 |
-
قراءة غير شيعية في قضايا شيعية
قراءة غير شيعية في قضايا شيعية
لؤي توفيق حسن
أن يكون <ولاء الشيعة> بالمعنى السياسي هو لإيران كما صرح أول مرة الرئيس مبارك فمسألة قابلة للنقاش. ومقبولة أكثر من استدراكه في المرة الثانية بأن مقصده هو <الولاء الديني>. لأن هذا القول يشي بأن واقع وخصوصية الطائفة الثانية في الإسلام وشاغلة الدنيا الآن لم يأخذ اهتماما كافيا من رئيس الدولة الأولى في العالم العربي.
لكن الجديد في المرتين أنهما من لغة طارئة على إسلام مصر المتحرر نسبيا من تركة <الفتنة الكبرى> ما جعلها حالة خاصة حيث: الهوية سنية والهوى شيعي.
ولعل هذا قد رشحها لتكون ساحة تلاقٍ. وباتت (بأزهرها) في محطات عدة ساحة ترقٍّ فاضت على ما حولها. ومثال ذلك ان نفحات التجديد التي أثارها الافغاني ومحمد عبده لاقت صدى عند عراقيين شيعة تجلت مثلا بمعارضة محمد الحلي (لحق المجتهدين) بثلث المواريث العقارية. بحسب التقليد المتبع. معتبرا أن الفقراء أولى بها. وبنفس الفترة هذه سعى مثقفون شيعة لمحاكاة التجديد الذي أحدثه الأزهر على مناهجه عملا بسياسات سعد زعلول الاصلاحية. ومنهم حسين كاشف الغطاء. أكثر المتحمسين لتطوير <المدرسة الشيعية القديمة> اقتداء بما حدث في مصر و<مدرستها السنية>.
لكن الخطوة المباشرة والأكثر تأثيرا جاءت مع فتوى الأزهر، باعتباره المذهب الجعفري مذهبا خامسا في الإسلام يصح فيه ما يصح في المذاهب الأربعة. ثم الشروع بتدريسه في خطوة وثيقة الصلة بالمشروع الناصري الكبير على المستوى القومي. وكان من تجلياته التوحيدية فتح أبواب الأزهر لآلاف الطلاب الشيعة ولسواهم من طوائف اخرى في لبنان وسوريا. وبمنح مدرسية مجانية. فانعكس هذا في ما انعكس على شيعة العراق مثلا بتحولهم الى الفكر القومي العربي الذي كانوا يحاذرونه. واستفاد من هذا التحول حزب البعث الذي حصد نتائجه. (تبدد هذا الحصاد منذ عودته الى السلطة عام 1968!).
والخلاصة ان مصر كانت حالة اسلامية متمايزة بذاتها. وربما هو أحد جوانب <عبقرية المكان>. ولكن المكان عندما يتعرى من مزاياه التاريخية تنكشف صحراؤه الأولى ومنها هذا التبسيط الدوغمائي الذي يسهل به ومعه تسويق او تقبل مقولات مثل <القوس الشيعي> في مكان. و<الدولة الدرزية> في مكان مقابل!
الولاء
لعل ما سبق يلفت الى ان الولاء السياسي بمركبات طائفية فكرة دوغمائية لا يقرها الواقع بنسبة كبيرة. وهي تتجاوز الشيعة (الى سواهم من طوائف اخرى). انطلاقا من ان المولد التاريخي السياسي للفرق الاسلامية قد غاب مع الزمن. وبتأثير الكيانات الوطنية المختلطة او القومية التي كيّفت (عصبية) الفرق هذه، واخترقتها ولكن من دون (عناصرها الثقافية). او احيانا اخترقتها بالعنصر الثقافي ولصالحه. كما في ايران الاسلامية الآن.
أقرب دليل على هذه التداخل المعقد في مسألة الولاء يبدو بمثالين اثنين:
الأول: هو الموقف الدرزي الحالي حيال الخلاف بين وليد جنبلاط والقيادة السورية. حيث يميل الدروز السوريون في الغالب الأعم الى موقف قيادتهم بل وحتى درجة الشدة في مخاصمة جنبلاط والعكس بالعكس في لبنان.
الثاني: في موقف شيعة العراق من الحرب العراقية الايرانية. فعلى الرغم من القمع الوحشي الذي لاقاه هؤلاء وقوافل الموت على يد النظام السابق. قابلته التأثيرات الملهمة للثورة الايرانية فيهم. إلا ان الشيعة من جنود الجيش العراقي <خذلوا الايرانيين> كما وصفهم أحد المراقبين لهذه الحرب. ومثلهم فعلت عشائر الجنوب التي دافعت عن البصرة. وحتى عندما لاحت احتمالات فوز إيران بتقدم جيشها وانتقال المعارك الى الارض العراقية برزت ظاهرة انحسار فرار الجنود الشيعة من الجيش فحاربوا مثلهم مثل رفاقهم السنة. وكان بينهم معظم ضحايا الحرب... مفارقة فريدة وصفها أحد الكتاب: <حتى الذين ظلت قلوبهم مع طهران غدت سيوفهم عليها> وفي شهادة قاطعة على نفوذ الوطنية العراقية.
ومع تصاعد المقاومة في وجه الاحتلال بدأت صورة الوطنية هذه بالظهور مجددا ولكن بأدوار مقلوبة. إذ يخيّب الجنود الشيعة وهم غالبية الجيش العراقي آمال الاميركيين بفرارهم من معارك المواجهة مع المقاومة. في حين كان رهان الاحتلال على العكس من ذلك. نتيجة سوء فهمه للتدفق الشيعي نحو القوات المسلحة او سواها من مؤسسات العراق (الجديد). والذي جاء بدافع عدم تكرار تجربتهم في عشرينات القرن الماضي وحسب. حيث عرّضهم الانكفاء عن التعامل مع الانتداب بأمر من علماء النجف آنذاك الى عدم المشاركة من حكم العراق. وهكذا لم يصبح الجيش العراقي الحالي بحضوره الشيعي الغالب أكياسا من الرمل تحمي الاحتلال الذي كان يتجه للهروب بقواته الى خارج المدن تاركا الجيش العراقي يتلقى وجها لوجه ضربات المقاومة.
غير ان هذه العراقة الوطنية باتت عرضة الآن للقضم بفعل قيادات شيعية ذات طابع وروح محض طائفية، لا تتعدى خبرتها السياسية حدود التمويه او الهروب من قمع السلطة السابقة وبالتالي فإنها لم تتقن القراءات الاستراتيجية بقدر قراءتها لشواهد القبور. والحقيقة ان هذه القيادات واقعة بين شقين يحدان من تطورها:
الأول جدلية القمع والثأر، التي لم تنكسر حلقتها النفسية فيهم بالرغم من كسرهم لاحتكار السلطة على الأرض.
الثاني الانجذاب للنموذج الايراني الذي وسّع (ولاية الفقيه) لتطال رأس السلطة وموقع القرار السياسي فيما لم تجزها من قبله اي من المرجعيات الكبيرة مثل: الحكيم، والخوئي. بل وحتى محمد باقر الصدر بالرغم من اشتغاله بالسياسة وتأسيسة لحزب الدعوة!
وبالأساس ما كان للنظرية (الخمينية) ان تلقى صدى او نجاحا لو لم يتوفر فيها شرط أولي وهو أنها من ثقافة مفهومة لدى غالبية شيعية تشكل السواد الأعظم لإيران. أما في العراق المتعدد الإثنيات فهي مشروع للشقاق!. (هذه الحقيقة أدركها باكرا حزب الله في لبنان) .
ومن إرهاصات هذه الثأرية (الأحكام القطعية). ومصادرة كل رصانة معهودة حتى لم يبق لمقتدى الصدر إلا القول بأن من يروج للفكر القومي <يدعم معاوية ويزيد والحجاج..>! بل ويبدو صاحب جماعة من (التكفير والهجرة) لمن يسمعه يتلفظ بعبارات: <البعثيون الكفرة>. وان من يحضر مجالسهم <يدخل نار جهنم ويصلى فيها سعيرا>!. أما الأفظع فهو طمس الحقائق والتحريض عليها مثل: <عفلق الصليبي>. وفيما الرجل قد أسلم، بعد ان غالى في عروبته حد الاعتقاد بأنها لا تكتمل إلا بإسلامه.
ان الحقد على ميشال عفلق قد اجتمع على غير ميعاد مع حقد الأميركيين الذي طال قبر الرجل نبشا وتخريبا. مشهد يدل على ان الغلو لا يصيب الهدف قط وفي كل مقام. لكنه يكشف أن الاستغراق في المربع الصغير يحرم اللاعب السياسي من رؤية اللعبة، ومداها على كامل الرقعة. وهي في حالتنا الصراع الأميركي الايراني الدائر الآن بأنساق متداخلة. وحسابات معقدة لمشروعين متوازيين للشرق الأوسط:
? المشروع الاميركي وقطب رحاه اسرائيل. وأهدافه باتت معروفة.
? المشروع المضاد وقطب رحاه إيران. يتقاطع مع تفاهم روسي صيني يهدف الى وقف الزحف الاميركي نحو وسط آسيا. والسيطرة المطلقة على مصادر النفط. وبالتالي كبح الجموح الاميركي لقيادة العالم.
من الطبيعي في صراع بهذا الحجم والعمق ان يشهد مروحة من الاستقطابات على ساحته الواسعة ولا سيما الحساسة مثل فلسطين ولبنان وسوريا وغيرهم.
لكن ولأنه لا يوجد مشروع عربي للشرق الأوسط وفي ظل غياب للديموقراطية. وعجز عربي يستولد (نظرية المؤامرة). باتت الساحة الشيعية العراقية محاصرة داخل أضلاع ثلاثة: عقم قياداتها الطائفية. الجاذبية الايرانية. وتخبط (الحلف العربي الاميركي) ما قد يجعل هذه الساحة فاقدة للحصانة. ويسهل استدراجها لتكون ورقة في حسابات الآخرين.. او تبادل الأوراق!.
يستأنس الافلاس العربي الحالي بالتاريخ عندما كان شعار (الشعوبية الحاقدة) يستنفر (العروبة) كيما تحمي عصبيتها ضلالة ملوكها!. فيأتي الطرح الآن عن (الأقواس..) و(الولاء..) على الخطى ذاتها لاستنفار عصبيات مذهبية ولأغراض مشابهة. لكن المفارقة أن خيوط اللعبة خرجت من أصابع الأنظمة المفلسة الى أيدي بن لادن والظواهري او الزرقاوي... وإلى ما يشبه (الأزارقة) قبل 1300 سنة! والتي قالت: (إن الدار دار كفر) وفي دوامة تاريخ <يتكرر>. لكن لنلاحظ في هذا المقام أنه في المرة الاولى كان في خدمة السادة من العرب. وفي المرة الثانية يأتي في خدمة المتسيدين من الأميركيين... ما يذكرنا بقول ماركس <إذا كرر التاريخ نفسه يكون في المرة الاولى دراما مؤثرة. وفي المرة الثانية ملهاة مضحكة>.. او مضحكة مبكية!!.
(?) كاتب لبناني
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |