المؤتمر
[align=justify]كثيرة هي الظواهر السلبية التي دخلت على مجتمعنا وكانت نتيجة طبيعية لافرازات المرحلة الراهنة التي القت بظلالها على جميع مناحي الحياة ومن هذه الظواهر ظاهرة شراء البحوث العلمية الجاهزة وتقديمها بحوث تخرج من قبل طلبة الصفوف المنتهية في المرحلة الجامعية.
(المؤتمر) زارت بعض المكاتب المتخصصة ببيع البحوث في الباب المعظم وسوق الســــراي واستطلعت آراء عـــــدد من الاختصاصيين واساتذة الجامعات والطلبة لالقاء الضوء على هـــذه الظاهرة وبيان تأثيراتها على المجتمع.
* اعلانات صريحة للترويج للبحوث
(توجد لدينا بحوث تخرج للاختصاصات العلمية والانسانية) هذا كان احد الاعلانات الملصقة على واجهة احد المكاتب في منطقة الباب المعظم واعلانات اخرى مشابهة له اخترقت الحرم الجامعي لتستقر على جدران بعض الكليات الامر الذي استفزني ودفعني للغوص في اعماق هذه الظاهرة
ولم أكن اعلم ان كتابة تحقيق صحفي حول هذا الموضوع ينطوي على متاعب ومصاعب حيث لقيت ردودا غير طيبة من بعض اصحاب المكاتب حين حاولت استقاء بعض المعلومات عن هذه البحوث التي يروجون لها والتي تقتل في الطالب روح الابداع والبحث العلمي مع انني حاولت استقائها كطالب يرغب بشراء بحثا لا كصحفي الا ان ألحاحي في بعض الاسئلة كشف عن هويتي
على ما يبدو حتى قال احدهم لي: (شنهو هو تحقيق خو ما تحقيق؟) وقال آخر: (اعتقد انك صحفيا وانصحك ان تلعب بعيدا عنا ولا تقطع ارزاقنا)! ورغم كل ذلك عزمت على المضي قدما في انجاز هذا التحقيق الصحفي الذي قررت كتابته حول هذه الظاهرة وانا اردد مع نفسي (ان الشهد دونه ابر النحل).
وقد عرفت من خلال ما جمعته من معلومات ان سعر البحث الذي لا يتجاوز العشرين صفحة في المجالات الانسانية هو (25) الف دينار اما البحوث في المجالات العلمية فأنها تتجاوز ذلك وقد تصل الى (50) الف دينار واكثر
وعرفت ايضا من خلال بعض المطلعين على طبيعة عمل هذه المكاتب ان هذه البحوث تعدّ بالاعتماد على الانترنيت كمصدر رئيسي وبالتعاون مع بعض الاساتذة والاختصاصيين مقابل نسب معينة من المبيعات. * الطلبة بين مؤيد ومعارض
كذلك استطلعت آراء بعض طلبة الصفوف المنتهية في جامعتي بغداد والمستنصرية فانقسمت آرائهم بين الرفض والقبول لهذه الظاهرة وايجاد المبررات لها وقالت الطالبة وسن علي الطالبة في الجامعة المستنصرية: ان هذه الظاهرة من اخطر الظواهر التي تواجه مستقبل البحث العلمي في العراق لانني اعتقد ان مطالبة طلبة البكلوريوس بأعداد البحوث يأتي لاجل تعويدهم واعدادهم لمراحل متقدمة من البحث والدراسة وان من واجب الاستاذ المشرف متابعة الطالب في هذا المجال وبما لا يتيح له شراء بحثا جاهزا والاستاذ الذي يتساهل في هكذا امر انما هو يخون الامانة التي اوكلت اليه.
وقال الطالب امجد حليم من جامعة بغداد: ارى ان تكليف الطالب ببحث التخرج يجب ان يكون في بداية العام الدراسي وان يتم تحديد عنوان دقيق للبحث وتحديد مصادره ويتابع اعداده على مراحل من قبل الاستاذ المشرف ليكون البحث متكاملا في نهاية العام الدراسي وان يكون الاستاذ جادا في متابعة الطالب وتذليل ما يواجهه من عقبات واقترح على وزارة التعليم العالي صرف مخصصات للطلبة في مرحلة التخرج لمساعدتهم في اعداد بحوث التخرج والتنقل بين المكتبات.
فيما قال الطالب علي حسين: انا لا ألوم الاستاذ لان الظروف الصعبة التي نعيشها هي التي تدفع بعض الاساتذة للتساهل مع الطلبة في هذا المجال فناهيك عما يعانيه الطالب من ظروف معاشية صعبة وانقطاع الكهرباء فأنه كذلك يشكو من قلة المصادر بعد الحرق والسلب والنهب التي تعرضت له المكتبات وكذلك فأن مراكز الانترنيت في الجامعات ليست بمتناول الجميع وبهذا فأن الطالب ينطبق عليه المثل الشعبي (باقة لا تحلين وخبزة لا تكسرين وكلي حتى تشبعين) وإزاء ما تقدم فأنا اقولها وبصراحة لا يلام الطالب حين يعتمد على البحوث الجاهزة لانها آخر الدواء.
وقالت طالبة اخرى امتنعت عن ذكر اسمها: بصراحة انا افضل شراء بحثا جاهزا لاريح نفسي من دوخة الراس والبحث عن المصادر، وشراء البحث الجاهز ايضا فيه فائدة لانني عندما اقتنيه سأطلع عليه على طريقة اعداده وتبويبه واقرأه لاكثر من مرة لتلافي إحراجي من قبل استاذي عند مناقشتي به.
* الاساتذة يطالبون باحالة اصحاب المكاتب للقضاء عندما حاولت استطلاع آراء بعض اساتذة الجامعات حول هذه الظاهرة فوجئت باعتذار البعض منهم عن الادلاء بأي رأي حول الموضوع واشتراط البعض منهم عدم ذكر اسمائهم عند النشر مما يعني ان تداعيات الوضع الامني لازالت تلقي بظلالها على حرية الرأي والتعبير!
وتحدث الدكتور (.....) استاذ مادة المكتبة والبحث العلمي في جامعة (......) قائلا: ان تقدم الحضارات مرهون بتقدمها في عالم البحث بمختلف ميادين المعرفة، وما الثورة العلمية التي شهدتها اوربا خلال القرن السابع عشر وما بعده الا وليدة نفخ الروح في المناهج العلمية، وسواء كان البحث في اللغة ام في الطب ام في الرياضيات ام في الادب فالمنهج العلمي ينبغي ان يسود وجوه من ألف البحث الى ياءه..
وعليه تحتم المسؤولية العلمية التصدي لكل ما يطعن في منهجية البحث لا سيما البحث الاكاديمي ومن ابرز الظواهر السلبية في هذا السياق انتشار البحوث الجاهزة في المكتبات وعرضها للبيع لطلبة المرحلة الرابعة في البكلوريوس لتقديمها بحوثا للتخرج في الوقت الذي يخصص لكل طالب استاذ مشرف وساعات اشراف محددة مع منح الطالب مدة زمنية مناسبة جدا لانجاز البحث فليس هناك ما يعيق الطالب من اعداد بحثه، فمع المشرف وساعات الاشراف والمدة المناسبة لا يوجد ما يدفع الطالب الى شراء البحوث الجاهزة مما يتطلب مواجهة هذه القضية اجلالا للامانة العلمية وارتقاء بالمستوى العلمي لطلبتنا.
وكان بودنا القاء الضوء على هذه الظاهرة من وجهة نظر تربوية ونفسية الا ان الاستاذ الدكتور رئيس قسم البحوث التربوية والنفسية اعتذر عن الحديث الينا اما الاستاذ الدكتور جواد مطر الموسوي معاون عميد كلية الآداب للشؤون العلمية والدراسات العليا في جامعة بغداد فقد فتح لنا قلبه وتحدث برحابة صدر قائلا: ان بحث التخرج في اقسام كلية الآداب يعد الجانب التطبيقي لما درسه الطالب في الجانب النظري وبعد ان يكون قد مارس اكثر من ورقة بحثية خلال فترة دراسته لاربع سنوات فبحث التخرج لابد ان يكون فيه ونستشف منه مدى استيعاب الطالب للمنهجية العلمية في مجال اختصاصه وكيفية عرض مادته بأسلوبه الخاص فالاسلوب هو الرجل كما قيل في الادب ونستشف منه كيف نظم المعلومات التي استقاها من المصادر وكيف صمم المقدمة والخاتمة ونظم المصادر لهذا تعد مادة بحث التخرج في مرحلة البكلوريوس من المواد المهمة جدا وعلى الطالب ان يتولى الامر بنفسه لذلك تعد خسارة علمية كبيرة عندما يتولى آخر كتابة البحث للطالب وعلى الرغم من وجود كثير من المعوقات منها مثلا تحديد المحاضرات الاضافية للاستاذ بست محاضرات لا غيرها فعندما يكلف الاستاذ بالاشراف على الطالب نجد بعض الاساتذة لا يعيرون اهمية لمتابعة الطالب وكذلك قلة المصادر بسبب تعرض المكتبات للسلب والنهب بعد سقوط النظام البائد ومنها مكتبة الدراسات العليا في كلية الآداب التي تعرضت للحرق وقد ناشدنا جهات عديدة لغرض دعم هذه المكتبة التي بدأنا نعيد ترتيبها ومن خلال صفحات جريدتكم الغراء نناشد مرة اخرى جميع المؤسسات الخيرية والانسانية بالتبرع لاعادة هذه المكتبة الى سابق عهدها. وايضا تشجيع اصحاب المكاتب الاهلية الطالب على كتابة البحوث له واعلان ذلك علنيا لعدم وجود رادع لهذه المكاتب التي وصل الحد بها الى ان تتسرب اعلاناتها الى داخل الكليات وحدث ذلك في كليتنا وتولت عمادة الكلية رفع هذه الملصقات وقيام المعاون الاداري بالاتصال هاتفيا مع المكتب الذي يتولى كتابة البحوث وطلب منهم الكف عن ذلك. وكذلك من الامور التي شجعت على استعمال هذه الظاهرة هو قلة خبرة الطالب وعدم استيعابه للمادة نتيجة عدم استقرار الوضع الامني خلال السنوات الثلاث الاخيرة مما يجعل الطالب ربما غير قادرا على استيفاء كل ادواته البحثية. وكذلك صعوبة تنقل الطالب بين المكتبات بسبب الوضع الامني العام وعدم وجود مخصصات لتغطية مصاريف الطالب للتنقل وشراء المصادر والاستنســـاخ والتي هي مكلفة له مما يجعل الطالب يختار الطريق الاسهل والاقل مصروفا وهذه الظاهرة خطيرة جدا وتؤثر على مستوى التعليم ونناشد وزارة التعليم العالي والجهات ذات العلاقة بالتدخل لايقاف اصحاب المكاتب ومن يتولى كتابة البحوث للطلبة واحالتهم الى القضاء سيما وان بحث التخرج هو ورقة بحثية تهيء الطالب مستقبلا للدخول للدراسات العليا بأقدام ثابتة.
التعليم العالي تشكل لجانا للنصح والارشاد اما وزارة التعليم العالي فأنها حذرت الطلبة من هذه الظاهرة وعدتها ظاهرة سلبية وقال مصدر في الوزارة: ان الوزارة اكدت في تعميم لها على ضرورة ان يتحلى طلبتنا بالاخلاق الحميدة والتصرف العلمي وخاصة في المرحلة المنتهية والحد من هذه الظاهرة التي تعد من الظواهر السلبية. واضاف ان الوزارة وعبر مؤسساتها شكلت لجانا تكلفت بمهام الارشاد وتقديم النصح للطلبة برئاسة معاوني عمداء الكليات للشؤون الطلابية وعضوية اثنين من اعضاء الهيئة ومن ذوي الاختصاص فضلا عن القاء محاضرات تربوية لتعميم المفاهيم الاخلاقية الحميدة من صدق ونبل ونزاهة وتضحية ومحبة البعض الآخر بالاضافة الى معالجة المشاكل الاخرى التي يتعرض لها الطلبة في هذه المرحلة.[/align]