة للالتفاف على الخيار الانتخابي الذي يعتبر الجعفري خير من يؤتمن عليه، بل إنها المؤامرة القديمة المتجددة على الأغلبية الشيعية فبعد أن فشلوا في كل الحلقات السابقة للمؤامرة من عرقلة للعملية السياسية وللانتخابات والتصويت على الدستور وأخيرا انتخاب رئيس الوزراء قرروا تفجير هذه القضية . المهم في النهاية أن يصادر النصر الذي حققه الائتلاف بأي شكل من الأشكال وان يمنع الشيعة من اخذ وضعهم الطبيعي والصحيح والذي يتناسب مع حجمهم وثقلهم السكاني والحضاري وبالرغم من إن السهام توجه إلى الدكتور الجعفري إلا إن الهدف الحقيقي للصراع هو تغيير النقاط الحيوية والمهمة من الدستور كحق إقامة الفدرالية للوسط والجنوب واجتثاث البعث وكذلك المطالبة بتشكيل مجلس امن وطني تلغي فيه ومن خلاله كل قيمة لمجلس النواب والاستحقاق الانتخابي فلا أقلية ولا أكثرية ولاهم يحزنون ، إننا ومن اجل أن نسلط الأضواء على هذه المؤامرات لابد لنا من تثبيت جملة من الحقائق وكالتالي:
1- إن الدكتور الجعفري شخصية تاريخية بكل المقاييس ولا تحتاج إلا إلى الظرف المناسب كي تتكامل وتتألق وتؤدي دورها التاريخي المطلوب، وهي بذلك يجب أن تكون مصدر فخر واعتزاز للأمة لان الوقوف بوجه هكذا شخصيات هو وقوف بوجه مشروع إنقاذ الأمة، إننا ورغم إيماننا بان الأمم الحية هي منجبة الإبطال إلا إنه لا يمكن تجاهل دور البطل في التاريخ , والجعفري رجل بمقاس التاريخ فاعرفوا مفاخركم يا أهل العراق.
2- إن الأشياء تعرف بأضدادها ومادامت جبهة التوافق الناصبية ونفايات البعث العفلقية هي من بين من يطالب بتغيير الجعفري فهذا دليل نزاهته وإخلاصه وتدينه ووفائه لشعبه ولدماء الشهداء
وإذا أتتك مذمتي من ناصبي فهي الشهادة لي بأني جعفري
3 - إن السبب الذي حدا بجبهة التوافق إلى الإصرار على تغيير الجعفري هو بحسب ما قاله طارق الهاشمي ( فشله في قمع الجماهير المنتفضة بعد تفجير الإمامين العسكريين في سامراء ورفضه إصدار الأمر بمنع التجوال فور حصول التفجير مما اتاح للغوغاء والطائفيين ضرب المساجد السنية وقتل السنة، وقال إن تعيين هذا الرجل رئيسا للحكومة لأربع سنوات سيكون كارثة على العراق إذن فتهمة الجعفري الحقيقية عند هؤلاء هي عدم مسارعته لطمطمة تفجير سامراء وتسجيل الجريمة ضد مجهول وعدم سحقه للجماهير التي خرجت تضرب أوكار الوهابيين والصداميين وليس السنة كما يشاع ، وإذن فان جريمة الرجل أنه سمح للناس وأعطى الضوء الأخضر للحكومة من قبل لتصفية الإرهابيين. ولذاك فان تعيينه كارثة على الإرهابيين. نعم ما نقموا منه إلا شدة وطأته على التكفيريين والصداميين ، كما نقموا من قبل على أبي حسن نكير سيفه على المشركين والمنافقين .
الهاشمي يقول انه كارثة على العراق والدليمي في حديث خاص مع عبد الخالق زنكنه والقاضي دارا يقول إن الجعفري خطر على المسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة والعرب والأكراد وعلى الإنسانية
فهل بعد هذا من مزيد لمن مازال يمسك العصا من الوسط، ويرسل الإشارات الخضراء والزرقاء إلى الآخرين لإثارة الأجواء ، انه سؤال نوجهه إلى بعض القوى داخل الائتلاف .
4- إن أي بديل من داخل الائتلاف يحل محل الجعفري سيكون محل شك وقلق وشبهة لان رضا الآخرين عنه بهذا الظرف سيكون دليلا على تواطئه معهم.
5- أما الأكراد فهم يريدون أن يحكموا العراق من دولتهم المستقلة في كردستان ، وظنوا أن ليس هناك من يستطيع أن يقول لهم (لا) ولذلك أرادوا أن تقدم لهم كركوك على طبق من ذهب وخارج إطار الدستور.
وان يتحول الرئيس الكردي إلى حاكم مطلق للعراق له كل الصلاحيات و زاد من إصرارهم تعامل الآخرين معهم بمزيج من الطمع والخوف والمجاملات المصلحية، و بلحاظ قربهم من السيد الأمريكي.
ولذلك كان الجعفري نشازا في هذا الجو المعبق بالنفاق السياسي وبلغة المصالح الضيقة، انه الرجل الذي لا يبيع ، ولا يرتعب من الأصوات العالية ولا يتهيب من الأسماء الكبيرة ، لذا قرروا أن يسقطوه ويبحثوا عن لعبة اسمها رئيس وزراء يحركونه كيف شاؤوا .
6- خاتمة الحقائق ، وهي ما ينبغي أن نقف أمامها طويلا ، حقيقة إن الخلاف الكردي السني ، خلاف في السطح ، لأنه عندما يجد الجد فان السنة والأكراد حالة واحدة ، وخاصة إذا كان الطرف الثالث هم(الشيعة) في هذه الحالة سينسى الأكراد كل شي ، دماء مئات الآلاف من ابنائهم ممن قتلهم الإخوة العرب السنة ، والحلف الاستراتيجي مع الشيعة والعهود والمواثيق وكل شي ، ويهيمن النفس الطائفي على طريقة تفكيرهم وطريقة تعاملهم وان لم يصرحوا بذلك، لأنهم إن صرحوا بذلك سيخسروا وضعهم المستقل ويحسبوا على السنة العرب ، ويسقط حقهم في أن يكونوا طرفا ثالثا مستقلا له كل ما للأطراف الأخرى المستقلة ، بعبارة أخرى فإننا اليوم الجبهة الأضعف ، إذا ما حسبنا الأمور بالمنطق الطائفي ، فهناك رئيس كردي سني ونائب عربي سني و آخر شيعي ،، ورئيس وزراء شيعي ونائبين كردي سني وعربي سني ورئيس مجلس النواب سني عربي ونائب سني كردي ونائب شيعي ، والحصيلة انه من ضمن تسع مواقع رئاسية مهمة 3 للشيعة و 6 للسنة ، مع إن الشيعة في العراق يمثلون 60% ، إنها المعادلة المقلوبة فانتبهوا يا أولي الألباب .
7- وللتذكير نقول لكل من خرج بقائمته الخاصة وقادته الانا أو العمالة أو الحسد إلى اضعاف القائمة الشيعية الموحدة وفي مرحلة من اخطر مراحل التاريخ الشيعي المعاصر في العراق نقول لهم إنكم شركاء في جريمة إضعاف الجسد الشيعي وشركاء في كل ضعف ووهن سيصيب هذا الجسد لأنكم ضيعتم علينا عشرات الآلاف من الأصوات التي لو كانت موجودة لتغيرت المعادلة السياسية، فعليكم وزر ما حصل وما سيحصل إلى يوم القيامة .
8- وترشحت في الفترة الأخيرة ، معلومات تؤكد قرب تشكيل جبهة جديدة ، بين المجلس الأعلى وحزب الفضيلة والحزبين الكرديين والقائمة العراقية العلاوية . يبدو إن المجلس الأعلى أصبح مستعدا لوضع يده بيد الشيطان ما دام الجعفري وحزب الدعوة هم الذين يمسكون برئاسة الوزراء . ولو أدى ذلك إلى شق وحدة الصف ، وتمزيق الائتلاف الشيعي الموحد وكان الله في عونك يا عراق .
وأخيرا فيا أهلنا الطيبين لا تتركوا الجعفري وحده في الميدان ولا تسمحوا لأحد أن يسرق منكم النصر الذي تحقق وإذا بقي الآخرون على نهجهم في عرقلة العملية السياسية ومحاولات الالتفاف على الاستحقاق الانتخابي فارفعوا شعار (الاستقلال) ، فليس قدراً علينا أن نعيش مع أعداء لا يجيدون غير المؤامرات، ولا يفهمون معنى للإخوة والتعايش والجيرة أو لوحدة الدم والدين والمصير، وإذا كان شعارهم ( إما أن نحكم العراق أو أن نحرق العراق) فليكن شعارنا ( الاستقلال التام أو الموت الزؤام ) .

ذو الفقار الكوفي