 |
-
حدود التوازن بين إسرائيل وحزب الله
حدود التوازن بين إسرائيل وحزب الله
GMT 22:00:00 2006 الأحد 16 يوليو
الاهرام المصرية
--------------------------------------------------------------------------------
الإثنين: 2006.07.17
عبدالعظيم حماد
تقدم الحرب الدائرة منذ يوم الاربعاء الماضي بين اسرائيل وقوات حزب الله اللبناني نموذجا للحروب التي تنشب نتيجة الخطأ في الحسابات, وهذا ما يفهم من الخطاب الأول للسيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب بعد اندلاع المواجهات, حين قال إذن فهم يريدونها حربا مفتوحة, ونحن ذاهبون إليها, والمعني ان نصر الله لم يكن يقصد حين أمر بتنفيذ عملية أسر الجنديين الإسرائيليين ان يشعل حربا مفتوحة, لكن ذلك ليس معناه القول أنه لم يكن مستعدا لها كاحتمال وارد, كذلك لا يعني القول بأن الحرب الحالية نشبت بسبب ذلك الخطأ في الحسابات أتهام حزب الله وقيادته وحلفائه حتما بالاقدام علي مغامرة غير محسوبة, ماداموا مستعدين لأسوأ الاحتمالات كما سبق القول, وماداموا قادرين علي خوض هذه الحرب المفتوحة بقدر معقول من الكفاءة القتالية, إما إذا امتد الخطأ في الحسابات ليشمل أيضا الخطأ في حساب موازين الكفاءة القتالية ـ ولا نقول ميزان القوي المطلق ـ فإنها إذن تكون مغامرة بكل المقياس.
وفي التحليل التالي سوف ننطلق من افتراض وجود مستوي من مستويات توازن الردع بين اسرائيل وحزب الله, ومرة أخري فإن الإقرار بوجود مستوي من مستويات توازن الردع بين إسرائيل وحزب الله, لا يعني إنكار حقيقة التفوق الإسرائيلي الكاسح في ميزان القوة المطلق, ولكن في ظروف الإدارة المنضبطة للصراع الحالي من جانب قيادة حزب الله, وحلفائه الإقليميين خاصة سوريا وإيران, يمكن أن يمتد مفعول الدرجة المتاحة من توازن الردع, بما يؤدي الي بقاء الصراع محصورا في نطاقه الحالي, وأنماطه الجارية, بحيث يتيح في لحظة ما التحول الي البحث عن تسوية سياسية, أو في أسوأ الأحوال يستمر الصراع في شكل حرب استنزاف طويلة للجانبين, وهو ما سبق أن مارسه حزب الله والإسرائيليون ضد بعضهما بعضا طوال سنوات الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
ولا يعد القصف الجوي الإسرائيلي بعد ظهر أمس الأول لمواقع في منطقة الحدود السورية ـ اللبنانية, خروجا بعد علي تلك الأنماط المحددة من العمليات العسكرية.
ولكن هل صحيح أن هناك توازن ردع بين إسرائيل وحزب الله؟
يثير الشك في هذا الافتراض النص في الأهداف الاستراتيجية المصدق عليها من جانب الحكومة الإسرائيلية من الصراع الحالي علي استئصال حزب الله, أو قوته العسكرية نهائيا من المعادلة الإقليمية في الشرق الأوسط, الي جانب استعادة الجنديين الأسيرين, إذ لولا أن إسرائيل قادرة علي تنفيذ هذا الهدف ما كانت قد أعلنته علي لسان رئيس الوزراء إيهود أولمرت بنفسه, وهو يعلم أنه بات يعاني من أزمة مصداقية أمام الرأي العام الإسرائيلي, والأهم من ذلك أنه يعاني ومعه وزير دفاعه من أزمة ثقة في قدرته علي قيادة المؤسسة العسكرية.
لكن هذه الحجة مردود عليها بأن إسرائيل كثيرا ما تخطيء هي الأخري في الحسابات, وقد أخطأت بالفعل في عام1982 حين حددت هدفا لغزوها الشهير للبنان والذي بلغ حد احتلال بيروت, بأنه سيأتي بالحل النهائي لمشكلاتها الأمنية في لبنان, وكان يقود إسرائيل وقتها مناحم بيجين الأكثر قوة وحنكة ومصداقية من أولمرت بعشرات المرات, وكان الذي يشغل منصب وزير الدفاع هو بنفسه الجنرال أرييل شارون, والذي حدث هو العكس تماما, فقد أخرج المسلحون الفلسطينيون من لبنان لتظهر بدلا منهم المقاومة الوطنية أولا, ثم حزب الله فيما بعد, مما أجبر الإسرائيليين علي الانسحاب أولا الي خط الشوف, ثم الي الجنوب, ثم من الجنوب نفسه كاملا.
كذلك كان لإسرائيل في ذلك الوقت حلفاء محليون علي الساحة اللبنانية, وهو ما ليس متوافرا في الوضع الحالي, ولم تكن الأطراف المقاتلة في لبنان تملك ما يملكه حزب الله حاليا من الأسلحة, كما ونوعا, والأهم نوعا, ولم تكن الأوضاع السياسية والاستراتيجية لإيران, بوصفها الحليف الإقليمي الأهم لحزب الله قد استقرت علي ما استقرت عليه حاليا من قوة نسبية.
ولنا أيضا أن نفترض أنه وفقا للمعطيات الحالية, فإن إسرائيل لن تحصل علي الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لتوسيع نطاق الصراع بإدخال سوريا كطرف أصيل فيه, لأن استهداف سوريا أصبح يعني استدعاء التدخل الايراني لمساندة السوريين, وإذ ذاك فقد ينفجر الوضع في كل أنحاء المنطقة.. بما في ذلك انقلاب الشيعة العراقيين ضد القوات الأمريكية في العراق, وهو كابوس تحرص الإدارة الأمريكية علي تفاديه بكل ما تملك من وسائل, وأولي هذه الوسائل وأرخصها, هو عدم منح إسرائيل الضوء الأخضر للعدوان علي سوريا, اكتفاء بالتحرشات المحدودة لإرسال إشارات سياسية للسوريين من ناحية, وللرأي العام الإسرائيلي من الناحية الأخري.
بطبيعة الحال, فإن هذا التحليل يستند الي حسابات ظاهرة يحكمها منطق الرشد الاستراتيجي ولكن تظل القاعدة الذهبية في الاستراتيجية والتي تقول إنك تعرف كيف تبدأ الحرب, ولكنك لا تعرف كيف تنهيها؟.. تظل هذه القاعدة صحيحة دائما, وكذلك يظل احتمال الخطأ في التصرف, أو في قراءة تصرف الأطراف الأخري واردا هو الآخر, ومن ثم قد يخرج النزاع عن كل الأطر المفترضة, لذا تبدو الحاجة ماسة وملحة للقيام بمبادرات سياسية ليس فقط لضبط الصراع بين إسرائيل وحزب الله في نطاقه وأنماطه السائدة حاليا, ولكن أيضا للبحث عن تسوية سياسية له, ولن يتأتي ذلك إلا بدور عربي فعال وواضح القسمات, ولكي يكون الدور العربي فعالا فإنه لا يكفي فيه أن يكون مشغولا بتهدئة إسرائيل, وإنما يجب أن يتجه الدور العربي الي مشاركة الدبلوماسية الأمريكية في صياغة حل وسط يتولي الأمريكيون اقناع إسرائيل به, وتتولي الأطراف العربية اقناع حزب الله به من خلال الحكومتين اللبنانية والسورية وليس ذلك الحل الوسط مستحيلا بما أن جميع الأطراف لها مصلحة مؤكدة في عدم استمرار الصراع الحالي, أو تحوله الي صراع إقليمي شامل.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |