 |
-
التدّين المزوق لايصيبن الدين بمقتل بل يصيب الممارسين له (المجلس الأعلى نموذجا) 5
التدّين المزوق لايصيبن الدين بمقتل بل يصيب الممارسين له (المجلس الأعلى نموذجا) الحلقة الخامسة
أرض السواد : زهير الزبيدي
( تأملات مجلسية ايرانية، لانتظار نهاية تصدعات قد تنهي حزب الدعوة الأسلامية ليؤسسوا تشكيلا على ركامه)
بعد التصدع الذي أصاب حزب الدعوة الأسلامية بسبب استشهاد السيد محمد باقر الصدر، واثر الضربات التي تلقاها الحزب من فاشيوا البعث وأسيادهم، وبعد أن وصل الخلاف ليصل ( بشكل عام بهذه الخلافات التي طفت على السطح ليتشكل خطان بعد ذلك : خط الشيخ الآصفي وخط الشيخ علي الكوراني الذي سمي فيما بعد بخط ( أبو ياسين ) فيتطور في حركة منفصلة باسم ( حركة الدعوة الأسلامية) واستمرت الأيام بالتقادم واستشهد أغلب القادة الميدانيين للدعوة) (1)
لكن هذه التعقيدات والتقاطعات التي حدثت بين صفوف الدعوة، ولأسباب قاهرة جدا، واجتها الدعوة بصلابة وجدية، لما تمتلكه قياداتها من بناء روحي صحيح في التأسيس، وفكر صافي في الحركة، وقناعة تامة بالأنتماء، رغم وجود التباين في التحمل والصمود لدى كوادرها، ــ وهذا طبيعي جدا ــ ما أدى الى احباط لدى البعض ، أدى الى عجزهم عن المواصلة ليختاروا موقع آخر أسهل من الذي تقف فيه الدعوة. اعتبرتها هذه الكوادر مأزقا خطيرا لها، قد ينهي وجودها في المهجر والى الأبد، فآثرت التحول الى الراحة والأستجمام مع مؤسسة تدعمها الدولة الاسلامية، تحفظ لها مستقبلها ومستقبل عوائلها، وتخفف عنها عبأ الحاجة الى الأمن، والمال، والسلاح ، على المواصلة الصعبة مع الدعوة التي دخلت في نفق المجهول، وفق حساباتها الخاصة. فـ ( بعد آخر قيادة للدعوة داخل العراق في اجتماع عقد في منطقة السيب الحدودية في تموز عام1980 ضمت كل من : عبد علي لفتة.. ابراهيم سعيد .. محمد حسين المبرقع .. محمد جواد ناصر محمود .. صادق المياحي. ولشدة الأعتقالات وعدم السيطرة على الموقف الحزبي في العمل ، فقد اعتقل كل من محمد جواد ناصرمحمود ، وصادق المياحي في بغداد، وابراهيم سعيد في البصرة ، ومحمد حسين المبرقع اعتقل هو الآخر ، ولم يبق الا عبد علي لفتة الذي غادر الى ايران والى معسكر الشهيد الصدر ــ الذي أزيح بعدها ببلدوزرات الجيش الايراني بعد قرار تأسيس المجلس الأعلى ــ فكانت تلك آخر قيادة تشكلها الدعوة على مستوى الأقليم في العراق) ( 2 )
الا أن هذه المشكلات المعوقة للعمل الحركي، لاسيما أنها كانت في بداية نشوب الحرب الظالمة التي حرقت الأخضر واليابس، لم تفت بعضد الدعاة فقد سارع ثلة منهم الى عقد مؤتمر( كان هذا المؤتمر خطوة جبارة قام بها عدد من المجاهدين من قواعد الدعوة المقيمين في ايران بعد بروز الخلافات الحادة بين قادة الدعوة الموجودين خارج العراق ( خط الآصفي وخط الكوراني) وقد اجتمع الشباب الثوري في طهران لمدة عشرة ساعات متواصلة وشكلت لجنة خماسية للاعداد لهذا المؤتمر الذي سيحضره الدعاة من غير المحسوبين على الخطين المتنازعين .. وقد عقد مؤتمر القواعد أواخر عام 1980 بحضور (72 ) داعية ممن تتوفر فيهم الشروط ، وبعد يومين من الأجتماعات المكثفة التي حضرها مندوب عن القيادة أنهى المؤتمر أعماله بتأليف لجنة من تسع (9) أشخاص تكون بمثابة ( لجنة تحكيم) بين جناحي القيادة. وقد أقر المؤتمر مشروع الأنتخابات الذي وافق عليه الشيخ الآصفي والسيد الكاظم الحائري، ورفضه الشيخ الكوراني الذي كان موافقا لخط السبيتي في تعيين الملاكات بدل اجراء الانتخابات وقد كان موقف القيادة العامة لحزب الدعوة صلبا في تثبيت مشروع الانتخاب بمن فيها السيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله )) ( 3)
وللتوضيح أكثر عما تمخضت عنه مشكلات ترشحت من رؤى اختلفت عى برنامج الحزب الحركي والأداري، اثرت على أداء حزب الدعوة حركيا ، ولتأكيد الأهداف التي دعت ايران الى تشكيل المجلس الأعلى على أنقاض حزب اسلامي أصيل، وقف بثبات بوجه أعتى دكتاتورية عرفها التأريخ الانساني، ليجازى في ايران بمؤامرة أريد منها لحزب الدعوة التبرأ من أفكاره الأسلامية الأصيلة، والوطنية السامية، ليصار الى حزب عميل ينفذ أهدافا ايرانية قومية، بعيدة كل البعد عن أهدافه التي تأسس من أجلها ولأجلها ، ما يفضي لمسخه وانهاء دوره في مستقبل عراق أريد له ايرانيا أن يكون تابعا طيعا، بوجه شيعي تابع لايران، رغم أن العراق كان ولا يزال المنار الشيعي، والنبع الفكري الذي تزود منه كل شيعة العالم، واستلهموا نظرياته الفكرية، والسياسية، والعقائدية منه، وكانت ايران أكبر تلك الدول.
ولنأخذ نموذجا صار تابعا ايرانيا طلبا للشهرة والحياة المستقرة ، بعد أن كان من قيادات حزب الدعوة، هو الشيخ علي الكوراني يقول عادل رؤوف( ان الخلاف الكوراني مع قيادة الدعوة آنذاك جذورا ً ترتبط بعلاقة هذا الأخير ( الكوراني ) مع السيد محمد باقر الصدر قبل استشهاده، فالسيد الصدر لم يبلغ الكوراني الذي كان يقيم خارج العراق بخروجه التنظيمي من حزب الدعوة وممارسة دور رعايته من الخارج، على رغم المراسلات المتواصلة التي كانت بينهما ولقد استمر الحال لسنوات ، حتى علم الكوراني بخروج السيد من التنظيم دون ان يعلم بذلك، فساءت العلاقة بينهما ، وتحولت ـ حسب روايات بعض الدعاة ـ الى كلام حاد ، وبدأ الكوراني يتحدث عن السيد الصدر بأنه ( عميل أمريكي ) ويصعّد من حملاته هذه، الى أن قال السيد الصدر عن الكوراني بأنه ( منحرف) ويجب ابعاد خطه عن الدعوة) ( 4 )
هذه المقتطفات التي آلينا على نفسنا ادراجها ضمن دراساة توفيقية بسيطة تساعدنا على كشف الأهداف الحقيقة لتأسيس المجلس الأعلى وآلية اكتساب الكوادر اليه ، ما دفع بالدولة الأسلامية الى تخطيط مريب، له وجهان، وجه عراقي خارجي ، ووجه ايراني خفي. يتأتى هذا الخلط من واقع المجتمع الايراني الاجتماعي المزدوج، والذي لم يؤثر الدين الأسلامي وقيمه السامية بأدائه الحياتي اليومي، فاخذ بعض القادة الايرنيين، من الدين غطاء لتمرير مصالح ايران القومية، في وسطها الاقليمي بالاعتماد على شيعة العراق، والعالمي بالاعتماد على شيعة العالم بعد احتوائهم فكريا معتذرين بذلك خوفهم من تحسس الشعب الايراني، من تقريب الشيعة غير الايرانيين، بحجة أن الشعب لايزال تؤثر به مؤثرات غربية حاولت الشاهنشاهية زرعها بينهم. وأعذار واهية أخرى مثل قول ( علي أكبر محتشمي وهو من قادة الثورة الايرانية في مقابلة صحفية : كان حزب الدعوة يعدّ حياة الأمام في النجف الأشرف ووجوده مناقضا لاهدافه الستراتيجية وسياساته الخاصة ... الى أن يقول عن حزب الدعوة: ( كان هذا الحزب يحظى بنوع من الحماية الغربية والأمريكية وعلى هذا الاساس كانوا يعارضون ذلك الامام الذي يجاهد السياسة الغربية الاستعمارية وامريكا في المنطقة) ( 5 ) ويبدو ان محتشمي استلهم هذا الرأي من الكوراني. فتصوروا اي مأسات كان يمر بها هذا الحزب الأصيل.!!!
وهكذا رأينا تطابق فكرة الكوراني مع محتشمي . كل هذا يأتي للترويج لتشكيل عراقي يزيح حزب الدعوة عن العمل الحركي، واحلال محله طرف آخر عراقيا مطيعا لهم، فجاء القرار بتأسيس المجلس الأعلى، مستغلين تلك المشكلات المعقدة، التي تخلص منها حزب الدعوة، بقوة وصبر غير طبيعيين ، قياسا بالجو الذي كان يحيط بالعمل، لاسيما جاء بعد استشهاد الصدر مباشرة، اذا عرفنا بدقة ما كان يحيق به من مخاطر، رغم ضعف امداداتها المالية، وانكشاف ظهره للجميع حيث لاناصر ولا معين الا الله، وذلك الفكر الصدري الذي رسم له الخطوط العريضة، ليصنع لهم صمام الأمان بالوفاء والتصميم والصمود.
لكن بعد هذه المخاضات، التي اعترتها تقاطع للمصالح والأمنيات بين فصائل المعارضة العراقية الأسلامية، التي اتخذت من ايران ملاذا لها تنطلق منه الى آفاق الجهاد الأرحب، لتواصل طريقها اللاحب لمواجهة النظام البربري والهمجي ، بعد كل هذه المخاضات والتقاطعات بالرؤى والأختلاف بالبرامج الحركية والسياسية، والتحالفات وفق تلك الرؤى والبرامج، حصل ما لم يكن حاصل داخل العراق، حيث العمل السري المحكم لحركة واحدة متماسكة وتمتلك القرار النهائي، والتباين بالعطاء الجهادي حسب المقدرة والملكة الشخصية للقيادات التي كانت الرائدة في الميدان اتفصلت بسبب نعرات عائلية وطموحات شخصية، وايثار بمصلحة العائلة على حساب مصلحة الوطن والدين، فظهرت انقسامات داخل حزب الدعوة أدت الى تباعد المسارات، وظهور مسارات جديدة أبعدت جانب كبير من القرار العراقي الى أيادي غير عراقية، رغم ان هذه الشخصيات لم تكن موجودة داخل جسم الدعوة فعليا، بل أنها أثرت على بعض كوادره للأسباب الآنفة الذكر، حيث انفصلت منه في بدايات المواجهة مع النظام العراقي. فمثلا( برزت طروحات وآراء لدى قادة الدعوة ورجالها في تلك المدة ــ وبعد استشهاد السيد الصدر ــ أدت الى مزيد من التصدع والتشضي:
الأولى : اطروحة ربط الحركة الأسلامية العراقية بقيادة الامام الخميني مباشرة عن طريق المؤسسات السياسية والعسكرية والاعلامية المشتركة مع الأجهزة الايرانية . وقد تبنتها بعض الاطراف في حزب الدعوة.
الثانية : اطروحة الحزب القيادي الذي يستوعب الساحة.
الثالثة : اطروحة الجبهة الاسلامية وتتمثل فيها جميع القوى الاسلامية بشكل واقعي. وقد تبنت اطراف الدعوة المختلفة هذه الطروحات التي أصبحت انشقاقات وتشضيات في جسد الدعوة، وبنائها التنظيمي فانحازت جماعة الى تشكيل ( المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق ) وتبنت جماعة أخرى العمل المنفرد) ( 6 ) وهذا ما شجع الايرانيين، البدأ ببناء مشروعهم العراقي الجديد المتمثل بالمجلس الاعلى، ومن هنا بدأ المشوار لتبدأ التعقيدات الكبيرة في العمل الحركي الاسلامي العراقي. ثم بدأت ايران بفتح مكاتب على شكل دكاكين سياسية صغيرة استجلبت لها رجال من اوربا غير اسلاميين حتى، ووضع نظام خاص للحركات الاسلامية العراقية على أثره دعمت ايران كل تشكيل يتألف من أربعين شخصا يفتح مكتب في طهران للتشويش على الدعوة التي ضنوها انتهت بتشكيل المجلس الاعلى ، لكن خابت كل مساعيهم.
وعلى اساس ما تقدم، يمكن القول: أن الايرانيون استطاعوا ان يجدوا حصنا أمينا لهم، يحميهم من قوة نفوذ حزب الدعوة في الساحة العراقية المتواجدة في ايران، وتضعيفه في الداخل العراقي. فاستطاعوا من احتواء السيد الشهيد محمد بلقر الحكيم لاضعاف حزب الدعوة، والوقوف بوجه طموحه الشرعي. يذكر عادل رؤوف في كتابة الشهيد الصدر بين دكتاتوريتين (ذات مرة زاره أحد الأخوة الدعاة وتحدث معه عن سلوكه ، فقال له السيد باقر: ( ان حزب الدعوة أصبح أمة ، وأصبحت أنا أمة أخرى ولن نلتقي.. وصحيح ان حزب الدعوة قدم كثيرا من الضحايا والشهداء في العراق، ولكن ( مجاهدي خلق) قدموا ضحايا هنا في سبيل الثورة!!) ثم قال ان الأمام الخميني يقول ان طريق القدس يمر من بغداد وأنا أقول: ان سقوط صدام لابد أن يسبقه القضاء على حزب الدعوة !!!!!) ( 7 )
هذه الارضية الهشة التي برزت بعد استشهاد السيد الصدر المؤسس والحامي لتك الحركة، أفرزت معادن الرجال ومواقفهم تجاه الأسلام والوطن. فقد كانت مرحلة بحق من أكثر المراحل قسوة على العمل الذي خلف ورائه أنهر من الدماء الزكية، وأثبتت بحق أؤلائك الرجال الذين وفوا وواصلوا ولايزالون، ورجال لعبت بهم المحن فاظطرتهم الى التقلب مع الظرف، والأنحناء أمام العاصفة بمبررات سوغت لهم التراجع على أساس الأختيار الأمثل كما يروه هم. لكن ما الذي حصل بعد ذلك، هذا ما سنتطرق اليه في الحلقة القادمة انشاء الله .
زهير الزبيدي
.................................................. .....................
1 ــ الفضلي، صلاح مهدي علي .. السيد الشهيد محمد باقر الصدر وأثره في تأريخ العراق المعاصر.. رسالة ماجستير ص 314 .
2 ــ نفس المصدر السابق ص 314 .
3 ــ نفس المصدر السابق ص 315
4 ــ عادل رؤوف \ العمل الأسلامي في العراق بين المرجعية والحزبية .. ص 224
5 ــ الفضلي مصدر سابق ص 318
6 ــ الفضلي صلاح مهدي علي .. مصدر سابق ص316
7 ــ عادل رؤوف .. الشهيد الصدر بين دكتاتوريتين .. ص491 .
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |